أنّه وقت العمل السياسي وليس وقت العراضات المسلّحة والمزايدات الفلسطينية. ومن هذا المنطلق، يفترض في quot;فتحquot; ألاّ ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته quot;حماسquot; عندما نشرت ميليشيا تابعة لها في قطاع غزّة بحجة أن هذه الميليشيا في أمرة وزارة الداخلية وأنّ مهمتها محصورة بالمحافظة على الأمن.الميليشيا تبقى ميليشيا، أيّاً تكن الأعذار التي تتستّر بها بما في ذلك عذر المقاومة. كم من الآثام ترتكب تحت راية المقاومة! أن العمل الذي أقدمت عليه quot;فتحquot; في جنين حيث نشرت قوّة خاصة بها لا يخدم الوضع الفلسطيني .على العكس من ذلك، أنه يساهم في التصعيد نظراً الى أن وجود ميليشيات في الشوارع يسيء الى السلطة الوطنية الفلسطينية التي من دونها لن ترى دولة فلسطينية النور يوماً. يعتبر التصعيد آخر ما يحتاجه الوضع الفلسطيني. ولكن ما العمل عندما عندما لا تجد quot;فتحquot; أمامها من خيارات سوى نشر ميليشيا خاصة بها، لعلّ ذلك يدفع الحكومة الفلسطينية الى العودة الى جادة الصواب والعودة عن خطأ تشكيل القوة المستقلة التي سمّيت قوة المساندة المرتبطة بوزارة الداخلية أي بquot;حماسquot;؟
الخيار يبدو واضحاً من يريد أحترام اللعبة الديموقراطية لا يشكّل ميليشيا يسعى بواسطتها الى الأيحاء الى مناصريه أن الأنتخابات مسألة مرّة واحدة، وأنّه يكفي الوصول الى السلطة مرة حتى لا تعود حاجة لا ألى أنتخابات ولا ألى أستفتاءات. وعلى الرغم من ذلك، لا بدّ من القول لquot;فتحquot; أنّ الخطأ لا يعالج بخطأ، حتى لو كان البادئ أظلم. انّ الخطأ الذي أرتكبته quot;حماسquot; يعالج عن طريق الحوار وعن طريق الأبتعاد عن المناكفات التي لا طائل منها، ذلك أن التصعيد المتبادل وأنزال المسلّحين الى الشارع يعتبر الطريق الأقصر للحرب الأهلية التي بدأت تطل برأسها بقوة في الأراضي الفلسطينية بتشجيع من الأحتلال الذي لم يجد يوماً مشكلة في السماح لquot;حماسquot; بأدخال أسلحة الى الضفة وغزّة ما دام ذلك يساهم في أضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية... أكان ذلك أيّام الشهيد ياسر عرفات، رحمه الله، أو بعد أنتخاب quot;أو مازنquot; رئيساً للسلطة الوطنية خلفاً له.
ما يفترض أن يتنبّه اليه الجميع هذه الأيّام، أن القضية الفلسطينية تمرّ في مرحلة في غاية الدقة. وذلك عائد ألى سببين على الأقلّ أوّلهما التطورات التي تشهدها المنطقة والتي جعلت من هذه القضية قضية العرب الثانية أو الثالثة في ضوء ما يدور في العراق وفي ظلّ أصرار أيران على برنامجها النووي من دون أعطاء الضمانات الكافية لطمأنة جيرانها أوّلاً. أمّا السبب الآخر فيتمثّل في وجود مشروع أسرائيلي واضح ودقيق في غياب الأستراتيجية الفلسطينية الواضحة والمحددة التي تعرف كيف تستقطب القوى الدولية الفاعلة وجعلها تقتنع بأن الحلّ المعقول والمقبول القائم على مشروع الدولتين على أرض فلسطين يخدم الأستقرار في المنطقة. أوليس الأستقرار ما تبحث عنه الدول الصناعية الكبرى بدءاً بالولايات المتّدة وانتهاء بالصين واليابان مروراً بأوروبا؟
ما يفترض في quot;حماسquot; ان تتنبّه له هو أن لا بديل من حوارفلسطيني في العمق يجعل في الأمكان مواجهة التعقيدات الأقليمية من جهة والمشروع الأسرائيلي من جهة أخرى. أكثر من ذلك، عليها، في حال كانت تريد بالفعل التصدي لأسرائيل الأبتعاد عن كلّ ما من شأنه خدمتها بطريقة أو بأخرى. فالأعتدال الذي أظهره أيهود أولمرت رئيس الوزراء الأسرائيلي الجديد بعد محادثاته مع الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ قبل أيام، ينمّ عن خبث شديد وعن أعتقاد بأن الجانب الفلسطيني سيتكفل بأتخاذ كلّ المواقف السلبية المطلوب أتخاذها ما دامت حكومة quot;حماسquot; في السلطة وما دام المسؤولون في الحركة لا يتوقفون عن ألأدلاء بتصريحات أقل ما يمكن أن توصف به أنها فارغة لا معنى لها. من بين هذه التصريحات أعلان الدكتور محمود الزهّار وزير الخارجية الفلسطيني حديثاً أن quot;حماسquot; على أستعداد لقبول دولة في حدود 1967 وهدنة طويلة مع أسرائيل في الوقت ذاته.
