الملكة تطلّ عابسة من كوّة في بكينغهام وحظ معكوس
كريسماس الإنجليز ..سبات شتوي وثلج لا يهطل

نصر المجالي من لندن: ربما كان الانجليز محظوظين لقرون خلت حتى صاروا محشورين في جزرهم خلف بحر المانش والقنال المنسوب إليهم اسماً، وكذا الحال حصارهم من الأطلسي الهادر جنوبا وغربا ومن القطب المتجمد شمالاً. فالإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس صارت تراهن على الحظوظ، على أن ثروات العالم الثالث لا تزال رصيدها في البقاء على الحياة والشاهد هو الخزائن والردهات المغلقة الحصينة والقاصات في الطبقات السّفلى لمبنى بنك إنكلترا في مدينة المال المربعة المساحة في قلب لندن،، اللهم لا حسد. ومنذ سنين وتحديدا منذ منتصف ثمانينيات القرن الفائت وخلفاء الأنغلوساكسون ينتظرون أعياد ميلاد مجيدة بيضاء بثلوج تغطي مساحاتهم الخضراء التي ينهشها الخريف في مثل هذا الموسم. بالطبع هذا لم يحصل. ما كانوا يعانونه هو صقيع دائم يزيد أعباء فواتير الغاز والكهرباء ونفقات التنقل والسفر.

ومع توقعات رجال الأحوال الجوية بأنه محتمل بنسبة 60 % أن يهطل الثلج الذي قد يأتي ولا يأتي، فإن البريطانيين الذين يبدأون سباتا شتويا بانتظار الكريسماس منذ نهاية سبتمبر كل عام حتى أول يومين من يناير العام الذي يلي يتسمرون مع صبيحة يوم عيد الميلاد أمام أجهزة التلفزيون بانتظار أمرين مهمين. أولهما مشاهدة الملكة إليزابيث الثانية التي تبلغ في العام الجديد عامها الثماني، حيث هي عودتهم على إطلالتها السنوية العابسة منذ عام 1952 من كوّة في قصر بكينغهام لتقرأ خطابها المكتوب بعناية بهذه المناسبة.

ملكة بريطانيا
وفي الكلمة القصيرة، تتكلم الملكة عادة عن قضايا اجتماعية وإنسانية وكوارث في بريطانيا ودول الكومنولث التابع لها وفي العالم، وهي توجه الدعوة لتكاتف الجميع لمواجهة ما تعانيه البشرية من أزمات. كما أنها لا تنسى أن تقدم تهاني زوجها الكهل الأمير فيليب دوق أدنبره الذي لا عمل له سوى أنه زوج الملكة ـ على ما كان يقول الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف ـ وكذلك تهاني عائلتها لكل الأديان بالمناسبة الدينية المجيدة وحلول عام جديد.

هنا لا بد من الإشارة، إلى أن العائلة الملكية عادة تقضي إجازة أعياد الميلاد وراس السنة في قصر ساندرنغهام في سكوتلندا، وذلك تكريما للشعب الاسكوتلندي الذي يخضع لسيطرتها منذ توحيد اسكوتلندا عنوة في القرن الخامس عشر بعد مناكفة طائفية وملكية كانت دموية لا تزال ثاراتها قائمة حتى الآن، ويشهد على ذلك مباريات كرة القدم التي تجري بين منتخبي الطرفين. احتفالات هذا العام ستشارك فيها زائرة جديدة انضمت للعائلة في الربيع الماضي هي دوقة كورنويل كاميلا باركر بويلز زوجة ولي العهد الأمير تشارلز.

الأمر الثاني، الذي ينتظره كل بريطاني ظهيرة يوم الخامس والعشرين من ديسمبر كل عام هو تلك الوجبة الساخنة التي لا تتكرر دائما، وهي الديك الرومي المشوي مع ملحقاته، وتعتبر بريطانيا من أكثر البلدان quot;ذبحاquot; لهذا الطائر الأليف الذي يربى لأشهر معدودات في مزارع خاصة للمجزرة التي كان عبر عنها الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان في قصيدته التي كان مطلعها : (برقت له مسنونة تتأهب ،،، أمضى من القدر المتاح وأغلب) . وهنا ملاحظة لابد من الإشارة اليها ،، ففي بلاد الإنجليز يتركون من باقي الديك الحبشي الذبيح أجزاء لتناولها كصاندويتشات باردة في اليوم التالي الذي يطلقون عليه اسم بوكسينغ داي ـ BOXING DAY ـ وللعلم لا يزال الإنجليز يتجادلون عن أسباب هذه التسمية. وهم لا يتفقون في ذلك أبدا حتى في داخل العائلة الواحدة.

