ذووه يتمنّون اعطاءه الفرصة لتطوير موهبته
القاء الشعر يصنع نجومية طفل فلسطيني

أسامة العيسة من القدس : أمام مرآب في بلدة بيت فجار ، جنوب القدس ، يقف الطالب محمد عماد ديرية ( 8 سنوات)، بزيه المدرسي الأزرق ، ولكنه ليس لباس العمل في المرآب ، كما يمكن أن يبدو الأمر للوهلة الأولى ، وانما الزي الذي يناسب طالبا في الصف الثالث الأساسي ، حيث يدرس طلبة هذا الصف في المرآب ، المستأجر ليكون جزءا من مدرسة التحرير في البلدة ، التي يفصلها عن المرآب شارع معبد .

من هذا المكان ، الذي قد يبدو آخر مكان في العالم يمكن توقع ه، لولادة موهبة مميزة ، يبني ديرية نجومية بدأت تلاحقه سريعا بعد أن برز في المهرجانات والفعاليات كملقي لقصائد وأشعار يحفظها عن ظهر قلب .

ويقول ديرية ، إنه بدا يتفاعل مع الشعر والشعراء عندما اخذ يستمع إلى بعض القصائد ، ويشعر بان ناظميها كأنهم يتوجهون له أو يتحدونه ليحفظها ، ويضيف quot; عندما استمعت إلى قصيدة القدس لتميم البرغوثي، شعرت وكأنه يقول لي احفظها، فحفظتها quot;.

ويشير ديرية إلى انه تأثر بعمه الذي اعتقلته القوات الاسرائيلية، عندما كان عمره ثلاث سنوات، ومع ذلك يذكر ليلة الاعتقال تلك، وكأنها حدثت أمس، وينتظر خروج عمه من السجن بعد عدة سنوات.

ويعيش محمد، وحيدا، بين شقيقاته الست، في ظروف معيشية يصفها بالصعبة، ويقول إنه تلقى التشجيع من قبل والده الذي يعمل بشكل غير منتظم. وبالاضافة الى حفظه لقصائد باللغة العربية الفصحى، فانه يحفظ ايضا اشعارا باللهجة العامية، ولكنه كما يقول يفضل القصائد الفصحى، ويجد نفسه فيها اكثر من تلك المكتوبة باللهجة العامية.

وقبل أن تظهر موهبة محمد في حفظ الشعر وإلقاءه، فانه لفت انتباه معلميه لذكائه المتميز، مثلما يقول أحدهما وهو نعيم ديرية، ويشير الى ان مستوى محمد اكبر بكثير ليس فقط من مستوى باقي زملائه، ولكن أيضا من المنهاج الصفي، وكان دائما حافظا لدروسه، ومبرزا في كل المواد، وحافظا لكل القطع الشعرية والنثرية والآيات القرآنية والأحاديث، التي تستوجب الحفظ.

ويقول المربي ديرية ان quot;عقل محمد اكبر من عمره الحقيقي، انه تلميذ متميز بشكل لا يمكن أن تخطئه العين، ولا بد من الاهتمام بهquot;.ويشير المعلم نسيم ثوابتة، الذي يبدي اهتماما خاصا بمحمد، وهو الان بمثابة الراعي له، إلى أن الأخير، توجه إليه وطلب منه إلقاء قصيدة (القدس) خلال الإذاعة المدرية الصباحية، ويقول quot;لم ابد أي اهتمام، لأنني اعتقدت انه يقصد قصيدة القدس المقررة في المنهاج، والتي يحفظها كثيرون، ولكنني فوجئت عندما صعد ليلقي قصيدة القدس للشاعر تميم البرغوثي، بكل ثقة وبحركات تعبيرية، وعفوية ملفتة جداquot;.

ويضيف quot;تحوي قصيدة البرغوثي كلمات ومصطلحات ليست سهلة على طفل بعمر محمد، ولكنه لم يجد أية صعوبة في إلقائها غيبا، ودون أية أخطاء نحويةquot;.

ويشير ثوابتة، انه منذ تلك اللحظة أدرك انه أمام موهبة استثنائية، وبدا يعطي عناية خاصة لمحمد، ويساعده على تنزيل القصائد عن الإنترنت.
ويقول المربي علي ديرية quot;كان محمد مفاجأة الإذاعة المدرسية عندما ألقى قصيدة القدس، ولا تفوته الان أية مناسبة وطنية أو اجتماعية إلا ويلقي فيها قصيدة، مثل يوم الأسير، أو عيد الشجرةquot;.

أما عمته المربية يسرى ديرية، التي تعتبر أما ثانية له، فتقول، ان محمد بدا بحفظ آيات وسور قرآنية، وعمره ثلاثة أعوام، وبدا يصلي وعمره أربعة أعوام، تقليدا لوالده.وتقول ان محمد تأثر كثيرا بالشاعر الشاب تميم البرغوثي، وحفظ قصيدته عن القدس غيبا، ويأمل أن يستطيع حفظ جميع قصائد البرغوثي، وتقديمها للجيل الناشئ.

وتشير إلى أن آخر ما حفظه محمد، قصائد لمحمود درويش، ونزار قباني، ولكنه معجب بشكل خاص بتميم البرغوثي.

وتربط محمد بعمته علاقة خاصة، وتقول انه بالاضافة الى موهبته في الحفظ والالقاء، فانه يتمتع بحس نقدي عال، حيال ما يجري حوله.وترى ديرية، بأنه يجب مساعدة محمد، بنقله إلى مدرسة مناسبة، ومساعدته للحصول على جهاز حاسوب خاص به.

ويتفق علي الذويب مدير مدرسة التحرير، التي يدرس بها محمد، مع المربية يسرى ديرية، ويرى بان نقل محمد إلى بيئة مدرسية افضل، من التي يدرس بها الان، لا شك ستساعده على صقل موهبته.

ويدرس محمد في الكراج الذي لا تتجاوز مساحته 24 مترا، كواحد من 46 طالبا هم عدد طلاب صفه. وتفتقر المدرسة، كما يقول الذويب إلى قاعة للحاسوب، وقاعة للموسيقى، وأماكن للممارسة نشاطات أخرى.

وبالإضافة إلى هذا الجو المدرسي غير المريح، فان إحاطة بلدة بيت فجار، بعدة مستوطنات، وتعرضها بشكل دائم، للاقتحامات الاسرائيلية لا شك تؤثر على سكان البلدة، خصوصا الأطفال.

ويأمل محمد ديرية، أن يخطو خطوة متقدمة أخرى، وذلك بنظمه للشعر، وليس فقط الاقتصار على الحفظ والإلقاء. ويقول quot;اشعر بان هناك شيئا داخلي يلح علي بكتابة الشعر، وسأفعل ذلك قريبا، إنشاء الله، واتمنى أن اصبح شاعرا معروفاquot;.