جوكجاكرتا/ أجرى الحوار علي عبد المنعم: التقيته في مكتب عمادة كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية بجوكجاكرتا، إندونيسيا. كان يجلس بوداعة واضعاً كفيه بين ركبتيه كأنه يمارس طقسًا quot;ًيوجوياquot;. في إندونيسيا بلاد الخضرة والبساطة والسحر، التقيته وكان موسم المطر، رأيته حين يتحدث كأنه يماهي المطر بغزارته. ومنذ الوهلة الأولى التي رأيته فيها عرفت أن هذا الكائن الوديع ينام على تفاصيل تطرد الندم على انخراطاتنا العفوية في قول الحقيقة التي قادتنا وقادته إلى المنافي. التقينا بخيط ضوئي على حد تعبيره جعلنا نجلب المطر إلى الصفوف .كان يقرأ أنشودة المطر على إيقاع المطر الإندونيسي الغزير .وكنت أوزع على الطلاب صورة النمور في يومها العاشر. وكانت quot;رحْلات quot;طلابه تكتظ بأسماء الشعراء العرب الذين استبسلوا في تأسيس محطات ضوئية في عالم مظلم. إنه الشاعر غيلان الذي يحل ًضيفا هذا الشتاء على الجامعة الإسلامية الحكومية الإندونيسية كأستاذ لمادة الأدب العربي الحديث. وبعد لقاءات متكررة تولدت فكرة حوار شامل مع هذا الشاعر الذي أختلف وأتفق معه كثيراً، وأبقى أتعلم منه دائمًا. وسينشر الحوار على حلقتين.

* قبل الدخول في المسائل الرئيسة لحوارنا مع الشاعر غيلان، لا بد من التوقف برهة للتعريف ببعض المفاهيم المركزية في لغته، وعلى رأسها quot;المثقف الحيوي quot;.الأستاذ غيلان، ماذا تعنون بالمثقف الحيوي؟
- المثقف الحيوي (المؤثر في المحيط ) هو الذي تمتزج حقول المعرفة بتفاصيلها الفكرية والأدبية، الاجتماعية والسياسية والسلوكية فيه، ومنها نقرأ الآراء والأسئلة في شتى الميادين .في هذا السياق يأتي دور الشاعر كمثقف حيوي سبّاق في صناعة السؤال، ومنه تستقي بقية العلوم أسئلتها .وللشاعر أيضاً مواقف في السياسة والمجتمع والفكر .تلك المواقف هي مصدره في تكوين تلك الرؤية المحملة بالسؤال التي يراد لها أن تكون في الأمام.

* كيف توضحون العلاقة بين الشاعر والسياسي؟
- في تجربة الشعر العربي هناك خوف من السياسي أو من الاقتراب من السياسي، مصدر هذا الخوف هو quot;ابتدائيةquot; السياسة في النظام العربي الرسمي، وكونه ملحقاَ هامشياً بالمركز الغربي .هذا من جهة، ومن الجهة الثانية هو اقتراب العمل السياسي العربي في أحسن أحواله من quot;الفتونةquot; وفي حالاته العادية من quot;اللصوصيةquot; وفي أسوأ حالاته من quot; الغاب. فإذا كانت السياسة هي quot;علم إدارة الوقائعquot;، وهي إدارةٌ عمليةٌ للطموح الشعري في تغيير المعاش، فإن السياسة عند العرب هي quot;فن إدارة المسروقاتquot; وquot;ّتجييش النسب المنحطة في التكوين العالمثالثيquot; لقيادة عملية quot;التجهيلquot;حيث ينعدم الوسيط بين المبدع والمتلقي .

