الحلقة الأولى

ملاحظات على الطريق


أولا : إن هذه الدراسة هي جزء أو فصل من دراسة مطولة تبلغ مئات الصفحات عن التراث الشيعي العقدي والفكري، بالاعتماد على أهم مصادر هذا التراث الذي أعتز بجوهره العقدي والفكري، والذي أتعبد به الله عز وجل، وبالتالي، لا اسمح لآخر أن يساومني على إيماني بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، والذي اميل إلى تسميته بالمذهب الجعفري، أسوة بالمذاهب الاخرى، وأرى أن التسمية بالتشيع لا داعي علمي لها على الأ طلاق، حتى إذا رجعنا إلى الاستعمال الاول لكلمة شيعة في التاريخ، ولا أ ريد أن اخوض في هذه المسالة الحساسة الان.

ثانيا : هناك كلام شائع على ألسنة الناس، خاصة المسلمين السنة، بل وفي بعض كتبهم العقدية المهمة وذات الوقع الروحي في الوسط سني، مفاده أن للشيعة قرآنا آخر، أو مصحفا آخر، اسمه مصحف فا طمة، يقرأونه سرا، ويتعبدون به بعيدا عن أنظار الآخرين. فيما يقر الشيعة بوجود مثل هذه المصحف، ويدعون أنه موجود في أحاديث أهل البيت، ولكن ليس هو قرآنا بالمعنى الذي نفهمه من القرآن كمسلمين بشكل عا م، فهو ليس وحيا، ويحتوي على مجموعة من الأحكام الشرعية، والوقائع الكونية التي يمكن أن تحدث بمستقبل الزمان، وشي عما سيتعرض له أهل البيت، وما على هذا المنوال. وبالتالي، ليس هو قرآن موحى، ولا يتلى، ويقولون : ليس لهذا المصحف اليوم وجود أثري، بل هو من الكتب التي اختفت لسبب وآخر.

ثالثا : وكانت هناك نقاشات طويلة عريضة بين السنة والشيعة حول هذا المصحف أو القرآن، بين نفي وإ ثبات، بين تشكيك وتصحيح، بين قبول ورفض، استغرقت الكثير من الطاقات، واستلهكت الكثير من الوقت. ولم نصل إلى نتيجة نهائية، فما زال بعض السنة يؤكدون إتهامهم للشيعة بهذا القرآن أو المصحف، وما زال الشيعة يؤكدون وجود هذا المصحف ولكن ينكرون كونه مصحفا موحيا، أو مصحفا يتلى، ويصرون على أنه مفقود الان، وليس له أي أثر.

رابعا : إن شرف فاطمة الزهراء محفوظ ومصون، فهي بنت النبي الكريم، وزوجة أمير المؤمنين عليه السلام، وأم الحسن والحسين، زوجة شهيد وأم شهيد، وهو أبو الشهداء، وفي تصوري إن هذا المصحف إذا لم يثبت لم ينقصها، ولم يخل بمنزلتها الروحية الشريفة، فهي فاطمة العظيمة، ولك ان تتصور أنها أنجبت الحسين وكفى.


خامسا : يتهم بعض السنة وليس كلهم بإن للشيعة قرانا أ مصحفا هو غير هذا القر آن، وهو غير هذا المصحف، يتلونه سرا، ولكن بعض علماء السنة مثل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول ما معناه، إنه قرآن واحد، لم نعرف للشيعة غير هذا القرآن الذي نتلوه، ونتعبد به، والشيعة كلهم يقولون : تعالوا واستمعوا الى ما نقرأ في مساجدنا، وتعالوا اسالوا آلاف السنة الذين دخلوا مذهب التشيع، وهذه تفاسير الشيعة، فكلها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى وجود مثل هذا القرآن أو المصحف المزعوم، نعم، هناك مصحف أو قرآن بعنوان ( مصحف أو قرآن فاطمة )، ولكنه ليس وحيا، وهو مفقود، ولا أثر له، وعلى هذا، أعتقد أن هناك إجحافا بحق ملايين المسلمين الذين يقولون بملئ لسانهم، بان مصحفهم الذي بين أيديهم اليوم هو المصحف الكريم، وإن القرآن الذي يتعبدون الله به هو القرآن الذي يتعبد به كل المسلمين في العالم، هو القرأن أو المصحف ا لذي فسره الطبرسي، والطوسي، والطباطبائي، والخوئي، والصدر، وقبلا غيرهم كثيرون، ومن حق كل شيعي بعد ذلك أن يسال، ترى لماذا إصرار البعض على وجود مثل هذا المصحف سرا في بيوت الشيعة ومساجدهم ومجالسهم ؟

هناك قصد مرسوم أو جهل مطبق.
سادسا : قرات كثيرا لعلماء سنة، يثبتون أن للشيعة مصحفا أ و قرآنا بإسم مصحف أو قرآن فا طمة، ويسطرون بعض الروايات الواردة في أصول الكافي، وغيره من الكتب المصدرية للشيعة الإمامية، وفي إعتقادي هذا بحث ناقص، إن البحث الموضوعي يتطلب من هؤلاء العلماء السنة الكرام أن يبحثوا مدى صحة هذه الروايات في التراث الشيعي نفسه. أي أن يراجعوا مدى صحة الإدعاء الشيعي على ضوء التراث الشيعي بالذات، وبهذا يمكن أن يقدموا خدمة علمية جليلة، تتسم بالرصانة والموضوعية.إن كثيرا من علماء السنة يبحثون في التراث الشيعي لبيان تناقضاته مثلا، ولإثبات عدم جدوى وأصالة المعتقد الشيعي في هذه المادة أو تلك، وذلك من خلال نقض ذات التراث، من خلال تفكيك ذات التراث، ألا يدعو ذلك أن يقوموا بعملية تفكيك هذه الروايات المزعومة ؟ أليس هذا من معالم البحث العلمي الرصين ؟ أليس في ذلك إنقاذ لطائفة ضالة في تصور هؤلاء ؟ إذ قد يوصلهم البحث أن مثل هذه المصحف لا أساس له حتى في التر اث الشيعي ! وبذلك يحدثون ثورة عارمة في الفكر، فيما تتسم بحوث الاخوة السنة هنا بطابع تشهيري، أي أن بعضهم يفتش عن هذه الروايات ليجعل منها تشهيرية. وفي الواقع ليس صعبا على الشيعة أن ينهجوا مثل هذا النهج، أي النهج التشهيري، وبعضهم من عمل به، ولكن كلا الطرفين مسؤول مسؤولية أخلاقية هنا، أن قيام كل من السني بتبرئة الشيعة مما يراه إنحرافا، وقيام الشيعي ببترئة السنة من ذلك أيضا، نكون قد قمنا بعملية إنقاذ متبادل، وهنا أجل الباحث الكبير الشيخ مرتضى مطهري، رغم خلافي معه كثيرا، عندما يخصص صحفات طويلة لتبرئة الخليفة الثانية عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، بل ويتابع بحماس عن المعتزلة الذين إتهمهم بعض المستشرقين بالعيال على اليونان.


لست أدري !
والآن...
أين هي الحقيقة من هذا وذاك...

هل حقا هناك مصحف أو قرآن خاص بإسم قرآن فاطمة أو مصحف فاطمة ؟
أم أن أصل الحكاية لا أساس لها حتى بالشكل الذي يصوره الشيعة في تراثهم بالذات ؟ وبذلك تكون هذه المعركة باطلة من الأساس، وأنها مجرد لغو، ودليل على أن الطرفين، سنة وشيعة غارقون في أوهام، وفي خرافات، وبالتالي، ما أحرانا أن نعيد قراءة بعضنا بعضا بعنوان النصح، وبعنوان إنقاذ الأخر لا إتهامه وتسقيطه والقضاء عليه.
لنمضي في البحث خطوة خطوة...

ولكن قبل أن اقدم على الخطوة الأولى بودي أن أقول ليس شئيا خارج قانون الكون، ولا مخالفاً لكتاب لله وسنة نبيه الكريم أن يكون لدى فاطمة، أو عائشة، أو علي أو عمر كتاب ما، قد يحوي ما لا يحويه الكتاب المجيد بشكل وآخر، فكل المسلمين يقولون أن الله تعالى ما فرط في الكتاب من شي، ولكن ليس على نحو التفاصيل كما هو مقرر في محله، وليس بدعا في الدين ولا في العرف، ولا في العلم، ولا في العقل، أن يكون لفاطمة أو عائشة أو أي صحابي من صحابة النبي الكريم كتاب فيه بعض التنبؤات والملاحم والفتن التي سوف تحدث، منقولة عن رسول الله مثلا. ولكن ما لا يمكن التسامح به أبدا، أن نقول ان لدى فاطمة أو عائشة أو أي من صحابة النبي كتابا موحى من الله غير هذا القرآن العظيم، وعندما ينكر الشيعة أن يكون ( مصحف فاطمة ) وحيا، إنما ينطلقون من هذه الحقيقة المشرقة لدى كل المسلمين، وعليه، يكون من حق البحث العلمي إحترام هذه الكلمة الشيعية في خصوص ( مصحف فاطمة ) الذي أدعى أن لا وجود له حتى في التراث الشيعي الصحيح.

والى اللقاء في الحلقة الثانية.
ملاحظة : ربما كان القراء الا عزاء ينتظرون مني تكملة معركة ( أحد )، والبحث موجود وكامل بإذن الله، سوف اتابعه بعد أن انتهي من مصحف فاطمة سلام الله عليها.