حوار مع البروفسور حسام صالح جبر
على هامش المؤتمر الدولي حول البيئة الصحية في العراق

اجرى اللقاء الدكتور توفيق آلتونجي: ليست من السهل معالجة الكم الهائل من هموم المهاجرين القادمين من بلاد دجلة والفرات ولكن لكل منا في المنفى قريب وصديق نتهامس ونتحث بلغة المهجر ذو المفردات العجيبة التي لا يجيدها الا من عاش لفحة عذابات المنفى وفقدان البديل وبصيص الامل القادم من بلاد ما وراء الخابور في الطرف الاخر من زوزك وبيره مكروم واق صو. كل ما جرى للانسان العراقي وترابه لا يقاس حتى بما حدث خلال الحرب العالمية الثانية من ماس جلبها انذاك حملة الفكر النازي القومي المقيت. ان استخدام التكنلوجيا الحربية المتطورة والحديثة في ابادة الكائن البشري وجميع الاحياء على الكوكب الارضي وتلويث بيئة المحيط والهواء والترب والماء وانعكاساتها على الصحة البدنية، النفسية،العقلية، الاجتماعية والاقتصادية حسب المفهوم الموسع للصحة الانسان موضوع يجب على البشرية ان يعيد النظر فيها ويرى مدى كون العلم والتطور التكنلوجي والبحوث الخاصة باسلحة الدمار الشامل و تلك التطورات التي طرأت على نوعية وكمية المواد المتفجرة قد اثرت سلبا على التطور السلمي على المعمورة. ان تلك الكميات الهائلة من المواد المتفجرة التي انهالت مرسلة من السماء على ثرى ارض الرافدين من جبال وربى كوردستان الى ضفاف الاهوار وصولا الى الابلة الخالدة على مشارف الخليج في العقود الاربعة الماضية بدا بثورة ايلول الكوردية التحررية عام 1963 وانتهاء بحرب تحرير العراق نيسان من عام 2003 لها تاثيرات كارثية اليوم وفي المستقبل.

نعم ان ما يحمله القدر لنا نحن ساكني المهجر لا تسع روايته صفحات الكتب والقرطاس فكرت بكل ذلك وانا اتوجه لمقابلة احد اكبر اساتذة العصر من حملة الفكر الانساني الحر والنبيل في استخدام العلم في خدمة البشرية اينما كانوا وتواجدوا لترك تراث انساني ثمين لاجيال المستقبل واعني البروفسور الدكتور حسام صالح جبر الاخصائي الخبير في علوم تصفيه المياه. ان سنوات معرفتي لاخي حسام اعطى لصداقتنا بعدا انسانيا في المهجر حيث من النادر ان يلتقي المرء بانسان يحس بان لقائه معه فوق جميع الحدود والمنفعة المادية وكلام يكتب على الرمال ولكن بعدها الحقيقي يدور في فلك عالم الروح ورقيها، اي ان تلتقي بانسان يحمل كل قطرة من قطرات دجلة و الفرات في فؤاده ليتنفس من اوكسجينها وليتغذى فتلك قمه الخلود واللذه الارضية. اتقيته اليوم على عادتنا حيث نلتقي بين الفترة والاخرى ليشاركني بمعلومات قيمة عن مؤتمر الدولي حول البيئة الصحية في العراق الذي عقد في العاصمة الاردنية عمان ونظمته جامعة ولاية نيويورك الامريكية "ستوني برووك" وتحت شعار الصحة والبيئة في العراق مكانة، الضرورات والتحديات و اشترك فيها خيرة العلماء من الاخصائين في علوم البيئة والاطباء العراقيون والاجانب وصل عددهم الاجمالي الى 220 عالما وقد كان الوفد العراقي الاكبرعددا حيث شاركت وزارة البيئة والعلوم والتكنلوجيا ووزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية واساتذة الجامعات العراقية وساتي لاحقا الى شرح موجز لعدد من تلك البحوث المقدمة في ايام المؤتمر، كما شارك علماء من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ومنظمات اجتماعية عالمية وكان لحظور علماء العراقين في الخارج ضئيلا لا يرتقي الى درجة كثافة تواجودهم في المهجر الا ان البروفسور حسام صالح جبر شارك ممثلا عن شركة سويكو احدى اكبر شركات الهندسية الاستشارية في دول الشمال و بالبحث الموسوم "تكنولوجيا ازالة البكتريا المسسبة للامراض في معالجة مياه الشرب في العراق" تطرق معظم الباحثين الى المشاكل البيئية العامة التي تواجهها العراق وكانت العديد من البحوث تدور حول الابعاد والمؤثرات التي تعكسها تلوث البيئة على الحياة والكائنات البشرية وتطرق الباحثون كذلك لمواضيع تخص برامج التخطيط الصحي واعادة تاهيل الاهوار ومناطق الموبؤة في عموم العراق. كما تطرق الباحثون الى تاثيرات الحالية والمستقبلية لليوارنيوم المخصب على البيئة وصحة الانسان.