* تكررون دائماً عبارة quot; الخطاب الغربي الشرس quot;، هل تقصدون النظام الدولي الجديد؟
- في العام 312 م حلم قسطنطين سيزار ( إمبراطور روما) بالصليب في الظهيرة، وعلى طريقة شاؤول (بولس) آمن بالمسيح، ولكن بطريقة عسكرية. في البدء أعلن حلمه وإيمانه بالمسيح فأدخله إلى الشمس ) الإله الحقيقي للروم )، ثم جعل ال سن داي (sun day)أو يوم الشمس عطلة للمسيحيين، ثم أمر بأن يكون الصليب على دروع المحاربين، لأن المسيح الذي رآه قسطنطين هو مسيح محارب Warier Jesus .ثم أسس بابوية روما، وحين رفض القسيسون المصريون تلك البابوية قام باعتقالهم ونفيهم، وجعل ميلاد المسيح 24 ديسمبر، وهذا اليوم هو يوم عودة الشمس إلى الشروق ...ماذا تبقى من المسيح؟
اليوم نحن أمام روما الجديدة وقسطنطينها الجديد وبابويته المتعددة الجنسيات وخطاب القوة الذي يلغي كل من لا يدخل إلى نادي الطاعة المطلقة. بين القيصرين الأمريكي والروماني امتدت خارطة هذا الخطاب الذي حاولت النزعات الإنسانية في الفلسفة الغربية تحويله عن مساره عبر ماركس والإنسانيين الفرنسيين ثم عبر المعسكر الاشتراكي، كل هذه الجهود فشلت، وخطاب القيصرالأمريكي هو خطاب القوة المطلقة الآن الذي تصنع مختبراته العداوات لتمهد الطريق أمام تجسده. مثال على ذلك الإشكال الكبير المحيط ب 11 سبتمبر، وشكل الإسلام الذي تم اختياره بعناية ليكون هدفاً سهلاً. فإسلام أسامة بن لادن) إن كان له وجود (مزاح عن الجوهر أصلاً، فلا مرجعية واضحة تسانده، إضافة لتاريخه غير الإسلامي (على الأقل مسلكيا)ً. بل إن التحقيقات ذات الطابع المستقل (الأمريكية) والتي أنتجت في فيلم وثائقي بعنوان 911 In Plane Site، ومن إنتاج Power Hourوالذي كتبه Dave Vonkleist وهو مواطن أمريكي كل رأس ماله محطة راديو وأفلام مسجّلة للأحداث، وأخرجه William Lweis ويمكن الحصول عليه عن طريق
www.thepowerhour.com، أوضحت تلك التحقيقات أن الطائرتين اللتين استهدفتا البرجين هما من نوع 767 المحوّرة لخدمة وزارة الدفاع لتموين الطائرات المقاتلة بالوقود في الجو، وهي نوع من الطائرات التي يمكن توجيهها بطريقة آلية .ومما يدل على ذلك عدم وجود نوافذ بها. ومن يشاهد هذا الفيلم، يتقين بكذب ادعاء استهداف البنتاجون بطائرة من طراز 757 عرضها 124 قدماً تمر من فجوة عرضها 65 قدماً. لهذه العملية الإرهابية مدوا أنابيب البترول إلى بحر قزوين .وهاهم يسيطرون على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بالعراق .وفي ذلك تجسيد لهدف القوة والذي يتمثل بالسيطرة على منابع الطاقة.
في تفاصيل هذا الراهن العالمي نحن أمام تجسد الخطاب الغربي الشرس وأمام ثقافات (ومنها العربية) تبدو مهزوزة أمام هول المشروع الغربي . وظهر نوع من الخطاب الإسلامي ( المزاح عن جوهره) وكأن ظهوره جاء ليُعين الخطاب الغربي في التجسد، وذلك من خلال ظهور الحركات المتطرفة المدارة وتعمل في شبكات لا يصعب على المراقب quot;اللبيبquot; على حد قول الكاتب المصري جلال أمين، لا يصعب عليه أن يشك في طبيعتها وأن يعيدها من خلال شكه إلى مصدرها في تفاصيل الخطاب والحركة الغربيين الشرسين .

* الأستاذ غيلان، اتحدت الآراء النيّرة أن ثمة خطر يلوح في العراق، وأن سقوط صدام ليس نهاية مشهد الخراب في العراق، لكن تتعدد تأويلات ذلك الخطر .كيف يمكن قراءة الوضع الحالي في العراق وفي عمقه التواجد الأمريكي الذي يقود جيوشاً صغيرة من شتى دول العالم فضلاً عن أكثر من خمسين فرقة مرتزقة، وتلك الزحمة من الزعامات والأحزاب واللافتات؟
- في البدء نقرأ ما جسّده ويجسده النظام العربي الرسمي وأسوأه نظام البعث في العراق. لقد كان اعتقال الشعب العراقي من قبل النظام / العصابة لم يسبق له مثيل في التاريخين القديم والحديث، بل يعجب المراقب للخمسة وثلاثين عاماً التي حكم البعث فيها العراق، يعجب أن رأى العراقي لا زال يمشي على قدميه. ذلك أن الأعوام الخمسة والثلاثين بتفاصيلها القاسية كان من شأنها أن quot;تقردنquot; الإنسان العراقي. لم يكن أمامنا كعراقيين غير التفتيش عن أي عامل يسقط النظام ويوقف عجلة القردنة. إذا اتجهنا عربيا - وقد اتجهنا -فشلنا، في ذات الوقت الذي ليس لدينا فيه معارضة بالمعنى السياسي كعمل خلّاق في تحقيق التغيير. لدينا معارضة أول صفة مسلكية لقياداتها هي الظهور بمظهر صدام حسين. فكيف إذا علمت أن نصف هذه المعارضة هم أبناء مؤسسة صدام وخرجت لتسطو على الحسابات العراقية في البنوك التي سجلها صدام بأسمائهم حين كانوا معه في شراكة الذبح لأتفه الأسباب .لا يوجد مقابر جماعية بحجم المقابر الجماعية في العراق، تلك التي أوجدها صدام وعصابته، وبعضهم الآن مرشح لرئاسة الوزراء.
