صنع الطائفيون والشعوبيون الإيرانيون للشاه إسماعيل الصفوي هالة خيالية فاقت هالة الملك كورش الإخميني في التلمود اليهودي. حيث جعلوه بمنزلة نائب الإمام quot; المعصوم quot; والحاكم باسمه على الرغم من انه لم يكن من ألفقها وليس حتى من الحكام العدول. وهذه المنزلة التي أعطت لإسماعيل الصفوي آنذاك هي ذات المنزلة التي تطورت فيما بعد الى نظرية الولي { الفقيه العادل: نائب الإمام المهدي} المتعارف عليها اليوم في ايران والمسماة بولاية الفقيه. ولكن من هو إسماعيل الصفوي، هذا الرجل الذي تمكن ان يبني دولة إيرانية جديدة طالما حلم الكثيرمن قادة الشعوبيين قبله في بنائها؟. إأنه إسماعيل بن حيدر بن صفي الدين الاردبيلي الذي ولد من أبا ذو أصول تركية أذرية وأم ارمنية. ظهر في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح لاول مرة سنة (907هـ = 1502م) في إقامة دولة شيعية اثني عشرية في تبريز عاصمة أذربيجان.
كان جده صفي دين الاردبيلي سني على مذهب الإمام الشافعي وكان معروفا بتصوفه على الطريقة البكتاشية وكان عضو في المجلس السني - الشيعي المشترك الذي أسسه السلطان خدا بندة التركماني حاكم ايران و الذي ضم في عضويته فقيه الشيعة في العراق آنذاك العلامة الحلي.(تاريخ ايران ـ المجلد السادس ـ ص 616).
قبل خمسمائة عاما تقريبا وعندما كانت ايران تخضع لسلطة الايليخانيين التركمان شهدت المناطق الاذرية في غرب ايران ظهور قوة جديدة اغتنمت فرصة عدم وجود سلطة عثمانية في تلك المناطق وضعف قوة الايلخانيين لتقوم بحركة تمرد تهدف الى إقامة دولة مستقلة تحمل مذهبا مغايرا للمذهب السني السائد في بلاد فارس آنذاك. وقد عمد قائد تلك الحركة quot; إسماعيل الصفوي quot; الى المزج بين شطحات الصوفية وخرافة المذهب الجديد ليصنع لنفسه نسبا آخر يصله بالنبي محمد (صلعم) وهو نسب quot; السيدية quot; بديلا عن القزلباشية الذي كان يعرف به. { و هذا التغيير المفاجئ في النسب والمذهب حسب رأي الكاتب و الباحث الإيراني إسماعيل نوري لم يجد المؤرخون الإيرانيون والمستشرقون لحد الآن جوابا له وهو كيف ولماذا قرر الصفويون تغيير لقبهم من الشيخ الى السيد واختاروا لدولتهم مذهب التشيع الأثني عشري رغم أنهم كانوا على مذهب أهل سنة }.
وفي احد ليالي الجمعة من ربيع عام 908- 1501م والتي كان من المقرر ان يعلن في صبيحتها تتويجه ملكا و المذهب الشيعي بديلا للمذهب السني السائد في تلك المناطق، فقد حضر عدد من أمراء القزلباش(أصحاب القبعات الحمر من قبائل التركمان الذين شكلوا جيش التمرد الصفوي ) حضروا لدى إسماعيل الصفوي وابلغوه عن توجسهم من إمكانية حدوث ردود أفعال من قبل أهالي تبريز الذين كان عددهم يزيد على الثلاثمائة ألف جميعهم من أهل السنة إذا ما سمعوا بالخطبة الشيعية الجديدة التي تقرر ان تتضمن الأذان quot; بـ اشهد ان علياً ولی الله و quot; حی علی خير العمل quot; ويرفضوا ان يكون الملك شيعيا. فرد عليهم قائلا quot; إني لا أخشى أحدا و إذا ما حدث واعترضت الرعية فاني سوف اجرد سيفي من غمده و بإذن الله لن ادع احد منهم حيا. (كتاب عالم آراء الصفوية ص ndash; 64 ص).
و في صباح الجمعة توجه إسماعيل الصفوي الى الجامع وقد انتشر جنود القزلباش بين صفوف المصلين ثم اعتلى المنبر وجرد سيفه من غمده وأشار الى شيخ يدعى quot; مولانا احمد الاردبيلي quot; وكان ملما بالعقائد والفقه الشيعي، وكان قد جيء به من خارج تبريز حيث لم يكن في تبريز آنذاك عالم شيعي واحد، أشار إليه ان يصعد المنبر ويلقي الخطبة وكان هو يقف الى جانبه. وما ان بدأ الشيخ خطبته حتى تعالى الهمس بين المصلين فقسم منهم حين رأوا الجنود فوق رؤوسهم قالوا لله درك من خطيب ! أما القسم الأخر فشان عليهم الأمر فقاموا ليخرجوا من الجامع غير ان إسماعيل الصفوي أشار الى جنود القزلباش ان يطلبوا منهم إعلان التبرؤ و المولاة (التبرؤ من الخلفاء الراشدين الثلاث وإعلان المولاة لعلي بن أبي طالب) فمن فعل نجى ومن امتنع تدحرج رأسه بين قدميه.
