في أعقاب هزيمة 1967، هزيمة لا نكسة.. هذا هو اسمها الصحيح، كان المرحوم الأستاذ الدكتور حامد ربيع أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية.. يعقد جلسة في أحد مدرجات جامعة القاهرة.. كل يوم سبت.. تحت عنوان laquo;تُرهات هيكلraquo;.. وهي كلمة تشير إلي التخريف والكذب والشطحات.. ينقد ويفند فيها أمام مئات من الطلبة من مختلف الكليات ما يكون قد كتبه هذا الكاتب في مقاله بالأهرام يوم الجمعة.
لقد عاني هذا الجيل من الصدمة، وابتلع مرارة الخديعة، التي أغرقتهم فيها آلة دعاية هائلة قادها هيكل بنفسه.. وأوهم الناس بأن النصر قريب.. واقتحام تل أبيب وشيك.. واستيقظ المصريون علي هزيمة مروعة وفاضحة.. حاول هيكل فيما بعد أن يبررها ويخفف من وطأتها.
إن عدداً كبيراً من أبناء مصر المصدومين كانوا يحضرون تلك المحاضرات الربيعية حول التُرهات.. ومن بين هؤلاء عدد من دراويش هيكل وحملة مباخره الحاليين.. وفيهم عادل حمودة رئيس تحرير جريدة laquo;الفجرraquo; الذي لم يكن أبدا رئيساً لتحرير laquo;روزاليوسفraquo; كما يشيع.. ولكنه يؤثر النسيان.. ويروج للألعبان.. هو وآخرون غيره.

الجزء الأول

إن في عرف الصحافة الحقيقية، كارثة من ذلك النوع، خداع أمة، وامتداح هزيمة، أمر كافٍ جداً لكي يصمت الكاتب الذي فعل ذلك إلي الأبد.. وينطوي محبطاً.. تائهاً.. لكن هيكل تلون.. وأكل علي كل الموائد.. وبقي حيا.. وانتظر أيضا أن يجلس إلي مائدة الرئيس حسني مبارك.. وهو حلم بعيد المنال.. بل مستحيل.

آثام في حق الجيش
إن ما ارتكبه هيكل من آثام في حق جيش مصر، ومحاولة تشويه تاريخه، لأسباب شخصية.. وفق المعلن، لا يمكن غفرانه.. وهو هنا إنما يمارس عبثاً.. وإثارة.. لا يتناسبان مع ما يدعيه لنفسه، وما يدعيه له حواريوه من مكانة، ومن الخطورة.. بل والكارثة.. أن نترك لهذا الرجل مهمة تدريب الأجيال الجديدة من الصحفيين.. في إطار مؤسسته الجديدة.. إذ ما الذي يضمن ألا يكون ما يلقنه لهم هو نوع من هذا الهراء.. وذلك العبث.
وعلي ذكر ألاعيب الألعبان، وبمناسبة الصورة المفزعة التي نشرتها بالأمس، نقلاً عن مجلة laquo;باري ماتشraquo; الفرنسية من أرشيف حرب 1967، وتظهر جثة أحد القتلي الشهداء المصريين بينما كلب يعبث بها في laquo;فيافيraquo; سيناء.. فإن هذا الأرشيف تضمن أيضا دليلا جديدا علي أكاذيب هيكل.. وأعني بذلك قولته الأخيرة أنه ليس صحيحاً أن مصر في عهد عبدالناصر قد قالت: إنها تريد إلقاء إسرائيل في البحر.. وأعلي هذا المقال سوف تجد صورة لأحد منشورات الدعاية المصرية التي تظهر الجيش المصري وهو يطارد الإسرائيليين حتي يلقي بهم في البحر.. ربما لتنشيط ذاكرة وهنت.. وربما لكي يؤكد القدر للجميع أن هذا الرجل الألعبان إنما يلفق.. ويزيف.. ويشوه.. ولا هدف له سوي أن يجمل ذاته ويروج تشنيعاته.
ومن بين تشنيعاته، التي وردت في حديثه لـlaquo;روبرت فيسكraquo;، في جريدة الإندبندنت البريطانية، ما يتعلق بالجيش أيضا.. إذ ادعي محمد يونيو 67 أن الدولة الآن تنفق علي الشرطة أكثر مما تنفق علي الدفاع.. قال هيكل هذا لفيسك وهو يتحسر ويتألم في ادعاء كاذب.. وهي عبارة تنطوي علي أعلي درجة من درجات التأليب والوقيعة.. وقصدها واضح.. ويمكن اختصار ما يقصد فيما يلي:
1ـ إنه يريد أن يقول: إن مصر تفرغت لحفظ الأمن الداخلي علي حساب الأمن الخارجي.
2ـ إن النظام إنما يدافع عن ذاته بدلاً من أن يدافع عن البلد.
3ـ إحداث وقيعة بين الشرطة والجيش.
4ـ إحداث وقيعة بين النظام والجيش.
5ـ أن يسبب إحباطا للرأي العام.. الذي يعتز بمكانة جيشه وقوته.

