كان هلاك المجرم الإرهابي الزرقاوي مصدر فرحة لدى الشعبين العراقي والأردني تحديدا، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعبين حيث لم يستثن بيوت العزاء وصالات الفرح،مما نتج عنها ألاف القتلى والجرحى وبشكل همجي لا يقبله أي ضمير إنساني في أي عصر من العصور، وللأسف كان ذلك القاتل يرتكب جرائمه باسم الإسلام مدعيا أنه يعمل لنصرة الإسلام والمسلمين، مما جعل موته كسبا لروح الإسلام الحقيقي القائم على التسامح والعدل، وهذا ما حدا بغالبية عشيرته قبل أكثر من عام من نفوقه أن تعلن براءتها منه، لأن هذه الجرائم البشعة لا تشرف العشيرة ولا المدينة ولا البلد التي ينتمي إليها ذلك المجرم. وسط هذه الفرحة بهلاكه جاء موقفان يعتبران نشازا بكل المقاييس:

أولا: موقف بعض نواب الإخوان المسلمين في الأردن

وقد كان هذا الموقف النشاز من النواب الأربعة: إبراهيم المشوخي، محمد أبو فارس، علي أبو السكر، وجعفر الحوراني، وهم ينتمون لحزب جبهة العمل الإسلامي ( جماعة الإخوان المسلمين)،إذ قاموا بزيارة لبيت العزاء الذي أقامته عشيرة الخلايلة في مدينة الزرقاء بمناسبة مقتل المجرم الذي يتبع فرعا من فروع العشيرة. وهذا الموقف من النواب الأربعة يتنافى مع كافة الأعراف والمبادىء، ففيه تحد سافر لمشاعر الملايين من الأردنيين والعراقيين الذي كان المجرم يتفاخر بقتلهم هو وعصابته أمام كاميرات الفضائيات المنافقة لهم، وهم بذلك يتحدون الجماهير التي انتخبتهم وأوصلتهم إلى قبة البرلمان، لذلك كان طبيعيا أن يصدر ضدهم ذلك البيان القاسي من أهالي ضحايا تفجيرات الفنادق في عمّان، تلك التفجيرات المذبحة التي ارتكبها المجرم في التاسع من نوفمبر من عام 2005 ، وافتخر بها علنا وهو يعرف أنها استهدفت أبرياء من الشعب الذي ينتمي إليه، وفي النتيجة لا يشرف هذا الشعب هذا المجرم لأنه شوّه صورة الأردن خاصة في أوساط الشعب العراقي الشقيق، لذلك جاءت الجهود اللوجستية والمعلوماتية الأردنية التي ساهمت في كشفه وقتله، خير دليل على أن الأردن حكومة وأمنا وشعبا من السباقين للانتقام للضحايا من الشعبين العراقي والأردني.

ويبدو أن موقف النواب الأربعة تمادى في الغطرسة والجهل الفاضحين، فقد نصّب محمد أبو فارس نفسه - بدون أية مؤهلات - ليصدر فتوى مفادها ( أن إطلاق صفة الشهداء على ضحايا الفنادق في الأردن هي الغوغائية بعينها )، في حين أن فضيلة المفتي أبو فارس اعتبر المجرم القاتل الزرقاوي ( شهيدا ومجاهدا وشفيعا في آخرته لسبعين من عائلته وأحبائه )، أي انه حسب فتوى فضيلته فإن سبعين مجرما من أحباء المجرم الزرقاوي ممن كانوا معه في العراق، سيدخلون الجنة بناءا على شفاعته، وهذه الفتوى إهانة للإسلام والمسلمين لأنها تصدر ممن لا حق له في الفتوى وفي الوقت ذاته فهي ضرب لكل أخلاقيات الإسلام ومبادئه، وما دام باب الفتوى مفتوح لكل من هبّ و دبّ، هل يقبل فضيلة المفتي أبو فارس لو أفتى واحد ممن لا يملكون الحق في الإفتاء مثله بتكفيره وخلع صفة الضلال عليه وعلى زملائه الثلاثة؟؟. هل هذا الموقف من نواب جبهة العمل الإسلامي ( الإخوان المسلمين ) له علاقة بحرية الرأي والتفكير كما يدّعون؟. إن حرية الرأي لا تعني التعدي على مشاعر الملايين من العراقيين والأردنيين، بدليل الغضب العارم من تصرفاتهم الحمقاء في الأردن والعراق، وفي داخل مجلس النواب الأردني حيث اعتبر المجلس في بيان له (أن زيارة النواب الأربعة لبيت العزاء في المجرم القاتل ممارسة خطيرة)، مطالبا حزب جبهة العمل الإسلامي الذي ينتمون إليه ( بمساءلتهم ووضع حد فاصل لهذه الممارسات واعتبار أي تجاوز بحق الوطن وكرامته جريمة لا تغتفر) ، وقد صدرت العديد من البيانات والادانات من كتل نيابية أردنية ونواب ومواطنين تدين سلوك نواب الإخوان المسلمين الأربعة، وقد كان أوضحها البيان الذي وقعه النواب: بسام حدادين وسلامة الغويري ومحمد أرسلان وسليمان عبيدات وآخرون مطالبين حزب جبهة العمل الإسلامي بإدانة سلوك نوابه لإساءتهم لمشاعر الشعب الأردني، كما طالبوا المكتب الدائم لمجلس النواب دراسة الأبعاد القانونية لهذه الممارسات اللا وطنية حسب البيان. وإزاء هذا الرفض والإدانة الشاملة ينبغي على حزب جبهة العمل الإسلامي أن يستمع لنداءات الشعب الأردني وكافة فعالياته ، ويعتذر مقدما نوابه لمساءلات حول موقفهم النشاز هذا، وهم كنواب منتخبين لا تعطيهم صفة ( الإسلامي ) لحزبهم أن يستمروا في التعالي على الشعب الذي انتخبهم، فالزوقاوي المجرم كان يرتكب كل جرائمه باسم الإسلام، دون أن نسمع إدانة من الحزب ونوابه لهذه الجرائم، وضمن نفس السياق هل يقبل فضيلة المفتي الشيخ محمد أبو فارس الفتوى التي أصدرها المجرم الزرقاوي بقتل وقتال المسلمين الشيعة في العراق؟. وهل صاحب هذا الضلال والفتنة سيدخل الجنة ويشفع لسبعين من أحبائه المجرمين على اعتبار أن الطيور على أشكالها تقع ولا يحب المجرم إلا المجرم مثله؟!.
ورغم كل هذا الشجب والإدانة الشعبية والنيابية جاء البيات الصحفي لكتلة نواب جبهة العمل الإسلامي قبل أيام قليلة لا يجيب على أي تساؤل، مبتعدا عن الموضوع من خلال اللجوء إلى الادعاءات المتكررة من أنهم مستهدفين بالهجوم لأنهم إسلاميين، وكأن كل من هم ليسوا في حزبهم أو من يفند أخطاءهم أعداء للإسلام!.