جاء الأمريكيون لأننا لم نعثر على عامل حاسم آخر من أجل الخلاص من نظام خبير في ابتكار القسوة؛ بداوة ممزوجة بالبربرية، هذا هو صدام، وهذا هو نظامه. هل استعنتم بالأمريكان؟ نعم استعنا، وبكل وضوح، فالحضارة وضوح. نعم استعنا مع إدراكنا بأن دخول الأمريكان للعراق يخالف قناعاتنا الثقافية التي تحاول فضح شراسة الفكر الغربي، حيث يحمل الأمريكان خطاب القوة مزيحين لغة الثقافة إلى الهامش. فالقوة خطاب يمثل بديلاً عن اللغة؛ حيث تأتي اللغة في سياق القوة.
دخل الأمريكيون بخطاب القوة زائحين لغة الثقافة العراقية إلى الهامش مجدداً وهذا ما نراه في الخارطة العراقية الآن حيث فاض quot;السبتتنكquot; العراقي كما كان يهدد نوري السعيد، فاض بالعمائم التي تشبه أعواد الثقاب، فاض باللصوص الذين ليس لديهم أمام كاميرات التوثيق الأمريكية إلا السير الطائع خلف جارنر وبريمر وزلماي خليل زاده. في هذا المشهد تتكررت مأساة التهميش الثقافي ثانية والتي أثبتت الأيام حقاً تضاعفها حيث أعاد الأمريكيون إنتاج تاريخهم الذي أزاح الثقافي خارج سياج التغيير، حيث صار النفي نصيبنا مرة أخرى، وهذه المرة بمواجهة جراد الخراب وليست عصابة صدام .

* الأستاذ غيلان، تقول أنكم استعنتم بالأمريكان، وأن هذا يخالف قناعاتكم، غير أنه شر لا بد منه، سؤالي: ألم يتوفر لديكم ساعتها برنامجاً لهذا التحالف المقلق؟
- أجيبك بصفتي غيلان، لقد كتبت سلسلة مقالات عنونتها quot;في الطريق إلى بغدادquot; قبيل سقوط النظام، حاولت فيها تطليق ما يسمى بتغيير النظام من الداخل أو اعتماد قرار الأمم المتحدة رقم .688 كان ذلك استنااًًد لتجربتي في انتفاضة 1991، إذ سرعان ما استطاع الشعب من غير قوى سياسية إزاحة النظام عن الغالبية العظمى من المدن، لكن سرعان ما غيّرت الولايات المتحدة ساعتها، فجهزت صدام ونظامه كما هو معروف بالعدة الكاملة لسحق الانتفاضة والمنتفضين. فانزاح الكرد كشعب بكامله إلى الحدود التركية الإيرانية، وأضحى الجنوبيون أسهل الفرائس الجماعية لعجلات النظام الوحشي. فكانت هذه الخارطة خارطة من المقابر الجماعية. من هذه التجربة، خـلُـ ـصت إلى أننا شعب بلا قوى سياسية حقيقية باستثناء القوى الكردية التي شاركت في صيانة شعبها وقيادته إلى الحدود وإعادته إلى الأرض مرة أخرى. من هذه النتيجة ومع التغيير الذي طرأ على الخطاب الأمريكي في معالجة الموضوع العراقي، وجدت نفسي أحد المناصرين والعاملين من أجل إزاحة كل المعوقات التي تقف في وجه مثل هذا التغيير الذي لم أر بديلاً سواه.

