من الأخطاء الطبية الشائعة بين الناس
مصابون بمتلازمة داوون وليسوا منغوليين

د.مزاحم مبارك مال الله: من الأخطاء الشائعة بين الناس إطلاق تسمية منغوليين على مجموعة من البشر الطيبين (غيرالسَويين تمامًا)، والسبب كون وجوه هؤلاء التي تشبه الى حدٍ ما تقاسيم أبناء الشعب المنغولي وملامحهم. والخطأ ليس خطأ الناس، إنما خطأ العلماء الذين أطلقوا هذه التسمية على مجموعة من الذين يعانون من أحد أنواع العوق الجيني. ونسلّط الضوء على هذه الحالة الصحية فهؤلاء البشر ليسوا منغوليين وإنما مصابون بمتلازمة داوون. والمتلازمة تعني مجموعة أعراض وعلامات وصفات تشمل أجهزة جسدية عدة تدل على حالة (أو حالات) مرضية أو وراثية أو جينية.
ويتكون جسم الإنسان من أعضاء والعضو الواحد مكوّن من أنسجة وكل نسيج مكوّن من مجموعة كبيرة من الخلايا والخلية الواحدة مكوّنة من نواة وبروتوبلازم وغيرها، في داخل النواة توجد تراكيب بايوـ كيمايوية معقدة جدًا تدعى الكروموسومات(المزدوجات الكروموسومية ـ تشبه الى حدٍ ما علامة الضرب في الرياضيات ـ أو أكس)،عدد هذه الكروموسومات 23 زوجًا، 22 زوجًا منها تسمى كروموسومات جسمانية (والتي تنقل الصفات الوراثية من الأباء الى الأبناء) وزوج منها يسمى الكروموسوم الجنسي (الذي يحدد نوع الجنين ذكر أم انثى). تحمل الكروموسومات الصفات الوراثية بوساطة تراكيب أكثر تعقيدًا تسمى الجينات. لقد تعمق العلماء في دراسة الكروموسومات وتفننوا بتحليل ماهيتها ولا يزالون، واستنبطوا العديد من الطرائق من أجل ذلك فمنحوها أسماءً وأرقامًا.
قلنا إن كل خلية تحمل هذا العدد من الكروموسومات بما فيها (الحيمن وهو خلية، والبيضة وهي خلية أيضا)فحين الإقتران الجنسي تنقسم كل خلية على نفسها فتكون الخلية الذكرية 23 مفردًا والخلية الأنثوية تكون 23 مفردًا أيضًا ليكوّنا في الخلية الملقحة 23 زوجًا من جديد، وبعد عدة إنقسامات سريعة يتكون الجنين وحسب الكروموسوم الجنسي الممنوح من الزوج، ذكر أم أنثى.
المهم في هذه السلسلة هي مرحلة الأنقسام الكروموسومي، فكل كروموسوم يجب أن ينشطر، أن ينقسم الى مفردين، كل جزء يذهب الى جهة أو قطب فيكوّنا خليتين كل منهما جاهزة للتلقيح أو الإخصاب والتخصيب. وبذلك يتكون جنين بشري طبيعي وسوي. في متلازمة داوون لاينشطر(ولأي سبب) الكروموسوم ذي الرقم 21 من احد الطرفين (أي من الزوج أو من الزوجة) وبالتالي وبعد التلقيح فبدلاً من أن يكون الجنين مكوّن من 46 كروموسومًا فسيتكون من 47 كروموسومًا، هذا الجنين الذي يحمل 47 كروموسومًا نطلق عليه تسمية مصاب بمتلازمة داوون نسبة للعالم البريطاني جون داوون الذي وصف الحالة عام 1866 ، أو متلازمة كرموسوم 21 الثلاثي.
إذًا الخلل (والذي يسمى التثلث) في الكروموسوم رقم 21، أي بدلاً من أن يكون الكرموسوم الـ 21 مؤلف في جسم الجنين من مزدوج، فسيكون في جسم الجنين المصاب ثلاثيًا. هذه المتلازمة هي أكثر أسباب التخلف العقلي شيوعًا، ولكنه تخلف بسيط قياسًا بالأسباب الأخرى للتخلف .