مآرب أخرى
وهناك مقاصد أخري، يمكن استنتاجها من هذه laquo;التشنيعة الخبيثةraquo; للغاية.. ولكن هذه العبارة تدفن نفسها بنفسها.. للأسباب التالية:
1ـ لم يكشف هيكل دليله علي ما يقول، وارتكب الصحفي البريطاني الشهير خطأ مهنياً فادحاً، حين لم يسأله عن ذلك الدليل. ولا أظن أن هيكل من الجرأة بحيث إنه يمكن أن يدعي أن يقول: إنه يملك تلك الأرقام.
2ـ مثل هذا النوع من الحيل التي تضر بالأمن القومي، هدفها هو أن يخرج مسئول لكي يعلن الأرقام.. وهو هدف غير محقق للمصلحة الوطنية.

مقال الثغرة
وإذا غفر التاريخ لمحمد يونيو سبعة وستين، واسمه الرسمي محمد حسنين هيكل، كل خطاياه وذنوبه وكوارثه، إذا غفر له امتداح الملك فاروق بتدنٍ مروع، وإذا غفر له أنانيته المفرطة، وإذا غفر له نرجسيته علي حساب بلده، وإذا غفر له ألاعيب الألعبان، وإذا غفر له التناقضات المذهلة، وإذا غفر له تزكيته لصحافة الفوضي، وإذا غفر له أكاذيبه وتلفيقاته، وإذا غفر له تشنيعاته، وغير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه وحصره. فإن هذا التاريخ لا يمكن أن يغفر له علي الإطلاق حربه الصحفية الضروس ضد القوات المسلحة المصرية.
هيكل، محمد يونيو سبعة وستين، أبوالهزيمة، فعل ذلك مرتين، بوضوح، ومرات بشكل غير مباشر.. المرة الأولي حين زين الحرب لصديقه الذي سيطر علي رأسه.. الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. والمرة الثانية كانت حين مارس عملية تيئيس منظمة.. ومرتبة.. ومدروسة.. للقوات المسلحة.. في الفترة من 1971 إلي 1973.. مؤكداً في كتابات معلنة علي أن النصر بعيد.. ولا يمكن تحقيقه.. ومحبطاً للروح المعنوية للجنود.. ومثبطاً للهمم.. حتي اللحظة الأخيرة.. هذا الشخص هو الذي كتب: إنه لكي ننتصر علي إسرائيل نحتاج قنبلة ذرية تكتيكية.
وربما يعن لمحمد حسنين هيكل، في لحظة كذب من تلك التي تراوده كثيرا.. أن يقول.. مثلا.. مثلا.. إنه كان يشارك في خطة التمويه والإخفاء.. وهي كذبة لا يمكن أن تنطلي علي أحد.. ولا يقبلها كبرياء مغرور مثله.. وتنفيها فعلته الآثمة التالية.. حين رسخ هو، وليس أحد غيره، موضوع الثغرة.. في مقال شهير.. وكان هو الذي روج معناها.. وخرافة تأثيرها علي النصر.. وظل يواصل ذلك إلي اليوم.. محاولاً -لأسباب شخصية- أن يمحو من تاريخ السادات سبب مجده التليد.. نصر أكتوبر.

لقد مارس محمد حسنين هيكل، أو محمد يونيو 1967، تشويهاً متعمداً للقوات المسلحة.. وتخريباً مقصوداً لسمعتها.. وبالتالي لا ينبغي علي أحد أن يتجاهل هذا العامل الجوهري حين يبحث في الأسباب التي دفعت الرئيس محمد حسني مبارك إلي عدم الاستعانة بخدمات محمد يونيو سبعة وستين.. حين تولي حكم مصر.. وهي خدمات لا أشك لحظة في أن هيكل قد عرضها عشرات المرات.. بطرق مباشرة وغير مباشرة.
ذلك أن مبارك قائد عسكري عظيم، وكان بين جنوده ومقاتليه في الثكنات وعلي الجبهة يقرأ ويتأثر هو وهم بما يكتبه هذا الكاتب غريب الأطوار.. ولا شك أنه كانت تصله ردود أفعال من يدربهم في اتجاه الحرب.. ويري أن مقالة واحدة في الأهرام.. حيث بني هيكل ما يراه مجده. وأراه قلعة من رمال.. كافية لمحو عملية شحن معنوي وتدريبي استمرت شهوراً.. كما لو أن تلك المقالات كانت تطفئ ناراً مشتعلة. الحمد لله أنها لم تنطفئ.. ولم تفلح محاولات هيكل في إحباطها.

حسناً، لقد وصف محمد يونيو سبعة وستين، المعروف باسم هيكل، الرئيس مبارك بأنه كان قائداً جوياً بارعاً، هكذا قال في حواره مع روبرت فيسك في الإندبندنت، ولكنه نسي أنه قبل ما يزيد علي عام كان قد وصف أبطال حرب أكتوبر بأنهم مجموعة موظفين قاموا بالمهام الموكولة إليهم.. وأشير في هذا السياق إلي مجموعة مقالات كتبها زميلي مصطفي بيومي رداً علي تلك laquo;المقولة - الشنيعةraquo;.. هنا في laquo;روزاليوسفraquo;.
3- مثل هذا الابتزاز يتساوي في رأيي الخاص مع الابتزاز الذي تمارسه دوائر صهيونية وأمريكية.. تهاجم تطوير القوات المسلحة المصرية من حين إلي آخر، وتهاجم الإنفاق المصري علي ذلك.
4- هناك جانب معلن من الإنفاق العسكري المصري يتمثل في حجم المعونة الأمريكية العسكرية وقدرها 1.3 مليار دولار سنويا، أي قرابة 7 مليارات جنيه.
ولا أظن أن محمد حسنين هيكل بكل ما يدعيه من معرفة يتجاهل أن الإنفاق العسكري يتجاوز بأضعاف مضاعفة الإنفاق علي الأمن الداخلي، فالعدة والعتاد العسكري يتكلفان مبالغ طائلة، الدبابات، والقطع البحرية، ومنظومات الدفاع الجوي، وغير ذلك.. بل إن طائرة واحدة مثل laquo;إف - 16raquo; يبلغ سعرها 45 مليون دولار وليس مطلوبا من الدولة المصرية أن ترد علي وقيعته تلك بنشر الأرقام. هذا هدف لن يناله هو ومن يحاولون ذلك سواء كانوا وراءه، أو ليسوا كذلك
5- فيما سبق، وعلي ما أعتقد، تعلم هيكل أن الأمن القومي.. لا ينفصل.. وأظنه يذكر أن من مهام القوات المسلحة إلي جانب حماية حدود الدولة.. حماية الشرعية الدستورية.. وهو ما يجعل لها مهاماً داخلية.
6- لا يوجد انفصال في حماية الشرعية ما بين مؤسسات الدولة المعنية.
7- الإدارة حين تقرر إنفاقاً، أياً ما كان، فإنها إنما تفعل ذلك من أجل المصلحة الوطنية العامة، بكل مفرداتها، وليس من أجل حماية شخص أو أشخاص.
8- يريد هيكل من خلال هذا التشنيع الخبيث أن يجعل الإنفاق العسكري علي مائدة النقاش.. وهذا ليس من حقه.. ولا من حق اليهود الذين يتحدثون عن الإنفاق العسكري المصري.
9- تصب مقولة هيكل، فيما يروجه تنظيمه المعلن، حول انحسار الدور المصري، وهو ما تكلم عنه بنفسه في حواره مع روبرت فيسك.. ذلك أنه حين يقول: إن الإنفاق العسكري علي الأمن الداخلي صار أكبر من الإنفاق علي الجيش.. إنما يريد تأكيد ذلك المعني غير الصحيح.

تنظيم هيكل
وأما تنظيم هيكل، الذي يروج تشنيعاته، كل حسب دوره، فقد وقف أعضاؤه في صورة خلفه وإلي جانبه، نشرتها جريدة الفجر، التي يرأس تحريرها عادل حمودة الذي كان قد نجح حين كان.. فقط -نائباً- لرئيس تحرير laquo;روزاليوسفraquo; في أن يحول هيكل إلي كاتب شفوي.. يملي عليه.. أي هيكل يملي علي عادل حمودة.. ما يريد أن ينشره.
ويضم هذا التنظيم ضمن ما يضم حملة الأقلام التالية: فهمي هويدي، سلامة أحمد سلامة، محمد سلماوي، عبدالله السناوي، مصطفي بكري، عادل حمودة، صلاح الدين حافظ، فاروق جويدة، وغيرهم.. ممن هانت عليهم أنفسهم وتواريخهم.. وقبلوا أن يتحولوا إلي أبواق لبوق.. وأن يكونوا أقلاماً غير أصيلة تروج لقلم آخر.. يصنع هو شهرته علي حسابهم.. وكأنهم مخلوقات ناقصة لا يحق لها أن تستقل وتكون ذات كيان خاص.
وقد عبر هذا التنظيم عن أدواره المطلوبة منه، خلال الشهر الماضي، مرتين، لصالح أستاذهم الأكبر.. وإلههم المعبود:
1- مرة حين شن أغلب هؤلاء حملة ضارية علي كاتب هذه السطور، لأنه تجرأ وكتب ضد مؤسسة هيكل للتدريب.. بناء علي خطاب أرسله هيكل بنفسه إليَّ.. وقد تمطع كل منهم.. أو كلف محرراً في صحيفته لكي يرد علي ما قلت دفاعا عن قدسهم المقدس.. وأعني بذلك هيكل.. ولا أشير إلي مدينة القدس التي احتلت إثر هزيمة 1967.. التي صنعها هيكل وصديقه الرئيس.
2- ومرة حين دعاهم إلي لقاء مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي خلال زيارته لمصر.. وقد اهتم كل منهم بأن يكتب عما دار في ضيافة هيكل.. لكن أحدا منهم لم يكلف نفسه بمتابعة المؤتمر الذي جاء ليحضره خاتمي.. إذ لم يأت إلي مصر لكي يزور هيكل.. ولم يكلف أحد منهم نفسه بأن يكتب عن المحاضرة التي ألقاها خاتمي في مكتبة الإسكندرية.. وكانت شديدة العلمية والرصانة.. ذلك أنهم مكلفون بالعمل لدي كاتب.. تابعين له.

أسئلة لبكري
إن بعضا من هؤلاء ينقل تشنيعاته في مقالات منشورة، وقد ورطهم جميعاً حين قال لروبرت فيسك ما سبق أن كتبه بعضهم في مقالات.. غير أنه اختار منهم الأستاذ مصطفي بكري تحديدا.. وأطلب منه أن يكتب رأياً محددا فيما يلي.. باعتباره أيضاً نائباً في مجلس الشعب:
1- قال محمد يونيو 1967: إن الرئيس مبارك عرف السياسة علي كبر، ولم يكن أبداً سياسياً، لأنه دخل عالم السياسة حين أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.. دعك من أن هيكل أخطأ في أن قال: إن ذلك حين كان عمر الرئيس 55 عاماً.. والصحيح أن عمره كان 45عاماً.. هل هذا في رأيك كلام صحيح.. خاصة أنك تعلم، كما لا شك محمد يونيو يعلم، أن كل القيادات العسكرية بدءا من رتبة مقدم كانت تحصل علي دورات في الاستراتيجية منذ الستينيات.. ولا سيما أنك تعلم أن الجيش كان هو المؤسسة شبه الوحيدة لتقديم الكوادر القيادية في ظل وضع البلد الخاص؟
2- هل تقبل محاولات محمد حسنين هيكل، أو محمد يونيو سبعة وستين، الوقيعة بين الجيش والشرطة؟
3- أنت تعلم أن هيكل، أبو الهزيمة، لم يكن فقط صحفياً مقربا من الرئيس عبدالناصر، بل كان مستشاراً ووزيراً، فهل من حقه كصحفي أن يأخذ وثائق الدولة لنفسه، وأن يستخدمها لذاته، أليس ذلك إخلال بأمانة ما كان مكلفا به.. هل من حق أي دبلوماسي.. أو أي مسئول في الدولة.. أن يرتزق من الوثائق التي تصل إلي يده بعد أن يترك مواقعه؟
في انتظار إجابة سيادة النائب مصطفي بكري.

* رئيس تحرير (روز اليوسف) المصرية