لا شك إن تعقيبات القراء على مقالاتنا في إيلاف، سلباً أو إيجاباً، هي مهمة، لأنها مكملة لها، ومحفزة للكتاب لطرح أفكار جديدة، وبدوري أشكرهم جميعاً. فعلى العموم معظم التعقيبات إيجابية ومؤيدة لآراء الكتاب، ولكن بعضها متشنجة واسقاطية وتأتي من نفس الأشخاص وتحت ذات الأسماء المستعارة، خاصة تلك التي ترد من القراء العروبيين والإسلامويين، ومنها بلغت حد الشتائم والبذاءة أحيناً. من المؤكد أن اللجوء إلى الشتائم هو دليل على إفلاس أصحابها الفكري وانغلاقهم في قوقعة أيديولوجية الفكر الظلامي السلفي ومعاداتهم للفكر الليبرالي المستنير. وفي هذه المداخلة أود التعقيب على الردود السلبية فقط، لأن الإيجابية منها لا تحتاج إلى توضيح.

يتخذ البعض موقف المتشنج ضد الأفكار والآراء العقلانية الحرة وضد الليبراليين لأنهم، أي(الليبراليين) يرفضون مسايرة المؤدلجين العروبيين والإسلامويين في كيل الشتائم لأمريكا ومعاداتها، فتأتيهم الشتائم واتهامهم بخيانة شعوبهم وعمالتهم لأمريكا والصهيونية وغيرها من التهم التي ما انزل الله بها من سلطان. لا شك إن هذا الموقف المتشنج ناتج عن العداء المستفحل ضد أمريكا خاصة، والغرب بشكل عام، وهو دليل على عدم تسامح الثقافة العربية والإسلام السياسي مع الرأي الآخر والتعايش مع المختلف والذي حكم عليه بالتصفية والإلغاء.
كذلك يصلني باستمرار هذا النوع من الرسائل المتشنجة عن طريق بريدي الإلكتروني، وآخرها رسالة من قومي عروبي مخضرم، ورغم معاناته في عهد صدام، إذ كان محكوماً عليه بالسجن المؤبد، كما ذكر لي في إحدى رسائله، وهذا يعني أنه لولا إسقاط النظام الفاشي على يد أمريكا، لبقي مسجوناً لحد الآن، إلا إنه مع ذلك فهو مازال حاقداً على أمريكا، فكتب لي متهكماً: quot;من أين لك هذه القدرة العجيبة على عدم رؤية جرائم أمريكا؟!!quot;.
فهؤلاء، يفضلون العيش في نظام عربي جائر على العيش في نظام ديمقراطي يضمن للإنسان كرامته ويعيش بحرية، لا لشيء إلا لأن هذا النظام الديمقراطي تحقق بمساعدة أمريكا. فمن جهة يدافع هؤلاء عن جرائم الإرهابيين في العراق ويسمونها مقاومة شريفة، ليقولوا لنا: أين هي هذه الحرية والديمقراطية؟ ولكنهم في نفس الوقت وعندما نجابههم بالحقائق الدامغة عما يرتكبه الجناة من جرائم قتل الأطفال وتفجير دور العبادة واغتيال أصحاب الكفاءات من أطباء وعلماء وأساتذة الجامعات، يسارعون بالادعاء بأن هذه الجرائم تقوم بها أمريكا والصهيونية لتشويه سمعة المقاومة الشريفة. ويدعون بكل صفاقة أن هذه هي الديمقراطية التي وعدتنا بها أمريكا!!
