تذكرت المقولة العربية التي تقول: (القط العربي لا يُقدس إلا خناقه). فالعرب أمة تعشق جلاديها، وتموت في تلابيب من يُذلها، منذ عبدالناصر الذي زرع مصر بالسجون والمعتقلات، وحتى صدام الذي زرع العراق بالمقابر الجماعية. ولكي تصبح زعيماً عربياً يُشار إليه بالبنان، وتدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فحذار أن تكون (سوار الذهب) الرجل الضعيف الذي أعاد حكم السودان إلى شعب السودان، ومشى؛ وإنما كن الحجاج الأموي، أو السفاح العباسي، أو جمال باشا السفاح العثماني والخازوق، أو عبدالناصر المصري، أو صدام العراقي، الذي ردّدَ على رؤوس الأشهاد مؤخراً: ( لنا الصدر دون العالمين أو الشنق)!.

وكنت البارحة أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء، يقول صاحبي: الديمقراطية صنعت الأعاجيب في كل بلاد العالم، في الشرق، وفي الغرب، في الجنوب، وفي الشمال، من أمريكا وحتى الفلبين، مروراً بأوربا والبرازيل وفنزويلا، والهند وكل نمور آسيا، بينما بقي العرب وأفريقيا السوداء تستعص على الحلول الديمقراطية!.. ليس هذا وحسب، وإنما الديمقراطية في بلاد العُرب يكون لها تأثير عكسي، فصناديق الانتخابات هي التي سعت بالعراق إلى حكم (وكلاء الملالي)، كالمالكي وطغمته، وهي التي جعلت حزب الله، والمعمم نصر الله في لبنان (يتسيّد)، وهي ذاتها التي مكـّـنت أساطين (حماس) أن يقفزوا إلى سدة الحكم في فلسطين، ويطبقوا على أرقاب الفلسطينيين، ويذيقونهم مرارة الفقر والجوع والعوز والانفلات الأمني... ويسأل صاحبي: لماذا؟

قلت: العرب يريدون دائماً زعيماً يبيعهم الأوهام، ويبعدهم قدر الإمكان عن الواقعية، ويخاطبهم بمقتضيات الأحلام لا بمنطق العقل والعقلانية.
يقول فقيههم لا فض فوه: (من تمنطق تزندق) ويضيف: والعياذ بالله !
ويقول أديبهم عباس محمود العقاد، في عبارة تدل على كيف يفكر العرب: (مواجهة الحقيقة من أصعب المصاعب في هذه الحياة)!؛ لذلك، وحسب رؤية هذا الأديب الأريب العبقري، فإن قومه (مثله) يستصعبون مواجهة الحقيقة، ويتعاطون الوهم حتى الخدر.
حدثني والدي غفر الله له، قال: (من اعتمد على العقل وترك النقل هلك) !. سألته: كيف؟. قال: العقل لا يقود إلا إلى القلق، بينما النقل يقود إلى الإيمان والطمأنينة!

باعهم عبدالناصر خرافة إلغاء إسرائيل من الوجود ورمي اليهود في البحر، وعندما تنبّه من أحلامه وأوهامه، وإذا بالجيش الإسرائيلي على ضفة قناة السويس الشرقية!. مات عبدالناصر بعد الهزيمة المنكرة، غير أنه بقي (الزعيم الأول) في أذهان بني يعرب!.
سلّ صدام حسين (سيف العرب)، وأعلن الحرب على إيران، ليحمي - كما يقول - البوابة الشرقية للأمة العربية من ثورة الملالي، ولأنه يريد أن يَحمي العرب، ضحى بالإنسان العراقي، وبَدّدَ مقدراته، وعاش العراقي كل معاني الفقر والعوز والذل، وأرضه تمتلئ بالثروات على تنوعاتها.
مات صدام مشنوقاً، فانتفض العرب من البحرين حتى طنجه، واعتبروا أن إعدام صدام (مؤامرة) قصد منها الأمريكيون ذلهم في شنق واحد من زعمائهم، والزعيم أعظم من أن يُحاكم فضلاً عن أن يحاسب، فضلاً عن أن يُجرّم، فضلاً عن أن يشنق!؛ لأنه زعيم، ولأننا خلقنا كما تخلق الأغنام والماشية رعيّة مرعية، فكيف يسمح للأغنام أن تشنقَ راعيها؟!
لذلك فصدام كالحسين تماماً قتلته الفئة الباغية!

صحيح أن المحاكمة مسيّسة، وصحيح أن توقيت تنفيذ الحكم استفزازي؛ غير أن كل ذلك لا يمكن، وتحت أي معيار، أن يجعل من صدام بطلاً إلا في أعراف بني يعرب، فهم (الأمة) الوحيدة على وجه الأرض الذين يقيمون لجلاديهم أصناماً ثم يعبدونها من دون الله. فالرق والعبودية عند بني يعرب هوية لا يمكن أن ينفكوا منها، والحمد لله الذي لا يحمد على عاهة سواه.