سفير مملكة البحرين في اليابان
يرجع المؤرخون رواية إلف ليلة وليلة المكتوبة باللغة العربية للقرن العاشر الميلادي، وقد اشتهرت في نفس هذه الفترة في اليابان quot;حكاية الجنجيquot; والتي تعتبر من أقدم الروايات التي كتبت في التاريخ الياباني بل في تاريخ العالم. وقد كتبتها السيدة موراساكي شيكيبو في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، وحاولت من خلال روايتها أن تعكس واقع الحياة في القصر الإمبراطوري في تلك الفترة. وقد ترجمت هذه الرواية للغة الانجليزية في ألف صفحة، وصفحة خالية لتدل على موت الأمير جنجي. وتتكون الرواية من ثلاثة أجزاء وتحتوي على أربعة وخمسين فصلا. ويناقش الجزء الأول والثاني من الرواية مغامرات الأمير جنجي، بينما يناقش الجزء الثالث منها مغامرات أبنائه وأحفاده في القصر الإمبراطوري. وقد حاولت الكاتبة أن تتجنب استخدم أسماء حقيقية في روايتها، مع أن روايتها تعكس الواقع الذي عاشته خلال وجودها في القصر. وقد ولدت السيدة موراساكي شيكيبو في عام 978 ميلادية وكان والدها رئيسا لعشيرة الفوجيرارا اليابانية، كما كان محافظ لعدة مدن يابانية، وتقاعد في عام 1016 ليصبح قسيس بوذي.
وقد تزوجت السيدة موراساكي شيكيبو في عام 994 من حارس في الحرس الإمبراطوري، وأنجبت منه طفلتين، وتوفى زوجها في عام 1001. وحينما عين والدها محافظ لمدينة لايشيزن في عام 1004، قرر أن يبقي أبنته في القصر الإمبراطوري وهي في السادسة والعشرين من عمرها لتقوم بخدمة الأميرة ايكيكو الابنة الذكية لرئيس الوزراء ميشيناجا. وقد تعلمت موراساكي اللغة الصينية حينما كانت تراقب الأميرة ايكيكو وهي تحاول جاهدة تعلمها. ولنتذكر عزيزي القارئ بأن اللغة اليابانية بدأت كلغة مسموعة وطورت طريقة كتابتها بالاستفادة من الكتابة الصينية، لذلك أهتم قدماء اليابان بتعلم اللغة الصينية. وتعتمد الكتابة اليابانية اليوم على الكثير من الكتابات الصينية. وقد أعتبر الأمراء في ذلك الوقت بأن تعلم اللغة الصينية الصعبة مهمة خشنة خاصة بالرجال ولا مجال للمرأة فيها. لذلك حاولت السيدة موراساكي إخفاء تعلمها اللغة الصينية عن أمراء القصر الإمبراطوري ولتستطيع بذلك الاستماع لأحاديثهم.
وطورت موراساكي إمكانياتها الأدبية في القصر بكتابة الشعر، وأعجب والد الأميرة ايكيكوا بشعرها، وليتحول هذا الإعجاب لقصة غرامية مشوقة. وقد جمعت موراساكي ذكرياتها في القصر لكتابة روايتها حكاية الجنجي. وتعرض الرواية الثقافة اليابانية في ذلك الوقت كما تدور محورها حول حياة الأمير جنجي في القصر ومغامراته الغرامية. ويبدو بأن شخصية موراساكي الهادئة والمحافظة لم تتماشى مع ما في روايتها من غراميات ملتهبة، لذلك أستغرب الإمبراطور ميشيناجا الاختلاف بين شخصية موراساكي المحافظة وأحداث روايتها. وقد بدأت كتابة هذه الرواية في عام 1001 ميلادية حينما وصلت للقصر، وأكملت كتابتها خلال سبع سنوات، قضت نصف وقتها في القصر والنصف الأخر في ديوان المحاكم الإمبراطورية، وقد فصلت بينها فترات من الراحة. ومن الصعب الـتأكد من دقة التواريخ التي انتهت من كتابتها، ويبدو بأنها كانت في خدمة الأميرة اكيكوا حتى عام 1025، واختفى اسمها من ملفات القصر بعد عام 1031، فقد تكون قد توفيت في ذلك الوقت، بينما عاشت الأميرة اكيكو المعروفة بفكتوريا اليابانية حتى عام 1074.