وإلقاء جريمة الإرهاب على أمريكا وإسرائيل نزعة متفشية في صفوف بعض المثقفين والكتاب العرب، حيث اطلعت يوم 28/4/2006 في صحيفة (الأهرام) المصرية بنسختها الإلكترونية، على مقالة يجهد كاتبها لإقناع القراء أن العمل الإجرامي الذي تم في جنوب سيناء ليلة الاحتفال بعيد تحرير سيناءrlm;..rlm;. هو من تدبير وتنفيذ إسرائيل. وقد تعودنا على قراءة مثل هذه التحليلات الغبية والتي تقوم بها مجموعة من الإعلاميين العرب المصابين بمرض (نظرية المؤامرة) والمتعاطفين مع الإرهاب، في محاولة منهم إبعاد التهمة عن الإرهابيين الحقيقيين من أتباع القاعدة. وهذا يذكرنا بما حصل بعد كارثة 11 سبتمبر 2001، عندما سارع البعض من العرب يقولون أن تنظيمات إسرائيلية هي التي قامت بهذه الجريمة لتشويه سمعة العرب، علماً بأن زعيم القاعدة، بن لادن، نفسه أكد مراراً، مسؤولية تنظيمه بها واعتبرها متباهياً، غزوة من غزوات المجاهدين الإسلاميين ضد الصليبيين الكفار وحلفائهم الصهاينة ووعد بالمزيد منها. وهذا هو أحد المتهمين الأحياء بتلك الجريمة، زكريا موساوي، يتمنى أن لا يموت، لأنه يريد القيام بقتل المزيد من الأمريكان!! فأية أيديولوجية هذه التي تدفع بالإنسان لاتخاذ مثل هذه المواقف العدائية ضد الآخر؟

ولا شك فإني أتوقع أن أستلم من القراء الإسلامويين والبعثيين، سيلاً من الاتهامات بالعمالة وبأني استلمت كذا مبلغ من الإمبريالية والصهيونية لكتابة هذه المقالة. فتهمة العمالة والتخوين هي ديدن هؤلاء وسلاحهم الصدئ. بينما الحقيقة، نحن عملاء لشعوبنا ونعمل من أجل تحقيق مصالحها ليس غير. كما ونحاول قدر الإمكان تخليص هؤلاء من الذهنية التدميرية ومرض نظرية المؤامرة، ونؤكد لهم أن العملاء الحقيقيين للإمبريالية والصهيونية هم أولئك الذين يشتمون أمريكا وإسرائيل علناً ويخدمونهما في السر. فشمس الحقيقة طلعت على الحرامية، لتفضح العملاء الحقيقيين من الثورجية، حيث صرح قبل أسابيع، أحد العاملين في ال (CIA) أن ناجي صبري الحديثي، وزير خارجية البعث، كان عميلاً لهم واستلم مرة، مائة ألف دولار مقابل خدماته، وما خفي أعظم.
لا شك إن هذا العداء المستشري ضد الغرب، متفشي بين قطاع واسع من العرب، حتى أصبح لديهم مؤشراً على وطنية الإنسان العربي وإخلاصه لعروبته ودينه. فإذا ما أراد أي مثقف عربي كسب إعجاب المجتمع والتيار العروبي والإسلاموي به ويكون نجماً لامعاً في الإعلام العربي، وضيفاً دائماً على بعض الفضائيات العربية، فما عليه سوى المبالغة في شتم أمريكا وإلقاء كل الغسيل والتخلف العربي على شماعتها وأنها هي سبب تأخر العرب وهزائمهم!! ولكسب المزيد من الشعبية، عليه إضافة الصليبية والصهيونية quot;أحفاد القردة والخنازيرquot; على قائمة الشتم واتهام كل من يخرج على هذا المألوف بالخيانة العظمى والعمالة للإمبريالية والصهيونية. وهذا التنافس في العداء للغرب وأمريكا خاصة هو الذي انجب لنا قادة من أمثال صدام حسين وحافظ الأسد وابنه بشار والقذافي وأحمدي نجاد وغيرهم، كما ودفع الموقف ذاته إلى قيام تنظيمات إرهابية باسم العروبة والإسلام، مثل حزب البعث وحزب الله وجيش المهدي والقاعدة وغيرها، فكل هؤلاء يجمعهم هدف واحد وهو معاداة أمريكا وضرب مصالحها، ولكن التحصيل النهائي لا يدمرون إلا بلدانهم وأنفسهم.

