د. عماد صبحي، إيلاف: الدلافين.. تلك المخلوقات البحرية التي تتمتع بلطف وذكاء بالغين، ومعروفة بالرشاقة وحب اللعب والعلاقة الأليفة مع الإنسان، محاطة بكثير من الأسرار والحكايات المثيرة، إذ استخدمتها مخابرات الدول المتقدمة في زرع الألغام في سفن الأعداء وفي التجسس على المواقع ورصد أماكن الخطر في قاع المحيطات. وذهب بعض ذوي الخيال الواسع الى إمكانية تعليم الدلافين نطق بعض الكلمات للتواصل مع البشر.

علاج للاكتئاب
ولكن المثير والجديد هو أن البعض ينسب للدرافيل قدرات شفاء تتعامل مع مشاكل وآلام البشر. ويعتقد هؤلاء أن الدلافين لديها القدرة الخارقة على حفز عملية الشفاء عند البشر. ويقول البعض ممن أتاح لهم الحظ الحسن أن يستمتعوا بالتواصل الحميم مع الدلافين في بيئتها الطبيعية أنهم شعروا أن تجربتهم مع هذه المخلوقات كان لها تأثير على رفع معنوياتهم والتخفيف من حجم ما يعانون من مشاكل. ويعلل هؤلاء هذا الشعور بأنه نتيجة للحب المطلق غير المشروط الذي شعروا به بجوار هذه المخلوقات اللطيفة.

تجربة شخصية
وفي تجربة شخصية حكى أحدهم أنه كان يشعر بتأثير عاطفي وروحي عندما يعوم مع دولفين غير مستأنس في بيئته الطبيعية، ويقول أنه كان يعاني من مرحلة عاطفية صعبة في حياته فأصيب بالاكتئاب عندما خسر خلال فترة قصيرة عمله وعلاقة حب لم تستمر، ثم سمع عن دولفين يحيا وحيدا في خليج يدعي دنجل في الشاطيء الجنوبي الغربي في أيرلندا، وبدافع من الفضول والتشكك أيضا قرر أن يذهب لرؤيته. وعندما ذهب للسباحة بجوار هذا الدولفين كانت تجربة لا تنسى، فقد جاء الدولفين لتحيته، ثم أمطره بوابل من موجاته فوق الصوتية وهي الوسيلة الطبيعية التي يستطيع بها الدولفين التعرف على الأجسام حتى في الماء العكر، وعلى بعد مسافات طويلة، اذ يمكنه بها أن يرى من خلال المخلوقات الأخرى، تماما مثل الموجات فوق الصوتية التي تستخدم لرؤية الجنين في رحم الأم.
ويقول ذلك الشخص أنه بمجرد أن تلاقت عيناه مع عيني الدولفين شعر أن هذا المخلوق يراه ويحبه دون أية شروط.. فقط كما هو. وبعد انتهاء اللقاء مع الدولفين، وفي رحلة العودة الى الشاطي سباحة، شعر بشيء ينفجر في داخله، هو خليط من الغضب والألم والدموع بعدها شعر بالراحة كما لو أنه قد تخلص من حمل ثقيل. وعندما عاد الى منزل وجد نفسه يخطط للمستقبل والعمل وإحداث بعض التغييرات في ديكور المنزل، وهنا أدرك أن شيئا إيجابيا ما قد حدث.

دراسات سابقة
ولكن فكرة وجود قوي للشفاء لدى الدلافين ليست حديثة بل تعود لسنوات مضت، فقد قام دكتور quot;هوراس دوبسquot; زميل الجمعية الملكية الطبية بإجراء بعض الدراسات على هذا الموضوع في منتصف السبعينيات، عندما أقنعه حادثين أن الدلافين فعلا لها تأثير علاجي على أذهان البشر ونفوسهم.

الحادث الأول كان عندما ذهب شخص يعاني من إكتئاب شديد وعلى شفا إنهيار نفسي للسباحة مع دولفين، وبعدها لم يعد للاكتئاب أي أثر، والحادث الأخر بعده بسنوات عندما ذهب الدكتور quot;دوبسquot; مع مجموعة من الناس لمشاهدة دولفين يسبح قرب شاطيء ويلز، فلاحظ أن الدولفين أنفق معظم وقته مع شخص محدد يبلغ من العمر 54 عاما كان يعاني من نوبة قلبية وإنهيار عصبي، ثم استقر به الحال الى إكتئاب عميق. وكان اللقاء بين الرجل والدولفين علامة تحول، فيقول الرجل أن لقائه مع الدولفين كان أبلغ أثرا من كل الأدوية المضادة للاكتئاب التي أخذها في حياته. وبعدها تحول الرجل من حالة العزلة والعصبية الى الثقة بالنفس والإنفتاح على المجتمع.

وبتكرار التجربة مع أناس آخرين قرروا جميعا أن التجربة غيرت حياتهم اذ أشعرتهم بحالة من تلقي الحب المطلق غير المشروط، شعروا بعدها بطاقة ايجابية وإحساس بالانطلاق. وكان ذلك هو البداية التي إنطلق منها دكتور quot;دوبسquot; في دراسة للظاهرة أطلق عليها quot;عملية زهرة عباد الشمسquot;، لدراسة القوي العلاجية لدى الدلافين وكيفية إتاحتها للكثير من المحتاجين إليها.

