قبل الحرب على العراق بايام كنت قد كتبت بعض القصائد عن هول ما سيحصل في هذه البلاد المبتلاة بالطغاة والقهر.. احداهن كانت بتاريخ 18-3-2003 عنوانها quot; ياهذا الوطن.. وطنيquot;. ونشرتها في بعض الصحف والمواقع ومنها صحيفة الوطن السعودية والمواقع العراقية ويستطيع من يبحث عنها في الانترنت ان يجدها بسهولة، قلت ُ في مطلعها :
ياهذا الوطن الممتد
الى أطراف الصحراء ِ
قد أ ُعلـِنَ موتك
فوق َ رؤوس ِ الأشهاد
وجاء الهول....
ياهذا الوطن الحاضر ُ
ملحمة َ التأريخ
وطرق الأنهار ِ
وفي ِسيَر ِ الحب ِ
سترثيك َ نساءٌ
خصصهن الله لندب الموتى
منذ قرون
تلفعن َ بلون الموت ِ
يقوين َ عزائمهن لذبائح َ أخرى...
...
....الى ان اقول :
يا هذا الشيخ ُ
الشبح ُ، ا لمتعبُ
من عطش النخل ِ
وخطط الحرب ِ
وأحزان البترول
أعلم ياهذا
أن النار َ القادمة لا تـُبقى شيئاً
ولا تذر الورد يصلـّي فوق قبور،
اللهم اشهد
اللهم اشهد
اللهم اشهد...

اليوم عندما اتذكر ما قبل الحرب بايام، اعجب كيف رأيت ُ بعيني الهول القادم للعراق، قبل مجيء الدبابات والطائرات، كنت اراه وأبكي، كان الارق يهدّني واصوات صرخات ارواح بريئة تستغيث، اسمعها في رأسي، في اي مكان أذهب، ملء سمعي وبصري أيادي صغيرة تستغيث ممتدة خلل الدخان والنار، ونساء تندب، وعندما اجلس اليوم الى الشاشة وارى الضحايا اشعر ان ما أراه؛ إعادة ابصرتها من قبل.
لست ُ نبية ولا توجد امرأة نبية في التاريخ ndash; وهذه واحدة من علل الأديان ndash; ولست الوحيدة في رؤية هذا، انما انا مثل غيري الكثير من العراقيين الذين يعشقون اوطانهم واهلهم ويحبون الحياة للبشرية جمعاء، كنا متأكدين أن كارثة انسانية ستحصل..
لم يكن ناشطي حقوق الانسان وبعض قوى اليسار العراقي اغبياء عندما تظاهروا ضد الحرب، ولم نكن مع بساطة ما يطرحه بعض الاخوة العرب أوالاحزاب والشخصيات المشتراة من الطاغية. انما كنا ضد النظام الصدامي و ضد الحرب في آن، كان صعبا علينا ان نـُقنع الناس بموقفنا، وقد سالتني صحفية انكليزية في لندن في تظاهرة كبيرة ضد الحرب :
لماذا انا ضد الحرب طالما انا من ضحايا صدام ومن معارضيه ؟
قلت لها: انا مع الشعب والارض والنخيل ومع الماء والهواء في العراق، والحرب تقضي على كل هذا..
كانت المواقف انذاك متباينة، وكم فرح عراقيون كثر بالهجوم الامريكي، لا لأنهم لا يحبون وطنهم، بل لان صدام قد أوجع الشعب وأباد منه الكثير، واذله حتى لم يسلم منه الجار البعيد، وكانوا كالغارقين وامريكا القشة التي تمسكوا بها واعتقدوا انها ستحررهم من صدام كما حررت الكويت.
كان جرح العراقيين عميقا وكانوا ينتظرون يوم الخلاص ولم يعتقدوا ان هناك ماهو أسوء من صدام، أو أن ظرفا ياتي في يوم ما يجعلهم يترحمون على القليل من الأمان في الشوارع على الاقل، وحينما فـُتحت المقابر الجماعية وتكشفت جرائم النظام العراقي اقتنعنا ان هذا النظام الاستثنائي الجرائم لا يسقط الا بطريقة استثنائية، وقبلنا بواقع الاحتلال المؤقت كانقاذ وحيد لا بديل له لشعب العراق من الابادة.