إساءة استعمال الهامش الديمقراطي الأردني

ونقولها صريحة وبدون مجاملة لأحد، إن نواب جبهة العمل الإسلامي ( الإخوان المسلمين) يسيئون استخدام الهامش الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير المتوفرة في الأردن، لأنهم يعرفون أن زملاءهم من الإخوان المسلمين وكافة التيارات السياسية في أقطار مجاورة يزجون في السجون والمعتقلات لمجرد انتقاد مسلك أو سياسة من سياسات النظام، وهم يعرفون أنه في سورية ينص القانون الجنائي السوري على الحكم بالإعدام على كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بينما هم في الأردن أوصلوا ثمانية عشر نائبا لمجلس النواب الحالي. لذلك كان من المهم والوعي أن يفكر مواطنون أردنيون بتحريك دعاوي قضائية ضدهم...وهذا أمر مهم يعني اللجوء للقضاء وليس للفتاوي والتحريضات وتوزيع مفاتيح وشهادات الجنة والنار على طريقة آية الله محمد أبو فارس، وفي أعرق الدول ديمقراطية موقفهم اللا إنساني هذا يعرضهم لعشرات الملاحقات القانونية والقضائية وربما يدخلهم السجن، لأن تقدير الإرهابيين الميتين هو تشجيع للأحياء منهم.

ثانيا: موقف حركة حماس

يحتاج هذا الموقف إلى عرض ومناقشة هادئة لما شابهه من تأكيد ونفي وتضارب. في البداية وزعت وكالة رويترز خبرا من غزة يوم الخميس الثامن من حزيران الحالي ، ورد فيه ( أن حركة المقاومة الإسلامية حماس عبرت عن حزنها لمقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي في قصف جوي أمريكي ) و وصفته بأنه ( ضحية حملة صليبية ضد العرب والمسلمين ) و ( بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تنعي حركة المقاومة الإسلامية حماس لجماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير امتنا العربية والإسلامية الأخ المجاهد البطل المرابط أحمد فاضل الخلايلة ( أبو مصعب ) الذي استشهد على أيدي عناصر الحملة الصليبية الشرسة التي تستهدف جميع ربوع الوطن العربي ابتداء من أرض الرافدين ). وقد قوبل هذا البيان بردات فعل مستهجنة عنيفة خاصة في أوساط الشعب العراقي وكافة قواه السياسية التي أدانت البيان واعتبرته تحديا لمشاعر العراقيين الذين قتل منهم المجرم الزرقاوي وعصابته ألاف مؤلفة في كافة المدن العراقية، بما فيها الأماكن المقدسة وبيوت العزاء والفرح، وكانت أقوى الإدانات من الزعيم الديني مقتدى الصدر، كما استدعت وزارة الخارجية العراقية القائم بالأعمال الفلسطيني في بغداد وأبلغته احتجاج العراق الشديد لاعتبار حركة حماس التي تقود الحكومة الفلسطينية أبو مصعب الزرقاوي شهيدا للأمة ، وهددت الوزارة باتخاذ إجراءات ضد هذه الحكومة. ومن الصعب إحصاء العدد الهائل من المقالات لكتاب عراقيين وعرب وفلسطينيين، يدينون فيه موقف حركة حماس هذا، لأن من تعتبره الحركة شهيدا وبطلا هو في الحقيقة ولدى الشعبين العراقي والأردني وقطاعات عديدة من مختلف الشعوب العربية هو قاتل ومجرم يستحق الموت عدة مرات، فجرائمه بحق الشعب العراقي لا يتصورها عقل ولا يقبلها منطق أو ضمير. وكيف تقبل حماس أن يطلق هذا المجرم يوم الاثنين التاسع والعشرين من مايو الماضي هجومه القذر على حزب الله اللبناني و أمينه العام الشيح حسن نصر الله ، حيث قال حرفيا في شريط له بعنوان ( هل أتاك حديث أهل الرافضة ): ( إن حزب الله أصبح الغطاء الواقي الذي يستر الجيش الصهيوني من ضربات المجاهدين في لبنان). هل هذا الكلام يصدر عن غير مجرم قاتل مضلل، يفتري على الحقيقة ويدعو للفتنة؟. فمن هم الرافضة؟ أنا أعتقد أنهم كل الشرفاء من العرب والمسلمين الذين يرفضون أعماله الإجرامية واستعماله للإسلام غطاءا لهذه الجرائم، وهو الذي لم يكمل تعليمه الثانوي ومن عرفوه يتحدثون عن فساده وجرائمه منذ أن كان شابا خريجا للسجون. وبهذا النعي والتقدير لمجرم ضال، كيف ستكسب حركة حماس دعم حزب الله بعد هجومه القذر على الحزب؟؟.