هذا القدر المتاح وأغلب الذي يواجهه الديك الرومي، يواجهه البريطانيون بأقدار أخرى، مع استعداداتهم لحسابات ميزانياتهم المالية الداخلية عائليا، أو ما تطرحه حكومتهم من ميزانية عامة للبلاد. ولكن لماذا؟ وكما أسلفنا سابقا، حيث الاستعدادات تبدأ منذ نهايات سبتمبر للاحتفالات، فالأسواق تخطف كل ما في جيوبهم للهدايا لأفراد العائلة والأقارب وأقارب الأقارب والأصدقاء والزملاء في العمل، ولعل أهمها تلك الهدايا التي تحفظ تحت شجرة عيد الميلاد ليفاجئوا بها صغارهم وكبارهم أيضا على أنها هبطت من السماء عبر بابا نويل الذي يسميه البريطانيون FATHER CHRISTMAS الذي يهبط من السماء بلحيته البيضاء من مداخن المنازل التي لم تعد موجودة إلا في قصور وبيوت المترفين في الأرياف.

بالتأكيد، ليست كل أيام الاحتفالات بأعياد الميلاد سباتا شتويا، فغالبية الإنجليز ينفرون ثقالا وخفافا نحو مناطق ذات طقس دافئ، سواء نحو جزر الكاريبي أو الكناري والمغرب وهذه السنة كما في السنوات القليلة الماضية نحو دبي والبحرين والأردن ومصر. فبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صار لها حصة مهمة من جيوب السائحين البريطانيين القادرين.

وتقول إحصائيات رسمية تتوالى منذ أيام أن حوالي ثلاثة ملايين بريطاني وجدوا طريقهم عبر المطارات السبعة الكبرى إلى بلدان الاستجمام، وتقول التقديرات أن ما سينفقه هؤلاء سيتجاوز الثلاثة مليارات جنيه إسترليني، مقابل ما يقارب العشرين مليار جنيه هي قيمة التسوق والنفقات الأخرى ما بين نهاية سبتمبر ومنتصف يناير.

وما دمنا في لغة الأرقام، فإنه يتوقع أن يصل عدد بطاقات التهنئة بالأعياد إلى خمسة مليارات بطاقة مضافا إليها التهاني عبر البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية من خلال الهواتف النقالة والأرضية والفاكسيملي. وهذه جميعا تقدر بأرقام فلكية لا عدّ لها.

ولكن ليس كل الناس سعداء، وهذا ما يؤرق الجمعيات الإنسانية، فآخر إحصائية تشير إلى أن هناك ما لا يقل عن مائة ألف عائلة بريطانية تعيش في أماكن سكن مؤقتة حيث هي إما فقدت منازلها لعدم تمكنها من تنفيذ شروط القرض العقاري، أو لأسباب أخرى. كما أن هناك 1400 شخص يعيشون مشردين بلا مأوى HOMELESS .

ومن التوقعات الرقمية أيضا، فإنه رغم حال السكون والسبات، فإن السلطات المعنية في قطاع النقل تقول أنه نظرا لتوقف حركة القطارات وقطارات الأنفاق، فإنه من المتوقع أن تشهد الطرق الداخلية والدولية السريعة حركة لما يزيد قليلا عن 18 مليون سيارة وحافلة بين مختلف المدن البريطانية.