* عفواً يا أستاذ غيلان، من وجهة نظركم ما هو التغيير ذو الدلالة الذي طرأ على الخطاب الأمريكي في معالجة الموضوع العراقي؟
- الخطاب الأمريكي الجديد تمحور هذه المرة حول مشروع تغيير النظام ومساعدة العراقيين في إعادة بناء بلادهم ومعاونة القوى العراقية في جمع شملها في مؤتمرين هما لندن وصلاح الدين، ولم يكن الخطاب الأمريكي في 1991 مهتماً في الذي يطرحه بواقع النظام العراقي قدر اهتمامه بتحرير الكويت .عدا عن ذلك، وكما أسلفت، فإن النظام سيبقى إن لم يكن هناك تدخل أمريكي مباشر، ولأننا الوحيدون الذين يدركون قسوة النظام، كانت لي هذه الوجهة التي رأيتها آنذاك الوحيدة القادرة على إزاحة النظام. ورغم ذلك فقد ظلت تساورني الشكوك في طبيعة الرغبة الأمريكية، فكتبت إلى الخارجية الأمريكية وكمثقف عراقي عما نريد .وأوضحت سلبية أي إجراء لحل الجيش العراقي العام، مع التوصية بحل الجيوش الخاصة فقط. وكذا الحال بالنسبة لسلبية حل الشرطة العامة، مع التوصية بحل الأجهزة الأمنية الخاصة فقط .أوضحت في خطابي ذلك أننا شعب في وطن هو وطن الكتابة الأولى، وعليه لا بد من المباشرة بتكوين البرنامج التعليمي الجديد من خلال مليون مثقف عراقي في المنفى. أوضحت أن وطننا ينتج %10 من النفط العالمي، وعليه لا بد لشعبه من التمتع بالضمانين الصحي والاجتماعي أسوة بدول لا تملك معشار ما يملكه كالسويد وفنلندا وغيرهما. أوضحت أنه لا بد من تجهيز البرامج العملية، بمساعدة الدول المتعاونة لإسقاط النظام، لتهيئة ذلك. أوضحت أن النظام quot;الغرائبيquot; في بغداد قد حارب البيئة حيث لجأ لتجفيف الأهوار، وعليه يتوجب العمل الأكاديمي على تهيئة خرائط لإعادة التوازن البيئي لتلك المنطقة. وأوضحت الكثير غيرها. ووثيقة هذا الخطاب تشير إلى إرساله للخارجية الأمريكية قبل سقوط النظام بسنة تقريباً .

* الشاعر غيلان، كما عرفنا أنك قد أصدرت جريدة quot;الرصيف quot;في أربيل قبل انعقاد مؤتمر صلاح الدين، وقلت وقتها أنها لمواكبة أعمال المؤتمر والتبشير بالعراق القادم، وكان شعارها quot;إيقاع الوطن وصوت الحرية والتغيير quot;.سؤالي هو :ما الذي جرى في صلاح الدين؟ وكيف انتهت الأوضاع إلى quot;غرائبيتها quot;الراهنة؟
- جاء مؤتمر صلاح الدين برعاية زلماي خليل زادة وحماية الجيش الأمريكي (هذا المؤتمر الذي سبقته جريدة الرصيف لمواكبة المتغيرات في العراق). في هذا المؤتمر وجهت سؤالين؛ الأول إلى زلماي خليل زاده ونصه: تقولون أنكم تحضرون هذا المؤتمر (مؤتمر لجنة المتابعة والتنسيق (بصفتها) اللجنة) ممثلاً رسمياً للمعارضة العراقية، وتشيرون في مواقع أخرى إلى أنكم أنشأتم تحالفات مع قوى وشخصيات أخرى، ألا يربك هذا المراقب للمستقبل العراقي؟ فكان جوابه فضفاضاً بأنهم يتعاونون مع كل من هو ضد صدام.
وسؤالي الثاني كان موجهاً للمعارضة العراقية وبشكل خاص إلى مام جلال الطالباني والسيد مسعود البارزاني، ونص السؤال :تتحدثون كثيراً عن الديمقراطية، لكنكم مثل صدام، يحيطكم جيش من المرافقين المدججين بالسلاح، كيف يمكن أن يصل المواطن إليكم؟ وكيف سيخترق هذا الجيش؟ فأجاب مام جلال بطريقة مستفـَـزة :أتريد أن يقتلنا صاحبكم؟ وحين نهضت (وهو يعرفني) للرد عليه، قال: آسف... صاحب هي كلمة عربية تستخدم عوضاً عن المشار إليه (صدام).
