افتتح اليوم الاثنين في مقر اليونسكو في باريس مؤتمر عن حرية الصحافة في العراق... غرضه الأساسي مناقشة أو ايجاد أفضل السبل لحماية الصحافيين في العراق... وعوض أن يقف المشاركون ومعظمهم عراقيو الداخل، دقيقة صمت ترحما على ارواح مايقارب 23 الف عراقي راحوا ضحية الإرهاب الإعلامي العربي أولا والأوروبي ثانية، توقفوا، على عكس ذلك، ترحما على أرواح إعلاميين قتلوا في العراق. أين كان الإعلام العربي والأوروبي في الأسابيع الأولى من سقوط الطاغية؟ الم يقف هذا الإعلام عينه لصالح الإرهابتحت تسمية مقاومة،وكان هوالمسؤولفي تشويه طبيعة حرب نظام اسقاط صدام،ورفع الإرهابيين الى مصاف النجوم وشهداء quot;النصر الالهيquot;.

هل العراق فعلا بحاجة الى هذا المؤتمر؟

هل الأمر الحاسم في العراق هو quot;حريةquot; الصحافيين... وكلنا يعرف أنهم أحرار وطلقاء حتى في تشويه الوقائع ومساعدة قنوات وفضائيات إعلامية موالية للإرهاب الإسلامي...، بل بسببهم يدفع العراقي البسيط حياته اليومية ثمنا...

أتعتقد الحكومة العراقية أنها في هدر أموال العراق على مؤتمرات يدعى فيها هذا وذاك (نصف المدعوين لاعلاقة لهم بالاعلام ولايحزنون)، تحل مشكلة العراق الرئيسية: الأمن وحرية المواطنين التي هي اكثر المشاكل الملحة في العراق من حرية بضع إعلاميين... مشبوهين معظم الأوقات... طبعا لا انكر أن قلةمنهم اصبح حالهم حال بقية الناس، مهددين من قبل الصدر/ المشهداني وغيرهم ممن هم في مواقع السلطة.

أعرف أنه يجب ان تصان حرية الصحافي، وأنه يجب quot;ألا ينخرط الصحافيون العراقيون في النزاع الطائفيquot; كما أكد في كلمته مدير اليونسكو، ويجب أن يُدربَ الصحافيون العراقيون على مهنية وانضباط سلوكي في نقل الأخبار وتغطية الأحداث... كل هذا مهم وجدير بأن يُدرس...

لكن اليوم والعراق يعيش على شفير التمزق والحرب الطائفية المعلنة سرا، بفضل ميليشيات الموت الطائفية، كان يفترض بالحكومة العراقية أن تفرض على منظمة الأمم المتحدة في اليونسكو أن تقيم مؤتمرا، يتناول الإرهاب... الإرهاب... الإرهاب لاغير.. وأن تطالب هذه البلدان الأوروبية المتبجحة بالدفاع عن حقوق الصحافة، ايضاح موقفها من الإرهاب المُمارس في العراق يوميا، وبالتالي أن يكون إعلام هذه البلدان أكثر موضوعية في نقل الوقائع وتحليلها للقارئ الأوروبي. كان من الأفضل أن يعقد مؤتمر عالمي لمساعدة العراقيين على الخروج من قلق الرعب والخوف الذين يعيشهما الكائن العراقي، وسيحولاه إلى وحش ضار: من أجل بقائه، مستعد لبيع كل ما تبقى له من ضمير!

أية حرية للصحافيين في بلد ليس للمواطن البسيط فرصة الحياة على نحو إنساني وطبيعي. لايوجد إعلام حر وآمنفي بلد لايمتلك مواطنوه أبسط مقومات الحرية: النوم بلا خوف. إذ حيث يكون الأمن، يكون الإعلام الحر أيضا.

كيف يمكن للإعلام تغطية حدث والفاعل يعرفه الجميع وفي الوقت ذاته هو عين التابو المسكوت عنه من قبلالجميع!

أية حرية للإعلام العراقي ولم يبصق، قبل كل شيء، واحد من كل حملة الأقلام العراقيين سواء كانوا أدباء، صحافيين أو محللين، على طائفته الشيعية، السنية، الكردية، العربية، الاشورية، اليهودية الخ... حتى تكون له مصداقية النقد والنيّة الصادقةلإعلام الآخر...

أية صحافة هذه في العراقالتي تذكر كل شيء إلا الجوهر: الطائفية قائمة في صلب الشخصية العراقيةوأن عددا من كتاب عراقيين يتمترسون خلف طائفتهم لمحاربة كتاب من طائفة أخرى.

يا له من تشخيص صاعق هذا الذي ذكره مدير اليونسكو: quot;قتل 139 صحافيا في العراق منذ غزوه في آذار / مارس 2003 ما يمثل ضعف عدد الصحافيين الذين قتلوا في سنوات حرب فيتنام العشرين (63 قتيلا بين 1955 و1975)quot;... وبالتالي على المؤتمر أن يخرج بنتيجة واحدة لا غير، أكد عليها مدير اليونسكو: quot;يتم وضع حد لهذا العنف وان يتمكن الصحافيون من العمل في امان تامquot;... اي المجازفة مع وسائل الراحة وعلى حساب الآلاف من جثث العراقيين!!! ... كما لا أدري: أيعتبر المدعون حرب اسقاط صدام حسين غزوا أم فرصة لهم بأن يتكلموا بصوت عال... أم كالعادة يبقى المثقف العراقي حمالا ذا وجهين؟كما ألا تتضمن مقارنة مدير اليونسكو اشارة إلى تشبيه quot;المقاومةquot; العراقية بالفيتكونغ؟

للأسف، أن العراق اليوم ليس أكثر من مستنقع ضفتاه تبقبقان بمصطلحات الحرية والديمقراطية والدستور.. وربما هذا المؤتمر يخرج بنتائج إيجابية... فتتوقف البقبقة هذه ويصبح العراق مجرد مستنقع راكد... لكن بالتأكيد ليس ذاك العراقالفائر بالأحلام والطموحات الحية.