جدل كنسي زمني

سانتاكلوز بشكله التقليدي في اذهان الاطفال
وإليه، فإنه رغم كل حال البهجة التي يعيشها كل بريطاني في هذه الأيام لا غيرها لا من قبل ولا من بعد طوال أيام السنة، فإن الجدال محتدم منذ عقود حول مدى صدقية أن يكون يوم الخامس والعشرين من ديسمبر هو اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح. فهناك آراء كثيرة تقول أنه ولد في منتصف يناير والبعض الآخر يقول حسب المعطيات التاريخية أنه ولد في الربيع. وإذ لا حسم مؤكد في وقت قريب بهذا الأمر، حيث الآراء المتجادلة متطرفة جدا، فإن هناك مطالب كنسية ونقابية بضرورة الاحتفال بالكريسماس مرتين كل عام.

يذكر أن اجتماعا لأعضاء نقابات (بابا نويل) عقد قبل ستة أشهر في كوبنهاغن عاصمة الدنمارك كان طالب بضرورة توحيد مقاييس مداخن البيوت، في دول الاتحاد الأوروبي الخمسة وعشرين، كما أصدر قرارا بضرورة تنظيم عيد الميلاد (الكريسماس) مرتين في السنة. ومثل هذه الاجتماعات تنظم منذ أربعين عاما على تظاهرة ترفيهية لأطفال عاصمة الدنمارك.

وقد جرت العادة، قبل موعد الكريسماس بستة أشهر، أن يلتقي عدد من محترفي التنكر في زي quot;البابا نويلquot; (أو السانتا كلوز) داخل مدينة ملاهي المنطقة، بحجة أنهم واقعين تحت طائلة البطالة التقنية، خلال فصل الصيف، وذلك من أجل القيام ببعض التمارين والبروفات، على مرأى من الأطفال، وبرفقة دمى على هيئة صغارquot;العفاريتquot; الذين يفترض أنهم مساعدين، ومجموعة من حيوانات الرنة التي يفترض أنها تجر عرباتهم، كما في الصور الخيالية التقليدية.

وكان المؤتمر الثاني والأربعين، جمع هذا العام قرابة مائة quot;بابا نويلquot;، قدموا من عشر دول، بما في ذلك اليابان والولايات المتحدة، وهم اختبروا قدراتهم البدنية، والرياضية في التزلج على الثلوج، وفي سباق تعتمد فكرته على إيصال شحنة كبيرة من الهدايا ، في زمن قياسي، ووضعها تحت شجرة سرو ضخمة تقع فوق تلة مغطاة بالثلوج.

القديس نيقولاس وبابا نويل

ولكن متى ابتدأت فكرة بابا نويل أو السنتا كلوزهذا الرجل العجوز الطيب صاحب الأنف الكبير ، المتنكر بالمعطف الأحمر الطويل واللحية البيضاء الذي يحلم به أطفال العالم المسيحي ليلة الاحتفال بعيد الميلاد ويتوقعون ان يجدوا هديته بجوارهم عندما ينهضون مبكرين من نومهم.

كل الدراسات تشير إلى أن هذه الشخصية الاسطورية لها أصل حقيقي هو القديس سانت نيقولاس، وهو من اصل يوناني وقد ولد وحيدا لوالدين من أعيان مدينة ميرا وذلك منذ حوالي 17 قرنا، وكان طفلا ذكيا وشابا نابها متعلما ورغم ثرائه الشديد فقد قرر ان يلتحق بالدير وأن يقدم جميع امواله للفقراء والمحتاجين ولكن دون ان يشعر احد بذلك.

ومن بين هؤلاء الفقراء رجل كان من الأغنياء وساءت حالته وفقد كل ثروته. وكان له ثلاث بنات لم يستطع تزويجهن بسبب فقره الشديد، فقام نيقولاس بوضع مبلغ من المال داخل كيس وتسلل ليلا إلي منزل هذا الرجل دون ان يراه احد، ثم ألقي الأموال من نافذة الرجل الفقير وعندما استيقظ الرجل في الصباح وجد الاموال وخرج بها وزوج ابنته الكبري ثم كرر نيقولاس نفس العملية مع البنت الثانية.

إلا أن الرجل الفقير أراد ان يعرف الرجل الطيب الذي يضع له المال من نافذة منزله فظل ساهرا طوال الليل، وعندما شعر بسقوط كيس المال داخل المنزل اسرع خارجه ليعرف ان الذي ألقي المال هو نيقولاس الطيب الذي كان يرتدي ثوبا احمر ويغطي جزءا من وجهه.

