ومن المفجع حقاً أن المدنيين والمثقفين الأحرار من الشيعية الذي شقوا الطريق الصحيح والضروري لأبناء طائفتهم للمشاركة بحكم البلاد وتقرير مصيرها لقرن من الزمان تقريباً، والذين شكل رعيلهم الجديد النواة الصلبة الحقيقة للعمل على الإطاحة بصدام ونظامه وكانوا هم في طليعة محرري العراق يجري العمل اليوم على عزلهم واستبعادهم بل وتكفيرهم وتخوينهم من نفس المراجع والبيوت الإقطاعية ليأخذ رجالهم ونساؤهم المكفنات بالأسود ، هم لا غيرهم زمام الحكم الذي ظلوا لأكثر من ألف عام يلعنونه ويعدونه باطلاً ومدنساً وأعدوا لمن يمارسه خنادق في الجحيم! وإنها لموهبة فذة ومثيرة حقاً أن يتحول هذا الجحيم إلى فردوس على أيدي هؤلاء الحكام مع إن الكثير منهم تورط في الفساد والظلم وسفك الدماء!
لا يتورع من يظلمون طائفتهم من تنمية مشاعر الاضطهاد داخلها بل يعملون كل ساعة وكل دقيقة على تحويلها إلى عقدة اضطهاد مستفحلة ومتصاعدة، وتصوير الطرف الآخر على أنه غول عريق في الشر! وهدفهم من ذلك واضح وهو إحكام السيطرة عليهم وتصوير أنفسهم أنهم من سيقتص لهم من هذا الغول السفاح، إذ من سايكولوجية المضطهد هو البحث عن مضطهد جبار يواصل اضطهاده وتغذية مشاعر الاضطهاد لديه ومواصلة تحديه لمقارعته بنفس الوقت! إنها مجافاة فاضحة للحقيقة ، وظلم فادح للسنة تحميلهم عدم أخذ الشيعة لمشاركتهم المتكافئة في السلطة مع جميع المآسي التي وقعت لهم! إن مراجعة موضوعية ودقيقة لأرقام ومفاصل ما يسمونها معادلة مظلومية الشيعة سيفضي للحقيقة المرة وهي أن الشيعة قد ظلموا من داخلهم أكثر مما ظلموا من خارجهم!
لقرون طويلة كان الفقراء السنة كما الفقراء الشيعة يضطهدون من الأثرياء المستغلين سنة وشيعاً معاً، وعانوا معاً تبدل الحقب السياسية لصالح الحكام الظالمين والغزاة وما ينصبون من ولاة وسلاطين ولم يكن لهم خيار أو قرار خاصة في ظل مفاهيم وموازنات المجتمع الإسلامي الكبير!وفي العصر الحديث، وفي العهد الملكي كان يجثم على صدورهم سنة وشيعة ثقل الدولة المكونة من تحالف الإقطاعيين وشركات النفط الأجنبية ووعاظ السلاطين من السنة والشيعة! ثم ازداد ثقل الدولة أكثر في العهد الجمهوري عندما دخلت المعادلة المتغيرة بعض الشيء دبابات العسكر وشعارات الأحزاب الثورية الفاشلة! كان الإقطاعيون والأثرياء المستثمرون يتحالفون ويتبادلون المصالح وتبويس اللحى في قصورهم ومحافلهم سنة وشيعة، وكان الغني السني أقرب للغني الشيعي من الفقير الشيعي كما إن الغني الشيعي أقرب للدولة العراقية من الفقير السني والشيعي معا. لم تكن الطائفية تجري في دم المواطن الشيعي أو دم المواطن السني كانت في الواقع تجري في عروق كل المستفيدين من التراتب الطبقي الجائر المتوارث في العراق! لقد وجدها صدام لعبة جاهزة فواصلها بخبث ودناءة وقسوة، ولم يقتصر بطشه وشره على الشيعة فقد شمل الجميع (خاصة الكرد سنة وشيعة إذ أوقع عليهم أذى هائلاً وأكبر من أن يحصى) لقد كان صدام يكره العراقيين شيعة وسنة (والإنسانية جمعاء) لكنه بالتأكيد يكره الشيعة أكثر!
