دروس آسيوية للسياحة العربية

حققت النمور الآسيوية حديثة العهد (ماليزيا و تايلند) تقدما اقتصاديا واجتماعيا هائلا سيؤدي بالتأكيد إلى تخلف نسبي كبير للدول العربية خلال الفترة القادمة، تماما كما سبق وأن حصل من قبل مع النمور السابقة مثل كوريا الجنوبية وتايوان، حيث بدأت تايلاند تحمل اسم quot;ديترويت آسياquot; نتيجة هيمنتها على صناعة السيارات، كما بدأت ماليزيا تتقدم في مجالات التقنيات الحديثة مثل صناعة الرقائق وأشباه المواصلات. لكن القفزة الآسيوية للنمور الجدد واضحة أيضا في مجال السياحة، وفي هذا درس هام للعرب كي لا يفوتهم الركب في هذا المجال كما فاتهم في مجالات أخرى.
ولا بد من التنويه هنا أن لقطاع السياحة عديد المزايا، أهمها: (1) أن نموه على مستوى العالم يزيد بحوالي 30% عن نسبة نمو الاقتصاد بصفة عامة، مما يتيح للدول فرصا كبيرة للتطوير، (2) انه خدمة تصديرية تحصل في مقابلها الدولة على العملة الصعبة، (3) للسياحة انعكاسات هامة على مختلف الأنشطة الأخرى مثل البناء، الأثاث، الصناعات التقليدية، الزراعة والصيد البحري و الصناعات الغذائية بمختلف أنواعها، و(4) يعتمد الاستثمار في السياحة على اليد العاملة بصفة مكثفة، مما يساعد على الحد من البطالة. بالإضافة إلى ما سبق، تمثل السياحة أهمية قصوى بالنسبة للدول العربية التي لا تمتلك ميزة نسبية في المجالات الصناعية والتقنية نتيجة ضعف نظامها التعليمي، مقارنة حتى بدول متخلفة و فقيرة مثل الهند والصين. تحصد ماليزيا سنويا من السياحة ما يزيد عن 8 مليار دولار و يرتفع الرقم إلى 10 مليار دولار بالنسبة لتايلاند، حسب أرقام 2004 لمنظمة العالمية للسياحة (موقع:www.world-tourism.org). ويفوق هذا بكثير مدا خيل الدول العربية مثل مصر (6 مليار دولار)، المغرب (4 مليار دولار) و تونس (2 مليار دولار).

من أهم أسباب هذا التفوٌق:
1.الخدمات الراقية التي تلبي احتياجات السائح: على سبيل المثال، تفتح مكاتب السياحة في ماليزيا حتى منتصف الليل في بعض الأحيان لخدمة الزبائن الخليجيين، عندما تبين انهم غالبا ما يقومون بحجوزاتهم في آخر لحظة. كذلك نجد المطاعم متوفرة في تايلاند البوذية لكل المذاقات، بما فيها مطاعم quot;الحلالquot; للمسلمين و مطاعم quot;السوشيquot; اليابانية و كذلك الإيطالية و الفرنسية، بالإضافة للمطاعم التايلندية التي طورت هي الأخرى من خدماتها بهدف الارتقاء إلى العالمية، كما بينت في مقالي السابق (بعنوان: مبادرة المطبخ التايلندي الحكومية). أدى هذا -بالإضافة إلى زيادة عدد السياح- إلى ارتفاع نفقات السائح الواحد التي تبلغ معدل 861 دولار في تايلاند و 522 دولار في ماليزيا، مقابل 300 دولار فقط في دول مثل الأردن و تونس.


2.الرقابة على جودة الخدمات: طورت بعض الدول الآسيوية برامج للمحافظة على الجودة، اشهرها quot;برنامج جودة الخدمات السياحيةquot; الذي طوره مجلس هونج كونج للسياحة. بدا العمل بــالبرنامج الموجه إلى المحلات التجارية و المطاعم في ديسمبر 2003، ويحتوي على عدة عناصر أهمها: (ا) شروط صارمة لمن يريد أن يصبح عضوا، مما يسمح للمحلات بحمل شعار خاص للجودة يميزهم لدى السياح عن باقي المحلات، (ب) عرض عديد المعلومات الضرورية في قوائم واضحة على ذمة السائح، (ج) نظام يسمح في البت بسرعة في كل الشكاوي التي تصله من السياح، و(د) نظام صارم للرقابة (موقع:www.discoverhongkong.com).

3.ألغت هذه الدول الضرائب على معظم البضائع الأجنبية -بما فيها المستوردة- التي يمكن أن تلقى اهتماما عند السائح الأجنبي مثل العطورات، الالكترونيات و الماركات العالمية للملابس، خلافا للدول العربية التي تفرض ضرائب مرتفعة على هذه البضائع على اعتبار أنها من quot;الكمالياتquot;.

4.أطلقت هذه الدول برامج خاصة لمساعدة الأجانب على الإقامة الدائمة، اشهرها برنامج quot;ماليزيا بيتك الثانيquot; الذي يمنح للمستحق، خلال شهر واحد،إقامة لمدة خمس سنوات، تصبح بعدها إقامة دائمة بسهولة. و بما أن الأجانب الذين يترشحون للبرنامج لهم غالبا خبرات تفيد البلد، من المأمول أن يرفع البرنامج راس المال البشري بماليزيا، بالإضافة الى انعكاساته على السياحة. كما اتبعت تايلاند نفس النهج حيث تمنح الإقامة الدائمة للمتقاعدين بمقابل بسيط، وتوجد تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب ولو بمبلغ بسيط في الخدمات التي يتمتعون فيها بمزايا نسبية. وهنا يختلف الوضع أيضا عما هو عليه الحال في الدول العربية، حيث توجد صعوبات كبرى للإقامة الدائمة للأجانب كما يوجد نظام معقد للحصول على ترخيص للتملك العقاري خارج المنتجعات السياحية، مما يمثل عامل طرد لشريحة هامة من السياح.

5.التنويع السياحي: تعد حديقة السافاري في سنغافورة من اشهر نقاط الجذب فيها، وسارت تايلاند على نفس المنوال ببناء حديقة مماثلة شمال البلاد، بينما فشلت الدول العربية في إنجاز هكذا مشاريع التي بإمكانها أن تعطي دفعا كبيرا للسياحة الصحراوية وسياحة المغامرات.

6.الدعاية و الإعلام: مع توفير الظروف الملائمة لتطور السياحة، لم تبخل هذه الدول على الإعلام، حيث تعرض محطة quot;السي.آن.آنquot; في لقطات quot;مشاهد وأصواتquot; (Sightsamp;Sounds) بصفة مستمرة للقطات من ماليزيا، تايلاند وهونج كونج، بينما يوجد غياب كامل لمعظم الدول العربية.بدا الاهتمام بالسياح الأجانب واضحا خلال الانقلاب الأخير بتايلاند حيث صدرت تعليمات للجنود بتحسين معاملتهم للسياح، ونقلت قنوات التلفزة العالمية سياحا يأخذون صورا تذكارية مع الجنود و أطفالا صغارا يعتلون ظهور الدبابات، مما حول ساحة الانقلاب وسط بانكوك إلى منطقة جذب سياحي، و لم يسجل انخفاض في الحجوزات لزيارة الدولة إلا في الدول الخليجية (بحوالي 25%) نتيجة الصورة النمطية للانقلابات في مخيلة المواطن العربي على اعتبارها عمل عنف و سفك الدماء.

باحث أكاديمي في اقتصاديات التنمية و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]