وبعد كل هذه الضجة والاستنكار لبيان حركة حماس ، وجهت مصادر مقربة من حركة حماس انتقادات لوكالة رويترز ومراسلتها في غزة وفاء عمرو، معلنة أن المراسلة هي التي زورت البيان باسم حماس ، مضيفة معلومات تقترب من بث الإشاعات التي تهدف للتشويه الشخصي والأخلاقي لوفاء عمرو ، من قبيل القول ( أنها صديق حميمة للسيد الطيب عبد الرحيم مستشار رئيس السلطة الفلسطينية منذ سنوات عديدة، حيث تعرف إليها منذ كان سفيرا في عمّان وكانت هي تعمل مراسلة لصحيفة الحياة في الأردن، وبعد انتقاله لغزة عقب إنشاء السلطة قام بنقلها معه إلى هناك، ثم قام في وقت لاحق بفرضها على وكالة رويترز وتعيينها كمراسلة في غزة....وأن علاقة مشبوهة تربط بين وفاء عمرو و بين الطيب عبد الرحيم...). ومن الملاحظ أن هكذا إشاعات لا تليق بأية جهة خاصة حماس الإسلامية والمركز الإعلامي التابع لها، لأنها لا تنسجم مع أخلاق الإسلام الذي يرفض هكذا ادعاءات وافتراءات تهدف تشويه الأبرياء، وإن ثبتت إدانتهم فهناك الإجراءات القانونية دون غيرها.

وتدخل في هذا التأكيد و النفي سامي أبو زهري الناطق باسم حركة حماس، حيث نفى أن تكون حركته قد أصدرت بيانا ينعي الزرقاوي حيث قال: ( إن الحركة لم تصدر أي بيان في هذا الشأن، وأن حماس تكرر موقفها الداعم لكل حركات التحرر وأولها حركة تحرير العراق التي كان الزرقاوي أحد رموزها ). وينطبق على هذا التوضيح المثل الشعبي ( جاء يكحلها فعماها ). فما الفرق بين نعي الزرقاوي الذي نفاه سامي أبو زهري و اعتباره رمزا من رموز المقاومة، رغم كل جرائمه بحق الشعبين العراقي والأردني؟. وهنا نتساءل بصراحة جارحة: كيف سيكسب الشعب الفلسطيني تضامن الشعب العراقي عندما يعتبر بعض الفلسطينيين ومنهم حركة حماس ونواب الإخوان المسلمين في الأردن المجرم الزرقاوي شهيدا وبطلا ومقاوما ومجاهدا وشفيعا لآخرين يوم القيامة أي الارتقاء به لمصاف الأنبياء؟. خاصة أن الشعب العراقي لا يمكن أن ينسى قيام بعض قيادات حماس قبل ثلاث سنوات بفتح بيت عزاء في المجرمين عدي و قصي ولدي المجرم الطاغية صدام و إطلاق صفة الشهيد عليهما، وكذلك مجمع النقابات المهنية في الأردن المسيطر عليه من الإخوان المسلمين، وظلت اليافطات التي تعزي في الشهيدين مرفوعة على مبنى مجمع النقابات في عمّان و إربد لأكثر من عام!!. لذلك فالسؤال الموجه لنواب حركة العمل
الإسلامي و لحركة حماس: مع من تتحالفوا..مع المجرم الزرقاوي والطاغية صدام أم مع الشعوب؟؟.
[email protected]