عندما تشكلت الحكومة العراقية الحالية برئاسة السيد المالكي ظهر على مسرح الواقع صرعان للعلن وصراع متعدد في الخفاء ما بين ــ هل الحكومة الحالية تمثل الوحدة الوطنية؟ أم أنها حكومة المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة؟ كل جهة في الصراع حاولت أن تثبت رأيها فقدمت الدلائل تلو الدلائل إلا أن هناك طرفاً كان ينتظر كما يقال تزكية الحياة للموقف الصحيح والرأي الصائب مع ميله بان الحكومة ليس حكومة الوحدة الوطنية المنشودة فاتبع طريق النقد البناء والكشف عن الملابسات والممارسات غير السليمة لكي يجنب الشعب هذا الدمار والخراب والضحايا البشرية وها هي الحياة والوقائع المادية والأحداث التي جرت وتجري تؤكد صحة التقدير وخطل الرهان والقفزعلى النتائج الملموسة وتشويه الواقع حيث أصبح الحديث يجري عن النية لتشكيل تجمع سياسي لأربعة أحزاب ولا يقال خجلاً quot; فشل الحكومة الحالية quot; بل تخفيف التسمية إلى تكليف السيد المالكي مرة ثانية بتشكيل حكومة من ( 20 ) وزيراً للخروج من دائرة المحاصصة الطائفية إلى المحاصصة الحزبية وبتقديرنا أن هذا الرهان أن صح لن يوفي بالغرض وبخاصة ما ذكر عـــــن المهمات من قبل السيد المالكي بخصوص quot; الوضع الأمني والمصالحة الوطنية وحل المليشيات الطائفية المسلحة ومحاربة الفساد quot; لأن القضية العراقية ومشاكل البلاد لم تعد شكلاً بِمَنْ يأتي ويقود الحكومة بل بِمَنْ يكون عراقي النية ينفذ البرنامج الذي يعلنه وحكومته، ومَنْ الذي يرى في المواطنة العراقية السبيل الحقيقي لتجاوز مخلفات الفترة السابقة والتحلى بالروح الوطنية للتخلص من آثار الماضي وآثار الاحتلال والحصول على الاستقلال الوطني التام ونقل البلاد من مستنقع العنف والعنف المضاد إلى الأمان وإعادة السلام الاجتماعي وتطبيق القوانين وتصليح الأخطاء والتخلص من الثغرات والنعرات الطائفية وأجراء التعديلات الضرورية على الدستور وقيام مصالحة وطنية شاملة أساسها القبول بانتقال السلطة سلمياً وبدون مكونات ومحاصصات طائفية، ومرة أخرى إذا صحت هذه الأخبار وهناك نية لتكوين التجمع الحزبي من أربعة أحزاب وتشكيل حكومة على هذا الأساس فباعتقادنا أن تشكيل حكومة جديدة بوصفات المحاصصة الحزبية الضيقة سوف يجر البلاد الى مزالق ومخاطر جديدة يدفع الشعب ثمنها، لا بل أكثر من السابق ولهذا ومن اجل مصلحة العراق كل العراق يجب أن يكون المنظار الحقيقي لنجاح أي حكومة عراقية هو تطبيق مبدأ المصالحة الوطنية على أسس صحيحة وعدم استثناء أي طرف إلا الذين تلطخت أيديهم في السابق وفي الحاضر بدم العراقيين الأبرياء وفي مقدمتهم منظمة القاعدة وحلفائها في النهج نفسه وعلينا أن ندرك في هذه المرحلة وجود قوى وطنية مقاومة للاحتلال وهو منطق سليم جداً لأن الاحتلال نفسه يعترف بهذا الشيء ولا يتجاوزه وكذلك الحكومة الحالية أيضاً، فلماذا لا نعترف به ونتخوف منه؟ وبما أن الحل لأكثرية المشاكل التي يجري الحديث عنها من الممكن أن تعالجها المصالحة الوطنية، فلماذا لا نحترم رغبة الشعب العراقي بالخروج من عنق زجاجة الإرهاب التكفيري ومليشيات الموت الى الفضاء الواسع أي بالمعنى الواضح روح المواطنة العراقية وأعتبرها المعيار في التعامل مع جميع العراقيين بعربهم وكردهم وتركمانهم وكلدواشوريهم ومختلف الديانات والأعراق؟
