اين الاسير الاسرائيلي؟ هل من المهم معرفة اين هو، او اين كان، (فربما يُطلق سراحه معززراً مكرماً في أي لحظة)؟ المعروف والمضمون انه حي يرزق، وستقول اسرائيل انه بقي كذلك نتيجة للعنف الذي اطلقته والتهديد الذي اعلنته بأن السماء ستقع على رؤوس الفلسطينيين اذا مس الاسير سؤ. خمسة ثم عشرة ثم اربعين قتيلاً مدنياً، او قل شهيداً، فلسطينياً ومئات الجرحي وعشرات الاف المرعوبين، ومئات الدونمات فقدت خضارها ووووو والنهاية غير منظورة.
اين تهديد الخاطفين بأنهم سيغلقوا ملف الاسير اذا دخلت اسرائيل القطاع، أو اذا قتلت فلسطيني؟ اين الذين كانوا بالامس يعنترون لبعضهم براجمات الصواريخ ومدافع الهاون والرشاشات ويغلقون الشوارع؟ اين هم، وكم دبابة اسرائيلية صادوا في القطاع المجتاح؟ ما هي نسبة القتلي والجرحى من المدنيين بأنواعهم من جهة والمسلحين بأطيافهم من جهة أخرى؟
كم أصبح قيمة وأهمية التهديد الاسرائيلي بعدم المس بالاسير، في مقابل التهديد (الفلسطيني) بما سيحصل للاسير اذا اسأوا الى اي فلسطيني؟
يمكن التأكيد سلفاً بأن الخسائر في الارواح وفي النفسية والممتلكات الفلسطينية لن يؤخذ بها في الوساطات المتنوعة لاطلاق سراح الاسير، اي لن تُعوض ولن تعتذر اسرائيل. يمكنني ايضاً الجزم سلفاً بأن اي اسرى فلسطينيين سيطلق سراحهم فيما بعد سيكونوا قلة من الذين انتهت أحكامهم اصلاً او تشارف على الانتهاء. لن يكونوا ألف كما طالب الذين خطفوا الجندي، ولن يكونوا حتى مئات، ولن يطلقوا مرة واحدة. من ضمن عشرة الاف اسير هناك عشرات يأتي موعد اطلاق سراحهم كل شهر، هؤلاء سوف يجمعوا ويطلقوا. أما بقية الاسرى فسيعود الجميع لنسيانهم والتضحية بهم مرة أخرى. كان من الطبيعي ان لا يتقدم السلام خطوة منذ يومه الاول بدون فك اسر كل المقاتلين، واعادة جثامين الشهداء الذين سقطوا اثناء الصراع لاهاليهم. لان السكوت كان سيد الموقف اثناء تلك التنازلات فقد استمر الحال، وها هي اسرائيل تقتل وتدمر من أجل استعادة جندي أخذ اسيراً من ثكنة دبابات، وتنجح في طمس قضية الاسرى، وقضية الاعتقالات الادارية، وقضية العقاب الجماعي ضد شعب بكاملة مقابل وقوع جنديها في الاسر. كل ذلك محرم دولياً وشرعت ضده قوانين منذ سقوط مخترعه، هتلر.
السياسيون الفلسطينيون سيعودون الى كلام عن المفاوضات وعن الخلافات الداخلية وغير ذلك مما لا يغني ولا يطعم او يقنع بني أدم. لن يلجأوا الى المحاكم الدولية، او مجلس الامن، أو عمل شعبي، او حتى عسكري منظم لتحريك هذه القضايا وأجبار اسرائيل على الكف عنها.
اسرائيل لا ترى لحياة الفلسطيني أي قيمه، ولا تريده الا خارج بلاده أو خانعاً خادماً لهم فيها. قصة الاسير الاسرائيلي الان جاءت كمساهمة من المقاتلين الاشاوس لتثبيت هذه الرؤية الاسرائيلية. سيعود الاسير لاهله ويبقى القتلي من جراء الارهاب الاسرائيلي في قبورهم، والجرحى في معاناتهم، والاحباط النفسي لدي الاخرين في ادنى مستوياته. احباط من العنتريات ضد بعضهم طالما اسرائيل خارج الميدان، واحباط من فشلهم في التصدي لاسرائيل عندما تحتل الميدان، واحباط اكبر من عدم تنفيذ التهديد ضد الاسير الاسرائيلي.
الاستنتاج الاشع يتحرك في دائرة ان الشعب الفلسطيني اسير في سياجين، الاول اتخاذه كرهينة من قبل السياسة الاسرائيلية المهيمنة على رؤية العالم بذكائها، والثاني كونه رهن لصراع القبائل من ذهنية العصر الجاهلي.
طوق النجاة المتوفر للفلسطينيين الان هو الاستفادة الايجابية مما حصل من تحريك لقضية الاسى، وذلك بأن يتغاضوا عن قصة اقامة دولة، او تشكيل حكومة، أو احياء مفاوضات السلام. يتغاضوا مؤقتاً عن تلك المهام المستحيل ان ينجحوا بها في الشهور التالية، ويتخذوا من قضية الاسرى مهمة وحيدة عليهم التوحد والنجاح فيها. هذا الامر ممكن ويعيد للفلسطينيين طعم النجاح، وكرامة الانسان، ونصرتهم لافضل ابنائهم، ووضع ثمن غال لكل انسان فلسطيني وعربي. النجاح في تلك المهمة يُفهم اسرائيل والعالم ان التعدي على الحقوق الانسانية الفلسطينية له ثمن، والانسان الفلسطيني ليس رهينة وسلعة في عالم التفاوض، وأن كل اعتقال جديد يُصعد الصراع ولا يهدئه كما تروج أسرائيل.
هذا الطوق لن تجيد الحكومة استعماله، ولن يدخل في رؤوس العناتر او مخضرمي السياسة الذي ادمنوا الكلام الفارغ والشعارات البلهاء. الشعب وقواه المدنية بيدها الحل ولديها القدرة على استعمال هذا الطوق وربما جروا خلفهم الحكومة والزجالين. يجب تعطيل اي تفاوض او اي عمل كان إلا ما يصب مباشرة في خدمة فك الاسرى. كل عمل عسكري يجب ان يكون كمطالبة باطلاق سراح الاسرى. كل السفارات الفلسطينية والجاليات في الخارج عليها رفع قضايا دولية وتنفيذ اعتصامات وشرح بكل الاساليب لعدم شرعية او قانونية سياسة الاسر الاسرائيلية.
الهمجية الاسرائيلية الاخيرة حركت يهود ودول محايدة ومنظمات دولية لشجب تصرفاتها وممارستها للعقاب الجماعي المحرم دولياً. العقاب الجماعي قائم قبل الاجتياح الاخر وقصة الاسير الاسرائيلي، كما ان سياسة الاعتقالات تنافي القانون الدولي، ولهذا يجب، فيما أرى، ان يترك الفلسطينيون كل المهام الاخرى وينجحوا في هذه المهمة قبل أي شيء أخر. بدل الاقتتال الداخلي يفضل القتال ضد اسرائيل تحت شعار اطلاق سراح الاسرى وليس اي شعار أخر. اي تفاوض يجب ان يسبقه اصرار على اطلاق سراح الاسرى. اي مطالب دولية لحكومة حماس بالاعتراف بأسرائيل يجب ان يُرد عليه بأن تفك اسرائيل كل الاسرى دون تمييز او استثناء كأثبات لحسن نواياها، وان توقف سياسة الاعتقال لاي فلسطيني. اذا تم ذلك في فلسطين فسيهب فلسطينيوا الخارج ويجندوا كل قواهم لانجاح هذا الهدف السامي الذي يعيد لكل انسان أعتباره. أما اذا استمر التخبيص الفلسطيني داخل فلسطين، فعلى الارجح سيواصل العالم الخارجي من فلسطينيين وعرب وأجانب ومنظمات دولية، سيواصلون البحلقة وأطلاق بعض التأسفات وارسال بضع اكياس من البصل كدعم انساني طاريء.