ما يميز بين منظمة مجاهدي خلق، التي احتضنها العراق لاحقا ضمن تحالف بينهما بني على أسس استراتيجية، وبين ابرز أطراف المعارضة الإسلامية العراقية السابقة التي رعتها ايران، ان الأولى تشكلت في داخل وطنها وبقرار وإرادية حرة من قبل مؤسسيها بينما نجد ان الأخيرة تأسست خارج وطنها وبقرار أجنبي وهذا ما ساعد الأولى على ان تكون سيدة في قراراتها و في بناء علاقاتها مع العراق ضمن اتفاق صاغه وزير الخارجية العراقي آنذاك السيد طارق عزيز وزعيم المنظمة مسعود رجوي أعطى للمنظمة استقلالية القرار بشأن سياساتها الداخلية والخارجية، فيما كانت المعارضة العراقية في ايران تقاد من قبل شخصيات إيرانية وتأتمر بأوامرها.
أسست مجاهدي خلق جيشها بالاعتماد على خبراتها الذاتية ودعم لوجيستي من الحكومة العراقية وكان محرم على أي مسؤول او جهة عراقية دخول معسكرات المنظمة التي بلغ عددها سبعة عشر معسكرا منتشرة في إنحاء العراق وذلك على عكس قوات المعارضة العراقية التي تشكلت بقرار من القيادة الإيرانية و بأشراف وتدريب وقيادة من الحرس الثوري حيث. فكما هو معروف فان اول قائد لقوات 9 بدر العراقية المعارضة كان محسن دقايقي ضابط من الحرس الثوري الإيراني وان اول رئيس لما سميquot; بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق quot; كان الملا محمود شاهرودي الرئيس الحالي للسلطة القضائية في ايران. وبينما كان quot; جيش التحرير الوطني الإيراني quot; التابع لمنظمة مجاهدي خلق يتألف من عناصر معارضة جاءت من داخل وخارج ايران والتحقت في صفوف هذا الجيش بمحض إرادتها نرى بالمقابل ان مليشيات 9 بدر العراقية شكل اغلب عناصرها من جنود وضباط وقعوا أسرى بيد القوات الإيرانية ومن ثم اجبروا على الدخول ضمن هذه المليشيات إما عن طريق التهديد وإما عن طريق عمليات غسيل مخ جرت لهم في معسكرات الأسر وقد أطلق عليهم لاحقا تسمية quot; التوابينquot; مما جعلهم يعيشون دائما عقدة النقص أمام باقي أفراد هذه المليشيات.
من خلال هذه المقدمة يتضح لنا كيف استطاعت منظمة مجاهدي خلق ان تحافظ على نفسها أمام الضربات القوية التي لحقت بها وكيف استطاعت ان تتكيف مع العواصف والأعاصير التي دارت حولها. فبعد احتلال العراق وضعت المنظمة بين فكي كماشة.الفك الأول وهي القوات الأمريكية التي تطالبها بثأر اغتيال ملحقها العسكري ومحاولة اختطاف سفيرها في طهران في سبعينيات القرن الماضي وغيرها من العمليات التي لحقت أضرارا كبيرة بالمصالح الأمريكية في ايران وهو ما دفع بالولايات المتحدة آنذاك بإدراج المنظمة في القائمة السوداء.أما الفك الثاني فقد تمثل بالمليشيات الموالية لطهران وعناصر الحرس الثوري التي تدفقت على العراق أما للقتل وأما للسلب والنهب.
لذا فقد عملت المنظمة بسرعة فائق على لملمة مواقعها المنتشرة في أنحاء العراق في معسكر واحد وهو معسكرquot; اشرفquot; مقر قيادتها وذلك بعد تعرض عددا من مواقعها الى قصف جوي أمريكي يبدوا انه كان متعمدا وكان يحمل رسالة مبطنة لإيران والمنظمة على حد سواء. وبعد احتلال العراق قامت القوات الأمريكية بتجريد المنظمة من أسلحتها وتقييد حركة أعضائها وقد بقي وضع زعيمها مسعود رجوي مجهولا لحد الآن ولم يعرف مصيره بعد. فبينما سربت أطراف إيرانية مناوئة للمنظمة معلومات مفادها ان رجوي وعشرون آخرون من قياداته محتجزون لدى القوات الأمريكية في مكان سري فان معلومات غير موثقة تقول ان رجوي يعيش بحماية الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني في شمال العراق و هناك معلومات أخرى تقول انه خرج الى الأردن وان الحكومة الإيرانية على دراية بذلك. وقد ربطت مصادر المعلومات بين التفجيرات الإرهابية التي حدثت في عمان وإدخال أسلحة الى الأردن بواسطة عناصر من حماس بهدف القيام بعمليات إرهابية جزء من ضغوط إيرانية لإجبار عمان على تسليمها مسعود رجوي.
وبعد احتلال العراق مباشرة وفي حزيران 2003م تحديدا وفي سابقة غير معهودة من السلطات الفرنسية في تعاملها مع منظمة مجاهدي خلق شنت قوات من مكافحة الإرهاب مدعومة بطائرات عامودية هجوما على عشرات المنازل التابعة لأعضاء المنظمة و اعتقلت خلالها حوالي مائة وخمسين عضوا منهم من بينهم quot; مريم رجويquot; زوجة مسعود رجوي الثلاثة التي تزوج بها عام 1986، والتي تعتبرها المنظمة والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بمثابة رئيس الجمهورية الإيرانية quot;.
