بعد كل عملية إرهابية تقوم بها جماعة من المتطرفين المسلمين في بريطانيا، يطلع علينا نفر من الشخصيات يدعون أنهم زعماء الجاليات المسلمة، وحتى دون أن ينتخبهم أحد، (self appointed bodies) يطرحون أنفسهم كناطقين رسميين باسم مسلمي بريطانيا. وبدلاً من أن يقوم هؤلاء بإدانة الإرهاب والإرهابيين وتبرئة الدين الإسلامي من تصرفات المتطرفين الهمجية، نراهم على الضد من ذلك، يحاولون خلق التبريرات للإرهاب وإلقاء اللوم على سياسة الحكومة البريطانية وبالأخص السياسة الخارجية ومطالبتها بتغيير هذه السياسة لتنسجم مع مشيئتهم. وهذه النغمة هي صدى لما يتردد باستمرار في أوساط اليسار الأوربي والمنظمات الإسلامية التي تدعي الاعتدال في الغرب.

لقد سمعنا هذا النقد لسياسة حكومة السيد توني بلير بعد تفجيرات قطارات الأنفاق يوم 7/7/2005، بل وحتى قبلها، وتجدد الآن بعد قيام الأجهزة الأمنية البريطانية في 10 آب/أغسطس الجاري بإحباط مخطط رهيب لتفجير طائرات الركاب المتجهة من لندن إلى أمريكا. ونفس حملة النقد هذه تشن على جميع الحكومات الغربية عند قيام أعمال شغب أو جريمة إرهاب في بلدانها من قبل الجاليات المسلمة، كما حصل في باريس في العام الماضي، وتفجيرات مدريد في آذار 2004 من قبل أتباع القاعدة.
فبعد اكتشاف المخطط الإرهابي يوم 10/8 لتفجير طائرات المسافرين، رفع نفر من الشخصيات رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء البريطاني، وقعها ثلاثة من أعضاء البرلمان البريطاني المسلمين وثلاثة شخصيات بارزة، بالإضافة إلى 38 مجموعة إسلامية، بما فيها مجلس مسلمي بريطانيا، يدعونه فيها إلى تغيير سياساته الخارجية، مدعين أن سبب انخراط الشباب المسلمين البريطانيين في الإرهاب هو سياسة الحكومة البريطانية اتجاه أفغانستان والعراق، وأخيراً لبنان!!

بدءً، أود التذكير بما طرحته في مقالات سابقة في البحث عن أسباب الإرهاب وخاصة مقالتي الموسومة (لماذا معظم الإرهابيين مسلمون؟). كذلك من المفيد الرجوع إلى مقالة الدكتور عزيز الحاج الأخيرة بعنوان (الحرب الأخرى!)، كما وتطرق زملاء آخرون من الكتاب الأفاضل وبالأخص الأستاذ العفيف الأخضر والدكتور شاكر النابلسي وغيرهما، كتبوا في هذا الخصوص. ومعظمنا توصلنا إلى استنتاج واحد، ألا وهو أن السبب الأساسي لتفشي الإرهاب الإسلامي هو سياسة التربية والتعليم الخاطئة في بث روح الكراهية ضد أصحاب الديانات الأخرى، ونشر روح التعصب الديني والادعاء بامتلاك الحقيقة، وعدم التسامح مع المختلف. وهذه التربية هي التي مهدت التربة لإيقاع الشباب المسلمين صيداً سهلاً في شباك الإسلام السياسي وتحويلهم إلى إرهابيين ليكونوا قنابل موقوتة لقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء من غير المسلمين، بل وحتى من المسلمين الذين لا يوافقونهم على تسييس الدين أو من مذاهب إسلامية أخرى، كما هو الحال الآن في العراق وباكستان، حيث القتل على الهوية المذهبية.

يركز المعترضون على سياسة الحكومة البريطانية الخارجية فيما يخص تحالفها مع أمريكا في إسقاط النظامين الجائرين في أفغانستان والعراق، وأضافوا إليه أخيراً القضية اللبنانية. والسؤال الذي نود طرحه على السادة موقعي رسالة الاحتجاج هو، ما الذي حصل أولاً، الإرهاب على الدول الغربية، أم احتلال أفغانستان والعراق ؟

الملاحظ، أن هناك نوع من التناغم والتنسيق، بين الإرهابيين والزعماء المسلمين المعتدلين، بقصد أو بسذاجة وحسن نية. فالإرهابيون يقومون بالإرهاب، والزعماء المسلمون المفترض بهم الاعتدال يجهدون في إيجاد التبريرات والمعاذير لهم. فكما صرحت الوزيرة البريطانية السيدة روث كيلي، بعد لقائها بوفد من زعماء الجاليات المسلمة، أنه quot;لا يمكن أن نسمح للإرهابيين بإملاء سياساتهم علينا وأن نذعن لهم في وضع سياستنا الخارجية. ومهما كانت هذه السياسة فلا يمكن أن تكون مبرراً للإرهاب.quot;. كما وقال وزير الدفاع البريطاني، ديز براون، رداً على رسالة هؤلاء، إن السياسة الخارجية لبلاده ليست مسؤولة عن تحول أشخاص إلى quot;قتلة يمارسون إرهابهم دون تمييزquot;. وإن quot;طبيعة هذا النوع من الإرهاب تسبق انخراطنا .. في العراق أو أفغانستانquot;.
وهذا الرد يؤكده تسلسل الأحداث الإرهابية، حيث قامت جماعة إسلامية وبتحريض من الشيخ عمر عبدالرحمن بتفجير مركز التجارة الدولي بنيويورك عام 1993. كما وقامت جماعة أخرى من القاعدة بضرب السفارة الأمريكية في كل من نايروبي ودار السلام عام 1998. كذلك كارثة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن والتي راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف من الأمريكيين ومختلف الجنسيات والتي كانت نقطة تحول في موقف أمريكا من الإرهاب والدول المارقة التي ترعى الإرهاب. كما وتعرضت دول للإرهاب لا علاقة لها بقضية أفغانستان والعراق مثل: فرنسا وروسيا، وحتى الإسلامية مثل: إندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر والجزائر والمغرب، دون أن تؤيد هذه الدول الحرب على العراق ولم تشارك فيها بل وحتى عارضتها. ومع ذلك لن تسلم هذه الدول من الإرهاب. كذلك وقعت موجة من التفجيرات في قطارات الأنفاق في باريس في التسعينات من القرن الماضي من قبل الإرهابيين المسلمين، رغم محاولات الحكومة الفرنسية استرضاء المسلمين من سكانها ومواصلة علاقتها الحميمة مع الدول العربية والإسلامية ولكن دون جدوى.

إذنْ، ماذا يعني كل ذلك؟ هذا يعني أن الإرهابيين لا يحتاجون إلى مبررات، فهم مبرمَجون من قبل فقهاء الموت الذين مجدوا لهم الموت وقتل الأبرياء باسم الجهاد في سبيل الله والإسلام لقتل أكبر عدد ممكن دون تمييز، لضمان مكان لهم في الجنة بأسرع وقت ممكن. فبعد كل عملية إرهابية نسمع مبررات جديدة تناسب تلك العملية، فكما ذكر الدكتور عزيز الحاج في مقاله الذي أشرنا إليه أعلاه، عندما قام الإرهابيون بتفجير قطارات باريس في التسعينات، قالوا أنها للانتقام من ماضي فرنسا الاستعماري لبلدان شمال أفريقيا. وعن تفجيرات بالي في إندونيسيا قالوا أن المراقص ضد تعاليم الإسلام. وفي العراق بلغت حججهم من التفاهة بحيث لا تصدق كقتلهم للرياضيين الذين يلبسون الشورت أو حلقي الذقون... وأخيراً راحوا يقتلون حتى المصابين يمرض الأيدز... وهكذا ففي كل عملية إرهابية يطلعون علينا بتبريرات جديدة مختلفة.

فإذا كانت السياسة الخارجية البريطانية فيما يخص العراق وأفغانستان هي سبب دفع المسلمين إلى الإرهاب، لكان من المفترض أن يكون معظم الإرهابيين في بريطانيا من العراق وأفغانستان. بينما الحقيقة الناصعة تؤكد أن معظم المتورطين في الإرهاب ومخططاته هم بريطانيون من أصول باكستانية، أو إنكليزي تحول حديثاً إلى الإسلام وليس من بينهم عراقي أو أفغاني واحد. فهل هؤلاء أكثر حرصاً على العراق وأفغانستان من العراقيين والأفغان أنفسهم؟ ناهيك عن فلسطين ولبنان.

أما فيما يخص إقحام القضية اللبنانية في تبرير الإرهاب، فقد فضح موقعو الرسالة أنفسهم، لأن عملية ملاحقة خلايا الإرهاب التي خططت لتفجير الطائرات المتجهة من لندن إلى أمريكا بعد 10 آب الجاري، كانت قد بدأت ملاحقتها منذ تسعة أشهر، أي أنهم خططوا لهذا الإرهاب قبل اندلاع الأزمة اللبنانية بثمانية أشهر. وهذا يثبت أن لا علاقة لهذا الإرهاب بالأزمة اللبنانية الحالية.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن الادعاء بأن سياسة السيد توني بلير الخارجية هي المسؤولة عن دفع هذا النفر الضال من المسلمين في بريطانيا إلى الإرهاب ما هو إلا ادعاء باطل ومضلل، ودليل على وقوع موقعي الرسالة تحت تأثير دعاة الإرهاب ولأغراض سياسية غير نزيهة، القصد منها تبرير الإرهاب أولاً، وتصفية حسابات مع حكومة بلير ثانياً، لا لشيء إلا لأن حكومة بلير ساهمت في إسقاط حكومات جائرة مثل حكومة طالبان في أفغانستان ونظام البعث الفاشي في العراق. وبعملهم هذا فقد أساء هؤلاء إلى سمعتهم وسمعة المسلمين في بريطانيا، حيث كشفوا أنفسهم كمنحازين للحكومات الجائرة في البلاد الإسلامية التي فروا من مظالمها، وتنكروا لتقاليد وأعراف بلاد ديمقراطية آوتهم ووفرت لهم الأمان والكرامة والحرية والتي سمحت لهم بحق الاحتجاج على حكومة ديمقراطية منتخبة مثل حكومة بلير. فهل بإمكان هؤلاء تقديم هكذا احتجاج في البلاد الإسلامية التي قدموا منها؟