فوجئت الأكثرية الساحقة من المسلمين بالفتوى التي تبيح للمرأة المسلمة إرضاع زميلها في العمل خمس رضعات، كحل للخلوة المحرمة بينهما، تلك الفتوى التي أصدرها الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، مبينا أن الإرضاع يكون بالتقام الثدي مباشرة. أي ليس كما ادعى البعض أنه يكون بشرب حليب المرأة التي سترضعه، في كأس . وقد عقب الدكتور عطية على هذه الرخصة قائلا إن إرضاع الكبير يضع حلا لمشكلة الخلوة، ولا يحرم النكاح. وذلك تبعا لرأي الليث بن سعد، مؤكدا إن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته وهذه هي الحكمة من إرضاع الكبير، فالعورات الخفيفة مثل الشعر والوجه والذارعين يمكن كشفها، أما العورات الغليظة فلا يجوز كشفها على الإطلاق. مبررا ذلك بأن حماية الأعراض من المقاصد الأصيلة للشريعة. مضيفا أنه من أرذل الرذائل النفور أو استقباح أمر أقره الرسول، ويسّر به على الأمة، بدعوى المدنية أو الحرص على المحرمات. فهل أولئك الذين يستقبحون أو ينفرون من هذه الرخصة أكثر حرصا من الرسول؟ وتابع قائلا: إن الله أدرى بمصالح عباده. والشرع إلزام بما ألزم الله به، لا بما يريده الناس لأهوائهم، وختم بالقول أنه لو رضع كل الناس من بعضهم فهذا فائدة للإسلام، لأن كل رجل سيحترم المرأة ولن يؤذيها.
كثيرا ما هوجمَ الذين كتبوا وتحدثوا من قبل، عن هذه الرخصة في الإسلام، التي شرعها ومنحها الرسول للنساء، لحل مسألة الخلوة المحرمة، وكثيرا ما هاجمهم بقسوة وشدة الإسلاميون المسيّسون، وعامة المسلمين الذين لا يقرأون، واتهموهم بالكذب والافتتات، وترويج الأحاديث الموضوعة، أو المشكوك فيها، أو الضعيفة، بقصد الإساءة للإسلام والمسلمين، وتشويه صورتهما.
إن أولى النساء اللواتي استخدمن هذه الرخصة هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق حبيب الرسول وخليفته، فكانت تأمر بنات أخوتها وبنات أخواتها بإرضاع من تستدعي الظروف دخوله عليها بدون تحرج شرعي. وأقرتها على فعلها ذاك أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب حبيب رسول الله وخليفة خليفته، التي أرسلت أبن أخيها سالم بن عبد الله ليرضع من أخت السيدة عائشة، فرضع ثلاث مرات، ولم يتم خمس رضعات، فلم تدخله السيدة عائشة.
ومع أن هذا الحديث قد ذكره كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما، فقد كان من المسكوت عنه لدى مشايخ الإسلام، ولم تعلم به الأكثرية الساحقة من المسلمين، لأن أمة اقرأ تكتفي بالمشافهة والسماع، ولا تقرأ. لا بل تم التعتيم عليه عن قصد، لظن أولئك الشيوخ أن مضمونه لا يتناسب مع روح العصر الحديث وأخلاق أبنائه. وحتى بعد صدور هذه الفتوى التي أجازت إرضاع الكبير، وأكدت بشكل قاطع لا لبس فيه أن الحديث صحيح ومتفق عليه، فإن هذه الأكثرية الساحقة ما زالت غير مصدقة، لا بل مشككة، وتتهم صاحب الفتوى بأنواع عدة من الاتهامات.
إن الكتب التي تعنى بالناسخ والمنسوخ- والعهدة على الراوي- تنقل لنا عن السيدة عائشة أن رضاعة الكبير كانت عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فقد ذكر صاحب تفسير الجلالين، الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي، في كتابه الإتقان في علوم القرآن، باب ناسخه ومنسوخه: (قالت عائشة: كان فيما أُنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يُقرأ من القرآن). كما نقل قول السيدة عائشة ابن الجوزي في كتابه نواسخ القرآن، مضيفا أنها قالت فلما اشتكى رسول الله تشاغلنا بأمره فأكلتها ربيبة لنا، أي الشاة.
لقد أثارت هذه الفتوى غضب الإخوان المسلمين، إذ تدارس خمسون من نوابهم في البرلمان المصري هذه الفتوى، وأعربوا عن قلقهم وتخوفهم من انتشارها إعلاميا، واقترح بعضهم تقديم طلب إحاطة، لكنهم أرجأوا ذلك خوفا من أن تثير الإحاطة ما لا تحمد عقباه من تداعيات عليهم، خاصة وأن هذا الموضوع قد أثار لغطا شديدا في الشارع المصري، وخصوصا في أماكن العمل بين أوساط الموظفين والموظفات.
فهل يرفض الإخوان الذين يدعون حرصهم على الإسلام وتمسكهم به، ما شرعه الله، وأحله الرسول؟
رابط الفتوى
http://www.alarabiya.net/articles/2007/05/16/34518.html#002