لقد منع صدام الشيعة من ممارسة الطقوس ومواكب التعزية في عاشوراء بحجة أنها تخل بالوجه الحضاري للعراق، لكن صداماً الذي كان وجوده هو الخلل الحقيقي في الوجه الحضاري للعراق لا يستطيع أن يكون مقنعاً بالدفاع عن الوجه الحضاري للعراق. وإذا ما بدرت ملاحظات من مثقفين سنة مترادفة مع ملاحظات من مثقفين شيعة حول هذه الطقوس وطرائق أدائها فهي لم تكن من منطلقات صدام بل من حرص حقيقي على جماهير الشيعة الغفيرة المعذبة وعلى نقاوة اعتقاداتهم ومحاولة تخليصها مما شابها من طقوس خارجية (بويهية وصفوية وكاثوليكية قديمة) خاصة إذا كانت تؤثر على مجرى الحياة العامة وتخرج عن الحدود الطبيعة لشعائر وطقوس أية طائفة وتؤثر على حياة الآخرين في البلد إذ ينبغي على أتباع كل طائفة أن لا يتصوروا أنهم وحدهم يعيشون في هذا البلد ولهم حق التصرف فيه كيف يشاءون!
بعض قادة الشيعة ومن معهم من رجال الدين المسيسين يحاولون تهييج وتعبئة الشيعة بأنهم اليوم في معركة كبرى لتصفية الحساب مع السنة والقصاص منهم على مافاتهم من فرص أو عانوه من حيف، ويخوضون هذه المعركة فعلاً على الأرض وكأنها غزوة ضد أقوام أحتلوا أرضهم فجاءوا لاستعادتها واجلائهم منها لا أشقاء شركاء في هذا الوطن منذ أقدم الأزمنة، بل يجري اليوم ولأول مرة في العراق إعلان تشكيلات الحكومة وبرامجها ومسيرتها تحت صور وأختام أئمة ورموز الطائفة الشيعية والتأكيد على أن المرجعية الشيعية هي الراعية لنهج الحكومة التي هي مسؤولة أمام المرجعية لا أمام مجلس النواب!وقد يتسامح البعض في ذلك على أساس أنها من ضمن الطقوس العادية للطائفة ولكن حتى هذا الرأي يتهافت حين يعلو وسط ذلك بل تتصدره شعارات وبيارق التزمت والفحيح الطائفي!
ولم يعد يعرف من هو الذي يقود الدولة والحكومة ويضع برامجها ونهجها الفكري هل هو مجلس الوزراء؟ مجلس النواب؟.مجلس الرئاسة ؟ أم المرجعية الشيعية ؟ وبينما تدعي المرجعية العليا للشيعة أنها لا تتدخل في السياسة نجدها في الواقع اللاعب الأول في الحياة السياسية العراقية!
كل ذلك يتم في أجواء حرب تعج باللافتات السود تغطي معظم الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة حاملة الشعارات الطائفية المنذرة والمتوعدة على شكل آيات قرآنية وأقوال أئمة وقصائد وصور أئمة ومراجع احتلت مواقع صور وجداريات صدام وجميع مداخل ومنافذ المدن بل إن محطة التلفزيون الوطنية تحولت إلى قاعة ردح طائفي متشنج وإلى منبر عزاء دائم يبعث على الكآبة والتشاؤم دون اعتبار أن هكذا طقوس ورموز تخص طائفة واحدة هي مهما كبرت فينبغي عليها مراعاة مشاعر وذاكرة وقناعات الطوائف الأخرى!
إنه حكم الطائفة بسفور وتعسف لا مثيل لهما وبتظاهرة استفزازية يصعب تجاهلها أو ضبط النفس حيالها! إنه لاستغفال للناس وإهانة إضافية لهم القول أن هذا هو حكم الشعب قاصدين بالطبع أنهم الآن قد أضحو الشعب كله ولا ووجود لآخرين معهم معيدين للأذهان نزعة وسيرة البعثيين والصداميين، بل إنهم فعلوا ما لم يفعله البعثيون إذ البعثيون لم يبرزوا تراث أو أفكار السنة التي يحسب عليها دولتهم بل أعلنوا شعارات عصرية أو شبه علمانية عامة(كانوا بالطبع أول من يخونها، ويعمل عكسها).