وعلى الرغم من ان أهالي تبريز لم يبدو مقاومة تذكر في مواجهة الجيش الصفوي إلا ان جنود القزلباش قاموا بمذبحة شنيعة في المدينة لم تسلم منها النساء والأطفال. كما أنهم عمدوا الى نبش قبر السلطان يعقوب آق قویونلو التركماني وقبور سائر الأمراء في المدينة وحرقوا بقايا جثثهم . (سفرنامه ونيزيان در ايران: ترجمة منوچهر أميري ـ ص 408).
وعلى هذه المنوال واصل إسماعيل الصفوي توسيع دائرة سلطانه ونشر مذهبه الجديد بين الأقاليم الإيرانية التي أخذت تتساقط الوحدة تلو الأخرى تحت شدة بطشه.ويشير صاحب كتاب laquo;أحسن التواريخraquo; الى مذابح السنة في مدينةlaquo;شکیraquo; في غرب ايران ومذبحة الشيروانيين وإحراق جثت شيخهم، فرخ يسار، وبناء منارة من جماجم القتلى في المدينة. ويذكر أيضا هجوم القزلباش على قلعة باكو والقيام بمذبحة فجيعة بين أهالي القلعة وإحراق جثث الموتى و أبادت ثمانية عشر ألفا من جيش الأمير عثمان آق قويونلو بعد استسلامهم. كما هاجم إسماعيل الصفوي بغداد عام 913هـ وارتكاب أفضع المجازر وأباح مقام الإمام ابو حنيفة النعمان ونبش قبره. وفي عام 914هـ هاجم الأحواز وأطاح بدولة المشعشعيين بعد مذبحة دامية لا تقل بشاعة عن مذابحه السابقة في تبريز وبغداد وغيرها.
ومن بين مذابح عام 915هـ يمكن ذكر مذبحة شيراز و مذبحة مازندران التي راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف، بالإضافة قتل أكثر من سبعة آلاف من أهل السنة في مدينة يزد وسط ايران مرورا بأعمال القتل و السلب والنهب التي شهدتها على يده مدينة اصفهان التي تحولت فيما بعد الى عاصمة الصفويين.
وفي عام 916 هـ ارتكب مذبحة مرو التي قتل فيها أكثر من احد عشر ألفا بعد حربه مع quot;شيبک خان التركمانيquot; الذي قام جنود القزلباش بتقطيعه واكله أمام أهل المدينة.
وفي عام 917 هـ قتل خمسة عشر ألفا من سكان قلعة القرشي تلك المجزرة التي لم يسلم منها النساء والأطفال والكلاب والقطط .
وفي نفس العام هاجم هرات وقام بقتل زعمائها وفقهائها، كما هاجم بادغيس وقام بارتكاب مجزرة فضيعة فيها. (مصدر سابق).
وينقل الباحث الإيرانيquot; الدكتور إسماعيل نوريquot; عن صاحب كتاب quot;تاريخ الأدبيات الإيرانيةquot; ان الشاه إسماعيل كان شديد الحساسية بنسبة للعلماء والفنانين وسائر المفكرين. وكان من سيرته انه كان يطلب منهم القول quot;باشهد وان عليا ولي اللهquot; فمن يلفظها يطلق سراحه ومن يرفض يقطع رأسه او يلقى به في النار. ويضرب مثالا على ذلك قصة قتل اثنين من أهل العلم والفضيلة من علماء السنة في شيراز وأصفهان وهما العلامة القاضي مير حسين مبيدي والعلامة الأمير غياث الدين محمد الأصفهاني اللذين قتلى شر قتلة نتيجة رفضهم سب الخلفاء الثلاثة. ولعل هذه المجازر وغيرها هي من كانت وراء تحرك الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول لمهاجمة الدولة الصفوية وإنقاذ أهل السنة من الإبادة الكاملة.
ولكن السؤال الذي قد يخطر في بال المتتبع هو إذا كان اليهود قد برروا وصفهم لكورش الإخميني بأنه نبي مرسل وذلك بسبب إنقاذه دهاقنتهم من الأسر البابلي، على الرغم من علمهم ان كورش هذا كان قد قتل زوج خالته وتزوج بها لكي يصبح وريثا للعرش بعد موت جده لامه، فما هي المبررات التي دفعت بمراجع الطائفية والشعوبية الإيرانية الى إصباغ هذه الهالة على إسماعيل الصفوي الذي يصفه ابنه طهماسب بأنه جزار و شارب خمر وزير نساء.
فقد جاء ذلك في رسالة بعث بها الشاه طهماسب الأول بن إسماعيل الصفوي الى السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول يقول له فيها، ان أبي حين دخل مع أبوك الحرب في معركة جالديران كان سكرانا في ذلك اليوم ولم يكن لوحده في حالة سكر بل ان قائده quot; دورميش خان وسائر أمراء الجيش بل ان اغلب الجيش كان في حالة سكر.
وقد تحدثت الكثيرمن المصادر التي اختصت بدراسة أحوال مولوك الصفوية ان الشاه إسماعيل كان شارب للخمر وكان حليق اللحية وكان يحب مجالس اللهو والرقص وبعد ان فتح هرات طلب ان تلبس نسوتها الزينة وتخرج راقصة لاستقباله.
ولكن على الرغم من كل هذه الرذيلة بقي الطائفيون والشعوبيون يمجدونه وبقي في أعينه الحاكم بنيابة عن الإمام الغائب !.