في ظاهرة مشينة لم تكن لها سابقة في العراق، يرتكب بعض الأدعياء باسم الدين جنايات خسيسة في أجبار المسيحيين من أخوتنا العراقيين والمندائيين أيضا على تغيير دياناتهم أو الموت.
قال تعالى: (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) سورة البقرة الآية 256.
(( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) سورة النحل الآية 125
والأكراه الذي يراه بعض الجهال ممن يعتقد انه يقدم على عمل ديني، هو ضرر بليغ بمباديء الأسلام، وتعديا صارخا على أساسه، وتحريف لمقومات الانسجام والتآخي بين الأديان، بالأضافة الى الغاء لحقوق المواطنة وحرية المعتقد والدين التي نصت عليها الدساتير، وهذا الإكراه المصحوب بالإرهاب والترويع والتهديد، يصدر من عقول مريضة ومتخلفة دون إن يجد له رادع قانوني أو ديني.
والإكراه من يجبر احدا على فعل وهو كاره، أو دفعه للقيام بتصرف غصبا عن رغبته، والإكراه يعدم الإرادة وينفي القبول، وبالتالي فأنه لايعدو الا إكراها لا ينسجم مع الlsquo;تقاد والأيمان الذي يتطلبه الدين والشريعة.
فلم نسمع من رجال الدين موقفا حازما يوجه هذه النماذج المتبرقعة بأسم الدين، والتي صيرت من نفسها مالكة للدين الأسلامي وأستلبت منه كل حقوق المسلمين، نقول لم نسمع سوى بعض النصائح والتوجيهات الخجولة التي لن تحمي هؤلاء العراقيين الذين وقعوا تحت مخالب ارهاب الجهلة وأرهاب القتلة، وكلاهما يندى له الجبين.
وإذا كانت السور القرآنية تعيد التذكير بالمباديء العامة للأسلام، فقد ورد في كتاب الله أن ( لكم دينكم ولي ديني )، بالأضافة الى مخاطبة الرسول الكريم ( فأنما عليك البلاغ وعلينا الحساب )، ثم ( فذكر أنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)، وهاهي سور القرآن تخاطب الرسول الكريم، فعلى أي مستند يتكأ هؤلاء الجهلة، وكيف يتم أجبار الناس وقسرهم على الدخول في الدين الأسلامي وترك ديانتهم أو قتلهم وتهجيرهم من بيوتهم ومنع اشتغالهم باررزاقهم وقوت عيالهم ؟
وبالرغم من كل الأحداث التي تجري بتهجير عوائل المسيحيين أو المندائيين في مناطق بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، لم نجد الموقف العادل والأجراء الرادع الذي يقف مع هؤلاء، أو على الأقل يبصر الجهلة بأن هذه الأديان هي سماوية لها رسلها وكتبها التي يقر بها الإسلام ويحترمها ويعترف بها، وهي من الأديان التي تنشد للسلام، وتتعايش بمحبة وتآخي منذ أزمان بعيدة جنبا الى جنب مع المسلمين تتشارك في بناء العراق.
من هؤلاء ومن دمائهم وتضحياتهم ومشاركتهم في بناء الدولة وفي مسيرة الأحزاب الوطنية في العراق كان التاريخ العراقي، ومن هؤلاء بنيت المؤسسات والمرافق التي نتفاخر بها، أو ليس الله تعالى هو الذي يقول ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )، فهل كان هذا الإعتداء الآثيم على المسيحيين والمندائيين رسالة أكراه وترهيب لعوائلهم بأسم الدين؟ هل يجوز إرهاب من يتعايش معنا بسلام وبأخوة حقيقية؟ الا يفترض إن نخرج من فتاوى جواز مواكلتهم ومشاربتهم الى حمايتهم والقصاص من المجرمين الذين يقومون بترويعهم وتهجيرهم؟ وماهو دور علماء المسلمين في العراق حيث تجري كل تلك الأحداث أمام انظارهم وأسماعهم دون إن نلمس موقفا يدين النهج الخاطيء والمنحرف لهذه التصرفات.