هذه الواقعة دفعت بكثير من الناس للقيام بهذا الدور مع الأطفال الدور مع الاطفال الأيتام وداخل المستشفيات، لكن الرسام الأميركي الشهير توماس هو اول من حدد الصورة المتعارف عليها الآن لشخصية بابا نويل وكان ذلك في العام 1822 .

وشكل بابا نويل في ذلك الرسم في ذهن الأطفال القصص الاسطورية حول هذه الشخصية التي تأتي علي عربة من الماس يجرها زوج من الخيول ذات الاجنحة والتي تطير بالرجل من مكان لآخر ليلة رأس السنة ليوزع هداياه علي الاطفال.

رسم بابا نويل على مقدمة طائرة سياحية
ومن أطرف المواقف التي تدور حول شخصية بابا نويل، ذلك الرجل في السويد واسمه كارل هانسن والذي اضطرته الظروف لقضاء ليلة رأس السنة مدفونا في الثلوج، والقصة انه كان يقوم بدور بابا نويل ويوزع الهدايا في ليلة رأس السنة ولكن الحظ السيئ أدي إلي انقلاب سيارته في الثلوج ونام ليلة كاملة داخل السيارة تحاصره الثلوج وفي الصباح اكتشف اهل القرية هذه الواقعة فسارعوا إلي انقاذه والحصول علي الهدايا منه.

أما إحدي المدرسات الاستراليات فقد كانت ضحية لصدقها، ففي مدينة سيدني وداخل احدي المدارس الصغيرة.. دخلت هذه المدرسة في حصة احتياطية لغياب المدرسة الأصلية، وكان ذلك في اواخر السنة، ولما سألتهم عن امنياتهم في العام الجديد فقالوا جميعا في صوت واحد أنهم يريدن رؤية بابا نويل، وهنا ابتسمت المدرسة وأكدت لهم ان اهلهم يضحكون عليهم وانه لا وجود لشخصية بابا نويل اطلاقا وأن آباءهم وأمهاتهم هم الذين يضعون الهدايا تحت وسادتهم ليلة رأس السنة، وخرج الاطفال يبكون بسبب انهيار احلامهم وامنياتهم مرة واحدة، وعلم الآباء ما فعلته هذه المدرسة فتقدموا بشكوي جماعية لادارة المدرسة ضد هذه الاستاذة، وبعد التحقيق.. قررت الادارة فصلها نظرا لانها ليس لديها 'حس تربوي'.

وفي ولاية ميتشغان في الولايات المتحدة، كانت هناك مأساة تنتظر بابا نويل الذي حاول أن يتسلق منزلا
لكي يضع هدية لطفل صغير تقع غرفته في الدور الثاني، ولسوء حظه الشديد سقطت به النافذة ليصاب بكسر مضاعف في قدمه وجلس في مكانه ساعتين حتي شعر اهل المنزل به وقاموا بنقله للمستشفي.

أما المأساة الاخري.. فكانت درامية حيث قرر احد الاشخاص في كندا أن يصنع عربة تطير لكي ينتقل بها من منزل لآخر لتوزيع الهدايا، وبالفعل قرر ان يجربها ليلة رأس السنة، لكن سقطت العربة من فوق ربوة عالية ومات فورا.

وفي بدايات عام 2002 شهدت النرويج اكبر مؤتمر من نوعه للأشخاص الذين يقومون بدور بابا نويل في كل انحاء العالم.. واجتمع فيه اكثر من 5 آلاف شخص بزيهم المميز يبحثون فيه عن مستقبل هذه المهنة التطوعية وابتكار اساليب جديدة لكي لايمل الاطفال من اساليبهم القديمة، وبالفعل قرروا استخدام التكنولوجيا الحديثة للتسهيل علي انفسهم وتعميم استخدام الكمبيوتر المحمول بينهم والتليفون المحمول لتحديد أماكن الاطفال الاكثر احتياجا وتوزيع الاختصاصات والمناطق المختلفة داخل المدن.