مرض داوون يكون على ثلاثة أنواع، التثلث الكروموسومي للكروموسوم 21 وهو النوع الأكثر شيوعًا ويشكل نسبة 95%، والنوع الثاني هو الإنتقال الصبغي ويشكل 4% والنوع الأخير هو الفسيفسائي ويشكل نسبة 1%.
مما سبق عرفنا أن المشكلة تكمن في عملية إنقسام مزدوجات الكرموسومات أو إنشطارها ، أي ربما يحدث هذا الخلل في البويضة أو في الحيمن، ولكن العلماء وجدوا أن نسبة عدم حصول الإنشطار في الكرموسوم 21 عند النساء تصل الى 90% من الحالات .
تحصل ولادة طفل مصاب بمتلازمة داوون من بين كل 800 حالة ولادة. ووجد العلماء بعد الدراسات والبحوث العديدة أن إحتمال حصول ولادة هكذا أطفال كلما زاد عمر الأم. المولود بالمتلازمة ربما يكون ذكر أو أنثى، الذكر يكون عقيم بينما الأنثى فهي غير عقيمة، وفيما لو تزوجت فستلد أطفالاً نسبة السليمين منهم 50% ونسبة المصابين بالمتلازمة 50% أيضًا.
الحالة تحصل لدى كل الشعوب وهي ليست وراثية ، وممكن أن تحدث لأي زوجين وليس هناك علاقات واضحة بين الأصابة بمتلازمة داوون وبين الطبيعة الغذائية أو أصابة الأبوين بالأمراض، ولكن الأمر الملموس لدى العلماء إن الكثير من الحالات كانت فيها الأمهات لم يتجاوزن سن الـ 35 عامًا، ويزداد إحتمال حصولها كلما تقدمت الأم بالعمر. حتى الآن لا توجد طريقة تمنع حصول الحالة، وكذلك فإن الأسباب القطعية الكامنة وراء عدم أنشطار الكروموسوم 21 غير معروفة. العديد من العوائل لديها مولود مصاب بمتلازمة داوون وربما تتكرر الحالة أو لا تتكرر لدى تلك العوائل.
بالإمكان تشخيص الجنين المصاب بمتلازمة داوون عن طريق تحليل خاص بالسائل الرحمي المحيط بالجنين (السائل الأمنيوسي) أو تحليل خاص بالمشيمة. ولكن بالإمكان تشخيص الحالة بعد الولادة، المصابون بمتلازمة داوون لديهم ملامح متشابهة ولديهم سمات جسمانية تميزهم عن الأطفال الآخرين علمًا أنهم أقرب الى الأعتياديين. يمتاز ذوي متلازمة داوون (متلازمة الكروموسوم 21 الثلاثي) بـ :
1.إرتخاء وضعف في عضلات ومفاصل الجسم، وربما يحصل تحسن مع تقدم العمر.
2.وزن الطفل وطوله أقل من المعدل الطبيعي، وحينما يكبر سيكون قصير القامة وممتلئ الجسم مع زيادة بالوزن، وهذه الزيادة سببها تأخر المشي وإرتخاء العضلات .
3.الرأس صغير الحجم نسبيًا، الجبهة عريضة مع تفلطح مؤخرة الرأس.
4.الرقبة وعظم الكتف قصيران.
5.الحاجبان متقاربان، العينان صغيرتان ويميلان نحو الأعلى والجفنان متشققان(غالبًا ما تحصل إلتهابات بهما)، الأذنان صغيرتان، والأنف صغير كذلك ولكنه مسطح.
6.الفم صغير والشفتان عريضتان، تجويف الفك الأسف صغير نوعًا ما مما يجعل اللسان بارزًا مع وجود تشققات به بسبب بروزه هذا حيث يبدو كبيرًا، الأسنان صغيرة وأحيانًا مشوهة.
7.اليدان صغيرتان وأصابعهما قصيرة، يوجد خط أفقي واحد في راحة اليد. توجد مسافة بين أبهام القدم وسبابتها.
