أسباب الشذوذ الجنسى

لماذا يصبح الناس شواذاً أو حسب التعبير العلمى الصحيح مثليين جنسياً؟

سؤال يفرض نفسه بقوة لأن الشاذ جنسياً حوله أسرة تنصح، ومدرسة تعلم، وواعظ يوبخ وينهر، ومجتمع يدين ويشجب، وبالرغم من ذلك فهو يصر، وإن لم يصر فهو (او هي) لا يستطيع أن يتخلى، وإن تخلى سرعان ما يعود إلى ممارساته السابقة.
هل الشذوذ حالة يولد بها الإنسان ولا يستطيع أن يسيطر عليها، أى أنه لا حول له ولاقوة حيالها؟
هل هو حالة إرادية واعية يفعلها الشخص لمدة محددة من الزمن؟ أم هل الشذوذ نتيجة تربية خاطئة فى المنزل أو المدرسة؟؟؟
كل هذه الأسئلة وغيرها هامة لذاتها وهامة أيضاً فى تطبيقاتها لتحديد مدى سماحة الدين والأخلاق والمجتمع والقانون مع هؤلاء، وصعوبة هذه الأسئلة مصدرها سؤال أكثر صعوبة وهو: ماهى أسباب ما نطلق عليه الجنس الطبيعى وكيف ينشأ وينمو؟، وإذا عرفنا هذا نستطيع التأكد من ذلك.... فهل نوفق فى هذه الحالة أم أننا نطارد قطة سوداء فى الظلام الدامس ونحن نرتدى نظارة شمسية؟!
سنرى ذلك من خلال إستعراض النظريات التى حاولت تفسير أسباب الشذوذ الجنسى.

النظريات البيولوجية:
أرجع الكثير من الباحثين الشذوذ إلى أسباب بيولوجية بحتة ليس للإنسان أى إختيار فيها فهو كأبطال التراجيديات اليونانية الذين يمارسون فعلاً واحداً فى حياتهم وهو إنتظار ضربات القدر!
أولى هذه النظريات هى النظرية التى ترجع أسباب الشذوذ إلى أسباب وراثية فى الجينات، وأهم ما أيد هذه النظرية البحث الذى أجراه quot;كالمانquot; وأثبت فيه أن التوأم المتطابق تماماً IDENTICAL TWINS (ينتميان إلى بويضة واحدة)، إذا كان واحد منهما شاذ جنسياً فالآخر بالضرورة شاذ أيضاً، أما فى التوائم غير المتطابقة فالأمر لا يصبح بهذه الدرجة.
كان الباحث quot;كالمانquot; قد أجرى بحثه 1952 ووجد أن 100% من التوائم المتطابقة التى ينتمى فيها النصف إلى عالم الشذوذ لا بد أن يتصف النصف الآخر أيضاً بنفس الصفات، أما فى النوع الثانى من التوائم فقد بلغت النسبة 12% وهذا ما يؤيد الخلفية الوراثية، ولكن للأسف لم تثبت الدراسات التالية لباحثين آخرين صحة هذه النظرية على طول الخط، وصارت نظرية quot;كالمانquot; هى بيضة الديك التى لم تتكرر.
ثانى النظريات البيولوجية هى النظرية التى ترجع الشذوذ إلى أسباب تتعلق بالهورمونات، ومما أيد هذه النظرية أن بعض الباحثين وجدوا أن حقن أمهات الحيوانات ببعض الهورمونات يؤدى إلى ولادة حيوانات شاذة جنسياً، وأيدتها بعض الأبحاث التى أجريت على بعض السيدات اللاتى يعانين من مرض يسبب زيادة الهورمون الذكرى ADRENOGENITAL SYNDROME، ووجدت هذه الأبحاث أنهن أكثر عرضة أيضاً للشذوذ الجنسى، لكن هذه المشاهدات لم تؤيدها الأبحاث الأخرى التى تمت منذ بداية السبعينات، وخرجت إعتراضات عديدة عليها منها أن السلوك الجنسى فى الحيوانات لا يشابه السلوك الجنسى فى الإنسان، وثانياًً أن محاولة علاج الشاذين بالهورمونات باءت بالفشل.