بموازة ذلك يقوم بعض من قادة ورجال الدين الشيعة بواسطة ميليشياتهم التعرض للناس الآمنين من الطوائف الأخرى المسيحيين والمندائيين خاصة لإجلائهم من بيوتهم وقتل من لا يستجيب لهم ، والتعرض لهم في طرائق حياتهم المختلفة حيث تفجر محلات بيع المشروبات ودكاكين الحلاقين وباعة أجهزة الكومبيوتر (صارت الملاهي والبارات في العراق ضمن المستحيلات)، بينما فتحت أسواق سرية وعلنية لترويج الإفيون والحشيشة وباقي المخدرات الإيرانية محسوبة بالتومان الإيراني في المجتمع العراقي الذي عرف بنظافته من هذه الآفة قروناً طويلة!كماتصاعدت ممارسة شرسة وواسعة لفرض هيمنة ملائية رهيبة على الوزاراة والمؤسسات التي أخذوا بقيادتها شرعاً أو اغتصاباً حيث ينصبون عليها موظفين وعاملين شيعة بعد طرد الموظفين والعاملين السنة أو المسيحيين والمندائيين منها، بل جرى تحويل بعضها إلى أوكار وأقبية للتعذيب كما في يحدث وزارة الصحة الحالية وفي مشرحة الطب العدلي بل جرى في بعض المحافظات الجنوبية تغير مناهج المدارس والكليات لتطابق مفاهيم المذهب الشيعي وبأضيق صوره. هذا بالإضافة لممارستهم السرقات والرشوة والمحسوبية وكل أشكال الفساد وعلى أوسع نطاق في هذه الدوائر والمؤسسات التي أضحت ملكية خاصة لهم وتوقفت تقريباً عن أداء الخدمات العامة. بالطبع لم يستطع هؤلاء الطائفيون أن يحققوا ما في المذهب الشيعي من قيم السمو والترفع عن الدناءات على العكس أظهروا نهماً بشعاً لكل ماهو مبتذل ومنحط وجعلوا الكثيرين يصابون بخيبة أمل من هؤلاء الضحايا الذين تحولوا بلمح البصر إلى حاكمين جلادين وفاسدين!

لقد أوقفوا جانباً كبيراً من برنامجهم لما سمى بعملية اجتثاث البعث، ولوحوا به كشرط أعظم وكخط أحمر! وبالطبع إنه لحق بل واجب قانوني محاسبة المجرميين من البعثيين وغيرهم وأيقاع القصاص العادل بهم، لكن ما ظهر من توجهات قادة الأحزاب الدينية الشيعية هو التركيز على البعثيين السنة، واغفال البعثيين الشيعة الذين كانوا يشكلون نسبة هائلة من تركيبة وجهاز البعث والدولة خاصة في مجال الأمن والمخابرات والدعاية الفكرية والثقافية.ترى هل يستطيع هؤلاء القادة أن يقولوا أين ذهب الملايين من البعثيين الشيعة؟ أليسوا هم اليوم الجسد التنظيمي والجماهيري لأحزابهم وميليشياتهم ؟ كل الذي فعلوه أنهم أطالوا لحاهم واستبدلوا ثيابهم الزيتونية بالعباءات السود والعمائم؟ بعضهم استبدل الرشاش بالسبحة وبعضهم استبدل السبحة بالرشاش! قادة الطائفة لا يريدون أن يروا ذلك فهم ينامون على وهم طهرانية طائفتهم ودنس الطائفة الأخرى! ولا يجدون غضاضة في أن يبنوا بهؤلاء دولتهم الدينية المذهبية! إن انحيازهم للبعثيين الشيعة وبينهم قتلة وهاتكو أعراض ولصوص ومجرمون عائدون يجعلنا نصدق قول البعض أنهم يقصدون باجتثاث البعث اجتثاث السنة!

كما إن ثمة معلومات تتحدث أن المخابرات الإيرانية أخذت تقلد الدوائر الصهيونية القديمة عندما كانت في الخمسينيات تلقي القنابل والمتفجرات على بيوت ومقاهي اليهود في بغداد لتملأهم بالخوف وتجبرهم على الرحيل إلى فلسطين. فهي قد كونت لها عصابات بوجوه سنية وشيعية متطرفة، إضافة لعصابات الزرقاوي وخليفته الجديد وشراذم البعث لتقوم بتفجير تجمعات ورموز شيعية بغية دفعهم لانعزال طائفي يرتبط بها ولحرب أهلية تضغط بها على أمريكا!