لقد شارك الدكتور حسام في العديد من مشاريع تصفية المياه في العراق وقد نرى توقيعه على العديد من المشاريع الخدمية المنتشرة من جبال كوردستان الى اهوار الجنوب والتقيته بعد عودته الميمونه الى وطنه الثاني السويد لندردش معا هموم الوطن والانسان فسالته عن انطباعاته العامة فاجاب قائلا:

انها لفرصة ثمينة ان التقي بالعديد من زملائي السابقين وطلابي الذين اراهم اليوم علماء كبار يتبؤون منصب عالية في الدولة وفي الجامعات العراقية وكانت فرصة طيبة الى اعادة العلاقات الطبيعية بيننا وبناء الجسور ولكن المؤسف ان العديد من الوجوه العراقية العلمية كانت غائبة وربما رحلوا تاركين هذا العالم.

كانت جميع البحوث العلمية المقدمة حول البيئة في العراق فهل تم تحديد مسببات التلوث البيئي واتخاذ التدابير الازمة لازالة اثارها؟
نعم ان العديد من البحوث المقدمة تدور حول الصحة البيئية وازالة اثار التلوث واني قدمت بحثا حول ازالة البكتريا المسببة للامراض وكيفة معالجة مياه الشرب كي تصبح قابلا للشرب والاستعمال البشري وبما يتناسب مع ضروف العراق الحالية.
كان الحضور كثيفا وكان لهفة العالم العراقي في تقديم شرح واف عن الحالة الماساوية للبيئة العراقية وصحة الانسان العراقي ولكن لم يكن هناك التزام باوقات المحاضرات وكانت بعض النصوص البحثية ضعيفة في مواضيعها ومكررة موادها ولم تتوفر الامكانية لذوي الاختصاص للدلوي بدلوهم للخروج بمقررات فعالة مما ادى في الختام الى كتابة توصيات عامة فقط.
ان هموم الوطن وانسانه رافقتك طوال مسيرتك بدا من العراق والى المجر ومن ثم الى الجزائر لتصل وتستقر سفينتك عند مشارف القطب الشمالي بين ابناء الفايكنج الكرماء فهل لك تحدث القارئ الكريم عن تلك المسيرة؟
الحقيقة اني شاركت في مشاريع لتصفية المياه في عدد من مدن العراق وعملت وسكنت في ظهراني ابناء العمارة،الكوفة،النجف،كربلاء،كركوك،واربيل،سليمانية،بغداد ومدن عراقية اخرى وتركت خلفك مشاريع لتصفية المياه متكاملة كان عونا كبيرا لمن استمر في المسير بعدي وقد التقيت احد الاساتذه على هامش ايام المؤتمر بعد ان تعب عن البحث عني عشرون عاما استبشر بزوال الطاغية ليسأل عني السياسي المخظرم سعد صالح جبر عسى ان يعرف شيئا عن مصيري لتشابه الاسماء طبعا ...
يقولها عالمنا الجليل وهو يضحك ويقهقه ونحن جالسين في هذا المقهى الكلاسيكي الذي شيد تيمنا بمقاهي عاصمة ليالي الانس والكروم "فينا" والتي تسمى باسمها وتقع في مركز المدينة الوديعة "يونشوبنك" وابنائها الكرماء اللذين يستضيفون اكثر من 18 الف مهاجر من مجموع سكان لا يتعدى المائة والعشرون الفا.
يردف الدكتور ضيفنا الكريم قائلا:
يعود الفضل في بقاء في وضيفتي وعدم فصلي الى علاقتي الحميمة بالسياسي العراقي المعروف "صديق شنشل" من حزب الاستقلال ويتذكر كذلك صداقته مع احد ابرز قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني السيد دارا توفيق وشاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وعشرات الشخصيات العراقية والدولية لا يسع موضوع حديثنا فتوجب الاعتذار.
تعتبر الفترة التي قضاها في الجزائر فترة انتاجيه رائعة شارك في اعداد جيل جامعي من طلبة الدراسات الاولية الجامعية والماجستير والدكتوارة ولكن ضروف الجزائر والحملة السلفية الظلامية العمياء هددت كيانه وكينونته في هذا البلد الذي يتذكره ويتذكر ابناءه بخير ويتمنى ان تزول كربهم وكرب ابناء الرافدين.
