الحفريات حرب من نوع اخر
مكتشفات أثرية في جبل صهيون بالقدس

أسامة العيسة من القدس: يفضي باب النبي داود، وهو أحد أبواب البلدة القديمة بالقدس المحاطة بالأسوار، إلى جبل صهيون الذي أخذت منه الحركة الصهيونية اسمها، وهو اسم كنعاني يعني الحصن. ويكتسب الجبل أهمية بالنسبة لاتباع الأديان التوحيدية الثلاث، وفي الفترة الإسلامية المبكرة، تركز البناء في قمة جبل صهيون، وخلال حملة محمد علي الكبير على فلسطين وبلاد الشام، في ثلاثينات القرن التاسع عشر، اتخذ ابنه إبراهيم باشا قائد الحملة- المغامرة التي استمرت عشر سنوات، من الجبل مقرا له، وقيادة عمليات قمع ثورة الفلسطينيين ضده. وتمكنت إسرائيل من السيطرة على الجبل عام 1948، بعد معارك شرسة، تركت على باب النبي داود من الخارج، آثارا يعبر عنها حتى الان، التدمير الذي أحدثه سقوط القنابل والقذائف، على الباب والسور.

وتعرض السكان العرب في المكان إلى حملة تطهير عرقي شديدة القسوة، وهدمت منازل ومنشات عربية واسلامية، من بينها مقر إبراهيم باشا، وزوايا دينية ومساجد ومقابر، وبعد عام 1967، وسقوط مدينة القدس بأكملها في يد الإسرائيليين، جرت تغيرات كبيرة على الجبل، من بينها الحفريات الواسعة التي امتدت خلف الجدار الجنوبي للبلدة القديمة، والتي أصبحت جزءا مما يطلق عليه إسرائيليا الحديقة الأثرية التي تقدم المكتشفات الأثرية فيها من وجهة نظر توراتية.

وخلال الفترة الأخيرة، عادت المعاول لتحفر في الجبل، على بعد نحو 100 متر عن باب النبي داود، بعد أن توقفت منذ عام 2000، الأمر الذي استقبله المهتمون بآثار الأرض المقدسة في العالم باهتمام quot;رغم أن الحفريات، تعتبر غير شرعية وتجري في أراض محتلةquot; كما يقول عالم الآثار الفلسطيني الدكتور إبراهيم الفني.

ويضيف الفني، الذي عمل في المنطقة خلال ستينات القرن الماضي، لايلاف quot;ما أن هدأت أصوات المدافع، بعد الحرب، حتى بدأت حرب من نوع آخر أسلحتها فؤوس ومعاول الحفر في المنطقة والتي أدت إلى تدمير مبان ومنشات إسلامية، وكشفت الحفريات عن آثار يونانية، ورومانية، وبيزنطية، واسلامية، مما أثار الإحباط لدى علماء الآثار الإسرائيليين، ولجا بعضهم لتزوير بعض القطع الأثريةquot;.

وشهد المكان الذي جرت فيه الحفريات الأخيرة، حفريات سابقة خلال عامي 1977 و1978، ولكنها حسب الاثاريين الذي اشرفوا على الحفريات الأخيرة لم تكن سوى quot;خدوش على السطحquot;. وكان الهدف من الحفريات تلك فحص المكان قبل الشروع في بناء موقف للسيارات يفضي إلى الحي اليهودي في الجانب الآخر داخل الأسوار، والمجاور لباب النبي داود من الداخل، وتوقفت الحفريات فجأة، بعد أن تم إلغاء المشروع، ولم تكمل الحفريات.

وفي عام 2000، تم استئناف الحفريات، لهدفين الأول: تسجيل البيانات عن ما كشفته الحفريات السابقة، والثاني تحديد الفترات الزمنية في المنطقة وهي الفترة الرومانية، والبيزنطية، والإسلامية المبكرة، والفترة الأيوبية، والعثمانية. ولأسباب عدة توقفت الحفريات أيضا في عام 2000، حتى استؤنفت مؤخرا برعاية جامعة نورث كارولينا، وبتمويل من صناديق مانحة.

وكشفت الحفريات الجديدة عن بقايا المنازل التي كانت موجودة في فترة تدمير الرومان لمدينة القدس عام 70م، وهي الفترة التي يطلق عليها علماء الآثار في إسرائيل quot;فترة الهيكل الثانيquot;، فيقدمون كل كشف يعود إلى هذا الفترة على انه يعود لعهد الهيكل الثاني، واثار استغراب المنقبين، وجود أسقف هذه المنازل المقببة، رغم مرور نحو الفي عام على هدم مدينة القدس، وبناء الإمبراطور هادريان لمدينة مكانها عرفت باسم (ايليا كابتولينا) وهي التي عرفها العرب باسم ايلياء.

وحسب مشاهدات مراسلنا في موقع الحفريات، فان الطوابق الاولى للمنازل المهدمة، حافظت على شكلها الى حد كبير، وكذلك الممرات الموصلة بينها.وكشفت الحفريات، التي شارك فيها متطوعون من إسرائيل ومن طلبة من خارجها، عن جدران عليها رسوما لزهور، وتصاميم للوحات تظهر فيها طيورا مختلفة.

ورغم أن التنقيب في المكان جرى لمدة خمسة أيام فقط، إلا أن quot;النتائج كانت مهمة جداquot; كما يقول قائد الحفريات. ومن بين المكتشفات نقودا إسلامية، ومقاييس للوزن، وفخاريات، تعود للعهد الأموي، أي الفترة الإسلامية المبكرة في فلسطين، وارضية فسيفسائية تعود للعهد البيزنطي.

وتوقفت الحفريات الان على أن تستأنف في عام 2008، ضمن موسمين للحفر واحدا في الربيع والاخر في الصيف، ووجه المشرفون على الحفريات، دعوات للمتطوعين في الخارج إلى القدوم إلى القدس والإقامة فيها والمساهمة في quot;الكشف عن أجزاء من تاريخ القدسquot;، وعادة ما يقبل المتطوعون الأجانب من الشبان والشابات على تلبية مثل هذه الدعوات والمشاركة في عمليات الحفر الأثرى التي تجريها الهيئات الإسرائيلية.

وتهدف الحفريات المقبلة، الكشف عن بئر يعود للقرن الأول الميلادي والمنازل القريبة منه، والتي تعود للفترة البيزنطية، والإسلامية المبكرة، وأيضا الكشف عن تاريخ المكان في أوائل القرن الثالث عشر، في عصر السلطان الأيوبي المعظم عيسى، أحد عشاق القدس الكبار، وأيضا ضحيتها، ولكن تلك قصة أخرى.