ما يتمناه العربي في هذا الزمن الرديء أن يكون هذا الطرح واقعيّاً، لكنّ المؤسف أنّه ليس كذلك، لا لشيء سوى لأنه لا يأخذ موازين القوى الأقليمية والدولية في الأعتبار. ومن لا يأخذ هذه الموازين في الأعتبار، يقود شعبه الى كارثة حقيقية في مستوى النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني في العام 1948 واسوأ بكثير من كارثة، عفواً نكسة، العام 1967 . هل هذا ما تريده quot;حماسquot;، هل هذا ما تسعى أليه؟ لماذا هذا الأصرار على أن يكون الشعب الفلسطيني مرة أخرى وقوداً لمعركة لا مصلحة له فيها؟
في النهاية، ليس مطلوباً من quot;فتحquot; أو quot;حماسquot; سوى العودة الى طاولة الحوار في محاولة لمعالجة الوضع الفلسطيني بعيداً عن أي نوع من الحساسيات. هناك بكلّ بساطة مصلحة فلسطينية في الحوار وفي البحث في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. ما يمكن عمله حالياً هو التوصل الى أستراتيجية فلسطينية واضحة تؤدي الى تفادي حرب أهليّة أوّلاً وفهم طبيعة المرحلة ثانياً. أن أسرائيل لا تخفي سرّاً. أنها تعرف تماماً ما الذي تريده. أنها تقول أنها تريد التوصل الى رسم حدودها النهائية بحلول السنة 2010. ستفعل ذلك من جانب واحد ما دام لا وجود لشريك فلسطيني، على حدّ تعبير المسؤولين فيها. أين الخطة الفلسطينية المضادة التي تقوم على أنّ مثل هذا الشريك موجود فعلاً؟ الأكيد أن كلّ التصرفات التي قامت بها quot;حماسquot; حتى الآن تصب في خدمة المشروع الذي تنادي به حكومة أولمرت. أما أذا كان quot;حماسquot; تعتقد أن الوقت يعمل لمصلحتها نظراً الى أن أحد أجنحتها يعتبر نفسه أمتداداً للمحور الأيراني ndash;السوري، فأنّ ما يجب قوله لهذا الجناح هو أنّه آن أوان أجراء مراجعة ذات طابع نقدي في العمق. وفي حال ليس في quot;حماسquot; من يمتلك القدرة على أجراء هذه المراجعة، فأن المخرج من المأزق الذي أدخلت الحركة نفسها فيه سهل جداً. أنه سهل على الشجعان الذين لا يكرهون مواجهة الحقيقة والواقع ولا يخشونهما.
هذا المخرج يتمثل في قبول الأستفتاء الشعبي على وثيقة الأسرى. هل أفضل من هذه الوثيقة لبناء أستراتيجية فلسطينية يلتف حولها الجميع تحول دون كارثة جديدة؟ لماذا الخوف من الأستفتاء؟ لماذا الخوف من مواجهة الشعب؟ ربما كان الجواب على مثل هذا النوع من التساؤلات أن quot;حماسquot; ليست حرة. أنها أسيرة التجاذبات بين أجنحتها. هذه التجاذبات يمكن أن تخدم كثيرين في المنطقة، ألاّ أنّها لا يمكن أن تخدم الشعب الفلسطيني وقضيّته المقدّسة للأسف الشديد في أي شكل من الأشكال. أن الأستفتاء ليس مخرجاً من المأزق السياسي الذي أدخلت الحركة نفسها فيه فحسب، أنه أيضاً دليل على أن quot;حماسquot; تقبل قرار صناديق الأقتراع أيضاً. وبكلام أوضح، أن قبول quot;حماسquot; بالأستفتاء يظهر أنها قادرة على الردّ على الأتهامات الموجّهة اليها ولحركات أسلامية أخرى فحواها أن هذه الحركات على أستعداد لأستخدام الديموقراطية للوصول الى السلطة والتمسّك بها ليس ألاّ... وبعد ذلك لكلّ حادث حديث!