النظريات النفسية:
ما دمنا نتكلم عن النظريات النفسية التى حاولت فهم الشذوذ الجنسى لا بد أن نبدأ اولاً برائد التحليل النفسى quot;سيجموند فرويدquot; الذى قال أننا نولد ولدينا هذه الإزدواجية الجنسية، وفى ظل الظروف الطبيعية والعادية يتطور النمو النفسى بنعومة تجاه تفضيل الجنس الآخر، وتحت وطأة ظروف أخرى مثل عدم حل عقدة quot;أوديبquot; عند الذكر يتوقف النمو الجنسى عند مرحلة أقل نضوجاً فيطفو على السطح تفضيل نفس الجنس أو ما نسميه بالشذوذ، وأكثر من ذلك يقول فرويد بأن كل الناس عندهم ميول جنسية مثلية مضمرة أو مختفية تظهر عند ظرف معين مثل قلق الإخصاء عند الذكور.
كتب quot;فرويدquot; قليلاً عن هذا الموضوع لدرجة أننا من الصعب أن نخرج بنظرية واضحة الملامح عن الشذوذ من كتاباته، لأنه كان يكتب فى ظل مجتمع أو حتى وسط طبى يضع الشذوذ فى قائمة الأمراض العقلية، ولهذا لم يتناوله بإسهاب، لكننا نستطيع أن نخرج بإنطباع عن رأيه حين نقرأ هذا الإقتباس من أحد خطاباته لأم تشكو من شذوذ إبنها...يقول فرويد:
quot;الشذوذ بالتأكيد ليس ميزة، ولكنه أيضاً شئ لا يوجب الخجل، إنه ليس رذيلة أو إنحطاطاً ولا يمكن حتى إعتباره مرضاً، لكننا نستطيع إعتباره نمطاً مختلفاً من أنماط النمو الجنسى، إن أناساً عظماء وعباقرة كثيرين من العصر القديم والحديث كانوا من ضمن الشاذين جنسياً (أفلاطون، مايكل أنجلو، ليوناردو دافنشى...)، إنه ظلم كبير أن نعتبر الشذوذ جريمة أو وحشيةquot;.
لكننا لا نعرف هل كان هذا الخطاب مجرد رسالة لبث الطمأنينة فى قلب الأم أم أننا من الممكن أن نشكل منها نظرية، إن ما نعرفه بالفعل أن الكثيرين من تلاميذ مدرسة التحليل النفسى بعد ذلك إعترضوا على هذه النظرية مثل quot;كارلينquot; فى كتاب quot;الجنس والشذوذquot; 1971، وquot;جرينquot; فى مجلة الطب النفسى 1974، وquot;تريبquot; فى كتابهquot;مادة الشذوذquot; 1975.
بسبب تلك الإعتراضات ظهرت نظرية أخرى إلى النور وهى نظرية العالم النفسى quot;إيرفنج بيبرquot; 1962 والتى إستمدها من أبحاثه على أكثر من مائة أسرة تضم بين أبنائها شواذاً، ووجد أن معظم هؤلاء الشواذ قد عاشوا فى أسر تضم أماً مسيطرة ومتسلطة وأباً ضعيفاً وسلبياً، وبذلك رفض نظرية quot;فرويدquot; وأكد على أن السبب الأساسى هو خوف هؤلاء من العلاقة الجنسية الطبيعية بين الرجل والمرأة.
لكن هذه النظرية أيضاً واجهت إنتقادات عديدة من علماء كثيرين أمثال quot;بيلquot; وquot;وينبرجquot; وquot;هامر سميثquot;....وغيرهم.

النظريات السلوكية:
هذه النظريات ترجع الشذوذ إلى ممارسات سلوكية أى أنه ظاهرة متعلمةquot; بفتح اللامquot;، وهذا يفسر تحول بعض الناس من العلاقة الجنسية التى تفضل الجنس الآخر إلى الشذوذ لأنهم ببساطة لم يتم إشباعهم من خلال العلاقة الأولى أو صدموا فيها، مثل السيدات اللاتى يتم إغتصابهن فيتحولن تلقائياً إلى شاذات جنسياً LESBIANS.
لكن هذه النظريات جميعاً من بيولوجية ونفسية وسلوكية لم تستطع أن تدعى بأنها تملك الحقيقة المؤكدة أو تقدم التفسير الجاهز، وبعض هذه النظريات ينفع حالات معينة والبعض لا ينطبق على حالات أخرى ولذلك فالموضوع مازال قابلاً للمناقشة والدراسة والتحليل.

برغم إنتشار الشذوذ الواسع غرباً وشرقاً وحصول ممارسيه على حقوق كثيرة ومساعيهم المستمرة لإقامة مجتمعهم الخاص وعالمهم المستقل، فهم الآن لديهم منظماتهم الخاصة، فنادقهم، حاناتهم، حماماتهم، جرائدهم،حتى كنائسهم يريدونها خاصة!!، برغم كل هذا فالأمر لم يتم فك رموزه بعد واللغز ما زال مستعصياً على الحل.
وحتى لفظ GAY الذى إستتر وراءه الشواذ لم يعد يعنى البهجة التى يحملها المعنى اللغوى، فمازالت المثلية الجنسية يطاردها القانون، ومازالت تعنى إدمان الكحول والمخدرات عند الكثيرين، وتعنى الإحساس بالذنب والخوف من إكتشاف الحقيقة، وأخيراً مازالت تعنى الإيدز ذلك الشبح الدراكيولى الذى ما أن غرس أنيابه فى الرقاب حتى تدق ساعة النهاية معلنة الرحيل، لكنه ليس الرحيل فى سلام إنما الرحيل الفاضح.
[email protected]

الفصل الاول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس