من الطبيعي أن تهتم وسائل الإعلام العربية والعالمية بنتائج استفتاء إيلاف حول التغطية الإعلامية للحرب في لبنان، وذلك لذكاء الفكرة من ناحية أن النتائج ستوضح طريقة عينة من النخبة العربية في متابعة الحدث وتلقي المعلومات حوله، خاصة أن الاستطلاع شمل 270 شخصية عربية إعلامية وثقافية واقتصادية واجتماعية من ثقافات وأعمار

التفاصيل الكاملة للاستفتاء

إيلاف تحقق أكبر نسبة

وعواصم مختلفة، وهذا بدوره سيوضح لوسائل الإعلام ذاتها مزاج واهتمام هذه النخبة من الشعوب العربية، كي تحسن أداءها من خلال التركيز على الوسائل التي اختاروها في مجال الصحافة الإليكترونية والورقية والإذاعة والتلفزيون للتمعن في أسباب تميزها وتفوقها. وإن كانت إيلاف قد تبوأت مركز الصدارة ضمن المواقع الإليكترونية فهذا له أسبابه وحيثياته. لذلك ولمزيد من التفاصيل سأحاول الإجابة على أسئلة الاستفتاء مع إيراد الأسباب والحيثيات:


أولا: كيف تابعت الموقف في لبنان؟
تابعت الموقف في لبنان من خلال الصحافة الإليكترونية فقط ، وتحيدا صفحة إيلاف وليس ذلك مجاملة لأنني احد كتابها ولكن ضمن هدف مدروس، فأنا ككاتب ومحلل سياسي لا أحتاج للخطابات العاطفية التي تسيطر على المساحة الأكبر من الفضائيات العربية، والتي في الغالب يخلط المراسلون العرب فيها بين الخبر وتعليقهم الشخصي عليه. ولكنني أحتاج للخبر والمعلومة ثم أبني أنا رؤيتي السياسية وتحليلي العقلاني له. وهذا في الغالب أجده في إيلاف التي تسبق بعض الفضائيات أحيانا في نقل الخبر من خلال شبكة مراسليها في مختلف العواصم وخاصة النقاط الساخنة، لذلك أجد كل جديد فيها على مدار الساعة، فلماذا أضيع وقتي في متابعة الهتافات الكاذبة التي تلجأ إليها العديد من الفضائيات العربية للتغطية على الفضائح والجرائم التي ترتكب في عواصمها بحق الشعب اللبناني نفسه وهو في هذه الحرب الهمجية الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته تعطيني إيلاف الفرصة لمتابعة مختلف التوجهات من اليمين إلى اليسار من خلال كتاب إيلاف و جريدة الجرائد، في حين أن غالبية وسائل الإعلام العربي مرهونة لتوجهات دولها أو مموليها وهذا سبب فقدان الثقة في أغلبها. وربما يتذكر القراء أنه في مراحل عديدة كانت الثقة العربية في إذاعتي إسرائيل ولندن تفوق الثقة في مجموع الإذاعات العربية، التي أيا كان حجم أهمية الحدث لا بد أن تسبقه أخبار سفر ووصول واستقبالات الرئيس أو الملك أو الأمير أو السلطان!.

ثانيا: ما هو المصدر الإعلامي الذي تفتحه أول شيء؟
في عاصمة كأوسلو، سواء في المكتب أم في البيت فجهاز الكومبيوتر موصول مع شبكة الإنترنت على مدار الساعة، وأبدأ يومي في الصباح الباكر بتقليب صفحة إيلاف لدقائق لمعرفة مستجدات الحدث السياسي أولا، و إذا كان هناك ما يسترعي انتباهي أتتبعه في العديد من الصفحات العربية وردود الفعل في الإعلام الأوربي، خاصة إذا كان هناك ما سأكتب عنه أو أعلق عليه. ومن الأمور التي ربما تبدو غريبة للبعض أنه كل الوقت وأنا أمام جهاز الكومبيوتر سواء للكتابة أم الإطلاع والقراءة، فجهاز الكومبيوتر في نفس الوقت وعلى مدار الساعة مربوط بإذاعة ( سوا ) و ( بي بي سي العربية )، لمزيد من متابعة الأخبار خاصة أن هذه الإذاعات تخلو نهائيا من التعليقات الخطابية كالإذاعات والفضائيات العربية التي أشرت إلى طريقتها في تقديم الخبر، وهي الطريقة التي ضللت المستمع العربي في مواقف عديدة وخربت توجهه العقلاني للركض وراء هتافات تجعله يتصور أن الجيوش العربية على أبواب تل أبيب، والجيش الإسرائيلي في عمق الأراضي العربية ويحلق فوق القصر الرئاسي السوري ، دون رصاصة واحدة ضده... ومن ينسى أنه في حرب عام 1967 كان إعلام عبد الناصر ولمدة ستة أيام يؤكد كل ساعة على تزايد عدد الطائرات الإسرائيلية التي يسقطها الجيش المصري وتقدمه في العمق الإسرائيلي، لنكتشف في اليوم السادس أن الطيران المصري لم يدخل الحرب نهائيا وتم تدميره في قواعده، ورغم ذلك كانت النتيجة في الإعلام القومي العربي ليست هزيمة ولكن مجرد نكسة، وهذا ليس غريبا فضياع فلسطين كاملة كان مجرد نكبة!.

ثالثا: هل تثق في إعلام حزب الله ومناصريه؟
بصراحة و جرأة أقول: لا...لا..لأنه رغم تقديري وإجلالي لمقاومة حزب الله الباسلة في مواجهة الهمجية الإسرائيلية إلا أنه إعلام موجه يخدم إيدولوجية معينة وارتباطات إقليمية، وفي الغالب على حساب الحقيقة، ففي الحرب الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي كانت هناك مبالغات كبيرة في خسائر الجيش الإسرائيلي، وهي مبالغات أتمنى لو كانت حقيقية ليعرف جيش الاحتلال ثمن عدوانه، وكذلك المبالغة في عدد الصواريخ التي كان يتم إطلاقها يوميا على دولة إسرائيل، في حين أن الخسائر هناك أقل بكثير جدا من هذا العدد. فعندما يقال أنه طوال أيام الحرب التي زادت عن ثلاثين يوما، أنه كان يطلق يوميا بمعدل مئتي صاروخ من مختلف الأنواع، فلو قتل كل صاروخ إسرائيليا واحدا لكان عدد القتلى الإسرائيليين حتى نهاية الحرب على الأقل ستة آلاف إسرائيلي. كما أن الإصرار على هذه المبالغات يفقد حزب الله أمام الرأي العام العالمي صفة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، ويضعه كقوة عسكرية عظمى أمام الترسانة العسكرية الإسرائيلية. وهناك تجاهل كامل في إعلام حزب الله للمجازر التي يتعرض له الشعب العراقي سنّة وشيعة، فلماذا مقتل سبعين شخصا في قانا اللبنانية مجزرة رهيبة، بينما مقتل أكثر من ألف في جريمة تفجير جسر الإئمة في بغداد لا ذكر لها ولا دمعة من أجلها. وهذا يبدو وكأن هناك دم عربي رخيص و دم غال ونفيس، والدم يذكر بالدم خاصة أن الطفولة واحدة، فلماذا عشرات الأطنان من الورق شعرا و نثرا في الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي ولا كلمة واحدة في آلاف الأطفال العراقيين الذين يقتلهم الإرهابيون يوميا، و دون كلمة إدانة واحدة في إعلام حزب الله. وكذلك لماذا يتجاهل حزب الله إعلاما وقيادة كل الانتهاكات بحق المخيمات الفلسطينية حيث يمنع الفلسطينيون من العمل في سبعين مهنة ويمنعوا من إدخال الإسمنت لإصلاح سقوف بيوتهم المهدمة التي لا تليق بالبشر. ربما يقول البعض: لا صوت يعلو على صوت المعركة الآن !. وهذا ليس صحيحا فالمعركة تحتاج تكاتف الجميع وهذا لن يتحقق إلا بالمساواة والعدالة وعدم ترهيب الآخرين ، وإلا لماذا لا تشارك أحزاب لبنانية أخرى في التصدي لزحف الاحتلال رغم أنها مسلحة ومدربة، ولماذا ترى بعض الفعاليات اللبنانية أن انتصار حزب الله هو تدمير لها وقضاء عليها؟. إن توجه إلغاء الآخر وعدم البحث عن العدالة والأمان له مأخذ كبير على إعلام حزب الله، لن يكون في مصلحة لبنان المستقبل الخارج من ركام هذه الحرب العدوانية. وبالمقابل فإن الإعلام الإسرائيلي أكثر مصداقية مع شعبه في كل الأمور، ونستطيع أن نرى بعد توقف الحرب حجم النقد والمساءلة للحكومة الإسرائيلية في الإعلام الإسرائيلي، وبدأ تشكيل لجان للتحقيق في كل ملابسات الحرب من وجهة نظرهم بالطبع، في حين أن من يجرؤ على انتقاد حزب الله يوصف بالخيانة والعمالة، رغم اعتراف حسن نصر الله بخطأ حساباته وتقديراته الخاصة بحجم رد الفعل الإسرائيلي.

استفتاءإيلاف من شأنه أيضا أن يؤشر للقراء والمستمعين والمشاهدين العرب، على وسائل إعلامية معينة ربما تسترعي انتباههم من جديد ليصبحوا من متابعيها استنادا لرأي ذوي الخبرة ممن شملهم الاستطلاع.
[email protected]