ان المياه مقدسه بين ابناء الرافدين وكانت دجلة والفرات وشواطئها مكان لظهور اولى الحضارات الانسانية والعقائد السماوية ولا تزال بقيه طيبة مستمرة على هدي الانبياء والرسل الاولين يمارسون طقوسهم في تعميد ابنائهم في مياه الفرات الزلال ولا ريب ان كل ذلك التاريخ كان له اثرا كبيرا في توجه العالم العراقي الدكتور حسام الى تصفية وتنقية المياه والمشاركة في ايصال هذا الارث الرافديني العظيم الى ابنائنا واحفادنا في المستقبل صافيا قابلا للشرب والاستعمال. لنبدا معا بتصفح بعض البحوث المقدمة الى المؤتمر ليس حسب اهميتها بل بعد ان اجرينا معا جردا بين الدراسات المقدمة للوصول الى تقديم نظرة شاملة وعامة حول المشكلة البيئية في العراق لذا نتاسف على عدم امكانية عرض جميع تلك الدراسات القيمة ويمكن مراجعة وثائق المؤتمر للحصول على تلك الدراسات .
بدا نسترسل مسيرنا من كوردستان العراق ومن عاصمتها لنقرء بحثا قدمه مجموعة من الاطباء من بينهم الاستاذ الدكتور شيرزاد اسماعيل واخرون حول نوعية مياه الشرب في عاصمة اقليم كوردستان – اربيل في الفترة مابين عام 1999 الى عام 2004 وبين فيها الباحثون جوانب وخلفيات عملية الحماية الصحية لمياه في المدينة. وقد توقع الباحثون:
وجود تلوث في مياه الشرب في عدة اماكن في المدينة ووجود العديد من مصادر المياه في المدينة تحتوي على مواد كيمياوية تفوق الدرجات المسموحة بها التي اقرتها منظمة الصحة العالمية وتطرق الباحثون كذلك اسباب تلوث المياه. وقد اشار الباحثون الى العمليات العسكرية التي قادها النظام السابق في كوردستان خلال السنوات العشرين الماضية وتدمير البنى التحتية في المدينة من ناحية ومن ناحية اخرى الزيادة الملحوظة في عدد سكان المدينة الذي لم يتناسب مع التطوارات الجارية في تامين مصادر ومصافي مياه الشرب والبنى التحتية الازمة الضرورية لموجه متطلبات المعيشة في تامين مياه الشرب الصالحة للمواطنين.
من اربيل نتوجه غربا الى مدينة موصل الحدباء حاضرة نيونى الغالية مع بحث قدمة الاستاذ الدكتور صميم الدباغ * من جامعة الموصل، كلية الطب، قسم الصحة العامة حول مشاكل الصحة البيئية في مدينة الموصل تطرق فيه الى المشاكل الصحية البيئية العامة وتاثيرها على صحة العامة للمواطنين وقد وجد الباحث ان من اهم عوامل التي تؤثر على الصحة العامة هو تلوث الجو نتيجة من احتراق الكازولين في السيارات وماطورات الكهرباء ونتيجة للغبار والاتربة القادمة مع الرياح من معامل السمنت المتواجدة في اطراف المدينة. وكذلك تلوث المياه كنتيجة عدم تصفيتها وتاثير مياه المجاريومخلفات مياه وفضلات المعامل وتلوث الاغذية التي وجدت فيها مواد مضرة للصحة البشرية من سموم وبكتريا مجهرية وتدل الاحصائيات والمعطيات المحلية الصحية على مدى تاثير ذلك على الصحة العامة في المدينة ويقترح الباحث حلول تطبيقية لمواجه المشكلة.
ومن مشاكل الشمال الى الجنوب حيث مدينة بغداد العاصمة وبيئتها الملوثة والبعيدة كل البعد عن بيئة الصحية الحضارية ودرجات التلوث العالية حيث قدم دراسات عديدة بهذا الصدد اذكر بحث الفيزيائية السيدة سلمى العامري واليد المهندس البيئي زيد عيسى رياض حول مياه الشرب والحالات المرضية في بغداد ويقدم الباحثان عرضا للحالات المرضية الناتجة من شرب المياه خلال اعوام 2002 الى 2004 واجراء مقارنة للنتائج قبل وبعد عام 2003 حيث حرب تحرير العراق.

ويلاحظ الباحثان ارتفاع الحالات المرضية كالتيفوئيد فقر الدم وامراض اخرى وانخفاظ حالات الاصابة بالكوليرا مقارنة بعام 2002 . يقدم الباحثان العديد من المقترحات لحل المعظلات المتعلقة بالامراض الناتجة من شرب المياه الملوثة.
ويقدم الدكتور محمود البربوتي واخرون من صحة مدينة بغداد، مديرية تحليل البيئة بحثا حول نوعية مياه الشرب بعد الحرب. ويتوصل الباحثون الى نتيجة مفادة ان مياه الشرب ملوثة بدرجة كبيرة تصل الى 15 الى40 % تلوث بكتريولوجي كنتيجة لسوء تصريف مياه المجاري حيث ام مياه المجاري تصب مباشرة في مصادر تواجد المياه الصالحة للشرب.