وقد جاء هذا الهجوم على مقرات المنظمة الواقعة في قرية quot; أوفرسيروازquot; وحسب قول جان لويس بروجري، القاضي الفرنسي المسؤول عن مواجهة الإرهاب quot; أن المجموعة التي اعتقلت كانت تؤلف قاعدة إرهابية شمال باريسquot;.
بعد عملية الاعتقال تلك قام أنصار المنظمة بتنظيم مظاهرات احتجاجية في العديد من العواصم الأوروبية تطالب بإطلاق سراح السيدة مريم رجوي وسائر المعتقلين وقد قام بعض المحتجين بإشعال النار في أنفسهم تعبيرا عن غضبهم على عملية الاعتقال تلك. وبعد فترة أسقطت التهمة عن المنظمة واخلي سبيل جميع أعضائها الموقوفين.
البعض رأى في هذه الخطوة الفرنسية رسالة للأمريكان الذين قيل أنهم كانوا يعتزمون تسليم أعضاء المنظمة المحتجزين في معسكر اشرف الى ايران وأرادت فرنسا تحذير الأمريكان من مخاطر ما قد تتعرض له المصالح الأمريكية والأوروبية ان أقدمت إدارة الرئيس بوش على تلك الخطوة وذلك من خلال استفزاز مجاهدي خلق الذين اظهروا قدرتهم واستعداهم على التضحية في سبيل الدفاع عن قيادتهم. وكان أقدام بعض النساء والرجال المحتجين على إشعال النار بأنفسهم رسالة واضحة على استعداد أنصار المنظمة القيام بعمليات انتحارية في أي مكان انتقام لرفاقهم في حال تم تسليمهم لإيران.
بعد الإفراج عن مريم رجوي وإسقاط التهم الموجهة الى باقي المعتقلين بدأت المنظمة تنشط على الساحة الأوربية إعلاميا وسياسيا وقد وفرت لها العلاقات المتميزة التي تربطها بالعديد من أعضاء مجلس الوردات والنواب البريطاني الفرصة لإقامة علاقات مشابهة مع باقي البرلمانات الأوروبية وعلى الأخص برلمان الاتحاد الأوروبي الذي يقوم بين فترة وأخرى بتوجيه الدعوة لمريم رجوي الزعيم الفعلي للمنظمة في الوقت الحالي لإلقاء كلمات أمام أعضائه لشرح الأوضاع السياسية الجارية في ايران وذلك على الرغم من ان الاتحاد الأوروبي وبضغط من إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون كان قد أدرج مجاهدي خلق في عام 1997 على قائمة المنظمات الإرهابية. وكان التحرك السياسي والدبلوماسي النشط لمنظمة مجاهدي خلق جاء عقب قيامها بالكشف عن مواقع ووثائق سرية للمفاعل النووي الإيراني في quot; نطنز quot; و مركز quot; پارچين quot; الواقع في معسكر للحرس الثوري على بعد ثلاثين كيلو مترا شرقي طهران وغيرها من المواقع و المعلومات السرية الأخرى حول المشروع النووي الإيراني. كما أدت هذه المعلومات الى حصول انفراج نسبي في العلاقات مع الإدارة الأمريكية الحالية التي سهلت للمنظمة القيام ببعض النشاطات الإعلامية والسياسية على الساحة الأمريكية بعد ان كان ذلك محظور عليها بتاتا.
هذا التغير في العلاقات بين المنظمة والولايات المتحدة زاد من قلق النظام الإيراني الذي اشترط في محادثته الأخيرة مع الأمريكان بشأن الملف العراقي قبل تشكيل حكومة المالكي إدراج موضوع منظمة مجاهدي خلق على جدول المباحثات و هو ما استجاب له السفير الأمريكي زلماي زاده الذي تولى إدارة هذه المباحثات من الجانب الأمريكي.
وقد اعد بعض المراقبون الهجوم الذي استهدف حافلة العمال الشاغلين في معسكر أشرف شمالي بغداد أواخر الشهر الماضي وأسفر عن مقتل أربعة عشر شخصا، و حملت منظمة مجاهدي خلق المخابرات الإيرانية المسؤولية عنه، عدوه جزء من نتائج المباحثات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف العراقي. وقد استوحى المراقبون من ذلك الهجوم انه ربما تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد سمحت للجانب الإيراني القيام ببعض الهجمات ضد مجاهدي خلق على الأراضي العراقية ولعل هذا ما يفسره كلام رئيس مجلس تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني في يوم الحادي والثلاثين من أيار 2006 لدي استقباله جمع من الطلاب العراقيين المقيمين في ايران حيث وصف الغزو الأمريكي للعراق بأنه جلب مصالح كبيرة لإيران معتبرا ذلك الغزو ادخل مجاهدي خلق في حالة حصار.
ولكن على الرغم من ذلك تبقى الأجندة الأوروبية تختلف عن أجندة حلفائهم الأمريكان بشأن مجاهدي خلق. فالأوروبيون بدأوا يسعون الى تقوية هذه الورقة ودعمها في مواجهة النظام الإيراني في الوقت الذي أصبحت أمريكا تريد إضعاف المنظمة إرضاء لإيران مقابل الإبقاء على دعم الأخيرة للمشروع الأمريكي في العراق.
ومابين العصا الأمريكي والجزرة الأوروبية تبقى منظمة مجاهدي خلق دون غيرها من أطراف المعارضة الإيرانية الأخرى تمثل بيضة ألقبان وهي تتطلع الى تحقيق حلمها الذي سرقه الخميني منها في استلام السلطة في ايران.

الكاتب: رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي