لا نكتب من باب الحقد على النظام السوري بقدر ما هو الشفقة على الوضع العربي من جراء سياسات هذا النظام، وانعكاساتها على مجمل الأقطار العربية وتحديدا الجارة لبنان، وخلفية هذا الحديث الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد يوم الثلاثاء الموافق الخامس عشر من أغسطس الحالي أمام إتحاد الصحفيين السوريين. إن قراءة موضوعية لهذا الخطاب المليء بالشعارات الرنانة البعيدة عن واقع ممارسات النظام السوري، تؤكد أن هذا النظام لا يستمد ديمومته منذ الأسد الأب قبل أربعين عاما إلا من خلال الأكاذيب والافتراءات المغلفة بالشعارات الوطنية التي تدغدغ عواطف الجماهير العربية لساعات، ثم يكتشفون أنه نظام السجون والمعتقلات ومصادرة أبسط حقوق الإنسان حيث ألاف السجناء السياسيين السوريين، وقمع لا مثيل له في أي قطر عربي، باعتراف منظمات حقوق الإنسان السورية قبل غيرها، والعديد من الكتاب الذين يتعاطفون مع شعارات هذا النظام إلا أنهم ينتقدونه على سياسة السجون والقمع.

من يتخيل أو يصدق هذه الصفاقة والمغالطات والأكاذيب في خطابه المذكور، وكأن الشعوب العربية غبية تصدق كل ذلك لمجرد أن المحتشدين من الشعب السوري صفقوا له، وهو يعرف أن تصفيقهم خوفا وليس قناعة، وأنه هو وأركان حزبه يسيرون حسب مقولة وزير الإعلام النازي جوبلز (اكذب.. اكذب.. اكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس)، ورغم ذلك فالمصدقين فقط حفنة من أركان النظام وبائعي الشعارات المضللة التي لم تطلق رصاصة على إسرائيل انتصارا للمقاومة في فلسطين ولبنان، التي يتغنى بإنجازاتها وكأنه يتميز بذلك عن ملايين العرب!!... وهذه بعض أكاذيب ومغالطات الرئيس الشاب(والخوف أن من شبّ على شيء شاب عليه):
أولا: هجومه وافتراءاته ضد القوى اللبنانية المعارضة للتدخل السوري في الشأن اللبناني وعودة الجيش السوري للبنان، تلك القوى التي تشكل الأغلبية في البرلمان والحكومة ويتعارف عليها بقوى الرابع عشر من آذار تاريخ طرد الجيش السوري من لبنان، هذه الأغلبية اللبنانية يصفها الرئيس الشاب ب (العملاء والمسوقين لثقافة الانهزام والانقياد الأعمى لسياسة يحددها العدو ومشجعي السلام الرخيص). هل هذا الوصف ينطلق من غير الافتراءات والأكاذيب؟.

فإذا كانت قوى الأغلبية اللبنانية هكذا، فهذا يعني أن لبنان وطن للخونة والعملاء والجواسيس، فكيف أنتج هذا الوطن المقاومة الشريفة فعلا، التي يتغنى بها الرئيس الشاب على خلفية (زي القرعة التي تتباهى بشعر بنت أختها)، كما ورد في تقرير الزميل نبيل شرف الدين عن تداعيات خطابه في الشارع المصري، وهذا المثل المصري هو أفضل وأدق وصف لحالة الرئيس الشاب، فهو يتغنى بمقاومة حزب الله، لينسى الناس تخاذله ونظامه أمام الاحتلال الإسرائيلي لجولانه منذ أربعين عاما فقط دون رصاصة واحدة، وصمود ونضال حزب الله بإمكانياته البسيطة قياسا بقوة الاحتلال الإسرائيلي تكشف جبن النظام السوري وخوفه وكذبه، فقد أكل الصدأ أسلحته الإستراتيجية في المخازن، وكل من عايش المقاومة الفلسطينية في دمشق، يتذكر تعليمات المخابرات السورية للمقاتلين الفلسطينيين ( نقطع يد كل من يطلق رصاصة ضد إسرائيل من الحدود السورية وكل من يريد قتال إسرائيل فليذهب للجنوب اللبناني )، وقد أثبتت التطبيقات الميدانية صحة النكتة اللبنانية التي تقول: (النظام السوري يريد محاربة إسرائيل حتى آخر رجل لبناني)!!.