8.الجلد خشن وغالبًا ما يكون شعر الرأس ناعم.
9.طفل متلازمة داوون يمتاز بتخلف عقلي بسيط (يتفاوت بين المصابين)، وبالإمكان من تطوير هذا الطفل وتعليمه، وهذا مرتبط بالإهتمام التربوي والنفسي والإجتماعي والعائلي به .
10.وبسبب هذا التخلف البسيط فالطفل سيعاني من بطأ في النمو أي: تأخر بكل الأفعال الفيزياوية الأرادية ومنها النطق والمشي ...الخ.
11.يعاني أطفال المتلازمة من تشوهات خلقية في القلب.
12. وكذلك يعاني من أمراض معدية في الجهاز التنفسي.
13.بعضهم يعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي كضيق الإثني عشري، وعدم إكتمال نمو الشرج، المصاب يعاني من حالة الأمساك.
14. يعاني الكثير منهم من مشاكل بالسمع .
15. في الأعمار المتقدمة من ذوي متلازمة داوون (بعد الـ 30من العمر) يعانون من النسيان وعدم التركيز.
16. تعاني نسبة غير قليلة بينهم من خلل في عمل الغدة الدرقية .
17. يعانون من زيادة المرونة بين الفقرة العنقية الأولى والثانية بسبب الإرتخاء بالأنسجة الرابطة بين الفقرتين.
18. يتصف أطفال المتلازمة بخفة الروح ورقة الأحساس العاطفي.
19.أطفال المتلازمة أجتماعيون ويميلون الى المرح والإستمتاع بالأشياء (الموسيقى)، ويرغبون بتقليد الآخرين، ويتعلمون ولكن ببطأ.

المصابون بهذه المتلازمة يأخذون وقتًا أطول قياسًا بأقرانهم في إكتساب المهارات وفي التحصيل الدراسي، ولكن كافة الدراسات والبحوث (التي أخرجتها المعاهد العالمية المختصة بمتلازمة داوون وخلصت الى نتائجها) الخاصة بهؤلاء المصابين تؤكد وبالنتائج الملموسة أن الإهتمام الإنساني بهؤلاء المصابين وابتداءً من العائلة سيوفر فرصًا كبيرة للإستفادة من طاقاتهم بل وتطوير قابلياتهم الذهنية والإجتماعية.
إن حالة متلازمة داوون ليست داء، ولاهي من الحالات الميؤوس منها أو لا يرتجى منها خيرًا، بالعكس تمامًا، فبإمكان المؤسسات ذات الإهتمام، إضافة الى تنوير العائلة والشعب وتطويرهما وتثقيفهما، أن يحفزونهم ويعلمونهم ويحيلونهم الى قوّة في المجتمع.
وأخيرًا ماذا يفعل الأبوان اللذان أنجبا طفلاً أو طفلةً من المصابين بمتلازمة الكروموسوم الـ21 الثلاثي ،(داوون)؟
أولاً ـ عليهما أن يتأكدا أن ذلك ليس عيبًا أو نقصًا، وهو ممكن الحصول لأي ابوين، وعليهما أن يؤمنا بواقع الحال ، وإن الحالة لا تعني عوقًا عقليًا شديدًا، وكذلك ليكونا مقتنعين بأن وليدهما يمكن أعادة تأهيله وتدريبه وتعليمه وأنه بكل تأكيد سيتطور.
ثانيًا ـ يجب أن يكون لديهما قدر كاف من المعلومات عن الحالة وعن كيفية التعامل معها.
ثالثًا ـ أن يجريا فحص الكروموسومات لكليهما ولطفلهما أو طفلتهما.
رابعًا ـ مهم جدًا إجراء كافة الفحوصات السريرية والمختبرية والشعاعية وتخطيط القلب وتخطيط السمع للطفل أو الطفلة.
وأخيرًا فنحن ننصح دومًا بالإبتعاد قدر المستطاع عن زواج الأقارب وكذلك بالإبتعاد عن الأنجاب بأعمار متقدمة وخصوصًا الزوجة حيث تزداد نسبة إحتمال حملها بجنين مصاب بمتلازمة داوون .