-1-

فيما لو انتهت الحرب بين حزب الله واسرائيل بانتصار حزب الله بالمفهوم العربي للنصر (حرب السويس مثالاً لا حصراً) وبمفهوم الإعلام العربي للنصر، فإن من حق حسن نصر الله أن يكون رئيساً لوزراء لبنان، رغم أن الدستور اللبناني يشترط أن يكون رئيس الوزراء سُنيّاً وليس شيعياً. فالمنتصر في الحرب هو الذي يحكم. هذا هو قانون الحرب. فالانتصار في هذه الحرب على الشكل الذي يصوره اعلام حزب الله للبنانيين وللفلسطينيين ولبقية العرب، يجيز لحسن نصر الله البطل اللبناني المتوّج بلا منازع أن يتخطى الدستور، ويصبح سابقة تاريخية في السياسة اللبنانية، ويحتل المركز الثالث في الدولة اللبنانية كرئيس للوزراء.
فمن غيره من رجالات السياسة في لبنان أحق منه بهذا المنصب؟!
ومن هو السياسي اللبناني الذي جاهد جهاده ومرّغ أنف اسرائيل بالتراب، وهزم جيشها الذي لا يقهر والذي هزم من قبل أكبر ثلاث جيوش عربية في 1967؟
ومن هو السياسي اللبناني الذي لقن أمريكا العظمى الدرسين المريرين القاسين في عام 1983 (مذبحة المارينـز) وفي عام 2006، كما لم يلقنها أثخن وأقوى سياسي عربي حتى الآن؟

-2-
وكما مُدِّدَ للرئيس الهراوي دستورياً، وكما مُدِّدَ للرئيس لحود دستورياً، وكما أُتيَّ بنبيه بري دستورياً رئيساً للبرلمان اللبناني ورجلاً ثانياً في الدولة اللبنانية، وهو الذي قتل من خلال حركة أمل في عام 1985 أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا ومخيم برج البراجنة ومخيمات الجنوب الفلسطينية، وهو ضعف العدد تقريباً الذي قتلته اسرائيل طيلة صراعها مع الفلسطينيين، فليس هناك ما يمنع من أن يصبح حسن نصر الله رئيساً لوزراء لبنان المتوَّج، بعد أن هدم لبنان ومسحه بالأرض عن بكرة أبيه، رغم أنه زعيم شيعي، ومنصب رئيس وزراء لبنان لا يجوز إلا لسُنّي بموجب الدستور اللبناني.
فكما قال حزب الله حين كان حزباً ضعيفاً ناشئاً، بأنه يرفض رئيساً مارونياً، ويرفض الذل تحت اسم التعايش مع النصارى (جريدة النهار، 21/9/1989 )، وكان في ذلك الوقت حزباً صغيراًً، ولم يكن قوياً على هذا النحو، فباستطاعته الآن، وهو أقوى حزب ليس في لبنان فقط، ولكن في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، بأن يرفض الدستور اللبناني، الذي ينصُّ على أن يتولى رئاسة الوزراء سُنّي.
وكما قال حزب الله ، وهو ما زال حزباً رضيعاً يحبو : quot;سنمزق اتفاق الطائفquot; (جريدة النهار، 13/10/1989 )، فمن الممكن أن يقول بعد الحرب، وخروجه منتصراً ، بعد أن هزم أكبر قوة إقليمية عسكرية، وأكبر قوة عالمية عظمى: quot;سنمزق الدستورquot; أيضاً.
وكما قال حزب الله بعد سبع ستوات من انشائه : quot; إن اتفاق الطائف استسلام للمارونية السياسية واسرائيلquot; (جريدة النهار، 12/11/1989) ، فمن الممكن أن يقول غداً، وهو القوي الآن، وبعد أن يخرج منتصراً من هذه الحرب: quot;إن الدستور اللبناني أيضاً استسلام للمارونية السياسية، واسرائيل، وللعلمانيين المستغربين، ولعملاء أمريكا، وفرنساquot;.

