التدهور المريع للحالة الأمنية المتردية في العراق و الإرتفاع المهول في الخسائر البشرية و الذي وصل لأرقام فلكية، ثم الفشل الذريع لقوات الأمن و الجيش في السيطرة على الشارع و في حماية أماكن تجمع و معيشة المدنيين هو واحد من أكبر مرتكزات الفشل السياسي التام للحكومة العراقية الراهنة التي وصلت خطتها الأمنية للحضيض و التردي المريع مع تدهور الموقف ووصوله لحافات الكارثة بل أنه تجاوز تلك الحافات منذ زمن بعد أن أضحى التسابق لتدمير العراق حلم جميع أطراف العملية السياسية الفاشلة و التي حملت منذ البداية بذور فنائها بفعل عملية المحاصصة الطائفية و العشائرية التي هي من نتاج أسوأ تجربة ديمقراطية في العالم المعاصر؟ إنها الديمقراطية المعوقة التي يمارسها غير ديمقراطيون من الأحزاب الشمولية التفكير و الفاشية البرامج فالأحزاب الدينية و الطائفية مهما بلغت نواياها الطيبة لا يمكن أن تساهم في إنجاح أي مشروع ديمقراطي و تغييري، وفي حالة وضع مريض تاريخيا كالحالة العراقية تصبح توصيفات الديمقراطية الجاهزة بمثابة وصفة مجانية للإنتحار الجماعي الشامل و بما يشوه كل تاريخ و ممارسات و قيم الديمقراطية المعروفة و يلطخ سمعتها و يجعلها في أسفل السافلين و إذا كان الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل قد قال قولته الشهيرة : { الديمقراطية نظام سيء.. و لكنها أفضل ما أنتجه الفكر البشري }!! فإن تلك العبارة العبقرية تختصر حال و مآل الديمقراطية الذبيحة و المغتصبة في العراق!!.

إمارات الدين و ممالك الطائفية!!.
ولعل قمة التصعيد الإجرامي الأحمق يتمثل في تصعيد الجماعات المسلحة من الإرهابيين الذين يرفعون راية المقاومة لنشاطاتها القاتلة، و حريتهم المطلقة في إختيار الأهداف و تنفيذ الضربات بل و الإعلان الوقح عن مشاريع و خطط سياسية عبثية تدلل على مدى القصور الفكري و التنظيمي و تؤشر على كونها مجرد جماعات تخريب و آلات قتل مبرمجة كانت جزءا ستراتيجيا من نظام المنظمة السرية الإرهابي الذي حكم العراق لأربعة عقود سوداء تهدمت خلالها كل مرتكزات و أسس المجتمع الحداثي و تكرست قيم العشائرية و الطائفية المريضة و سيادة الأفكار الغبية و الغيبية، و لعل التسابق الإعلامي للظهور بين الجماعات المسلحة قد كشف على الملأ الطبيعة الإرهابية الحقيقية لتلكم المنظمات الإرهابية ككتائب ثورة العشرين و كالجيش الإسلامي للعراق وكبقية الأسماء و المسميات الوهمية وفي طليعتها تنظيم الإرهابي أبو عمر البغدادي الذي أعلن قبل شهور عن قيام ما يسمى بالإمارة الإسلامية في العراق!! وهي إمارة وهمية إرهابية مضحكة!! لا بل أن هذا التنظيم المسعور قد أعلن عن تشكيلته الوزارية المافيوزية وهي تشكيلة غريبة و عجيبة تضم فيما تضم المدعو ( أبو حمزة المهاجر )!! وهو مصري كوزير للحرب!! وهي تشكيلة تذكرنا بما كان يسمى في عهد حزب البعث البائد بالقيادة القومية للحزب التي ضمت اللبناني و اليمني و الأردني و الفلسطيني و السوداني و لكنها حسب معلوماتي لم تضم أي مصري!!، و غني عن القول أن قيادات تلك الإمارة الوهمية أو قيادات العصابات الطائفية المنافسة كالجيش الإسلامي أو جيش الصحابة أو جيش عمر أو جيش عبد طيطو جميعهم من قيادات المخابرات العراقية السابقة و قادة الأجهزة الأمنية و العسكرية الخاصة السابقة و التي تبخرت فجأة بعد سقوط النظام البائد لتمارس أدوارا إرهابية و إجرامية و إنتقامية ضد الشعب التي كانت تتحكم به في الماضي و عادت اليوم لتنتقم منه في أبشع دور سري لأجهزة نظام نافق شبع موتا منذ أربعة أعوام!! فإفلاس الفكر و العقيدة البعثية لم يؤد بالضرورة سوى لنمو تلك الجماعات الطفيلية الطائفية التي تعتمد على تسويق بضاعة الدين الطائفي و تعميم سياسة القتل العشوائي كما فعل تنظيم الجيش الإسلامي مع إعدام عناصر من الشرطة و الجيش العراقي مؤخرا و كما مارست التنظيمات المشابهة ممارسات إرهابية مماثلة ضد الآمنين من الجيش و الأمن وعموم الناس من بسطاء العراق و كادحيه و محروميه... و لعل إصرار القادة السياسيين و الإعلاميين لتلكم الجماعات على تغطية وجوههم