ثانيا: هجومه الوقح المفتري على دول عربية رغم أنه لم يسمها إلا أن الغبي يعرف أنه كان يعني مصر والسعودية ، إذ ورد في خطابه: (إن سورية لا تطلب من أحد أن يحارب نيابة عنها... وكلما حصل اضطراب يقولون لماذا ورطتمونا؟... على الدول العربية ألا تتبنى رؤية العدو وألا يكون دورها على حساب مصالحنا... إن الانتصار يعادل أحيانا المغامرة). ومن الواضح تماما أنه يعني مصر بسبب تصريح الرئيس حسني مبارك الذي قال فيه (لن نعلن الحرب ضد إسرائيل من أجل لبنان وحزب الله)، والمملكة العربية السعودية التي وصف وزير خارجيتها خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين بـ(المغامرة). وكان يمكن قبول افتراءات الرئيس الشاب ، لو كانت جيوشه تحاصر تل أبيب ودولة إسرائيل ترفع رايات الاستسلام، أما وهو الخائف المرتعد الجبان أمام الجيش الإسرائيلي، فلا يحق له هذه العنتريات، فيكفي المملكة العربية السعودية، أنها مارست حقها في نقد عملية حزب الله ، ثم انحازت لخيار الشعب اللبناني من خلال دعمه بما لا يقل عن مليار دولار، مقابل مليار كذبة من أكاذيب الرئيس الشاب وحزبه الطليعي في القمع والسجون والمعتقلات. والمثير للغرابة أنه يسعى للخصومة بدون سبب مع أكثر من قطر عربي، ويوقع اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران، والكل يعرف أنها لا تساوي الحبر الذي وقعت به، فهي مجرد فقاعات هوائية لدعم إيران، وهي لن تفيد إيران فهي نفس الفقاعات التي لم تحرر الجولان، فكيف ستدعم إيران والإيرانيون يعرفون ذلك ولكنهم يحتاجون أيضا للتصفيق والخطابات الشبيه بخطابات المسؤولين الإيرانيين التي اعتادوا على إطلاقها في الشهور الأخيرة للفت أنظار العالم عن قضية ملفهم النووي التي ستحال نهاية الشهر لمجلس الأمن الدولي.

الموقف الشجاع لحزب الله
والدليل على صحة وموضوعية تحليلنا هذا أن حزب الله الذي يحاول الرئيس الشاب تسويق نفسه ونظامه من خلال الإشادة بصموده وبطولته، رفض تصريحات الرئيس الشاب جملة وتفصيلا، فقد صرّح حسين الحاج حسن النائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله: (أن الحزب لا يتبنى كلام الأسد فيما يتعلق بقوى 14 آذار المناهضة لسورية ) و(رافضا اعتبار فريق 14 آذار عميلا لا لإسرائيل ولا لأمريكا).وكم كان نائب حزب الله في مستوى المسؤولية و بطولات حزب الله عندما قال: (نصرنا هو لقوى 14 آذار قبل أن يكون لحزب الله، وهم شركاء في النصر ونحن وراءهم ). وهذا الحزب الوطني المناضل بموافقته على نشر الجيش اللبناني في عموم الأراضي اللبنانية وعدم ظهوره المسلح في مناطق انتشار الجيش اللبناني أي في عموم الأراضي اللبنانية، يثبت أنه حزب في مستوى المسؤولية ويستحق الاحترام.
إزاء ذلك يصبح سؤالنا منطقيا: ماذا يريد النظام السوري؟.إنه يؤسس لمرحلة من الخلافات العربية، بدليل الهجوم الشديد للصحافة المصرية على خطاب الرئيس الشاب ، وكذلك الصحف الإماراتية التي اعتبرت خطابه غير مسبوق في حدته... وكذلك مرحلة من العزلة لهذا النظام بدليل أن وزير الخارجية الألماني ألغى زيارته لدمشق بسبب التصريحات الغوغائية للرئيس الشاب، التي تصور نظامه وكأنه الدولة العظمى الوحيدة في العالم والكل يرتجف منها خوفا، في حين أن الصحف المصرية في حملتها عليه كشفت بعض المستور، عندما أكدت أن الرئيس الشاب طلب من مسؤولين عرب أن ينقلوا للقوى الغربية أي الولايات المتحدة الأمريكية أن دمشق لا تفكر في أي دعم عسكري للمقاومة وأن دعمها يقتصر على الدعم الإعلامي فقط.
إن هذا النظام يحاول العيش اليوم بمنطق تأجيج الخلافات الإقليمية والشعارات الفارغة، بدليل الهجوم السافر على مواقفه هذه في الصحافة المصرية والسعودية ، وهذا يستدعي موقفا عربيا فكيف تسكت الجامعة العربية على هذه الممارسات؟.

هل يسمح ميثاق الجامعة العربية بهذه الممارسات والتدخل في شؤون دولة عربية؟.

التحرك العربي إزاء هذا النظام لمصلحته ومصلحة الشعب السوري قبل أن يزج سورية في عزلة عربية ودولية لن يعاني منها إلا الشعب السوري.... وهو ما يزال مستمرا في معزوفاته القبيحة لسرقة إنجازات المقاومة اللبنانية معتقدا غباء الجميع!!.
[email protected]