حب غير مشروط
بعض العلماء المتخصصون في دراسة الدلافين ينكرون قدرة الدلافين على شفاء الاكتئاب ولا يجدون أساسا لهذا الادعاء، ولكن أحدهم وهو دكتور quot;بيتر ايفانسquot; من جامعة أكسفورد لاحظ أن التأثير العلاجي للدرافيل قد يكون بسبب استجابة الانسان للاهتمام الذي يتلقاه من حيوان ما، وبسبب هذا العامل النفسي الذي يلعب دورا هاما للغاية في عملية الشفاء يصبح التفسير ممكنا. وترجع مراجع عديدة هذه الاستجابة بين الانسان والدولفين إلى ما يسمي بالحب غير المشروط.

وعن هذا الموضوع يقول دكتور quot;بيرني سيجيلquot; وهو طيبي جراح ومؤلف كتاب quot;الحب.. الدواء والمعجزات quot; أن الشفاء مرتبط بالقدرة على إعطاء وتلقى الحب غير المشروط. ويعتقد دكتور quot;سيجيلquot; أن كل أنواع المرض ترتبط في النهاية بنقصان الحب أو بمعايشة حب مشروط، أي يضع شروطا لاستمرار الطرف الآخر في حبك. والعنصر المشترك في كل حالات الاكتئاب هو عدم وجود الحب أو فقدان أي معنى للحياة من وجهة نظر الشخص المكتئب. والمرض غالبا ما يكون مخرجا وهروبا من روتين ممل يجعل من الحياة شيئا عديم المعنى. ويذكر الطبيب أن واحدة من أهم مقدمات الاصابة بمرض السرطان هي صدمة فقدان الحب والوقوع في دائرة الفراغ الحياتي، كما أن كثير من الأشخاص وخاصة مرضى السرطان تمضي بهم الحياة وهو يعتقدون أن هناك خطأ ما في قلب حياتهم، ونقيصة يعتقدون أنه لا بد من اخفائها اذا ما أرادوا أن يكون للحب فرصة في حياتهم. وهكذا فإن هؤلاء الأشخاص يشعرون بعدم القدرة على الحب مما يدخلهم في حالة من العزلة حتى لا يواجوا حقيقتهم، فيقيمون الدفاعات والحواجز حول أنفسهم ضد مشاركة أعمق مشاعرهم مع أي شخص آخر، وهكذا فإن عدم قدرتهم على الحب تقيدهم أكثر فيدخلون في حالة من اليأس الكامل. وتبعا لذلك فإن هؤلاء الأشخاص يشعرون بحالة فراغ داخلي هائل، فيرون كل العلاقات والتعاملات وسيلة للحصول على شيء ما لملء الإحساس بالضياع في داخلهم، ولهذا فانهم لا يعطون الحب الا بشرط أن يحصلوا على شيء ما في المقابل، سواء كان هذا المقابل هو الراحة أو الاحسان بالأمان أو التقدير أو المقايضة بنوع آخر من الحب.

وهنا يأتي تفسير ظاهرة تأثير الدولفين على الإنسان وقدرته على علاجه من الاكتئاب والوحدة، فيقول مؤيدوها أن قدرة الدولفين على الرؤية فوق الصوتية تجعله قادرا على رؤية الانسان من الداخل كما تكشف الموجات فوق الصوتية عن الجنين في رحم أمه، تكشفه تماما دون اخفاء أي شيء، وهذا هو دور الحب الحقيقي المطلق وغير المشروط الذي يحب بدون مقابل ويحب رغم كل السلبيات والأخطاء.

لكننا نتساءل.. هل نفتقد في عالم الانسان للحب بدون شروط حتى إننا نبحث عن هذا الحب في البحار والمحيطات مع الدلافين ؟ ألا يوجد في العالم ذلك الانسان الذي يمنح لحبيبه الحب غير المشروط، والذي يعطي الحب بدون مقابل سواء من الراحة أو الأمان أو التقدير أو الحب في المقابل ؟ صحيح أن الحب غير المشروط قد يكون صعب المنال لكنه غير مستحيل، وهو حب حقيقي وعظيم لا يرى ما قد يشوب المحبوب من الأخطاء والنقائص والضعف وعدم القدرة. هو حب يتأني ويترفق، خال من الأنانية، يحتمل من الحبيب كل شيء ويصدق منه كل شيء ويصبر عليه في كل شيء، هو حب ضد الوقت والمسافات، لا يعتبر البعيد عن العين بعيدا عن القلب، وهو حب لا يسقط أبدا. هذا الحب المطلق الذي يجمل الحياة ويشفي النفس ويسمو بالروح وينضج العقل ويطلق الابداع وينمي المواهب ويعلي الطموح ويقوي العزم ويلهم الشعر وينثر العطر ويثري الفكر ويأسر الألباب ويمنح اكسير الشباب ويحلق فوق السحاب.. هذا الحب.. هل هو موجود فقط عند الدلافين ؟

[email protected]