خلال المقابلات المتلفزة هي حالة واضحة من الجبن الشديد و الخبيث كما أنها رسائل ترويع إرهابية تمارسها بعض الفضائيات غير المسؤولة لتلميع صورة قادة الإرهاب الديني الطائفي المجرم، و الغريب ليس في المقابلات بل في الدول العربية المجاورة التي تحتضن قادة تلكم الجماعات و توفر لهم الملاذات الآمنة ثم تدعي بعد ذلك حرصها على محاربة الإرهاب فجميع رجال النظام البائد من قادة الأجهزة الأمنية الخاصة و التي هي مسؤولة تمويليا و تنظيميا عن وجود تلك العصابات مقيمة بشكل علني في دمشق و عمان و صنعاء!!! و طهران أيضا!! و الحكومة العراقية الحالية تعرف كل شيء و لكنها فاشلة بالكامل في إدارة الأزمة و تمارس سياسة خنوع و إسترضاء و مفاوضات مع قتلة و مجرمين لا يخفون أهدافهم الشيطانية و لا يراعون حرمة الدماء العراقية و الإنسانية؟ إنها لعبة إقليمية كبرى يدفع الشعب العراقي ثمنها و تخوض الحكومة العراقية الضعيفة في أوحالها دون مسؤولية حقيقية بل رغبة في تجنب صداع الرأس و التمتع بإمتيازات السلطة و هيلمانها!!، أما المجازر اليومية القائمة في المدن العراقية فيبدو أنها لا تحرك شعرة المسؤولين الأمنيين الغارقين في صراع النفوذ و الهيمنة و السرقة العلنية و السرية وحروب الطوائف و معارك الجمل وصفين الجديدة التي تؤشر على مدى تفاهة و سطحية الأحزاب و الجماعات الدينية و الطائفية، حكومة لا تحمي شعبها و لا جيشها و لا أمنها لا أدري بعد ذلك بأي شرعية تتشدق؟.
أما قيام نوري المالكي بإعتقال قائد أحد الأفواج العسكرية المكلفة بحماية منطقة الصدرية البغدادية بتهمة الإهمال أو التقاعس و لربما التواطؤ! فهي عملية مضحكة و سمجة في ظل الفشل الواضح في بناء مؤسسة عسكرية محترفة! كما أن تحميل وزير الدفاع وحده المسؤولية عن ما يحصل فيه جانب كبير من الطرافة وعدم المسؤولية الحقيقية، فالجيش العراقي الجديد مجرد مسخ للجيش القديم و الذي رغم الشعارات المطروحة لم يكن جيشا في خدمة الشعب العراقي بل كان آلة قتل و سحق موجهة برجال و شباب الشعب العراقي ضد الشعب العراقي؟ و كانت القيادة العسكرية السابقة أيام صدام المشنوق تسوق الجيش العراقي كالخراف نحو مجازرها دون معرفة الهدف.. فتصوروا إن إحتلال دولة كدولة الكويت كان أمر لم يكن وزير الدفاع العراقي السابق الجنرال عبد الجبار شنشل يعرف به من قريب أو بعيد!!! بينما كان يعرف به وبتفاصيله و خططه السرية سائق الدراجة الذبيح و الأمي الجاهل و المتطفل على الجيش الجنرال حسين كامل ( الصهر الذي كان )!! فعن أي مؤسسة عسكرية عراقية يتحدثون بعد ذلك؟ و على أي جيش يذرفون الدموع!! أما الجيش الحالي فمنظره و حالته العامة لا تختلف عن زميله الراحل؟ فقبل أيام وعن طريق الصدفة المحضة صادفت في أحد المجمعات التجارية في العاصمة النرويجية أوسلو بوفد عراقي من العسكريين العراقيين المبعوثين لدورات خاصة في قواعد حلف الناتو في النرويج!! و كان منظرهم العام يثير الضحك و التندر فجميعهم يحملون كروش عظيمة لا نهاية لحافاتها المتخمة!! و جميعهم من كبار السن؟ و غالبيتهم لا يتحدثون الإنجليزية و لا أي لغة حية أخرى!! و كانوا في حالة إنشغال فظيعة في شراء الأحذية و مقارنة أسعارها مع السوق العراقية!! و كانوا في واد و العسكرية الحقيقية في واد آخر؟ ولربما يفكر البعض بعدم العودة للعراق كما فعل الكثير منهم خلال الدورات السابقة؟ و لا أدري حقيقة المعايير الحقيقية لإختيار العناصر البشرية للتدريب في الخارج؟ و كيف يتم إستبعاد الشباب و إرسال العجزة و الكهول أو من هم على مشارف الشيخوخة ( رغم صبغ الشعر ) للتعلم و التدرب على اللاشيء!!... إنها سياسة النهب الطائفي الفاضحة... و سياسة الفشل الفظيع في بناء الدولة، و سياسة ( الهمبكة ) في بناء المؤسسة العسكرية العراقية الفاشلة عبر الأزمان و التي أثبتت تحديات أهل الإرهاب مدى هشاشتها القاتلة.... فلا أدري كيف يتمكن رجال العصابات الدينية من خطف وقتل ضباط وجنود دون أن يدافع هؤلاء عن حياتهم على أقل تقدير؟؟؟... إنها فضيحة الفشل العراقي الشامل...و لا حول و لا قوة إلا بالله.

[email protected]