تعود معرفتي بالشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري الى أواخر السبعينات حين رافقت والدي الاستاذ النعمان في احدى زياراته بمنزله في الرياض. حينه لم أكن أعرف إلا أنني التقي بمسئول سعودي رفيع المستوى.. وبتوالي اللقاءات التي جمعتني بالراحلين العظيمين، التويجري والنعمان، أيقنت أن السياسة كانت أبعد ما تكون عن حوارتهما، وجدالهما.. وأنني أمام شخصية صانعة للتاريخ وكاتبة له..

إقرأ المزيد:

أبرز ما كُتب عن التويجري

مات الحبر والأب والنهر

التويجري الكبير مغادرًا... ورحل حبر المملكة ونهرها

كان التويجري شديد التواضع، عميق التحليل للأوضاع، كارها للأضواء والإعلام.. لكنه كان مؤثرا في الأحداث الجسام التي مرت بالمنطقة العربية، رغم أن الكثيرين يجهلون الأدوار التي لعبها.
حاول التويجر من خلال علاقاته الشخصية بزعماء المنطقة، بدأ بصدام حسين وحافظ الأسد والملك حسين والكثيرين من الذين مازالوا في سدة الحكم، أن يمارس هوايته المفضلة في لم الشمل والترفع عن الخصومات والمنازعات الشخصية، والحد من الخلافات.. كما لعب أدوارا خفية في إنهاء نزاعات حدودية بين دول عربية كثيرة، ولم يرغب أو يفاخر أو يحاول تقمص دور الحكيم، الذي كان يؤديه بتلقائية قل أن نجدها بين أقرانه من الساسة العرب.
التقيت التويجري لأخر مرة عام 2004 في منزله في جنيف، الذي اختار أن يكون قريبا من المنزل الذي قضي فيه النعمان أخر أعوامه.. وأتذكر اليوم نصائحه الأبوية وكلماته النافذة (ابق في بلادك ولا تفكر في الهجرة خارجه.. اتبع خطا النعمان، وأعمل لخير بلادك، فهي وطننا جميعا، واليمن هي الأصل وما بقى خارجها فروع)..

كان التويجري يتمزق ألماً، لكل خلاف عربي، وكان يسعى جاهدا في السر، الى ردم الهوة بين الأشقاء.. كان يدرك أن الأمة العربية لن ترتفع إلا بتلاحمها وابتعاد قادتها عن الأنانية، والاقتراب من شعوبها..

كنت في كل زياراتي الى الرياض، أحرص على زيارته في منزله، وكان يخصني بالحفاوة والتكريم، امتدادا لعلاقته الانسانية الممتدة مع النعمان.. وقد حضرت العديد من لقاءاته الخاصة مع العديد من الشخصيات السعودية والأجنبية، وكان يزيل اللبس الذي يكتنفه حضوري لقاءاته معهم، بأن يعرفني بأني أبن quot;نعمان اليمنquot; ـ كما كان يحلو له أن يخاطبه ـ وأن حضوري معه دليل ثقة ومحبة.

التويجري، الأديب، والمؤرخ، والانسان، هو الذي سيبقى في ذاكرة كل من عرفه، والتقى به، وقرأ له، ولكنه بالنسبة لي كان الوالد الحنون والناصح الأمين، وسأبقى مدينا له بما غمرني من المحبة والود.

رحم الله أبا عبدالمحسن.