يبدو أن الصراع الطائفي الساخن والمحتدم في العراق منذ شهور قد دخل مرحلة جديدة مع إندلاع حروب الفئة الطائفية الواحدة أي الحرب السنية / السنية، وفرض سياسة الإغتيالات والتصفيات الجسدية ضد كل المشاركين في العملية السياسية! و بفعل تضخم الجماعات السلفية والتكفيرية ومحاولتها بسط هيمنتها المطلقة على قرار ومصير أهل السنة في ظل التجاذبات الطائفية العنيفة والمريضة السائدة في العراق؟ أما حروب الشيعة ومراجعها المختلفة فحكايتها حكاية! وصراعاتها الدموية وأحقادها الشخصية، وصيغها المأساوية لا تنتهي ولا أحسبها ستنتهي، فالشيعة في العراق يتعرضون لضغوط كبيرة وقوية من تيارات داخلية وإقليمية قوية، كما أنهم يتعرضون لحملات إعلامية عدائية موجهة من أطراف عديدة هي نفسها الأطراف التي ترفع اليوم صور وشعارات حزب نصر الله اللبناني وتعتبره حزبا مناضلا بينما تقف على الضد من شيعة العراق وتعتبرهم عملاء وخونة وأبناء وأحفاد (إبن العلقمي)!! وتلصق بهم كل الرذائل وأكاذيب التاريخ بل وتشكك في إسلامهم كما يفعل أهل السلف المتوحش؟ وفي ذلك الموقف المتناقض والمنافق قمة النفاق؟ فشيعة العراق في مجملهم لا يختلفون عن شيعة لبنان ولكنه صراع الإرادات والقوى الإقليمية المتنازعة الذي يبرز المواقف للبعض ويتجاهل البعض الآخر، وشيعة العراق عبر التاريخ القريب والبعيد كانوا على الدوام جنودا لقضايا الأمة العربية والإسلامية ولم تكن الخلافات الفقهية تعني شيئا أبدا أمام إنتماءاتهم الوطنية والقومية المعروفة، فشاعر العراق والعرب الأكبر الراحل محمد مهدي الجواهري كان شيعيا ونجفيا ولكنه كان شعلة من العطاء الحضاري والأدبي وكان آخر الشعراء العباسيين في القرن العشرين؟ وكذلك الحال مع عشرات بل آلاف المبدعين والمثقفين والمناضلين العراقيين الذين تساموا على الصراعات والخلافات الطائفية المتخلفة المندرسة، ومأساة شيعة العراق اليوم تكمن في تخلف القيادات الشيعية وعدم وجود قيادة شعبية شيعية عراقية تتسم بالحنكة والمسؤولية والماضي النضالي الناصع المرتبط بالعراق أرضا وحضارة وولاءا، فطبيعة الحكم الفاشي البعثي المنقرض قد جعلت من الفراغ في الساحة الشيعية العراقية هو السمة العامة، لذلك فما أن سقط النظام البعثي بقوة الحذاء الأمريكي حتى ظهرت بوادر صراع العوائل الشيعية المتنفذة والتي تحاول بناء قدسية لها بين الجماهير! وكانت البداية بجريمة كبرى قام بها الصبي (مقتدى الصدر) الذي أوعز لبلطجيته وزعرانه والسرسرية الذين يحيطون به بقتل السيد الشهيد عبد المجيد الخوئي في الحضرة العلوية وبطريقة بشعة تقشعر لها الأبدان في التاسع من نيسان 2003 وقد مرت تلك الجريمة دون محاسبة حتى اليوم فلا أحد يجرؤ على محاسبة (السيد)!! وكأنه معصوم من المعصومين! رغم أنه لا عصمة لأحد أمام القانون؟ ولكنها مهزلة النفاق العراقي المستمرة منذ قرون، والطريف أن مقتدى الصدر قد تحول لمشروع فتنة طائفية دائم فجماعته مجرد آلات للقتل والخراب يساهمون في كل مصيبة، ويقومون بكل جريمة ولا يتورعون عن أي فعل خبيث وإرهابي مجرم ويتذرعون بعد ذلك بحكاية المظلومية الشيعية رغم أنهم من عتاة القتلة والمجرمين والإرهابيين، ولعل مواقفهم في قضية (معركة الفلوجة الأولى) وصراعاتهم الدموية ومعاركهم في مقبرة النجف ضد حكومة السيد أياد علاوي، ودورهم الخبيث بعد ذلك في عمليات التطهير الطائفية في مدينة البصرة ومحاولتهم فرض النموذج الطالباني/ بنسخته الشيعية على حياة البصريين وعموم العراقيين هي الدليل الأنصع على آليات عملهم، دون أن ننسى الصراعات الدموية الرهيبة لجماعة مقتدى ضد جماعة السيد الحكيم في فيلق بدر والصراع على الزعامة الشيعية؟ فما بين البدريين والصدريين من أحقاد لا يعلم مداها إلا الله وهو صراع عائلي للهيمنة بين العوائل (المقدسة) راح ويروح ضحيته فقراء الشيعة من البسطاء والمحرومين والمغرر بهم، والطريف أن مساحات الصراع الشيعي / الشيعي قد تطورت وتوسعت أخيرا بدخول قضية أية الله محمودالحسني الصرخي والتي تطورت مؤخرا وبشكل حاد في مدينة كربلاء بعد صراع أنصاره مع الجيش العراقي وقصف حسينيته وفرض منع التجول في كربلاء، وكأن الهم العراقي لا ينقصه سوى صراع العمائم على المجد والحقوق الشرعية وأموال الفقراء من الأميين والمغرر بهم من الذين لا زالوا يعيشون أجواء العصور الوسطى؟ والسيد الصرخي ظاهرة من ظواهر الحالة العراقية الشاذة الجديدة فخصومه يزعمون من أنه يزعم أنه يلتقي الإمام الغائب المنتظر منذ قرون!! بل أنه قد زوجه شقيقته؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بينما أنصار الصرخي ينفون ذلك ويدعون أن الصراع من أجل إبعاد الهيمنة الإيرانية؟ وبعد ذلك وفي ظل الروايات الأسطورية والمضحكة لا يعلم الرأي العراقي والعربي شيئا محددا سوى أن حالة الحرب الأهلية السائدة في العراق قد تجاوزت كل الإصطفافات وأسست لحالة صراع عراقية ستمتد وتتطور لا محالة في ظل العجز السلطوي وغياب المشروع الوطني الجامع الموحد المتعالي على الطائفية وأمراضها الخبيثة، والأهم من كل ذلك الفشل في إنهاء الميليشيات وفرض القانون ومحاسبة المجرمين الحقيقيين، إن العراق يغلي وستكون مسؤولية الدماء برقبة الذين فشلوا في إيقاف (الزعاطيط) عند حدودهم!!. أما حكاية تطاول القبائل والعشائر على السلطة المركزية ورموزها كما فعلت عشيرة (بنو أسد) بعد مقتل زعيمها من قبل فرق الموت المتجولة والتي يقال بأن لها إرتباطات ببعض رموز السلطة والمحافظة فهي من القضايا المستحدثة والتي تشير بوضوح من أن العراق يعيش في عصر الفلتان والتسيب والعودة للحمايات والعصبيات العشائرية وبما يذكرنا بآخر أيام الهيمنة العثمانية وهي مرحلة منفلتة ودعتها شعوب العالم المتحضر منذ عقود بينما لم يزل الشعب العراقي يعاني من وطأتها، فالعشائر العراقية العربية الجنوبية على موعد مع (داحس وغبراء) عراقية في القرن الحادي والعشرين، كما أن قبيلة (عرب بزون) لم تدخل الساحة العسكرية بعد؟ ولم تفعل كذلك عدوتها اللدودة قبيلة (الدبيسات) المقاتلة الشرسة!، كما لم يتحرك مقاتلو قبيلة (الكرامشة) بعد!! وستكون المأساة العراقية مسخرة حقيقية في ظل التداعي المزري الذي يعيشه الشعب العراقي وهو يرى وطنه الغني يضمحل على أيدي القتلة والأغبياء؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله.....

[email protected]