إن الأزمة المستفحلة للوضع الأمني والملفات الأخرى تكمن في النظرة الضيقة التي خلقها الاحتلال بإيجاد مراكز للصراع وهمية غُذت على أساس أنها موجودة وحقيقية وفي مقدمتها الطائفية وأن فئة أو فئتين من الشعب العراقي لحق بهما ضرر السياسة الدكتاتورية الدموية دون غيرها ولهذا يجب تمتعهما بالامتيازات على حساب باقي الشعب، إلا أن الحقيقة المعروفة تشير إن أكثرية الشعب العراقي بمختلف طوائفه وألوانه وفسيفساء تكويناته الدينية والمذهبية والقومية تعرضت للتنكيل والإرهاب السلطوي الدموي ولم يسلم منها إلا المقربين والذين ترتبط مصالحهم مع مصلحة النظام الشمولي وقيادته المعروفة التي تعتمد على التسلط والدكتاتورية وليس غيرهما وهنا يجب الاعتراف أيضا بما حل من مآسي وفواجع في قضية الأنفال والجنوب بعد الانتفاضة ولكن لا يجب إنكار ما حل بالرمادي بعد المحاولة الانقلابية التي اعترف بها النظام السابق وغيرها من الملاحقات التي أصابت القسم الكبير من أنحاء العراق ولا يجب التنكر للحرب الدموية التي شنت على الأحزاب الوطنية والديمقراطية ومقدار التضحيات الجسام في هذا المضمار، ونجد أن تقسيم الاضطهاد على أسس غير صحيحة أريد منها خلق حالة من التشويش وعدم الاستقرار بما فيها جر البلاد إلى حرب طائفية تدعمها عمليات الإرهاب والتفجيرات ضد المواطنين وهي سياسة أريد من خلفها بقاء قوات الاحتلال أكثر وقت ممكن، ويبدو وبدون الدخول في التفصيلات أنهم نجحوا في هذه السياسة حيث لا توجد بقعة في العراق سالمة من الاضطراب الأمني والعنف المسلح والضحايا الذين يتساقطون يومياً والأجساد المقطوعة الرؤوس والخطف والاغتيال وقطع الطرق وتهجير المواطنين وبما أن الأوضاع المأساوية باقية لا بل في تردي على الرغم من وجود حوالي ( 200 ) ألف جندي أمريكي وأسلحتهم المتطورة والطائرات الحربية الحديثة المختلفة ومثلهم أكثر من ( 7 ) آلاف جندي بريطاني ومئات من دول أخرى وما يقارب ( 300) ألف جندي وشرطي وغيرهم فان بقاء الجيوش الأجنبية ضروري جداً لحماية المواطنين وأية حماية!! وتحتاج هذه الجيوش الأجنبية إلى أوقات إضافية ربما غير محسوبة كما يقال quot; زمن بدون سقف محدود quot;.
حكومة الوحدة الوطنية هي ليست حكومة المحاصصة الطائفية ولن تكون حكومة المحاصصة الحزبية بل أنها حكومة تمثل الشعب بحق وحقيقي وتتبنى برنامج وطني ديمقراطي لحل جميع المشاكل التي تواجه البلاد وقد ذكرنا في المقدمة ما هي هذه المشاكل وفي هذه الحالة ستكون الحلول واقعية ولا تقفز على الواقع وبدون هذه النظرة الوطنية عند تشكيل أية حكومة عبارة عن النفخ في قربة مثقوبة والعياذ بالله وعلامة استفهام.