أسباب عداء العرب لأمريكا؟
لا شك أن عداء العرب لأمريكا هو امتداد للماضي حيث كان له أسبابه الموضوعية، أهمها موقف الغرب وبالأخص أمريكا، المساند لإسرائيل. وكذلك في مرحلة مكافحة الاستعمار، حيث كان موقف الغرب سلبياً من قضايا التحرر الوطني في العالم الثالث. كما وكان الصراع على أشده في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين، الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا على مناطق النفوذ، فكانت شعوب الدول النامية هي الضحية في هذا الصراع. وكان الشارع العربي واقع تحت تأثير القوى اليسارية والقومية، تغذي المواطنين بمشاعر العداء للغرب ممزوجاً مع حليب الرضاعة منذ الولادة.
ولكن كل شيء تغيَّر منذ سقوط جدار برلين، فالسياسة ليست من الثوابت غير القابلة للتغيير، بل تتغير مع المستجدات وحيث تتطلب مصالح الشعوب. إلا إن العرب عصيين على التغيير ويقدسون الماضي ويعيشون فيه ويرفضون الخروج من شرنقته. فماذا تعلَّم العرب من الدروس الماضية في حل مشاكلهم وخاصة المعضلة الفلسطينية التي يعتبرونها الحلقة المركزية في مواقفهم السياسية؟ والآن أضيفت إليها القضية العراقية ومحنة الإرهاب الإسلامي المتفشي في كل البلاد العربية وغيرها. وهل تصرف العرب وفق منطق فن الممكن؟ فالمفروض بهم أنهم تعلموا هذا الفن والعمل من أجل مصالح شعوبهم، أي أن نقبل بالممكن دون أن ننسى الطموح.
فهل كان تعامل العرب مع القضية الفلسطينية وفق فن الممكن؟ لقد رفض العرب المشروع البريطاني (1937 ـ 1939) لقيام دولة فلسطينية مستقلة مع منح اليهود حكما ذاتيا، على أن لا يزيد عددهم عن العشرين بالمائة من مجموع السكان. وموقف العرب المتشدد هذا دفع قيادة الحاج أمين الحسيني أخيرا إلى التحالف مع النازية والفاشية الإيطالية. كذلك رفض العرب قرار التقسيم عام 1947 وقيام دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، وفي كل مرة يصرون على شروط غير عملية، وينادون بإلقاء اليهود في البحر لتأكلهم الأسماك!. ثم جاءت كارثة حزيران 1967 والهزيمة المنكرة واحتلال قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي عربية أخرى. وفي عام 1978 وقع الرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد واستعاد كل أراضيه، فاستحق لعنة الدول العربية، حكومات وشعوباً. وبرفضهم قرار كامب ديفيد، دفع العرب والفلسطينيون ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات. وقد مر أكثر من ربع قرن على اتفاقية كامب ديفيد والقضية الفلسطينية تمر من سيئ إلى أسوأ بسبب اختطافها من قبل المتطرفين القوميين والإسلامويين الذين ما زالوا يصرون على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وقد أثبتت التجارب أن الذي يصر على سياسة (كل شيء أو لاشيء) ينتهي دائماً بلا شيء.
والآن قدمت أمريكا وبريطانيا مشروعاً لحل الصراع العربي-الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية والتعايش السلمي. وكان بالإمكان تحقيق هذا الهدف منذ زمن ولكن موقف الراحل ياسر عرفات الذي رفض مشروع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون، أدى إلى تأخير ولادة الدولة الفلسطينية. ثم توالت التعقيدات إلى أن جاءت حركة حماس للسلطة والتي بدورها أعادت القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الوراء وهذا يعني إطالة مأساة الشعب الفلسطيني والمزيد من التضحيات.

