الوزير من الأزر وهو الظهر(1), هذا ما ُيُفهم من قوله تعالى على لسان موسى (ع) (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي, هَارُونَ أَخِي, اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي, وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (2) وهناك قرينة متصلة تدل على ذلك هي قوله (اشدد به أزري) اي قوي به ظهري, وهو تعبير مجازي ومن هنا يقول العراقيون في وصف الاخ بـ (حزام ظهري). المهم أستجاب الله سبحانه وتعالى دعوة موسى وجعل من هارون (ع) وزيرا والى ذلك أشار الله بقوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا) (3) .
ومن سياق هذه ألآية ُيفهم ان الجعل هنا تشريعي, بمعنى ان الله وجد في هارون الاستعداد والقابلية في ان يتبوء هذا المنصب, وبالتالي فان توزيره لم يكن نزولا عند رغبة موسى لانه أخوه, كما يفعل اكثر قادتنا وحكامنا الذين يستوزرون أخوانهم او ابناء عمومتهم و يمنحونهم المناصب رغم عدم كفاءتهم, وهذا ما وقعت به أغلب الشخصيات السياسية المتنفذة في العراق اليوم, حيث احصى كاتب السطور أكثر من مائة منصب تم شغلها ليس على اساس الكفاءة بل على اساس القرابة والمحسوبية العائلية من المسؤول ذي الشأن.
الملم اطراف الحديث واقول ان موسى (ع) واحد من الانبياء ذوي العزم,وكانت مهمتة عظيمة وتحتاج الى وزير يعينه عليها والى ذلك قال ( واشركه في امري ). وامره هو النبوة فجعل الله أخاه هارون وزيرا له لكي يعينه في مهمته ويخلفه من بعده والى هذا المعنى اشار الرسول محمد (ص) لعلي(ع) بقوله( اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى)(4). وهذا الحديث يعرف بين المسلمين بحديث المنزلة.
هذا بالنسبة لما يعنيه الوزير. اما (الطماطة) فهي من الطماطم اي (البندورة) بلغة اهل الشام. وفي ايامنا هذه فأن لها في العراق (حنه ورنه) ولكن ليس في الطعام بل في السياسة, وذلك من خلال ولادة ظاهرة (الوزير الطماطة) التي بدأت تشهدها الحياة السياسية. ولكن ماهي هذه الظاهرة التي نقلت الطماطة من عالم الخضروات والأكلات الى عالم السياسة ؟
قبل الاجابة على هذا التساؤل لابد من تبيان الاهمية التي اكتسبتها الطماطة حيث فرضت نفسها ملكة _طبعا بجهودها وليست بالمحاصصة الطائفية او العرقية او الجهوية_ على المطبخ العراقي وبأمتياز وذلك لتعدد طرق استخدامها عند اعداد الطعام, فبالامكان اكلها طازجة او مشوية او مقلية او مع (الزلاطة) اي السلطة اوتحويلها الى (معجون) اي عصير الطماطم. ومن هنا ضُرب بها المثل عند وصف الشخص الذي تجده يعمل في اكثر من اختصاص بالقول ( فلان مثل الطماطة اتريد مرق اتريد زلاطة). وهنا نصل الى علاقة الطماطة بالوزير فنقول بعد التوكل على الله:
ان المحاصصة التي تشكلت بها حكوماتنا منذ (مجلس الحكم ) والى الحكومة الحالية افرزت ما يمكن تسميته بظاهرة (الوزير الطماطة) اي الوزير الذي يستوزر عدة مرات وفي كل مرة تناط به حقيبة وزارية تختلف كليا عن المرة السابقة التي استوزر بها, فتراه مرة وزيرا للكيمياء,وأخرى وزيرا للسينما والمسرح,وثالثة وزيرا للحفريات وهكذا, حيث لايوجد اي ربط بين اختصاصه _هذا اذا كان من اهل الاختصاص _ وبين ما استوزر لأجله. فبعض وزرائنا في العهد الجديد اصبح كالطماطة لا تستطيع اي حكومة ان تستغني عنه, لكن لا كما قد ُيتصور لكفاءته او عبقريته,بل لان الكتلة التي ترشحه لاتمتلك غيره وذلك لقلة كوادرها (المخلصين) لقيادة الكتلة او الحزب الذي ينتمي اليه الوزير, او لانه من الحرس القديم الذي لايمكن لزعيم الحزب التفريط بهم.
و ما الضير في ذلك؟ اليس الامر ذاته موجود في الدول الاوربية اذ يتنقل الوزير من وزارة الى أخرى ؟ قد يسأل سائل.
وجواب ذلك, نعم هذا الامر يحدث كثيرا في الدول الاوربية لكنها دول مؤسسات, بمعنى ان الوزارة مؤسسة متكاملة فيها من الخبرات الكافية والتي تستطيع العمل حتى بدون وجود وزير على قمتها فهناك نظام ثابت معتمد منذ عشرات السنين, لايتغير بتغيير الوزير ولا يتأثر بغيابه,وتنحصر مهمة الوزير فقط في ادارة هذه المؤسسة اي الوزارة ويساعده في ذلك امران:
الاول وجود مستشارين اختصاص في طبيعة عمل الوزارة. والثاني وجود مساعدين او وكلاء الوزير وهؤلاء باقون في الوزارة حتى وان استبدل الوزير بأخر كونهم ملاك دائم وثابت على الوزارة بحكم خبرتهم وكفاءتهم العالية, لايغييبهم الا التقاعد او الموت او ارتكاب جرم قانوني. واما الوزير فدوره ادارة ومراقبة عمل الوزارة والتأكد من تطبيقها لسياسة حكومته وخططها المتعلقة بمجال عمل وزارته. ويشترط في الوزير ان يكون اداريا ناجحا حتى وان وضع في اختصاص غير اختصاصه. ولعل في حكومة السيد توني بلير هنا في بريطانيا خير مثال على ما نزعم.
فقد تم استيزار السيد ديفيد بلانك وزيرا للتربية, فأثبت نجاحا منقطع النظير, فما كان من بلير الا ان نقله من التربية الى وزارة الداخلية, وكما ترون لا وجود لرابط بين طبيعة عمل الوزارتين وحقق الوزير بلانك نجاحا أخر في ترأسه للداخلية بالرغم من كونه أعمى_بينما من تعاقبوا على وزارة الداخلية في العراق الجديد نظرهم ستة على ستة لكنهم عجزوا جميعا عن تحقيق الامن _ علما ان تخصص بلانك تربوي لكن تدرجه الوظيفي اكسبه خبرة كبيرة في مجال الادارة وهو اهم ما يحتاجه الوزير هنا, لان لكل وزارة نظام تعمل وفقه كمؤسسة وهذا ما تفتقر اليه اغلب دولنا العربية ومنها العراق, ولولا فضيحة تسهيله اعطاء تأشيرة دخول لخادمة عشيقته لما استقال السيد بلانك من وزارة الداخلية, وهنا تظهر الشفافية الحقيقية حيث يمارسها (الكفار) الاوربيون عمليا ويوميا اما نحن (المؤمنين) فلا نجيد سوى اجترارها حتى من دون ان نعيها.
فاذا كان الوسط السياسي البريطاني اعتبر تسهيل حصول خادمة عشيقة السيد بلانك على تأشيرة الدخول الى بريطانيا استغلالا لصلاحيات الوزير ومخالفة للقوانين فما عسى هذا الوسط ان يقول بحق وزرائنا الذين ملئوا الوزارات بأقربائهم وأبناء عشائرهم واعضاء احزابهم؟ وماذا عساه القول عن ظاهرة (الوزراء الطماطة) التي تعج بهم وزاراتنا؟

آخيرا ومادمنا على أعتاب تعديل وزاري نختم بما جاء في عهد الامام علي الى واليه على مصر مالك الاشتر في اختيار الوزراء حيث قال (ع) : (ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ_اي وزرائك_ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ... وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْrlm;ءٌ وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ ) (5). ترى هل سيصار الى اعتماد ما جاء في وصايا الامام علي, أم سنرى توزير نفس الوجوه التي فشلت او شبيه بها ممن تنطبق عليه صفة (الوزير الطماطة) ؟ وحده التعديل الوزراي من سيجيب على هذا التساؤل والحمد لله رب العالمين.
[email protected]

(1)المنجد في اللغة والاعلام.
(2) سورة طه الايات 29 الى 32.
(3)سورة الفرقان الاية 35.
(4)صحيح مسلم ج2 ص 108 ط 1348 هجري.
(5)الراعي والرعية/ توفيق الفكيكي.