ارتفع معدل سعر برميل النفط من 24 دولار سنة 2002 إلى 56 دولار سنة 2005، ليصل إلى حوالي 65 دولار هذه السنة. مضاعفة سعر النفط يعني بطبيعة الحال مضاعفة إيرادات الدول المصادرة لهذه المادة، مما يمكنها من زيادة هامة في الواردات بنفس القدر تقريبا. ويساعد هذا على زيادة هامة في نسبة النمو الاقتصادي. لكن ما حصل في الواقع كان أقل بكثير من المرجو.

تفيد الأرقام المتوفرة لسنة 2005، أن نسبة النمو الاقتصادي لم تتجاور 6.5% في السعودية، 5.9% في إيران، و5.3% في الجزائر .... وهي نسب نمو اضعف مما حققته دول مستوردة للنفط مثل الهند (8%) والصين (9.9%)، وليست أكثر مما حققته دول عربية غير نفطية مثل تونس والأردن!

وتوجد نفس نقاط الاستفهام عند تحليل المسالة من جانب الدول المتقدمة المستوردة للنفط. المفروض أن تؤدي زيادة سعر البرميل إلى زيادة التضخم من جهة، نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاج السلع والخدمات، وضعف النمو الاقتصادي، من جهة أخرى، لان عرض هذه السلع والخدمات سيتأثر سلبا نتيجة زيادة تكلفة الإنتاج. وتكون المحصلة النهائية مزيدا من التضخم بالتزامن مع نسبة نمو اقتصادي أقل، وهو ما يعبر عنه بظاهرة الركود التضخمي quot;Stagflationquot;، التي سبق وان أطلت بوجهها القبيح على العالم الغربي في السبعينات من القرن الماضي، نتيجة زيادة سعر البترول في العامين 1973 و1979. لكننا لا نرى أثرا لمثل هذا في الفترة الحالية.

تفيد آخر تقارير صندوق النقد الدولي أن نسبة التضخم لم تتجاوز 2.3% في الدول المتقدمة، مع نسبة 3.4% بأمريكا و2.2% بمنطقة اليورو. كما أن النمو الاقتصادي بلغ 2.7%، 3.5% و1.3% على التوالي، وهي كلها نسب تتماشي مع ما عرفته هذه الدول قبل ارتفاع سعر النفط. وربما هذا ما عنته مؤسسة quot;ستاندارد أند بورزquot; للتصنيفات المالية عند ما أكدت مؤخرا أن الاقتصاد الأمريكي لن ينزلق بالضرورة إلى الكساد حتى إذا بلغ سعر البرميل 100 دولار! لماذا ؟

أولا: ارتفاع سعر النفط لا يعني أي شيء بالنسبة للدول المصدرة ما لم يؤدي ذلك إلى زيادة قدرتها الشرائية من الواردات. هنا لابد بالأخذ بعين الاعتبار انخفاض سعر صرف الدولار مقابل اليورو والين الياباني، (بنسبة 33% و13%، على التوالي، خلال الفترة من 2002 إلى 2005). ويعني هذا أن سعر 65 دولار (أو أي سعر آخر) لا يساوي حقيقة إلا 50 دولار لمشتريات الدول المنتجة للنفط من أوروبا و57 دولار فقط عندما يتعلق الأمر بمشتريات من اليابان. وهذا أمر هام بالنسبة للسعودية التي تستورد 35% من إجمالي واردتها من أوروبا و8% من اليابان، واكثر أهمية بالنسبة لدولة مثل الجزائر التي تستورد 58% من الإجمالي من أوروبا.
يقودنا هذا إلى الدرس رقم 1: معدل سعر 65 دولار لبرميل النفط حاليا لا يتجاوز 55 دولار عند الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية لهذه الدولارات.

ثانيا: تتآكل القدرة الشرائية لـدولارات سنة 2005 وما بعد، نتيجة زيادة أسعار السلع والخدمات المستوردة (بحوالي 3% سنويا)، أي أن دولار 2005 لم يعد يساوي سنة 2002 إلا 91 سنتا، مما يقودنا إلى الدرس رقم 2 : سعر معدل برميل النفط للعام الحالي (بـ 55 دولار لا 65 دولار كما هو منشور في وسائل الإعلام)، الذي توصلنا له في الفقرة السابقة، لا يتجاوز حقيقة 50 دولار إذا ما تم تقييمه ndash; كما يلزم ndash; بالقدرة الشرائية لدولارات 2002.

الحقيقة إذن أن أسعار النفط الحالية أقل بكثير مما هو معلن (أقل بـ 23% حسب التقديرات السابقة). وهذا هام بالنسبة للمستقبل حيث من المتوقع أن ينخفض سعر البرميل إلى حدود 50 دولار في 2010، مما يقابل 38 دولار فقط بعد التصحيحات المنصوص عليها أعلاه. ويؤكد هذا أهمية أن تستغل الدول النفطية الوفرة الحالية، حتى وان كانت اقل مما يشاع، أحسن استغلال ببناء أسس اقتصاد سوق متنوع الأنشطة وذات قدرة تنافسية في الأسواق العالمية. أي فشل على هذا الصعيد سيؤدي لنفس المشاكل التي سبق و أن تعرضت لها الدول النفطية في الثمانينات من القرن الماضي نتيجة عدم استغلال طفرة السبعينات.

باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن

[email protected]