بعد أن كتبت عن الغدر والغدير وغدير خم، ظن بعض الأخوة الشيعة أنني حاقد ووهابي وسلفي ومذهبي وطائفي.
وهذه مشكلتي معكوسة مع كل الأصناف المذكورة.
فأنا في عين كل طائفة انني خارج الملة وخارجي.
حتى إذا قرأوا لي مقالة قالوا لانفقه كثيرا مما تقول ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز. والقصة باختصار أن من سلك طريق النقد دخل حقل ألغام، فوجب أن يقول قولا لايوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا. وهو ليس من شيمتي.
ومما أذكر هذه القصة الطريفة عن الشخير السني الشيعي. فليفرح الشيعة بمقدمتها فقط؟؟
ففي يوم سألني عيسى من المشفى الذي أعمل فيه عن زميل لنا يعمل في القسم هل فلان شيعي؟
قلت له: لا أعرف. ولست متأكداً. ولم أسأله. وقد يكون.
قال: لقد عرفت أنه شيعي؟
قلت له: وكيف عرفته؟
قال: من عينيه.
قلت له ماذا أخبرتك عيناه؟
أجاب: كانتا تشعان بالخبث.
سكت أنا للحظات بعد هذا الاكتشاف المذهل؟
ثم التفتت إليه فسألته: هل تعلم أين ولد فلان؟
قال: لا.
قلت له: الرجل ولد في الناصرية في جنوب العراق.
لم يستوعب ما أرمي إليه، فهو خارج إحداثيات الجغرافيا والتاريخ.
ثم فاجأته بسؤال أصعب: يا صديقي لو ولدت أنت في بايرن في ألمانيا هل كنت تعلم ما هو الدين الذي كنت ستدين به؟
ذعر من السؤال، ولم يتصور ارتباط بايرن بالدين.
أجاب بشيء من التضايق: ماذا تقصد بسؤالك؟
قلت له: لاشيء مجرد السؤال.
وكان عدم الجواب أبلغ من أي جواب.
يولد الناس من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً وعندهم قدرة التشكل على قالب أي ثقافة بأفضل من الحديد في مصانع الصلب. فتخرج منها سيارة مرسيدس أو حاوية قمامات.
وقدم البنت الصينية كانت في القرن الفائت تضغط لتبقى صغيرة بطول بضع سنتمترات لأن القدم الكبيرة كانت غير مرغوبة في الزواج.
وفي قبائل غينيا من العيب على الرجل أن يمشي بدون قرن ثور مشدود إلى قضيبه دلالة على الفحولة.
وفي تهامة من عسير يطهر الغلام بسلخ جلد منطقة العانة كلها ويوضع الطين فوق المكان المكشوط.
وفي بعض مناطق التيبت يرحب بالضيف بإبراز اللسان.
وفي الإسكيمو يحتفل الرجل بالضيف بتقديم زوجته له.
كما أن الصينيين يكرموا الأموات بوضع أفخر الطعام على الضريح.
وعندما تعجب بريطاني منهم أن الميت لا يأكل؟ كان جواب الصيني: إنكم تضعون أجمل الزهور على قبر ميتكم والميت لا يشم؟
والمشكلة هي أن كل واحد يضحك من ثقافة الآخر ويضع يده على رأسه عجبا.
ولم يدع نوح قومه إلا إلى ما هو منفعتهم ولكنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا.
وضحك مشركو قريش كثيرا من الأمثلة التي كانت تضرب لهم. ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون. أي يضحكون.
وكان الإزتيك عام 1500م في المكسيك يتقربون إلى الله بانتزاع قلب شاب قوي وهو على قيد الحياة فيخرج الكاهن إلى الشعب وبيده القلب يخفق فيهلل الجمهور استحساناً.
وإلى فترة قريبة كان البشر يأكل بعضهم لحم بعض فكرهتموه.
ويذكر المؤرخ (ديورانت) أنه لفترة قريبة من التاريخ الإنساني كان لحم البشر يباع معلقاً عند القصابين مثل الخرفان.
وينقل عن بعض القبائل الأفريقية أنها كانت تستطيب لحم الرجل الأبيض.
ومعروف عن الأسد أنه إن أكل لحم البشر اعتاده بسبب ملوحته عن لحم الغزلان.
وفي فيلم (على قيد الحياة) وهي قصة حقيقية سقطت طائرة على قمم جبال الإنديز وحوصر الناس لمدة 72 يوماً في الثلج والبرد ولم ينقذهم من الموت إلا أن يأكلوا بعضهم بعضاً.
وعند حصار تل الزعتر في بيروت أفتى أحدهم بجواز أكل لحم الميت دفعاً للمجاعة التي فرضها عليهم إخوانهم العرب.
ويصلي الشيعة خمس صلوات في ثلاث أوقات ولا يشعرون بالحرج، في الوقت الذي يرى البعض أنهم رافضة أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى؟!
وعند سكان أوستراليا الأصليين تتدلى أثداء النساء بدون أن تثير الفتنة.
وفي كهوف الفليبين يعيش الناس رجالاً ونساءً مع أطفالهم في حالة عري كامل فلا يصيح واعظهم أن هذا مخل بالأخلاق.
وبالمقابل فإن كشف (يد) امرأة متلفعة بالسواد من مفرق رأسها حتى أخمص القدم في بلد خليجي يثير الشهوة عند رجال يعيشون في حالة هلوسة جنسية عن عالم المرأة.
ولو اندس رجل أبيض وتلفع بالأسود ثم أبرز يده لحرك شهوة القوم.
وفي بلد خليجي لاحق أحد المتشددين سيدة يطلب منها الانتباه إلى حقيبتها فشكرته وتعجبت من الأريحية. ولكن تبين أنه كان يريد إفهامها أن حزام الحقيبة أظهر حجم كتفها بما يثير الفتنة.
وبالمقابل فإن الأب لا تثيره ابنته ولو كشفت ساقها، في الوقت الذي كان الفراعنة يتزوجون أخواتهم في صورة معكوسة، مما يؤكد أن الجنس (هندسة جنسية) كما كتبت المغربية (فاطمة المرنيسي) كتاباً كاملاً عنه.
وبقدر حضور المرأة بقدر (أنسنة) المجتمع، وانحسار قيمة الجنس لصالح (الإنسان).
وفي ألمانيا تتزعم النساء النقابات العمالية بدون معنى جنسي. ومن حكم ألمانيا عام 2008م هي امرأة اسمها ميركل.
وعندما انطلقت كوكبة من الفتيات عاريات الصدر في كندا ألقى البوليس القبض عليهن ليس بسبب جنسي؛ فقيمة (الحرية) هناك أهم من (الشرف) السائد في الشرق، بمعنى أن المرأة التي تمارس الجنس بحريتها ليس عليها جناح، ولكن الويل لمن اغتصبها.
أما الأنثى في الشرق فينحرها أخوها أو أبوها بيده غسلاً للعار وإعادة الاعتبار للشرف، وإعلان الوصاية على المرأة، في شريعة الفحولة أكثر من العدالة.
والمشكلة أن مثل هذه التباينات وتقبلها لا تحل بالطرح النظري، وبقدر اختباء المرأة في البيئات المغلقة، بقدر حضور المرأة الشركسية والألمانية؛ فهذه ثقافة وليست تلقيناً.
ولو تحدث الإنسان ألف سنة ما حلت، والذي يحلها هو اختلاط الشعوب وتمازج الثقافات، فيعرف الإنسان أن الحياة جداً منوعة ومختلفة. ولذلك خلقهم.