ولكن، بعد الفوضى والموت اليومي في العراق يعود المتتبع للسياسة الامريكية بالمنطقة ليتذكر جيدا انها لم تجيش الجيوش وتاتي للعراق لهدف اسقاط صدام فقط ولسواد عيون المعارضة العراقية التي اوهمتها امريكا انها حررتها من صدام وحققت مرادها، انما لإبعاد الارهاب عن الولايات المتحدة واوروبا والرغبة في تغيير خارطة الشرق الاوسط لمصالح الولايات المتحدة واصدقائها التي اعطاها الارهاب حجة لأجندة حروب قد تطول عقودا اخرى في العالم، ولتستقطب كل الارهابيين للعراق وليكن العراق كبش الفداء، مما جعل الامريكان يتركون الحدود العراقية سائبة لسنوات، لارادع ولا حارس ليأكل اغبياء الارهاب الطعم وياتون لتفجير اجسادهم بعقولها الموهومة، محققين خطط الامريكان، قاتلين أبرياء العراقيين في الشوارع والمؤسسات والمراقد والمخابز والمدارس والاسواق المزدحمة، فشاعت الفوضى واستغل الفرصة كل من له مصلحة بخراب العراق او العودة بالبعث الى السلطة مرة اخرى ..
والأنكى من ذلك ان الولايات المتحدة عملت على السيطرة على حكومة عراقية تكونت على أساس المحاصصة القاتلة، دست فيها حفنة من عملائها وبعض المنتفعين سهلي الانقياد، ولتكن الشخصيات الوطنية الشريفة على قلتها في الحكومة ضحية الفوضى والارهاب والقتل اليومي، ولتتشوه الوجوه الوطنية الحقيقية ليختلط السارق و المسروق ولتقضي على آخر امل للشعب في حكومة تقوده الى شاطيء الامان، بداعي السيادة التي فرح بها اعضاء الحكومة والكراسي والرواتب التي يتقاضونها دون علمهم انهم اطالوا امد الارهاب واعانوه ليكن الضحايا من العراقيين اكثر من سواهم..
لقد نجحت الولايات المتحدة بالتنصل من مسؤولية الملف الامني اذ وضعته بيد الحكومة الضعيفة، كما نجحت بابعاد الإرهاب عن اراضيها فلم تحصل اية عملية إرهابية في اراضيها منذ الحرب على العراق حتى الان، انها تعمل لوطنها وشعبها وماتدفعه من ضحايا جيش متكون من عاطلين ومتطوعين، يخفف ازمة البطالة لديها.
اذن لا يعتقدن احد أن مجموعات من المتظاهرين من ناشطي حقوق الانسان أوالمعارضين الرافضين بقاء القوات الامريكية في العراق، قادرين على هز عرش السياسة الامريكية وخططها لتتوقف عن حروبها ضد الارهاب في العالم، وهل ننسى خطاب بوش بعد العملية الارهابية التي فجرت الابراج التجارية حيث قال بالحرف الواحد :
ان الحرب ستمتد الى اكثر من ستين دولة حتى يتم القضاء على الارهاب..
وليت الحرب تكون على الارهاب حقا ومن اجله فقط، انما هي حرب عشوائية، لاتعريف واضح لها ولا لاهدافها وحدودها، نواياها غير المعلنة كثيرة، تتسيد عليها مصالح الشركات وتجار الموت والاقتصاد الامريكي، الذي يجعلنا نعود لتذكر الفيلسوف العظيم ماركس يوميا ونقول، معه حق في كل ماقال عن الرأسمالية والامبريالية، بعد ان تخلينا لفترة عن افكاره مدعين انها شاخت..
لم ازعم انني اكتشفت جديدا فيما ذهبت اليه، الكل يعلم هذا ولكنني اتسائل :
هل اتجه فكر الحكومة العراقية الي هذا الامر؟ ام لازالوا يعتقدون بشهامة السياسة الامريكية ازاء الشعب العراقي وحبهم للشعر العراقي كما أبدى بريمر حينما غادر بغداد مرددا بيت ابن زريق البغدادي القائل:
ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة على ان لا أودعه.. وصدقوه !!!!...
وهل وقع العراق بمستنقع لا حيلة للخروج منه، فصار علينا البكاء مدى الدهور؟
11-6-2007
Email:[email protected]