نتائج معاداة أمريكا
لو قارنا وضع الشعوب العربية التي تحكمها الحكومات الثورجية التي تبنت العداء الدائم لأمريكا كأحد ثوابتها الوطنية والقومية والدينية، مع الحكومات العربية التي تبنت الصداقة مع أمريكا والاستفادة منها، فماذا نجد؟ دعنا نتخذ مجموعتين من البلدان العربية المتشابهة في الثروة النفطية، كما هو المطلوب في البحوث الأكاديمية عند المقارنة بين حالتين، وفق مبدأ: (like for like, compare apple with apple, not apple with orange). لنقارن مجموعة من البلدان العربية النفطية التي تحكمها أو حكمتها الحكومات الثورجية القومجية، مثل ليبيا، وسوريا والجزائر، والعراق في عهد صدام، مع الحكومات الخليجية النفطية. نجد أن المجموعة الأولى (الثورجية) التي ناصبت العداء للغرب، حرمت شعوبها من التمتع بثرواتها النفطية الهائلة وبددتها واستدانت عليها وصرفتها على عسكرة المجتمع واضطهاد شعوبها وشن الحروب، الداخلية والخارجية. بينما المجموعة الثانية تصالحت مع الغرب وخاصة مع أمريكا واستفادت من خبراتها، فعاشت بسلام واستثمرت ثرواتها الهائلة في رفع المستوى المعيشي لشعوبها، وصارت هذه الدول تنافس حتى أغنى الدول الغربية الغنية في مستواها المعيشي، لا بل كادت إحدى هذه الإمارات وهي إمارة دبي أن تهيمن على إدارة ستة من أهم الموانئ الأمريكية الكبرى، لولا تخوف بعض السياسيين الأمريكيين على أمن موانئهم من تسلل الإرهابيين من خلال مؤسسة يسيطر عليها عرب. وحتى هذا الرفض لمؤسسة اقتصادية عربية صديقة لأمريكا جاء بسبب المنظمات الإرهابية الثورجية، لأن الخير يخص والشر يعم، كما هو معروف.

نستنتج مما تقدم، إن الكوارث التي حلت ومازالت تحل بالشعوب العربية، هي الثمار الطبيعية للثقافة العربية والأيديولوجية العربية التي تقدس الاستبداد والحاكم المستبد وتحتقر الفرد وتعامله كحشرة، وترفض التعايش مع الآخرين بسلام. إن صدام حسين والقذافي والأسد، وبن لادن والزرقاوي ومقتدى الصدر وغيرهم، هم نتاج هذه الثقافة العربية ndash;الإسلاموية المدمرة يتمتعون بشعبية واسعة. تصوروا لو أن أي حاكم عربي أو رئيس عصابة مثل بن لادن أو الزرقاوي، امتلك إمكانيات أمريكا العسكرية، فكيف يتصرف إزاء العالم؟

العرب والأقليات
لماذا يرفض العرب حقوق المواطنة الصحيحة ومعاملة الأقليات في بلدانهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات؟ المشكلة ليست الحكومات فقط، بل المجتمعات العربية المتخلفة أيضاً والرافضة للآخر المختلف وترفض المساواة. ففي البلاد العربية نرى الاستبداد الاجتماعي أشد وأخطر من استبداد السلطة. قارن بين وضع الأقليلات في البلاد العربية ووضع العرب في إسرائيل. فعرب فلسطين الذين فضلوا البقاء في إسرائيل، يتمتعون بكافة حقوقهم السياسية والاجتماعية، وحتى عندهم نواب يمثلونهم في البرلمان الإسرائيلي ويستطعون التأثير على نتائج الانتخابات ويصرخون في وجه رئيس الحكومة بكل حرية. فهل تسامح العرب مع اليهود العرب في بلدانهم، أم عاملوهم أسوأ معاملة؟ ففي العراق وحتى في العهد الملكي الذي يعتبره البعض بالعهد الليبرالي الزاهر، تعرض اليهود إلى أسوأ أنواع الفرهود (النهب) حيث استبيحت أموالهم وأعراضهم عام 1941 و1947 وأوائل الخمسينات، مما اضطر معظمهم مغادرة البلاد وحملوا معهم عراقهم في قلوبهم. أما الذين استقروا في إسرائيل فيطلق عليهم (عراقيون) وهم يعتزون بذلك إذ خلقوا عراقهم المصغر هناك وحافظوا على تقاليدهم العراقية من فنون وموسيقى ولهجات وحتى الأكلات العراقية. فكيف تعامل العرب مع الأقليات في بلدانهم؟ ومتى يتعلم العرب روح التسامح والتعايش مع الأقليات بسلام؟ هذه مصر التي تدعي الديمقراطية، فهل استطاع الأقباط، وهم سكان مصر الأصليون أن يعيشوا بسلام مع الأغلبية المسلمة؟
علق أحد القراء المتعصبين على إحدى المقالات قائلاً: (وهل أمريكا تعامل العربي والمسلم الأمريكي في أمريكا مثل المسيحي واليهودي؟). الجواب نعم، فالعرب كغيرهم من الأعراق العديدة، يتمتعون في أمريكا بكافة الحقوق أسوة بغيرهم، ولكن هناك مخاوف من البعض منهم في المطارات والأماكن الحساسة، سببها الإرهابيون العرب والمسلمون. فكم يهودي أو مسيحي قام بتفجير نفسه أو شارك في اختطاف طائرة ركاب واستخدمها مع ركابها كصواريخ تدميرية لقتل آلاف البشر الأبرياء؟ كيف يتصرف العرب لو قامت مجموعة من المسيحيين بتفجير مسجد؟ فالمسيحيون والأقليات الأخرى أناس مسالمون ولم يقوموا بأذى أي مواطن في البلاد العربية، ولكن رغم ذلك يتعرضون على الدوام للعمليات الإرهابية والإبادة، كما حصل للأكراد في العراق، والمسيحيين في السودان. فماذا سيحصل للمسيحيين لو قام مسيحي بعمل مشابه لما يقوم به متطرف مسلم، كما يحصل لهم الآن في العراق ومصر والسودان؟

عود على بدء
أعود إلى العروبي الذي سألني: quot;من أين لك هذه القدرة العجيبة على عدم رؤية جرائم أمريكا؟!!quot; لأقول له: حصلت على هذه القدرة من العروبيين أنفسهم، عندما اغتصبوا الحكم وتسلطوا على بلادي وحولوها إلى أكبر سجن في العالم وأحالوا مزارعها إلى مقابر جماعية ولم يسلم منهم حتى أعناق أشجار النخيل. أجل، كان في العراق، بلاد السواد، أكثر من 30 مليون نخلة قبل غزو الجراد البعثي، فلم يبق من هذا العدد سوى 8 ملايين الآن. لقد تسلطت الذئاب البشرية البعثية على رقاب الشعب فساموهم سوء العذاب، مما اضطر هذا الشعب إلى مطالبة الأجنبي لينقذهم من أشرس نظام فاشستي عرفه التاريخ. ولا أريد ذكر قائمة جرائم النظام الساقط البائد، فقد سئمنا وسئم معنا القراء من ذكر هذه الجرائم. كما ولا أريد أن أسمع أو أقرأ منكم كلاماً مكرراً ومملاً بأن أيديولوجية القومية العربية ليست مسؤولة عن مظالم النظام البعثي البائد، وأن صدام حسين وحده المسؤول، لأنه قتل حتى بعثيين ومن عائلته. هذا الكلام لا يبرئ حركة القومية العربية من الفاشية ونزعتها الاستبدادية. لأن جميع الأنظمة القومية العربية في مصر وسوريا وليبيا اضطهدت شعوبها باسم العروبة، والاختلاف بينها بالدرجة فقط. فهؤلاء القادة الجلادون من أمثال صدام حسين هم نتاج تلك الأديولوجية.

أخطاء أمريكا
أجل، أمريكا ارتكبت أخطاءً في العراق ولكنها لم ترتكب جرائم. وهناك فرق كبير بين الخطأ والجريمة. وهذه الأخطاء ربما كانت كثيرة، كما اعترفت الدكتورة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، ولكنها كما قالت، أخطاءً تكتيكية وليست استراتيجية. فليس هناك خطأ في الإطاحة بنظام الفاشية وتحرير العراق وخلاص العالم من أسوأ نظام مجرم عرفه التاريخ. فمن لا يعمل هو وحده الذي لا يخطأ. وجيش قوامه 130 ألف جندي في بلد تعمه الفوضى والجريمة المنظمة والإرهاب، لا بد وأن تقع أخطاء إثناء ملاحقة الإرهابيين ولا بد أن يذهب أبرياء ضحايا. فسكوت الجنود الأمريكان عن الفرهود (النهب) مثلاً، كان خطأً، وتساهلهم مع المجرمين البعثيين منذ البداية، كان خطأًً. فكلنا نعرف أن البعثيين في الأسابيع الأولى من سقوط نظامهم العفن، اختفوا في جحورهم كالجرذان المذعورة. ولكن ما أن لمسوا التساهل من الجنود الأمريكان حتى استأسدوا وبرزوا على السطح ليعملوا على لملمة صفوفهم وإعادة تنظيمهم وقاموا بارتكاب جرائمهم ضد الشعب وترويع الناس العزل. أما سقوط صاروخ أمريكي على وكر للإرهابيين ويذهب بعض الأبرياء نتيجة لهذا القصف، فالذنب يقع على عاتق أولئك الذين يأوون الإرهابيين في بيوتهم ويجعلون من عائلاتهم البريئة دون إرادتهم، دروعاً بشرية للجناة. وهذه الدروع البشرية هي سابقة من اختراع صدام حسين عندما اختطف أطفال ونساء الجاليات الغربية في العراق وجعلهم دروعاً بشرية اختفى وراءها ليحمي نفسه في حرب تحرير الكويت. ولكن الخطأ في وقوع ضحايا في صفوف الأبرياء عن طريق قصف أوكار الإرهابيين يختلف كلياً عن جرائم الإرهابيين الذين يرسلون السيارات المفخخة لتفجيرها في دور العبادة والأسواق المزدحمة عن عمد ومع سبق الإصرار لقتل أكبر عدد ممكن من المصلين والناس الأبرياء. فأين هذا من ذاك؟

الحنين إلى الظلام البعثي
يوفر أعداء الديمقراطية المأوى وكافة التسهيلات للإرهابيين ويساعدون على نشر الفوضى في البلاد وترويع العباد، ليرفعوا عقيرتهم صارخين، هذه هي الديمقراطية الأمريكية!! هذه هي الحرية التي وعدتنا بها أمريكا وروّج لها عملاؤها، أين الحرية يا ناس، صرنا نترحم على عهد صدام!! هذا هو الأسلوب البعثي بامتياز. يدمرون محطات الكهرباء والبنزين والمرافق الخدمية لكي يمجدوا عهد صدام ويترحموا عليه.. وهذا هو ديدنهم ومن مخططاتهم.
يتمنى العبيد عودة نظام صدام، لأنهم أدمنوا على العبودية واعتادوا العيش في كهوف الاستبداد البعثي المظلمة، ففقدوا القدرة على رؤية نور نظام ديمقراطي ساطع. وهذا ليس بالأمر الغريب، فمن عاش في ظلام الاستبداد مدة طويلة، فقد القدرة على رؤية شمس الحرية. وكما أورد الصديق سامي البحيري في إحدى مقالاته عن ذلك العامل الذي قضى معظم حياته نزّاحاً ينظف المجاري القذرة حتى أدمن على الروائح الكريهة وصار لا يستسيغ العيش بدونها. ولما حاول بعض الأخيار تخليصه من تلك الجيفة ودبروا له عملاً في مكان نظيف، فلم يتحمل وتمرد على مخلصيه وعاد للعيش في الروائح الكريهة لأنها مسألة إدمان! أجل، حتى العبودية لها مدمنوها. ونحن نعرف جيداً صعوبة التحول المفاجئ من نظام البعث الصدامي الاستبدادي الجائر إلى نظام توماس جيفرسن الديمقراطي الحر بين عشية وضحاها. وربما هذا خطأ آخر يضاف إلى قائمة أخطاء أمريكا. إنهم يتمنون العودة إلى جيفة صدام ونظامه العفن وكهوفه المظلمة. ولكن هيهات العودة إلى الوراء، فالعملية الديمقراطية رغم الصعوبات والولادة القيصرية، تسير في العراق بخطى ثابتة وإلى الأمام (one way ticket)، وما شراسة هذا الإرهاب الفاشي الانتحاري إلا دليل على نجاح العملية الديمقراطية وهزيمة أعداء العراق الديمقراطي الحر المزدهر، وموتوا بغيضكم أيها العبيد، يا أعداء المواطنة الصحيحة وأعداء الإنسانية.