-1-
وصل بالأمس إلى واشنطن المفكر الكبير سيّد القمني. ومن المنتظر أن يقيم نهائياً في امريكا، لكي يستطيع العلاج، ومن ثم لكي يتفرغ من جديد لأبحاثه وكتاباته التنويرية بكل حرية واطمئنان وراحة وأمان. ولقد هاتفته هذا الصباح، وهنأته بالوصول سالماً، وكان منشرحاً وسعيداً بوصوله إلى واشنطن.
القرار الذي اتخذه القمني بالمجيء إلى واشنطن هو القرار الحكيم والصائب، حيث تستطيع الكلمة العربية التنويرية الحرة أن تنطلق من سجونها، وأقفاصها، وقيدوها، وسدودها. وحيث يستطيع المفكر أن ينطلق بفكره إلى آفاق غير محدودة، بحثاً عن الحقيقة.

-2-
سيّد القمني، مشروع فكري ليبرالي ضخم، لا يستطيع الارهاب الديني العربي قمعه أو ايقاف تدفقه وعطائه. وإن استطاع الارهاب الديني العربي أن يقمعه ويسكته إلى حين، فهو لن يستطيع أن يسكته ويقمعه إلى الأبد. وها هو سيّد القمني يخرج من وراء قضبان الاضطهاد والارهاب والاستبداد والظلم والقمع الرسمي الحكومي والديني العربي إلى فضاء الحرية، ويطير نسراً طليقاً إلى واشنطن، التي نصفها في الشرق الأوسط بأنها عاصمة الاستعمار الجديد، ومهلكة الشعوب، وقاتلة quot;المجاهدينquot;، والإمبراطورية الغاشمة الجديدة.

-3-
وصول سيّد القمني إلى واشنطن نصر جديد لليبرالية العربية وللفكر التنويري. ففي الوقت الذي ينفُق فيه مجرم وقاتل وارهابي كالزرقاوي، ينهض من جديد مفكر ليبرالي كسيد القمني كطائر الفينيق، ويُبعث من جديد، فكراً حياً متوقداً، ينير طريقنا نحو الحرية والحداثة العربية.

-4-
وصول سيّد القمني إلى واشنطن معناه أن صوت الليبراليين التنويريين وخطابهم في المستقبل القريب، سوف يكون أكثر ارتفاعاً، وأقوى فكراً، وأشد صدقاً.
فعندما صمت، لمناه، وهاجمناه، وفزعنا من صمته، لأن صمته على ذلك النحو، كان خسارة كبيرة ، لا تحتمل لكل الليبراليين التنويريين في العالم العربي. وعودته اليوم من غربته، ومن شقائه، ومن سجنه الاختيارى، يمثل فرحة وسعادة كبيرة لكل الليبراليين التنويريين في العالم العربي، ومكسباً كبيراً لحركة الليبراليين التنويريين العرب.
ونحن عندما هاجمنا القمني، هاجمنا قراره ولم نهاجم فكره، وهاجمنا خوفه الشخصي ولم نهاجم شجاعته الفكرية، وهاجمنا خشيته على أهله أكثر من خشيته على حركة الليبراليين التنويريين. وطلبنا منه الفدائية، إن كان لا يقدر على الهجرة، بفكره وقلمه

-5-
وصول سيّد القمني بالأمس إلى واشنطن معناه، أن سهماً جديداً قاتلاً سوف يوجه إلى الفكر التكفيري والفكر الظلامي وفكر القرون الوسطى المتحجّر في العالم العربي، وسوف يساهم في المستقبل في اضاءة طريق الحرية والديمقراطية والحداثة العربية، ويشدّ من عضد حركة التنوير والاصلاح السياسي التي يقودها الليبراليون بمرارة وبأس شديد هذه الأيام

-6-
ووصول سيّد القمني إلى واشنطن بالأمس، وتفكيره جدياً بالإقامة فيها، والكتابة منها، واضاءة طريق الحرية والحداثة للفكر العربي، سوف يكون أثره اليوم وفي هذا الظرف الدقيق الذي يتعرض له فكر الحداثة والتنوير في العالم العربي من طريق مسدود، أبعد أثراً بكثير من اقامة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس في القرن التاسع عشر عندما هاجروا بفكرهم إلى رحاب الحرية الفرنسية. وكتاباته من واشنطن سيكون لها أهمية أكبر من كتابات الأفغاني وعبده في quot; العروة الوثقىquot; التي ما زالت ndash; على قلة أعدادها - مثالاً يحتذى للتنوير.

-7-
لقد دعونا سيّد القمني من قبل، بأن يسلك هذا الطريق. طريق المجيء إلى رحاب الحرية كما فعل أجداده من المفكرين من قبل، لكي يستطيع قول كلمته بكل حرية واطمئنان وأمان، ولكن يبدو أن ظروفه الصحية والاجتماعية والسياسية والمالية قد حالت بينه وبين أن يتخذ القرار الصحيح والصائب في ذلك الوقت. وها هو اليوم يتخذ هذا القرار، ويأتي الي واشنطن. وهو أن يأتي متأخراً، خير من أن لا يأتي أبداً