إنقطاع الدّم عن خلايا الدماغ لسبع دقائق قد يتلفه
أسباب الجلطة الدماغية وأضرارها (1)


د. مزاحم مبارك مال الله : إن الشبكة الدموية الخاصة بكل محتويات الجمجمة هي شبكة معقدة وواسعة ومتشعبة وتتألف من عدد هائل من الأوعية الدموية الوريدية والشريانية وبمختلف الأحجام والأشكال، ومن المفيد أن نذكر أن الشريان السباتي والمتفرع عن الشريان الأبهر هو المصدر الرئيس للدم المتدفق إلى الدماغ. إن الخلية الدماغية لا تعيش من دون دم أكثر من سبعة دقائق لذا فإنقطاع الدم عن مجموعة من الخلايا أو جزء معين من الدماغ لمدة أكثر من سبع دقائق، فإنه يتسبب في تلف تلك الخلايا بل يُحدث عطبًا في ذلك الجزء من الدماغ. إن خلايا الدماغ ومناطقه وأجزاءه المتعددة والمختلفة هي عالية التخصص، فإذا ما أصابها تلف فلا تعوّض بل تفقد وظيفتها على الفور، علمًا أن كل مجموعة خلايا أو كل منطقة أو كل جزء في الدماغ مسؤول عن فعالية حيوية في جسم الإنسان لذلك فأينما يحصل الخلل سيظهر على شكل فقدان الفعل الحيوي في أحد أعضاء الجسم أو بمجموعة من الأعضاء، مثلاً إذا حصل التلف في جزء الدماغ المسؤول عن الطرف الأسفل الأيمن، فإن هذا الطرف سيصاب بالشلل. إن إنسداد أي وعاء دموي مهما كان صغيرًا في الدماغ ولأي سبب كان نطلق عليه ـ الجلطة الدماغية ـ. إن الجلطة الدماغية لا زالت تشكل ثلث الأسباب المؤدية الى الموتالسكتة الدماغية، هو المصطلح الأكثر شيوعًا في الإستعمال والذي يصف العطب العصبي المفاجئ الحاصل في الدماغ. إن الأحصاءات تدل على إن ما يقارب 1% من الناس والذين تجاوزوا 65 سنة من العمر هم الأكثر عرضةً للسكتة الدماغية، وإن نسبة عالية من المعوقين يعود سبب عوقهم إلى أمراض الشبكة الدموية الدماغية والتي بالإمكان تقسيمها إلى أضرار احتشائيّة يتعرّض إليها الدّماغ، وأخرى نزفيّة.

أضرار الدماغ الإحتشائية
خمس الدم المتدفق من القلب يذهب الى الدماغ وإذا هبطت هذه الكمية الى النصف فهذا يؤثر بشكل مباشر على كل أعمال ووظائف الدماغ. ولكن الشيء المهم في الشبكة الدموية الدماغية هو وجود دوائر وشبكات ثانوية وقنوات دموية إحتياطية تعمل على حماية الدماغ والأجزاء المتصلة به من الإنسدادات الوعائية، كما موجود بين الشريانين السباتيين وكذلك الشرايين الدماغية الأمامية والخلفية والوسطية وكذلك بين الشريان الفقري والشريان القاعدي...إلخ إن وجود هذا النظام الإحتياطي بقدر ما هو مهم جدًا في إيجاد سبل ومسالك أخرى في إيصال الدم، لكنه بالوقت نفسه يُعقّد العثور على موقع الضرر بأي وعاء دموي، وحتى يجعل إيجاد سبب هذا الضرر ليس بالأمر الهيّن ولكن وجد العلماء إن إنخفاض ضغط الدم يساعد على حصول إحتشاء الحدود الخارجية للشرايين المخية الأمامية والوسطية والخلفية. إن السبب في ذلك يعود إلى تراجع وصول الدم الى الأماكن التي تغذيها تلك الشرايين. وإستنادًا الى النظام الإحتياطي، فإنه إذا حصل إنسداد في الشريان السباتي الداخلي، فإن الدم يتدفق بقوّة إلى الشريان السباتي الثاني للتعويض. إن الإنسداد المفاجئ يؤدي إلى الإحتشاء أكثر من الإنسداد التدريجي لأن الإنسداد التدريجي يساعد على تكوين القنوات الإحتياطية الجديدة. إن تناقص تدفق الدم غالبًا ما يعزى الى التقلص الشرياني وإن هذا التقلص هو المسؤول لدى مقتبلي العمر عن نوبات الشقيقة التي تصيبهم ونادرًا ما يكون هو المسؤول عن حصول الإحتشاء الدماغي لديهم، هذا التقلص ممكن الحصول أثناء العمليات الجراحية التي تجرى في الدماغ أو أثناء أجراء الفحص التلويني للأوعية الدموية الدماغية. إن الإحتشاء ممكن الحصول جراء تقلص الوعاء الدموي الناتج عن إرتفاع ضغط الدم الدماغي أو جراء تناول بعض الأدوية المهدئة الفعالة جدًا. أما تصلب الشرايين فهو السبب الأقوى من بين الأسباب المؤدية الى نقصان تدفق الدم إلى الدماغ وبالتالي إلى الجلطة الدماغية. إن الخثرة الدموية أو ألتهاب الشرايين كذلك هي من الأسباب المهمة في هذه الحالة.

تصلب شرايين الدماغ
إن التغيرات التصلبية في شرايين المخ غالبًا ما توجد لدى الذين تجاوزوا الستين من العمر، وعلى الرغم من وجود العديد من هذه التغيرات ولكنها في بعض الأحيان تكون من دون أعراض، فإن هذه التغيرات من الممكن أن تسبب تضيق في مجرى الشريان أو تؤدي الى تكوين خثرة تغلقه. إن خثرات اللييفين والصفائح الدموية والدهون ربما تنشأ من تصلب الأوعية الدموية القريبة مثل الشريان الأبهر وتُحمل بعيدًا الى الدورة الدموية الدماغية والتي ربما تغلق الأوعية الدموية الصغيرة، هذه الآلية ربما تسبب إنغلاق موضعي أو أحتشاء في الموضع من الدماغ لتنتهي بتلف النسيج الدماغي. ويبدو أن أسباب هذه الحالة، مشتركة بين أمراض جهاز دوران الدماغ وبين الأمراض القلبية الأحتشائية، ونتيجة الدراسات والبحوث فقد ظهر أن إرتفاع نسبة الدهون بالدم وداء السكري هما أقل أهمية في أصابة الدماغ منها في القلب، أما السمنة المفرطة والتدخين فيؤثران في القلب والدماغ على حدٍ سواء إضافة إلى إرتفاع ضغط الدم.