أن تشويه أسس الدين الإسلامي بأساليب وافعال تخلو من المنطق وتتعارض مع الدين جريمة لن تنفرد التشريعات العقابية بالتصدي لها ومعاقبة الجاني، حيث إن عقابه إمام الله شديد، و لا يختلف اثنان على أن الأسلام قد أكد على حرية التفكير ومنح الإنسان امكانية التفكير وحرية الاعتقاد التي تلتزم بها اليوم الدساتير وتشير لها اللوائح الخاصة بحقوق الانسان ليس فقط في الدخول الى الاسلام، وانما توسع حتى في الكفر الذي جعل عقابه في الاخرة و حض عليها فى كثير من الآيات فلم يجبر أحدا على اعتناقه قسرا و ترك للجميع حرية الاختيار (( فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر)). . (( لا أكراه فى الدين )).
العراق الملون العقائد والمتعدد القوميات والمنسجم حد التباهي، والعراق يجد إن هذه الأديان عيونه التي يرى بها الدنيا، وهم يريدون أن يفقئوا عيون العراق، العراق الذي عاش المسيحي واليهودي والمندائي والأيزيدي في ثناياه جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين في كل مدن العراق، والعراق البلد الجميل المتآخي الذي قال في تعايش اليهود في ظل الإسلام :

أن كنت من موسى قبست عقيدتي فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الأسلام كانت موئلي وبلاغة القرآن كانت موردي
مانال من حبي لأمة أحمد كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السمؤال في الوفا أسعدت في بغداد ام لم أسعدا
ما يعيب الزمن العراقي اليوم إن تتوجه مجموعات التخريب والموت والإرهاب نحو هذه العوائل التي ماعرفت الحروب والقتال، ولا تخندقت بخنادق الطائفية والعصبيات الدينية والعشائرية، هذه العوائل التي نسجت حياتها وأيامها مع المحبة والتآخي، تتعرض اليوم الى حملات مجنونة وهمجية من مجموعات تريد إن تجعل الدين برقعا للانتقام منهم وتهجيرهم من بيوتهم والاستحواذ على ممتلكاتهم وترويعهم بالموت والذبح أو الدخول الى الاسلام خانعين اذلاء ومجبرين.
ما يعيب الزمن العراقي أن يكون كل هذا امام انظار المسؤولين المتفرجين في السلطة، وليس لهم الا إن يقدموا العذر بأنشغالهم محاربة الإرهاب، ومع إن هذا الذي يحصل مع اخوتنا المسيحيين والمندائيين هو الإرهاب بعينه، وهم ليسوا بحاجة لفتاوى تجيز مواكلتهم أو مشاربتهم، وليسوا بحاجة لفتاوى تجيز زواج المسلم من بناتهم وتحرم زواجهم من المسلمات، لكنهم بحاجة لوقفة ضمير وفقا لموجبات الدين، وتنسجم مع حقوق المواطنة التي نزعم إن لكل مواطن حقوق وواجبات، ومن أسس هذه الحقوق أن العراقيين متساوون إمام القانون دون تمييز بسبب الدين ولكل فرد الحق في الحرية الشخصية والحياة والامن، فهل حقا يتساوى اليوم المواطن المسيحي والمندائي وسط تلك المعاول التي تريد تخريب نهج الحياة في العراق؟
هذه المجموعات التي تريد أن تفقأ عيون العراق بحاجة لتبصيرها خطورة عملها وتصرفاتها دينيا وإجتماعيا، وبحاجة لتبصيرها الى نتائج افعالها، وحري بعشائرها وبيوتها إن تجعلهم يرتدون عن غيهم وأن يبذلوا ما أمكن من ضبطهم وتقييد تصرفهم بما ينسجم مع الدين الأسلامي اولا، وبما يتفق مع الدستور الذي أصبح نافذا ووقعوا عليه ثانيا، وبما يتطابق مع القيم والأعراف التي تؤمن بها عشائرهم وبيوتهم ثالثا.
وهي مناشدة لرجال الدين والسياسيين والأحزاب في العراق لإيقاف هذه الكارثة البشعة التي تشكل صفحة مشينة من صفحات الإرهاب في العراق.