-3-
لبنان بعد انتهاء الحرب بين حزب الله واسرائيل سيخرج خاسراً، منكوبا،ً ضعيفاً، مهدماً، وبحاجة إلى رئيس وزراء قوي يعيد بناءه، ويلثم جراحه، ولن تفرز الحرب الآن رجلاً أقوى من زعيم حزب الله.
لقد جرّب لبنان منذ سنوات الاستقلال الأولى الزعماء العَلمانيين بدءاً من رياض الصلح وانتهاءً بفؤاد السنيورة، فلم ينجح أحد منهم في بناء لبنان القوي قوة سنغافورة أو سويسرا أو تايوان مثلاً. والآن جاء دور رجال الدين من الملالي ودعاة ولاية الفقيه، فلعلهم ينجحون في بناء لبنان الجديد. وحسن نصر الله الفقيه، والسياسي، والمجاهد، والقائد، وخميني العرب، ووكيل علي خامئني في لبنان، والمندوب السامي السوري في لبنان، بنى دولة قوية في الجنوب اللبناني داخل دولة ضعيفة وهشة في بيروت، وأصبحت بنت جبيل عاصمة دولته العتيدة قلعة المقاومة العربية والإسلامية، وأقوى بكثير من بيروت. فبيروت ركعت أمام قدمي شارون في 1982 ، بينما بنت جبيل ظلت صامدة في وجه الغزاة في 1996 وفي 2006 . وبنى نصر الله حزباً قوياً من أقوى الأحزاب العربية والإسلامية، ومجتمعاً شيعياً سعيداً ومتكافلاً ومتضامناً هانئاً، كما يبدو، فلماذا لا يقدر على بناء دولة قوية في لبنان؟
فهو أول من هزم اسرائيل منذ نصف قرن ويزيد، وركّع أقوى دولة في العالم، ومرّغ أنفها في تراب الجنوب كما نرى الآن ونشاهد ونسمع ونقرأ.
وهو الذي يملك المال الإيراني الطائل الشريف والنقي والحلال غير المصحوب بشروط سياسية كما قال، لاعادة إعمار لبنان كما كان، وأكثر جمالاً.
وهو الذي يملك السلاح القوي، والتنظيم العسكري والسياسي المنضبط كدقات الساعة.
وهو الذي لديه الدعم السياسي السوري والإيراني والفلسطينيي والشيعي العربي والأعجمي الكبير، والدعم السُنّي كذلك، ما عدا فئة قليلة. كما يلقى الدعم القوي من الإخوان المسلمين، والمؤسسات الدينية العربية وعلى رأسها الأزهر، ويلقى الدعم من كافة الأحزاب الإسلامية والقومية في العالم العربي، ما عدا حفنة ضالة من الليبراليين الجُدد المشردين في بقاع الأرض، حلفاء وأنصار وأبواق المحافظين الجُدد في واشنطن، أو كما قال الصحافي السوري quot;المناضلquot; نزار نيوف مؤخراً في رسالة له من باريس لمجدي خليل، شاتماً الليبراليين، واصفاً إياهم بأنهم شلة من النصابين والزعران والأفاقين والأنذال السفلة في معظمهم، ومجرد طبّالين للأميركان وإسرائيل، والجبناء أخلاقياً وسياسياً لأنهم ببساطة دجالون ومنافقون، لا يستطيعون قول الحقيقة إلا حين تتعلق بمجرم مثل الظواهري وابن لادن ، أما حين يتعلق الأمر بأولمرت أو بوش، فإنهم يلحسون أقفيتهم، ويلوذون بالصمت.
فماذا تريدون كفاءات وقدرات ومنجزات لحسن نصر الله، أكثر من هذا كله؟
أظن أن لا زعيم عربياً في تاريخ الأمة العربية ماضياً وحاضراً، امتلك كل هذه الكفاءات والقدرات والمنجزات.
فماذا ينتظر اللبنانيون لكي يتوّجوا نصر الله زعيماً أوحد، وحاكماً فعلياً مطلقاً للبنان؟!
وهل هناك من يستحق هذا التاج، وإكليل الغار غيره؟!

-4-
معظم أمراء الطوائف في لبنان، وفي الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989)، قتلوا ودمروا وسرقوا ونهبوا، ما يشيب له الولدان، وما تغرّد به الغربان، ثم أصبحوا الآن زعماء كباراً وحكاماً مرموقين في لبنان. وحسن نصر الله ليس الوحيد في تاريخ لبنان الذي دمّر لبنان هذا الدمار الذي نشاهده الآن، لكي لا يكون زعمياً وحاكماً لبنانياً.
وما دمنا في صدد الشيعة، وزعيمهم الجديد حسن نصر الله الآن، فلنقرأ في التاريخ قليلاً علّنا ندرك ونعي ما يدور من حولنا. فالشيعة في لبنان خاصة، كانوا يقتلون الآلاف من الفلسطينيين، ثم يصبحون زعماء مُبجلين، وحكاماً مرموقين في لبنان.
فكما قتل نبيه بري أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني في المخيمات الفلسطينية، وأصبح بعد ذلك دولة الرئيس، ورجل الدولة اللبنانية الثاني، ورئيس مجلس النواب، طيلة أربعة عشر عاماً (1992-2006)، فإن من حق حسن نصر الله بعد أن هزم اسرائيل، ومرّغ أنف أمريكا في تراب الجنوب، وهدم لبنان حجراً على حجر، وكلّف لبنان أكثر من 900 قتيلاً حتى الآن، وأكثر من ثلاثة مليارات دولار حتى الآن، أن يصبح الرجل الثالث في الدولة كرئيس للوزراء رغماً عن أنف الدستور اللبناني، كما تمَّ للهراوي ولحود، وكما سيتم لغيرهما في المستقبل.

-5-
لقد قرأنا في الكتاب المشهور quot; أمل والمخيمات الفلسطينيةquot; (ص 89 ndash; 109) كيف أن شيعة لبنان وعن طريق مقاتلي حركة أمل التي يترأسها رئيس البرلمان اللبناني الحالي نبيه بري هم من نفذ مجزرتي مخيم صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في 1985 . وكانت بداية المجزرتين الرهيبتين، أول ليلة في شهر رمضان من عام 1985؛ وبمشاركة من لوائين شيعيين في الجيش اللبناني . فخلَّفوا 3100 بين قتيل وجريح في صفوف الفلسطينيين ،حيث هاجمت قوات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وارتكبت فيهما مجازر أبشع من التي ارتكبها اليهود والقوات اللبنانية. فحتى المرضى في المستشفى لم يسلموا من المجزرة. ومما زاد من هول المذبحة وبشاعتها، انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني لحركة أمل لأن أفراده وقيادته كانت من الشيعة، واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما طلبه حافظ الأسد ونبيه بري في ذلك الوقت.
وليقرأ من شاء، المزيد من الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في الكتاب الشهير quot; أمل والمخيمات الفلسطينيةquot; الذي كتبه الدكتور عبد الله محمد الغريب، وطبع عدة طبعات منها طبعته الثالثة 1989، التي بين أيدينا.

وقد قام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية BBC بإذاعة تقرير حول المجازر التي ارتكبتها قوات أمل، وبعد نشر هذا التقرير وجهت أمل تـهديداً لمراسلي الصحف الأجنبية، فاضطرت هيئة الإذاعة البريطانية إلى سحب مراسليها الثلاثة خوفاً على حياتهم.

-6-
وفي 18/6/1985 خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل . خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، مما دفعهم لأكل القطط والكلاب ،كما يقول التقرير. خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90٪ منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجّرين ،أي 40٪ من سكان المخيمات. وقتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة الصندي تلغراف في 27/5/1985 إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذُبح أصحابها من الأعناق. بل وذبحوا ممرضة فلسطينية في المستشفى ، لأنها احتجت على قتل جريح أمامها. وذكرت وكالة الأنباء الكويتية في 4/6/1985، وجريدة quot;الوطنquot; الكويتية في 3/6/1985، أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا، وعلى مرأى من أهالي المخيم . وردد مقاتلو أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبرا : quot;لا إله إلا الله العرب أعداء الله quot;. وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان.

السلام عليكم.