ويعتقد رجال دين مسيحيون أن القديس نيقولاس كان رجلا طيبا وصالحا ويحب عمل الخير وله أياد بيضاء كثيرة علي جيرانه واهل قريته، وقد تم استخدامه كرمز للخير والعطاء، وقد انتشرت الفكرة وبدأ الجميع يسعون للخير مستندين إلي الصورة الجميلة عن هذا القديس،

التسمية من أين؟

يسمي الفرنسيون ذلك الشيخ الجليل حسن الوجه صاحب الشعر الأبيض واللحية البيضاء كالثلج.. الأحمر الثوب والقبعة الذي يتسلل إلي البيوت القابعة تحت وطأة البرد ليترك هدايا صلي الأطفال طلبا لها quot;بابا نويلquot;، أي أب الميلاد بالفرنسية أما الإنجليز والأميركيين فيطلقون علي موزع الفرح فِي ِقلوب الأطفال في موسم عيد الميلاد اسم quot;سانتا كلوزquot;ن او يختصرونه باسم 'سانتا' علي الرغم من أن الاسم مثلما هو في الإيطالية يعني 'القديسة'.. و'سانتا كلوز' لفظ محرف من أصل التسمية 'سانت نيكولاس' أي 'القديس نقولا'! هو إذن شخص حقيقي؟!..

وإذا كانت الأسطورة تقول إن بابا نويل يسكن القطب الشمالي في مكان ما من جزيرة غرين لاند وهي أكبر جزيرة في العالم التي يكسوها جليد أبدي.. وهناك وفي أعماق واد خفي شمال شرق الجزيرة يقف بابا نويل بكل هيبته أمام مزرعة كونغنس وهي مسكنه الذي يعيش فيه فيما يتدلي حول عنقه المفتاح الذهبي لمصنع الألعاب الذي يعمل فيه علي إعداد الهدايا ليؤكد بإصرار علي أنه الوحيد الذي يصنع البهجة.

أما أوراق التاريخ فتقول إن 'بابا نويل' ما هو إلا القديس نيقولا ما هو إلا ذلك 'الأسقف' ذو اللحية البيضاء الذي عاش في القرن الرابع في آسيا الصغري في مدينة ميرا في منطقة ليقية جنوب غرب تركيا.. ويعتقد أنه البطريرك نيقولاس الذي حضر مجمع نيقية سنة 325 ميلادية وقد نقل رفاته إلي مدينة 'باري' الإيطالية الجنوبية سنة 1087 قبيل بدء الحروب الصليبية..

وكان معروف عن نيقولاس أو مار نقولا كما يسميه العرب كرمه حيال الأطفال ودفاعه عنهم وإحسانه إليهم ،وقد جعلته ، اي هذه القصص عن حياته وكرمه، شخصا يرمز في سلوكه إلي العطف والحنان علي الأطفال.. وارتبط بعيد الميلاد لأنه عيد مولد السيد المسيح عليه السلام.. والمسيح هو القائل quot;دعوا الأطفال يأتون إليquot; في لفتته الإنسانية المؤثرة يوم أحد الشعانين..

والطفولة، حسب المعتقدات، هي رمز آخر ارتبط به.. وفي أحد رموزها تعني تجدد الحياة وانتصارها علي الموت.. ومن هنا اتخذ مارنقولا رمزا للحنان علي الأطفال خاصة في عيد الميلاد.. وحرص فنانو الأيقونات علي رسمه ومعه دائما ثلاثة أطفال وهو يرتدي ثوبه الأحمر ثوب البطاركة في عصره.. وله رسوم فسيفساء تمثله في كنائس قديمة في القسطنطينية وكييف في أوكرانيا والبندقية وباليرمو بإيطاليا.. كذلك تظهر صورته في نوافذ كاتدرائيات أوكسيروبورغ وفي جيل أتوس وفي الفاتيكان بل إن متحف اللوفر بباريس يحتوي علي بعض هذه الأيقونات لهذا القديس.

البحث عن أسطورة!.