إن هذا يجعل مكونات المجتمع الأخرى وخاصة السنة بالطبع في قلق وخوف وتوتر متفاقم، ولا يمكنهم من استيعاب متغيرات الوضع الجديد! لذا صار من الطبيعي أن ينسب الكثير من السنة إلى الحكومة القائمة ولقوات بدر ، وجيش المهدي بالذات عمليات القتل الطائفي والتي تبدو غامضة (أو واضحة جداً) التي تقوم بها فرق الموت السوداء وهي مكونة من رجال يرتدون زي الشرطة ومنتسبي وزارة الدفاع والداخلية ويأتون محمولين بسيارات تحمل اسماء وشعارات حكومية في مداهمات ليلية قتل فيها الكثير من رجالهم ونسائهم وبعض وجوههم ورموزهم وطيارين عسكريين أدوا واجباً أجبروا عليه في الحرب العراقية الإيرانية، وقد صار في حينها واجباً وطنياً حقاً عندما تراجع صدام بعد فترة عن الحرب التي اشعلها بعد أن أحس بهزيمته وأصر الخميني على مواصلتها وبذلك أضحيا معاً شريكين في المسؤولية والجرم عن هذه الحرب التي دمرت الشعبين العراقي والإيراني! لقد صار قتل العشرات من السنة في كل ليلة ، وإلقاء جثثهم قي الشوارع ومجاري تصريف المياه وعليها آثار تعذيب وخنق وإطلاقات عن قرب ، طقساً معتاداً في بغداد يقوم به رجال حقيقيون لكن وزارة الداخلية والدفاع ورئيس الحكومة يصرون على أنهم اشباح لا يمكن رؤيتهم دعك من الإمساك بهم!
في هذه الأجواء حيث الحكومة ذاتها صارت مصدر الموت لهؤلاء الشرائح من السنة لم يعد مجدياً توجيه اللوم لهم كون مناطقهم أو بيوتهم أخذت تأوي الإرهابيين وتحميهم ، دعك من محاولة طردهم وأخراجهم أو مقاتلتهم! وقد استغل ذلك الصداميون وبقايا البعث المختفون خلف قناع الزرقاوي وخليفته فراحوا يزيدون مخاوف السنة من الشيعة ومشروعهم الضيق والخاص بهم ويعملون ما يستطيعون لوضعهم على طريق المواجهة الواسعة والشاملة مع الشيعة في حرب أهلية لو قدر لها أن تتسع أكثر فإنها لن تبقى على أي مشروع خاص أو عام دون تدمير أو خروج من أيدي أصحابه وحتى أمد طويل جداً!
لا يمكن للغلواء الطائفية في طائفة إلا أن تساهم في تصاعد الإرهاب داخل صفوف الطائفة الأخرى وتعطل أعمال التنمية والإعمار لإبقاء البلاد واقفة على التربة التي انبثقت منها: التخلف والحياة التالفة المدمرة وهكذا تضمن الطائفية إعادة انتاج نفسها وخلودها البائس بينما تمضي الحياة والبشر من وراءها إلى شقائهم وزوالهم!
لا يستطيع قادة ومراجع الشيعة أن ينكروا خضوعهم في كثير من قراراتهم ومواقفهم لمراجع وقادة أيران المتدينين المسيسين أيضاً. بل هم يفضلون حتى اليوم صوم رمضان ، واستقبال الأعياد مع الإيرانيينن ووفق تقويمهم لا مع اشقائهم السنة في العراق والتقويم الإسلامي العام! ألا يشكل هذا تكريساً للفرقة الطائفية ؟ لم تفلح الحكومة الشيعية السابقة حتى في توحيد العراقيين على مشاهدة هلال العيد ولو لمرة واحدة فكيف تستطيع توحيدهم على مشاهدة ما يسمى بالضوء في نهاية النفق ؟ وكيف تستطيع جذبهم للمصالحة الوطنية وبعض قادة الطائفية الشيعية يطلق عشية عقد مؤتمر المصالحة مشروعه التقسيمي الانعزالي مقروناً بانذارات ووعيد ومغالطات؟

ما انفك قادة ورجال الدين الشيعة المسيسون يؤكدون أن الشيعة يشكلون 65 % من الشعب العراقي ولكن إذا أخذنا بالحديث النبوي أو القاعدة الذهبية في مسألة الحكم (كيف ما تكونوا يولى عليكم) ألا يعني هذا أن قادة ومراجع الشيعة هم مسؤولون أيضاً عن 65% من مصير العراق وما آل إليه من خراب وعذاب؟ والمسؤولية بمفهوم القانون والحياة لا تتأتى عن أداء فعل وحسب بل عن الأمتناع عن الفعل أي بتحريمهم حكم الدولة ووصمها بالفساد مهما كانت مادامت في غيبة المهدي وتبرير السلبية والأنكماش إزاءها ولمئات السنين ثم في المجيء اليوم للحكم بانفجار ونهم وشراهة متأججة كتعويض عن كبت الماضي وما اكتنفه من حرمان سياسي وبعد عن السلطة صنعوه هم بأنفسهم وألقوا جريرته على الآخرين!وللأسف كما كانت غيبة قادة ومراجع الشيعة عن الحكم غير موفقة لم تكن هذه العودة للحكم موفقة أيضاً!

