أسامة العيسة من القدس: تعتبر عالمة الآثار الإسرائيلية ايلات مزار، اكثر المشتغلين بالآثار في إسرائيل إثارة للجدل، وتربط مزار كل ما تفعله في مجال الحفريات الأثرية بأحداث الكتاب المقدس، وهي حفيدة بنيامين مزار، عالم الآثار الإسرائيلي الذي بدا عمليات الحفر المثيرة للجدل خلف أسوار الحرم القدسي الشريف، بعد حزيران (يونيو) 1967 مباشرة بحثا عن هيكل سليمان، خلافا لكل القوانين الدولية التي تتعلق بالبحث عن الآثار في الأراضي المحتلة.

وحينها أوقفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كل تراخيص الحفر التي كانت منحتها السلطات الأردنية قبل الحرب لعلماء آثار أجانب، وجعلت مزار يحتكر الحفر في القدس.

وتعرضت عمليات الحفريات التي بدأها مزار بعد احتلال القسم الشرقي من القدس إلى انتقادات واسعة، وكذلك واجهها الفلسطينيون والعرب بموجات من الغضب، ولكن هذا لم يوقفها، بل تواصلت الحفريات حتى الان، وتوسعت لتصل تحت المسجد الأقصى مباشرة، وتعتبر ايلات مزار نفسها، ليست فقط حفيدة بيولوجية لمزار الجد، ولكن أيضا تلميذته وحفيدته والمؤتمنة على رسالته الأثرية، لذا فهي تواصل ما بدأه جدها.

وينظر لايلات مزار الان، من قبل مريديها في إسرائيل وفي العالم، وقطاعات أخرى من الرأي العام الإسرائيلي، كراس حربة في إثبات أحداث التوراة استنادا إلى الحفريات الأثرية.وتنسب لمزار معظم الاكتشافات التي أعلنت في السنوات الأخيرة في محيط القدس، خصوصا بلدة سلوان، التي تعتبرها مزار بأنها مدينة الملك داود، وربطت بأحداث التوراة.

ولا تخلو إعلانات مزار من الإثارة والجدل حتى بين علماء الآثار في إسرائيل، الذي يشعر كثير منهم بالغيرة منها، ومن الإمكانيات التي وضعت تحت تصرفها للحفر في القدس القديمة، وبلدة سلوان، جنوب أسوار القدس.

وتمتلك مزار قدرة فائقة على إثارة الجدل حولها، وهو ما فعلته أخيرا حين أعلنت عن اكتشافها لخاتم يعود لاحد اليهود الذي قالت بانه عمل كأحد الخدام في الهيكل الأول، وتعرض كباقي يهود تلك الفترة للسبي إلى بابل، وقالت بأنه تم العثور على هذا الختام خلال الحفريات الأثرية التي تجريها في مدينة داود، وتقصد بلدة سلوان. والخاتم مصنوع من الحجر الأسود، ويخص شخص اسمه (تيماح) كما تقول مزار، وتقدر أن عمر الخاتم 2500 عام.

وأشارت مزار بأنها عثرت على الخاتم في الحفريات التي تجرى الان مقابل باب المغاربة، أحد أبواب بلدة القدس القديمة. وربطت مزار، بين اسم تيماح، وسفر نحميا في العهد القديم، وهو أحد الأسفار الذي يتحدث عن السبي البابلي عام 586 قبل الميلاد، ويرد في هذا السفر، أسماء العائلات التي عادت من السبي. وتقول مزار بان الخاتم يعود لاحد أفراد العائلات التي عادت من السبي البابلي إلى القدس، وترجح بأنه تم شراء هذا الخاتم من بابل.

وابعاد الخاتم هي: 2.8 في 1.8 سم، ونقش عليه صورة لاثنين من رجال الدين يقفان على جانبي مذبح تحرق فيه البخور، بشكل يمكنهما من إقامة العبادات.

ويظهر على الخاتم هلال أعلى المذبح، واعتبرته مزار بأنه أحد رموز كبيرة الآلهة البابلية، وتحت المذبح توجد أشكال عبرية يمكن تهجئتها لتدل على اسم (تيميش)، والقرب واضح بين هذا الاسم واسم (تيماح) الموجود على الخاتم.

وتقول بان الرموز الموجودة على الخاتم هي بابلية، ولكن هذا لم يشكل إزعاجا لليهود لاستخدامه، وتقصد صاحب الخاتم الذي وجد على بعد عشرات الأمتار فقط من المكان الذي تقول انه بني فيه الهيكل، وتقصد المكان الذي يشغله الان الحرم القدسي الشريف. وتضيف مزار quot;خاتم تيميش، يؤكد لنا وجود صلة بين علم الآثار والكتاب المقدس، وهذا الخاتم بمثابة دليل على وجود الأسرة المذكورة، مما يؤكد مصداقية الكتاب المقدس، انه امر يبعث على الدهشةquot;.

ومثلما فعلت مزار في اكتشافات مشابهة، استغلت مشاركتها في مؤتمر هرتسيليا السنوي، لتعلن عن اكتشافها للخاتم، مما زاد من الإضاءات الإعلامية عليه. وعندما وقفت مزار على منصة المؤتمر تحدثت أولا عن مكتشفاتها في القدس، ومن بينها ما قالت انه جزء من جدار بناه الملك سليمان وكذلك إحدى بوابات المدينة القديمة، واثار تعود إلى خمسة آلاف عام.

وقالت quot;من بين العشرات من المكتشفات تجدر الإشارة إلى الخاتم الذي عثرت عليه ويحمل اسم إحدى الأسر اليهودية التي عادت من السبي البابلي إلى القدسquot;.

وبسبب ما يتمتع به مؤتمر هرتسيليا من احترام، ويعتبر منتدى سنوي يتحدث أمامه كبار رجال الدولة والجيش والباحثين في إسرائيل، فان خاتم مزار أضحى مثار نقاش واسع.

وتصدى كثيرون من المهتمين بالآثار لتأويلات مزار بشان الخاتم، وتلخصت انتقاداتهم لها، حول بعض الأمور المنهجية، مثل قراءتها للحروف على الخاتم من اليمين إلى اليسار، وأخرى حول الرموز البابلية على الخاتم، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجعله ينسب لشخص يهودي.

وركز آخرون على السياق الذي وضعت فيه مزار الخاتم، وراو تعسفا في الربط بينه وبين نصوص العهد القديم، وانتقدوا اعتبار مزار له دليلا على صحة روايات العهد القديم. واعتبر هؤلاء أن قوائم الأسماء التي وردت في سفر نحميا وغيره من الأسفار هي أسماء غير واقعية، وكانت مثار نقاش وجدال بين علماء الكتاب المقدس انفسهم.

والنقاش حول الخاتم هو في بدايته، ويحظى كل يوم جديد، باهتمام آخرين من الأوساط الأكاديمية العالمية، والباحثين في تاريخ الشرق القديم، في غياب العلماء العرب أصحاب الخاتم أنفسهم والذي عثر عليه في أرضهم، وان كان ذلك تم بطريقة غير شرعية.