(فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف) هذا هو الاقتباس الذي استشهد به بابا الفتيكان بنيديكت السادس عشر وهو يحاضر امام كلية اللاهوت في جامعة بون الالمانية وهي جملة اقتبسها من حوار جرى قبل مئات السنين بين امبراطور بيزنطي وشخص مسلم يُسجل فيها الامبراطور على الاسلام انه دين عنف وانه انتشر بقوة السيف . لقد اثارت هذه الكلمة حفظية الكثير منا نحن معاشر المسلمين واعتبرنا ما تفوه به البابا اهانة لنا ولديننا الحنيف دونما ان نكلف انفسنا عناء البحث بزعم الامبراطور المُستشهد بعبارته اعلاه فهل ما ذكره لمحاوره المسلم من كون الاسلام دين عنف وارهاب حقيقة ام انه ادعاء فارغ لا يستند الى شئ؟ .

سنحاول في هذه الاسطر مناقشة ادعاء الامبراطور الذي اقتبسه البابا والذي كان من وجهة نظري بإقتباسه كناقل التمر الى هجر ومن هنا سوف لن انضم الى خانة المطالبين له بالاعتذار لان الرجل دوره دور المرآة العاكسة للخزين المتراكم من الاراء والمعتقدات المسيحية تجاه اتباع الديانات الاخرى التي تمتلك بدورها خزينا عدائيا تجاه الكنيسة واتباعها، واعتقادي انه بدلا من مطالبته بالاعتذار لنا كمسلمين(وهو قد اعتذر) علينا ان نجيبه بلغة علمية تستند الى العقل والمنطق عن تساؤله القلق - كمسيحي- وان نزيل له التباسه ونصحح له انطباعه السلبي عن ديننا الحنيف الاسلام. وانطباعه السلبي هو امتداد لإنطباع الامبراطور البزينطي عن الاسلام من كونه دين عنف قام وانتشر بالسيف. خصوصا وان البابا ومعه الملايين من اتباعه يرون الاعمال الارهابية المشينة لبعض المسلمين كخطف الطائرات وتفجير الانفاق وتحليل دم واموال اليهود والمسيحيين والمسلمين المخالفين لهم تحت يافطة الجهاد او انزال حكم الله بالمرتدين. والسؤال الذي يجب ان يجيب عليه المسلمون المعتدلون هو لماذا وكيف كون الامبراطور هذا الانطباع السلبي عن دين اسمه مشتق اصلا من السلام اعني الاسلام ؟

اعلم ان ما سأذكره كاجابة عن هذا التساؤل ستثير هي الاخرى حفيظة المتحفظين. واعلم ان تكفيري سيكون اقل ردود الفعل الغاضبة مثلما كُفر اخرون سبقوني للخوض بهذا الحديث. وهنا دعوني اسجل نقطة جوهرية على المتشددين من المسلمين ممن يمارسون دور الوصاية والقيمومة على الافكار وممن خولوا انفسهم حماية الدين الاسلامي والمعتقد ونصبوا انفسهم حراسا عليه. وهذه النقطة هي ضربهم طوقا من القدسية المزيفة حول ماجاء به الفكر الاسلامي -وليس الاسلام- وايحائهم ان هذا من ذاك مع ان هنالك فرقا كبيرا بين الاسلام كدين وكنصوص مقدسة وكمنظومة عقائدية واخلاقية لايرقى اليها الشك لانها نابعة من السماء التي تمثل الحق والصفاء والنقاء المطلق، وبين الفكر الاسلامي والذي لايعدو سوى كونه محاولة بشرية لقراءة وفهم تلك النصوص. اي انه اعمال للعقل البشري في النص المقدس وحيث ان الطبيعة البشرية ناقصة وتبحث عن الكمال ،وحيث ان العقل يبقى محدودا مهما اتسع افقه ، وحيث ان الانسان خطاء فعليه يبقى انتاجه الفكري، ومنه الفكر الاسلامي، مهما بلغ من الدقة ناقصا وقابلا للخطأ وقابلا للتغيير خلافا لنصوص الدين الاسلامي التي جاء بها الوحي من الكمال المطلق اي من الله جلَّ جلاله .

وكذلك اسجل عليهم رفضهم المطلق لاي محاولة جادة لاعادة قراءة النصوص الاسلامية او محاولة اعادة محاكمة واستنطاق التاريخ الاسلامي بحجة واهية مفادها ان مثل هذه المحاولة هي خروج عن قوله تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) مع ان تاريخنا الاسلامي يحمل بين طياته الكثير من المآسي والاخطاء ، سواء بحق انفسنا او بحق الاخرين وهذا هو الامر الذي جعل الامبراطور البزينطي ينظر الى الاسلام نظرة سلبية لانه رأى افعال المسلمين والتي هي انعكاس لفكر اسلامي مشوه ناتج عن قراءة خاطئة للنصوص الاسلامية ولاجتهاد اولي الامر ممن تولوا امور المسلمين ولم ير الاسلام كدين. اي انه رأى الفكر البشري الذي تلبس بلبوس الدين الاسلامي الحنيف .