يلاحظ بان هذا الموضوع قد تم تكراره في العديد من البحوث المقدمة.
اما من الحلة الفيحاء ومن عاصمة الحضارات القديمة بابل فيقدم الاستاذ حسن علوان البائي المساعد استاذ في جامعة بابل كلية الطب بحثا حول زيادة الرصاص والزئبق في حليب الامهات المرضعات مشيرا الى التلوث البيئي الخطير في المدينة. ويقدم الدكتور جواد الديوان بحثا في نفس الموضوع من الانبار الحبيبة ومن مدينة الرمادي حيث يشير الى زيادة تركيز الرصاص في دم الاطفال في مدينة الرمادي. ويتطرق الاستاذ المساعد ثامر كاظم يوسف الى زيادة حالات الربو بين الاطفال في المناطق الملوثة حول مناطق تواجد مصافي النفط.

التلوث الذي يؤثر على الاحياء والنباتات والانسان عنوان بحث قدمه الاستاذ حسين السعدي والاستاذ المساعد عبد الرحمن الكبيسي من جامعة بغداد والموضوع متعلق كذلك بعراق ما بعد حرب عام 1991 وما يسمى بحرب الخليج الثانية حيث مخلفاتها الكارثية للحيات والبيئة والغذاء والماء والتراب وتلوث الجو التي تاثرت وستبقى اثارهاالسلبية لمدة زمنية طويلة ويبحث الدكتور عبد الكريم من جامعة الكوفة موضوع اكتشاف بكتيريا المسببة لمرض الكوليرا في نهر المدينة. هناك اكثر من 45 مدينة جنوب بغداد مياهها غير صالحة للشرب حسب بحث قدمة مجموعة من الاساتذة زينب علي خالد رشيد، محمد يوسف وحسين سلطان من وزارة العلوم والتكنلوجيا بعد ان قاموا باجراء الكشوفات والبحوث حول مياه الشرب في وسط وجنوب نهر دجلة.

ويقدم الاستاذ اسماعيل شبر موضوعا مهما في بحثه حول المواد المشعة الناتجة من استخدام البراميل من قبل العامة من الناس بعد سرقتها في منطقة الثوينة وتلك البراميل التي تحتوي على مواد مشعة تصل عددها الى اكثر من 200 برميل استخدمت ومع الاسف الشديد من قبل البسطاء من المواطنين في استخدامات يومية كخزانات مياه والخزن المواد الغذائية واستخدم العديد من المواد المشعة في المنزل حيث وجد الباحث بتراكيز مختلفة من الاشعة بين المتطوعين من ابناء المنطقة.. وزارة العلوم والتكنلوجيا تتقدم ببحث من خلال الاستاذ اسماعيل شبر واخرون بحثا قيما حول اليوارنيوم المخصب مؤكدين ان كميات ما استخدم في العراق يزيد عن ما استخدم في كافة انحاء العالم وسيترتب على ذلك نتائج كارثية بالمنظورين القريب والمستقبلي.

كما تتطرقت الدكتورة مشكات المؤمن وزيرة البيئة السابقة الى القوانين البيئية وتقدم تصورها لتلك القوانين على اساس حماية البيئة من التلوث والاجرائات التي يجب اتخاذها لحماية البيئة.

بعد هذا المسح السريع لاقل من 10% من البحوث التي قدمت ايام المؤتمر ارى تلك الصورة الغامقة والغمامة الرمادية في سماء الرافدين وبيئة ملوثة ستكون نتائجها كارثية على ارض وتراب وانسان وبيئة العراق من شمالها الكوردستاني الى جنوبها على شواطئ الابلة الخالدة واني لادعو من هذا المنبر الى تاسيس مركز بحوث خاص لتشخيص ومعالجة اثار الحروب التي بليت بها العراق وابنائها ومركزا خاصا بالبحوث حول الحرب الكيمياوية واثارها والاثار الناجمة عن عملية الانفال السيئة الصيت على الصحة النفسية والعقلية لظحاياها في مدينة كركوك وجوارها واخرى في مدينة حلبجة الشهيدة حول اثار القصف الكيمياوي للمدينة والاماكن الاخرى في جبال وربى كوردستان وعلى الهيئات الدولية والمنظمة الدولية ومركز البحوث والجامعات ودول التحالف تقديم المساعدات الازمة لنجاح هذا المشروع.

http://altonchi.blogspot.com/

* يرجى ملاحظة ان الترجمة تم من الانكليزية الى العربية وقد يعتذر احيانا معرفة اسماء العلم الصحيحة للباحثين