يجرى الحديث هذه الأيام في مصر عن قضية التمييز، بمناسبة طرح المجلس القومي لحقوق الإنسان مشروع قانون لمناهضة التمييز، والبعض عندما يناقش هذه القضية يحصرها فقط في التمييز على أساس الدين، وبشكل محدد التمييز ضد الأقباط. وبرغم أن هناك بالفعل حالات تمييز ضد الأقباط، ولكن هناك نوع مختلف من التمييز يمارس على نطاق واسع في مصر آلا وهو التمييز الطبقي، بمعنى التمييز بين المواطنين على أساس الطبقة الاجتماعية، وبموجبه يتعرض الفقراء لعملية واسعة من الإقصاء سواء في تملك الأراضي في الدولة، أو الحصول على وظيفة من وظائف الدولة الرسمية في وزارات هامة مثل: وزارة الخارجية أو الهيئة القضائية، أو في الكليات العسكرية وكلية الشرطة، فأبناء السفراء يتم تعينهم في الخارجية، وأبناء القضاة في القضاء، وأبناء ضباط الشرطة يقبلون في أكاديمية الشرطة بصرف النظر عن المجموع، وأبناء العاملين في القطاع المصرفي يستولون على الوظائف الهامة في قطاع البنوك، وكذلك الحال مع أبناء العاملين في قطاع البترول وغيرها من القطاعات والجهات الحكومية والتي تضمن دخلاً ثابتاً ووضع اجتماعي مميز.أما أبناء الفقراء فلا نصيب ولا حصة لهم في وطنهم سواء فيما يتعلق بالوظيفة أو حيازة وتملك أي ممتلكات، برغم امتلاك البعض منهم لملكات خاصة تميزهم عن غيرهم، ولكن يتم إقصائهم واستبعادهم من الوظائف المرموقة، بل ويعاملون على أنهم quot;مواطنون من الدرجة الثانيةquot;!!.
ويعرف التمييز وفقا لتعريف الأمم المتحدة في الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز التي وقعت في ديسمبر 1965 ودخلت حيز القضاء أي أصبحت سارية المفعول في يناير quot;أي استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو اللاتيني و يستهدف أو يستتبع تعطيله أو عرقله الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في المبيدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القضائي أو في أي ميدان أخر من ميادين الحياة العامةquot;.
وما نشير إليه من أشكال التمييز على أساس النسب الاجتماعي أو الطبقة الاجتماعية يدخل في تعريف التمييز العنصري لاسيما وأن مقاصد الأمم المتحدة تحددت في مبدأين هامين هما الكرامة والمساواة بين البشر، ودور الدولة حول ضمان تحقيق المبدأين لجميع المواطنين دون تمييز على أي أساس.
وهناك شكل آخر من التمييز آلا وهو التمييز على أساس النوع، فيجري تمييز بين المرأة والرجل في الوظائف والمناصب وما يرتبط من ذلك من أمور أخرى، ولكن الأكثر وطأة التمييز على أساس طبقي أو اجتماعي والذي ينتشر بشكل أوسع نطاقًا، ولكن الحديث حوله أقل صخباً، وذلك لكون الطبقات المهمشة والمعدمة لايوجد من يهتم بها برغم أصوات بعض الحركات السياسية في الزعم بالتعبير عن قضاياها، ولكن هذا غير صحيح من الناحية الفعلية.
وهناك نوع آخر من التمييز في مصر أيضاً آخذ في التصاعد الآن وهو التمييز في التعليم، ففي ظل تدهور التعليم العام في مصر وهو المجاني وفقا لنصوص الدستور فقد توقف الحراك الاجتماعي الذي كان يستند في الأساس إلى التعليم لاسيما بعد ثورة يوليو، وتوقف الطلب في سوق العمل لخريجي التعليم العام وإفساح المجال لخريجي الجامعات الخاصة والأجنبيه.
وفي ضوء ما سبق، جاءت أهمية التشريع الذي ناقشه المجلس القومي لحقوق الإنسان آلا وهو مشروع قانون التمييز والذي يهدف إلى منع التمييز، وذلك بعد تحديد قانون لمعنى ومفهوم التمييز، وتحديد الآليات القانونية والقضائية لمراجعة حالات التمييز والحصول على الفرص، وفرض عقوبات مالية على كل شخص طبيعي أو معنوي يخالف القانون والدستور.
وركز المشرع على مكافحة التمييز بين المواطنين في مجالين أساسين :الأول هو حظر التمييز في مجال العمل وتولي الوظائف، والثاني في مجال التعليم، ورغم أهمية هذا المشروع والذي نآمل أن يساعد في مواجهة حالات التمييز، إلا أننا ندرك أن هذا القانون غير كافي لاسيما وأن الأمر في النهاية مرتبط بإحداث تحول ديمقراطي كامل ومشاركة حقيقية في إدارة الشأن العام، لأن حق الأفراد والمواطنين في أن يتمتعوا على قدم المساواة بنظام قانوني واقتصادي واجتماعي يصحح لهم استخدام جميع قدراتهم في ظل مساواة تامة في الحقوق والفرص، ومع ذلك نتساءل على الأقل في الوقت الحالي : هل تنوي الحكومة في تحويل المشروع من مجرد نص إلى واقع ملموس، وهذه دعوة للحكومة للإجابة على هذا التساؤل بهدف غلق ملف التمييز والتوقف عند ملفات بحاجة هي الأخرى للمعالجة السريعة، مما يعود بالنفع العام على وطننا الحبيب