شارع اكسفور ليلا وهو أهم جاذب للمتسوقين في الكريسماس
إذن لا هدايا ولا أحلام تأتي وتتحقق مع بداية عام جديد إلا مع بابا نويل القادم علي عربته الشهيرة التي تجرها الغزلان علي الثلج في غرينلاند أو حتي علي ظهر قارب أو جمل في بلاد لا تقل فيها درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية.. إلا أن هذا الأمر لم يكتمل ويصبح عرفا إلا في القرن التاسع عشر.

وقتها غمس فنان الكاريكاتير توماس نيست ريشته في الألوان ورسم علي الورق سانتا كلوز سمينا ذا خد متورد ولحية بيضاء طويلة احتفالا بأعياد الميلاد ونشرتها إحدي المجلات ومن وقتها أصبحت هذه الصورة هي المعتمدة لشخصية بابا نويل.. كما أنها جاءت تتويجا لمحاولات كثيرة بدأها الفنان جون كالكوت هورسلي ولويس برا نج المعروف بأبي بطاقات عيد الميلاد ورأس السنة وذلك عام 1843 عندما قام برسم بطاقة تبين عائلة سعيدة يتعانق أفرادها وهم يتمتعون باحتفالات عيد الميلاد ويتبادلون التهاني والهدايا التي وجدوها أمام باب المنزل.. وطبعت علي البطاقة 'ميلاد مجيد وعام سعيد لك'!.

صراع على الأصل

وإليه، يدور الصراع على أشده بين أهل جزيرة غرينلاند وفنلندا والسويد للاستئثار بالرجل الأسطوري ذي اللحية الطويلة الناصعة البياض والذي يسكن بدون منازع قلوب أطفال العالم.. فكل منهم يصر علي أنه الموطن والمكان المفضل لبابا نويل..فأهالي غرينلاند يستندون إلي الأسطورة التاريخية التي تحدثنا عنها في البداية ويتهمون الآخرين بأنهم مجرد أعوان يريدون سلبه عرشه.. في إشارة خاصة إلي بابا نويل الفنلندي.. والذي بدوره ينفي هذه الأسطورة وكذلك الحقيقة التاريخية التي تنسب بابا نويل إلي القديس نقولا.. ويعتبر نفسه وحده الحقيقي والأكثر شعبية حيث يتدفق أكثر من نصف مليون من المعجبين والسياح لزيارة قرية بابا نويل وهو المنتزه الذي أقيم بجوار جبال كورفاتونتوري بإقليم لابونيا بالقرب من الحدود الروسية.. وفي شهر ديسمبر وحده تنقل إليه رحلات خاصة للأطفال بصحبة أهلهم ويصل عددهم في بعض الأيام إلي 75 ألف شخص يقصدونه للتعرف إليه وتسليمه لوائح الهدايا التي يرغبون بها لعيد الميلاد..

وحاول بابا نويل السويدي بدوره أن يطالب بإعلان بلاده موطن بابا نويل حيث يري أن اقليم أرفيد يساور السويدي الواقع قرب القطب هو مسقط رأسه ويعلن أنه يتلقي رسائل من أطفال العالم بأسره ويؤمنون به..
كما أن مدينة مورا بوسط مملكة السويد التي يقيم بها تشهد في نهاية كل عام زيارة عشرات الآلاف من الأطفال له.. غير أن محاولاته ظلت بدون نتيجة.

وتسعي كل شخصية لفرض صوتها في المؤتمر العالمي الخاص بكل شخصيات 'بابا نويل' الذي يعقد كل صيف في باكن شمال كوبنهاغن وهو أقدم منتزه في العالم حيث أقيم عام ..1583 وخلال المؤتمر الأربعين والذي عقد الصيف الماضي ندد حوالي 160 بابا نويل من 12 دولة أوربية وكندا واليابان وبالإجماع باستثناء صوت واحد ببابا نويل الفنلندي الذي يحاول الحلول محل خصمه من غرينلاند.

وأخيرا، فإنه رغم هذا الصراع، فإن بابا نويل صار مثل quot;غودو الجبارquot; الذي يأتي ولا يأتي، وما أصعب الانتظار.. إنه الموعد مع رمز العطاء ، فمتى يكون العطاء الإنساني واحدا لسعادة الإنسان اينما كان؟؟؟ سؤال صعب المنال إجابته.