وترجع حكايات هذه الرواية لعصر الهين في بداية القرن الحادي عشر الميلادية، حينما كانت عاصمة اليابان هيان كيو والتي تسمى اليوم مدينة كيوتو. وبطل الحكاية هو الأمير المتألق جنجي أبن الإمبراطور، كما أن والدته هي محضية الإمبراطور المساة بكيريتسوبو. وقد أشتهر في ذلك العصر بزواج الإمبراطور بزوجة رئيسية لتكون الإمبراطورة، وليجمع معها بعدد من المحضيات. وقد كان الإمبراطور ملهما بمحضيته كيريتسوبو، مما زادت الغيرة بين نساء القصر. وقد أدت هذه الغيرة لمؤامرات متكررة ضدها في القصر كانت سببا لمرضها المزمن وموتها وهي صغيرة في السن. فحزن الإمبراطور حزنا شديدا على وفاتها ولم ينتهي هذا الحزن إلا حينما أحب محضيته الجديدة فوجيتسوبو لتعوض له عن ولع حبه السابق، ولينتهي بالزواج منها. وأعتبر الأمير جنجي فوجيتسوبو والدته الجديدة، فكان يعزها كثيرا، وتحولت هذه المعزة لقصة غرامية ملتهبة، فعشقها وتاه في حبها، ولكنه أضطر أن يقاوم هذا الحب. وقد كانت علاقة الأمير جنجي بزوجته سيئة وأدى الصراع بين حبه لفوجيتسوبو ومشاكله مع زوجته لإحباطه الشديد، وعوض عن هذا الإحباط بمغامرات غرامية طائشة ومتنوعة مع سيدات القصر. ووصلت غرامياته من الغرابة بحيث أنه حينما يشاهد فتاة من نافذة غرفتها المفتوحة يندفع لغرفتها من النافذة ويهاجمها ويمارس الجنس معها. وتزداد غرابة غرامياته لدرجة أنه حينما زار مدينة كيتاياما وتعرف على فتاة في العاشرة من عمرها وأعجب بها وأكتشف بأنها خالة حبيبته فوجيتسوبو، اختطفها وأخذها معه للقصر، وأهتم بتربيتها وتعليمها لتصبح سيدته المثالية. وتستمر غرامياته مع السيدة فوجيتسوبا ليرزق منها بطفل، وليعتقد جميع من في القصر بأن هذا الطفل الجديد هو أبن الإمبراطور، وليعينه وليا للعهد، ولتصبح والدته فوجيسوبا الإمبراطورة الجديدة.
وتمر الأيام وتتحسن علاقة الأمير جنجي مع زوجته اوي وتنجب منه طفلا، لتموت بعدها مباشرة. ويحزن الأمير جنجي على فقدان زوجته ولكن يعوض ذلك الحزن بحبه وزواجه من موراساكي. ويموت الإمبراطور والد الأمير جنجي وتقوى سلطة زوجة أبيه وزبانيتها في القصر. وبعدها تنكشف فضيحة غرامية أخرى للأمير جنجي مع احضية أخيه الإمبراطور الجديد سوزوكي. ويستغرب الإمبراطور الشاب من الفضيحة الجديدة ويستمتع بتفاصيلها، ولكن يضطر أن يؤدي واجبه فيعاقب أخيه ويرسله إلى مدينة سوما. ويستقبل الأمير جنجي رجل ثري يسمى اكاشي في المدينة، كما يتعرف على ابنته، فيعشقها ويحبها لتلد له بطفلة لتصبح وريثته الوحيدة. وتستمر أحداث الرواية بمرض والدة الإمبراطور وضعف سلطتها في القصر، كما يمرض الإمبراطور ويضعف بصره، ويقرر أن يغفر للأمير جنحي ويرجعه للقصر. ويموت الإمبراطور وتشاء الأقدار أن يصبح ابن الأمير جنجي الغير الشرعي من زوجة الإمبراطور السيدة فوجيتسوبو الإمبراطور الجديد. ويتعرف الإمبراطور الجديد ريزي على والده الحقيقي الأمير جنجي فيعينه في احد اعلي المناصب في القصر.
تمر الأيام والسنين ويتجاوز الأمير جنجي سن الأربعين وتتدهور صحته وتنتهي غرامياته العاطفية، ومع ذلك يتزوج بأميرة ثالثة فتحمل منه وليرزق بطفل جديد. وتسوء علاقة موراساكي مع حبيبها الأمير جنحي وتترك القصر ولتتحول لراهبة. وتنتقل الرواية لفصل جديد بعنوان الوهم، حيث تموت موراساكي ويحزن الأمير جنجي على فقدانها ويكتشف عيوب الحياة الزائلة. وتنتهي فصول حياة الأمير جنجي بفصلها الأخير وبعنوان الاختفاء في الغيوم والذي تركته الكاتبة خاليا من الكتابة ليعبر عن المرحلة الأخير في حياة الأمير جنجي ووفاته. وتروي الفصول العشرة الأخيرة في الرواية عن وقائع حياة أولاد وأحفاد الأمير جنجي. وتوصف الرواية تفاصيل مغامرات الأمير كورو والأمير نيو مع عدة أميرات عاشوا بعيدا عن القصر في منطقة اوجي. وتنتهي الرواية فجأة حينما يتساءل كوروا إذ كانت الأميرة التي كان يحبها قد أختفت مع الأمير نيو. والجدير بالذكر بأنه من خلال هذه الرواية تعرض الكاتبة موراساكي الأدب الياباني في الشعر والغناء، وفن التمثيل والرسم، وتبين فلسفة الحياة اليابانية في ذلك الوقت، وتتعرض لأساطير اليابان وتاريخها القديم.