ما يستحق التوقف عنده والوثوق به هو خيبة أمل الكثيرين من المثقفين الشيعة الأحرار وقبل مثقفين من السنة بهذه الخلطة من قادة ومراجع الحكم والتي جاءت تدعي أنها تمثل مطامح الشيعة وأتيح لها حكم البلاد فلم تقدم خيراً بل المزيد من المآسي والإخفاقات والتراجعات. ومع ذلك يظل ثمة أمل في أن يراجع قادة ومراجع الشيعة مسيرتهم الماضية ، وأفكارهم وشعاراتهم ومواقفهم الطائفية الحالية بتلك الجرأة والنقاء التي طالما قالوا إنهم يستمدونهما من واقعة استشهاد الحسين، ومن فكر الإمام علي والذي بنوا عليه جوانب من مذهبهم! لقد كانت الثورة من أجل العدالة والنقاء أهم شعارات المذهب الشيعي، لكن التاريخ كشف أن قادة ومراجع المذهب دفعوا أتباعهم الكثيرين إلى وهدة الحزن والعزلة قروناً طويلة حتى تراكم الكثير من الصدأ على هذه المبادئ الطيبة! كيف يستطيع تحقيق العدالة من يفتي بإدارة الظهر لمسألة السلطة؟ ويحيل تحقيق العدالة لقوة غيبية منتظرة ولا تمتلك أية أسس منطقية أو طبيعية لتحققها؟ لذا سرعان ما أنحرفت مبادئ العدالة والنقاء والحق الذي بدأ به المذهب الشيعي إلى أسس أخرى غريبة وخطيرة هي فكرة (الندم التاريخي) و(الانتقام التاريخي) و(الإنتظار الأبدي المستحيل) (الكراهية الأبدية) والتي تنظم لها كل عام مواكب مليونية للبكاء واللطم والوعيد وصيحات الثأر، وصار على الأحفاد والأجيال الحاضرة والقادمة من المجتمع العراقي معاناة آثارها ونواياها.حيث على أجيال لدى الشيعة تنفيذ مستحقاتها ومع ذلك تظل تقول أنها ما زالت مظلومة! وأجيال لدى السنة تتلقاها وتنزف من طعنات الماضي فتضيفه لما وجدت نفسها فيه من احتقان واحتضان لقواعد الإرهابيين وفلول النظام السابق فتبقى ظالمة وقد تدفع أو تتوغل بمزيد من الظلم! بينما حقيقة الأمر إن أجيال كلا الطائفتين رزحوا تحت الظلم والتأخر والتخلف، ومن قوى كثيرة متشابكة يطول تتبع تعرجاتها وتداخلها أو حتى لم يعد مجدياً النبش في قبورها! وقد آن لأبناء الطائفيتين أن ينفضوا عنهم غبار ماضي الجنوح والضلال ويبنو أمة عراقية موحدة مزدهرة تأخذ بأنبل وأنقى ما في تاريخهم وتراثهم وأصولهم الواحدة العميقة!من قيم المحبة والتسامح والاعتراف يالخطأ وتبادل الاعتذار والعهد على الحياة المشتركة الآمنة الهانئة! فبناء العراق لا يمكن أن يتم إلا بوحدة أبنائه وبمفهوم قوي صلد لروح المواطنة في عراق كبير حيث روح العصر اليوم تدفع باتجاه وحدة البلدان والأمم والمجتمعات لا تجزءتها!

(يتبع: أراء ومقترحات في محاولة معالجة المسألة الطائفية)