لم نكد ننسى دعاء(17 عاماً) العراقية، الكردية، البحزانية، التي شاءت لها الحجر الوحش، ذات غولٍ ساديٍّ، لامنتمٍ(07.04.07)، أن تذهب، هكذا وحيدةً أكيدةً، بلا طقوس موتٍ أكيدةٍ، بلا عويل ملائكةٍ أكيدةٍ، بلا أيدٍ أكيدةٍ، قادمةٍ، للتو، من قطاف الورد والمطر الأكيدين، وبلا شاهدةٍ أكيدةٍ، تدلنا إليها، حيث هي تنام نومتها الأكيدة، للمرة الأخيرة، في ترابها الأخير.
لم نكد ننسى تلك، التي قاست الموت الحجر، وحيدةً، غريبةً، حتى طالعتنا الصحف البريطانية، الصادرة اليوم(12 يونيو 2007)، بخبرٍ عن مقتل الفتاة الكردية العراقية quot;بيناز محمودquot;(20 عاماً)، التي قُتلت على يد أفرادٍ من أسرتها، أوائل العام الماضي(حسب رواية البي بي سي. أما حسب تقرير زيد بنيامين المنشور في إيلاف، فإنها اختفت في 24 يناير 2007)، بطريقة وحشية، بشعة، تحت ذريعة quot;النيل لشرف العائلةquot;، وهي التهمة/الخيانة(خيانة القطيع بالطبع) المفصّلة الجاهزة، لإلصاقها بأية إمرأةٍ، في شرقنا الذكوري المتخلف، لمجرد خروجها أو تمردها على ثقافة القبيلة، أو ثقافة quot;شرفهاquot; المكتوب في ألواحٍ محفوظة، مُحكمة.
بيناز، قُتلت في لندن، على يد أرباب عائلتها(والدها وعمها: quot;المحمودانquot; محمود محمود وآري آغا محمود)، فقط لأنها اختارت طريقاً آخر، وحباً آخر، لم يروق لquot;شرف عائلتهاquot;، ولquot;مشيئةquot; أولياء حياتها المقيمين بمحض إرادتهم، في فسيح ثقافةٍ، ليس لquot;شرفهم الشرقي الوحشيquot;، موطئ قدمٍ فيها، حيث القانون الإنسان، فيها، يعلو ولا يُعلى عليه.

وعلى الطريقة quot;الشريفةquot; ذاتها، والحجر quot;الشريفquot; ذاته، مدعوماً بالسكين والرصاص، لحقتها مواطنتها quot;شَوبو عليquot;(19 عاماً).
من بريطانيا وعاصمتها المفتوحة لندن، مرةً أخرى، حيث يقيم زوج quot;شَوبوquot;، خُططَ لذاك القتل ودُشن له، وشاء الكردي quot;الشريفquot; المقيم في نعيم الآخرين، وبحبوحة حرياتهم، وقوانينهم، ومعونات صناديقهم الإجتماعية السخية، أن تكون quot;كردستانهquot; التي لابد وأنه قد قال فيها، ذات يومٍ، شيئاً ما، أو كتب لها، ذات ذكرى، بضع همساتٍ عن حبٍّ ما ، أو بكى عليها، ذات حلبجةٍ، وذات كيمياءٍ، وذات بعثٍ، في موتٍ ما، شاء كرديّنا quot;البريطانيquot; هذا، أن يترجم رجولته quot;الأصيلةquot;، وشرفه quot;الرجل الذي من ظهر رجلquot;، في quot;رحابquot; قانون كردستانه، التي لها، وللأسف، من ذات الرجولة وذات الشرف، الكثير الكثير، لضرورة القبيلة ومشتقاتها، كما هو مكشوف.

زوج quot;شَوبوquot; البعيد عن quot;حبه بالوكالةquot;، جاء بالقتل لquot;أنثاهquot;، من بلاد الأميرة quot;دياناquot;، حيث الحب، كلّ الحب فيها: حب الحياة، حب الولادة، حب الله والصليب، حب الكتاب، حب الحيوان كالإنسان، حب الجسد والأرض والحجر والشجر والمطر، هو شاسعٌ على أتمه.
quot;كرديّquot;نا الفاشل في الحرية، والفاشل في الدخول الطليق إلى الأنثى والخروج منها، جاء مدججاً بالقتل وأدواته، من بلادٍ quot;تعيش وتدع الآخرين يعيشونquot;(كما يقول المثل الألماني)، وعبر به البحار البعيدة والحدود الطويلة الشائكة، ليهدي أنثاه وكردستانه quot;قتلاً شريفاًquot; آخر؛ قتلاً quot;عابراً للقارات والحدودquot;، فريداً من نوعه.
أثبت هذا quot;الهارب الشريفquot; للآن، قدرته الفائقة، على تهريب quot;القتل الفائقquot;، وquot;عقله المدبر الفائقquot;، quot;انتقاماً لشرفه الفائقquot;، من بريطانيا إلى كردستان. ففي غضون ليلةٍ واحدةٍ فقط، قام هذا الغول بقتل زوجته، هناك، بدمٍ باردٍ، مسلّماً آخر ما تبقى لها من جسدٍ، لسكاكين وحجارةٍ ورصاص باقٍ، ثم عاد إلى قواعد حريته المفتوحة على كل حدبٍ وصوب، وعلى كل ما تشتهيه رجولته، في النعيم اللندني، سالماً quot;غانماًquot;.

ولِما لا...ألا تقول الإحصائيات الرسمية أن 1,95 أمرأة(أي بمعدل إمرأتان) تُقتل أو تقتل نفسها في كردستان، يومياً؟(يُنظر تقرير وزارة الصحة في إقليم كردستان/آذار 2006)

وحسب تقريرٍ نشرته quot;كوردستان ميدياquot;(15.05.07)، خلال اسبوعين فقط(من تاريخ التقرير)، قُتل 13 إمرأة، بطرق وأساليب مشابهة لقتل quot;شَوبوquot;، تحت ذريعة quot;غسل العارquot;، وquot;صون الشرفquot;، وquot;رفع الذل عن رجالهquot; وما إلى ذلك من عناوين الشرف، المنتمية إلى ثقافة القبيلة، ودين القبيلة، وقيام وقعود القبيلة.
وفي تصريح نُشٍر على لسان الروائي الكردي جبار جمال غريب، بتاريخ 05 يونيو 2007، في موقع http://www.chra.tv ، قيل: quot;خلال شهرٍ واحد، قُتل حوالي 30 إمرأة في مناطق وجهات متفرقة من الإقليم الكرديquot;.

من لندن quot;الحريرquot; والضباب إلى كردستان القبيلة والحجاب،
ومن quot;كردستان الخارجquot; إلى quot;كردستان الداخلquot;، لا يزال الكرد، رجالاً، بكلّ أسف، كسائر رجال شرقهم ونزلائه المهووسين برجولتهم، وثقافتهم الذكورية حتى النخاع، لايزالون في غيهم وفي قيامهم الأبدي، على نسائهم، ماضون.
فإلى متى سيظل نصف الشرق، ينهش في جسد نصفه الآخر؟
إلى متى سيحكم نصف عقله، بعرفٍ من حديد، وكتابٍ من حديد، وقبيلةٍ من حديد، نصف عقله الآخر؟
إلى متى سيقتل نصفه المانع، نصفه الآخر الممنوع؟
أيّ شرفٍ هو في القتل، حيث لا شرف قريب أو بعيد فيه؟
إلى متى سيبقى quot;الشرق شرقاً والغرب غرباً، ولن يلتقيا مهما امتداquot;؟
كفّوا عن أكل نسائكم.
فالعالم أكبر من أن يكون رجلاً فحسب.
العالم كائنٌ كثير اسمه إمرأة ورجل.

[email protected]