ان قراءة التاريخ والفكر الاسلامي قراءة حيادية وموضوعية ستوصلنا لنفس النتيجة التي توصل اليها الامبراطور وهي ان الاسلام دين العنف والارهاب وهي حقيقة لايمكن انكارها. لكن اي اسلام هذا الذي عناه الامبراطور والذي نعنيه نحن هنا ؟ هل هو اسلام النبي الكريم محمد والمخلصين من صحبه المتفانين من اجل الانسانية وقيمها المثلى، ام انه اسلام آخر؟ هنا التبس الامر على الامبراطور ومن بعده بابا الفتيكان حيث ان الاسلام الذي وصل اليه هو ليس اسلام السماء النقي الذي جاء به الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل هو اسلام البداوة والصحراء الذي ينطلق من عقلية الغنيمة والذي عبر عن نفسه بما يعرف بالتاريخ الاسلامي بـ(الفتوحات) والتي هي في حقيقتها غزوات والتي يفتخر اكثر ابناء جلدتنا اليوم بها. انه الاسلام الذي قام على فكرة الغنيمة ، وهو اسلام مشوه لايحمل روح واخلاق السماء بل يحمل عادات واعراف البداوة والصحراء التي تقدس السيف وتمجد الغزو ومن هنا وصف زعيم تنظيم القاعدة ا احداث الحادي عشر من سبتمبر لارهابية بـ(غزوة نيويورك).

لو لم نكن مسلمين ولو كنا نعيش بنفس البيئة التي عاش بها الامبراطور البزينطي فأننا ومن دون شك سنحمل نفس الانطباع السئ عن الاسلام. وذلك لاننا نكون قد التقينا بـ(إسلام الفتوحات) الذي انتشر بالسيف والعنف والذي لم يثبت عن الرسول محمد انه امر اتباعه به خلافا لما قاله الامبراطور لمحاوره فكل ما جاء به الرسول محمد كان خيرا للبشرية جمعاء بدليل انه استطاع ان يصنع وفي فترة قياسية جداً امة متحضرة من مجموعة قبائل متناحرة ثقافتها وأد النساء وتعيش الجهل والتخلف والذل حتى قال قائلهم ( كنا أذلة وأعزنا الله بالاسلام). وللاسف الشديد فان الاسلام الذي انتشر في اوروبا اليوم هو امتداد لـ(اسلام الفتوحات). انه بكلمة اخرى (اسلام الدرعية)* اي اسلام البداوة وليس اسلام المدينة المنورة الذي صدح به الرسول محمد والذي قال عنه الله تعالى ( ذلك الدين القيم).

ان (اسلام الدرعية) الذي جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي يقوم على تعاليم الشيخ ابن تيمية وتلميذه الشيخ ابن القيم الجوزية هونموذج للفكر الاسلامي المشوه وهو قراءة بشرية مغلوطة وخاطئة ومشوهة لاسلام النبي محمد بن عبد الله الذي يخاطب الناس كافة بقوله ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر) دون ان يميز بينهم الابالتقوى ( ياأيها الناس انا حلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ودين محمد بن عبد الله هو القائل على لسان خليفته علي بن ابي طالب ( الناس صنفان اما اخ لك في دين او نظير لك في الخلق) وهنا نختلف مع الامبراطور بزعمه ان الرسول محمد امر بنشر الاسلام بالسيف. نعم الذي امر ولازال يأمر بالسيف والعنف وقطع الرقاب هو(اسلام الفتوجات) او اسلام يقوم اساسا على تكفير الاخرين حتى وان كانوا يشهدون الشهادتين طالما انهم لايدينون بالسيف وطالما انهم لايحملون اعراف البداوة والصحراء التي تقدس الغلبة والعنف.

ان جوهر اسلام الرسول محمد او اسلام المدينة المنورة هو الحوار(قل ياأهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء) والدفع بالتي هي احسن (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم) والدعوة الى سبيل الله بالحكمة والكلمة الحسنة( ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وهو ما لم يصل الى مسامع الامبراطور البزينطي الذي استشهد بابا الفاتيكان بحواره ،اما حقيقة اسلام فهو السيف والعنف والغزوات والجواري والغنائم و الذي افرز نماذج ارهابية مثل ابن لادن والزرقاوي تمجد الارهاب وتتغنى به وتعتبره من صلب عقيدة الاسلام في تفسيرخاطئ لقول الله ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وللحديث بقية.

[email protected]