تتشابه الصور في معظم المهرجانات بل تكاد تتطابق من حيث الحركة الاستثنائية لتضافر كافة الجهود وكامل الفعاليات عادةً لحدثٍ لا يكون الأول من نوعه بل تيمّنا يتناقل بالتواتر بين الدول العربية وهو الإعداد والتحضير لاستقبال تظاهرة شعرية quot;نسائية quot; في هذا البلد العربي أو ذاك، دائما ثمّة جهة داعية، وأخرى راعية وهنا يتبدّى دور العلاقات الناشطة على مدار الحول لتزكية تلك الشاعرة وإنكار أخرى، وذلك تِبعا لطبيعة الشاعرة وصولاتها وجولاتها على السفارات والمقاهي ودُوْر الاستعراض الثقافي، التي تقرر كيف تنهال الدعوة على هذه دون تلك ومتى تتلقاها، فما إن تصل البلد المُضيف حتى تُستقبل استقبالا حافلا تتلمّس معالمه منذ أول خطوة بعد مغادرة سلمّ الطائرة حيث بانتظارك مندوب استقبال أو مندوبة، سيارة وثيرة تُخصص على مدار فترة الإقامة لتخال نفسك أنك المالك الحصري لهذه المركبة المفخخة بالرفاهية وقد ألفتَ رفاهيّتها، الحجز المُسبق في فنادق الخمس نجوم تدخله بطمأنينة مُطلقة حيث تُملى عليك قائمة مستحقات الضيافة السخيّة وفق الحسابات المفتوحة لمشتهياتك من الأطعمة والاتصالات الخارجية لإقحام القاصي والداني في دائرة التفاخر والمُباهاة، قصيدتان أو ثلاث لكل شاعرة تتزاحم وquot;أنوثتها quot; المفرطة على المنبر يعقبها سلسة من اللقاءات الإعلامية المُكثّفة والمختلفة بين مسموع ومقروء ونادرا مرئي فالشاعرة في المهرجانات وخاصة العربية ضلع ناقص للحضور على الشاشة الصغير بخلاف الشعراء الذين يحتشدون ليسدوا الشاشات ويغلقوا بحضورهم وإدّعاءاتهم دائرة الضوء أمام الجمهور، هكذا تنتهي عجقة المناسبة والمزاحمة عليها لتبدأ عُدّةٍ من أيامٍ أُخر تتعاقب بين الروتين والضجر والتحضير للعودة، وتعود بجعبة متخمة بالتداعيات... وتبدأ مراجعة شريط الذاكرة، تبدأ من النقطة الأصعب، وهي مفهوم التعارف بين الشاعرات كونه أمر لا يختلف عن معرفة كون بحاله، يبدأ لديك بالفضول وينتهي إلى ما لا تحمد عقباه وفي أندر الأحيان إلى ما تُحمد عقباه، لا أخفي صعوبة مزاجي في عجقة الأمزجة إذ كلّما وجّه لي سؤال عمن أكون تحايلتُ على فهمهنّ باستطرادات غاية في التعقيد والالتباس، وخاصّة عندما تصطدم بشاعرة تذكّرك بامرأة مثقلة بالأعباء غادرت للتو حَلّة الطبيخ متّجهة على الفور للمشاركة ضمن فعاليات المهرجان دون أن تعرّج وإن قليلا على مراياها، وأخرى يُفاجئك ابتهاجها اللا متوازن عندما تضحك أكثر مما ينبغي ثم تصمت فجأة بطريقة مفجعة، وبالتأكيد في كل مهرجان لا بدّ من متنرجسة تضخّ عنوة على مسامعك جولاتها المكوكية وشِعرها الآسر وحضورها الطاغي وعدد المنبهرين بعلو كعب حذاء قامتها الشعرية الهيفاء متفادية كل الوزن الزائد الظاهر للعيان في حديثها، ناهيك عن مدوّناتها من أسماء الجهابذة في كل أصقاع المعمورة الذين لا تستقر بورصة أمزجتهم الشعرية إلا بالاطمئنان اليومي عن كافة التفاصيل الخاصة بها، والعامّة في حال توفر الوقت.
الشاذ عن عموميات هذا المشهد والذي يحضرني بشراسة هنا أنني ذات مهرجان شعري عربي في إحدى العواصم أتذكر بعدما أتخطّى كامل الحيثيات المّدرجة أعلاه كتفاصيل لا بدّ منها، وإذا بمستشعرة من العيار الثقيل المُدجج بالدعم المخابراتي على مسار السيرة والسيرورة، تباغتني باهتمام فاحش حيث تتربّص بأدق أنفاسي وتطارد كل متقرّب مني من باب الإعجاب أو الصحافة أو الإعلام لتبلغه أنني لست quot;أنا quot; لمجرد أنّ اسمي يحمل عبئاً معيّناlsquo; وتفرط في تحذيره من تشابه الأسماء الذي لم يقنعها أن الآخرين واعين لحقيقة الأمر أكثر مما ينبغي، ومع ذلك كانت تتمادى في التحذير ولفت النظر، وتجاهلت الأمر لثلاثة أيام على التوالي لم يسعنِ في رابعها تجاوز السؤال، تجمّلت بالهدوء وسألتها مالذي يضيرك أن أكون نفسي أو أكون سواها ولماذا هذا التحامل على زيفي إن أسلمتُ لاتهامك جدلا به؟
أجابت وبدون تردد ومقدمات: quot;لا يحقّ لكِ قطعا أن تكوني أنتِ......................quot; أردفت السؤال بالقول: ومن أعلنك الوصية علينا والرادع لإحدانا؟ أجابت: ليس شأنك المهم لا يحق لكِ أن تكوني بهذا الاسم.............quot;،
علّقت بتفهّم ألتمس لها فيه عذرا وإن من باب التصنّع: لكنه الواقع يا عزيزتي،
قالت: لا يهمّني الواقع هذا اسمك إذن أنتِ مزيّفة،
عقّبت على إلحاحها: وما الذي يغيظك إلى هذا الحد، الحكم للمتلقي من زيفي وليس الحكم حكرا لأحد،
قالت: لكن لا يحق لكِ أن تكوني أنتِ............ لم تكن هذه المستشعرة التي تبوأت في بلدها مناصب تصاعدية على مختلف المُدرجات الحافلة بالسلطة أكثر من نموذج فارغ أصطدم به على الدوام، دفاعا عن الوهم، هكذا يشتد الوثاق الشعري في التظاهرات الشعرية النسائية، التي أتفاداها بضراوة خشية المزيد من الذكريات الممضّة التي تفرّغ المناسبة الشعرية من مضمونها وغايتها ورقيّها وتساميها، لنجد أنفسنا بعفويّة تامّة راغبين لأن نوثّق علاقتنا بالعادي أكثر فأكثر بعد صدمتنا المروّعة بمن نظّنهم استثناء لحياة ننتمي إليها ونترفّع معها ونزهو بها، يقينا منّا أنّ القلب الشاعر هو قلب لا يسعه سوى محبّة الغير لا تجسيد الغيرة عند أول فرصة مواتية.
فهل ينبغي أن نواصل استبشارنا خيرا مما يُسمّى بالمهرجانات الشعرية التي تحتفي بنون
النسوة أم تَجْدرُ المقاطعة بضمير مرتاح؟