وعملاً بنيتي الثقافية، ورغم توجسي من المؤتمر، قدمت ورقة عمل quot;برنامجيةquot;سلمتها للعقيد توفيق الياسري الذي سلمها بدوره لسكرتارية المؤتمر، وجاء الرد عليها هذه المرة بطريقة quot;جلاليةquot; عبر السيد غسان العطية قائلاً quot;أسماء اللجان ستنزلquot; في إشارة للجان التي ارتأيت تشكيلها في ورقة العمل لإدارة العراق بعد تداعي النظام.
خلاصة الأمر أن هذا المؤتمر لم يكن مؤتمراً حقيقياً، بل كان مؤتمراً وزع فيه السيد زلماي خليل زاده أوامره إلى المؤتمرين وعاد كل إلى منفاه. فلم تكن هناك وثائق برنامجية لمرحلة ما بعد صدام أو لطرق الإطاحة بالنظام أو لطرق إدارة الفوضى وحماية الأمن. هذا الفراغ هو الذي دفعني إلى كتابة ورقة العمل وتقديمه إلى مؤتمر quot;الفراغquot; هذا.
وفي حوار على الهواء، إبان انعقاد المؤتمر، في تليفزيون كردستان كان ضيوف الحوار السيد أيهم السامرائي والعقيد توفيق الياسري، والسيد مشعان الجبوري، فضلاً عني . وأدار الحوار الصحفي هشام بدران. أوضحت في هذا الحوار quot;هشاشة المؤتمرquot; وquot;غرائبيتهquot; أيضاً. ذلك أن المؤتمرين به لا يدرون تحديداً علام يأتمرون. فلا برامج أتت بها القوى والشخصيات تعالج ما بعد صدام. ولا برامج لإدارة الوضع المرحلي والفوضى المحتملة الناتجة عن سقوط السلطة. كذلك غياب قوتين سياسيتين عراقيتين عن المؤتمر وهما حزب الدعوة والشيوعيين. وفوق كل ذلك، النقطة الحيوية المتمثلة بغياب ممثلين عن الثقافة العراقية. وهنا اعترض السيد مشعان على دعوة المثقفين إلى مؤتمر سياسي. فأوضحت أن أي خطاب سياسي لا يمكن كتابته دون الاستناد لخطاب ثقافي . ثم إن الاعتراض الثقافي على صدام هو سابق على الاعتراض السياسي . فالشيوعيون تحالفوا معه في جبهة في 1973، ومام جلال تحالف معه في العام 1983، والسيد مسعود البارزاني تحالف معه في قتال الأخوة عام 1996، وطلب نجدته للتخلص من الاتحاد الوطني....
توضيحاً، وللمرة الثانية، لقد كان الاعتراض على النظام عام 1968، وهو عام مجيئه، اعتراضاً ثقافيا. أفلا يحق لمن أقيمت على قاعدة اعتراضه كافة الاعتراضات الأخرى، ألا يحق له الاشتراك في صياغة القادم أو صياغة البديل؟ وبالأمس القريب جاء السيد مسعود البارزاني بالسيد مشعان الجبوري في مؤتمر لندن ليفرضه عضواً في لجنة التنسيق والمتابعة. إنها دورة إنتاج المشوّهين. ومن طرائف هذه الندوة أن السيد أيهم السامرائي وجه نداء إلى الشعب يدعوه فيه إلى عدم التعدي على ممتلكات الدولة وأشار إلى القصور الرئاسية منها، حيث دعاها جميعاً ملك للشعب. وحين دخل السيد أيهم العراق، استحوذ على الكهرباء معيداً الناس للعصور المظلمة، ومؤتمر عمان للمناقصة على كهرباء العراق خير شاهد على ذلك .أما السيد الجبورى فلم يزل مستمراً في التجارة. والاثنان (السيد أيهم والسيد مشعان) عضوان في تأسيس الجمعية الوطنية العراقية، التي لو عرف مؤسسو الجمعية الوطنية الفرنسية بهما لانتحروا في قبورهم كمدًا.
هذا يا صاحبي مجتزأ بسيط من تضاريس رحلة تغيير النظام التي أردنا لها أن تكون مشروع تناغم، فلا تغيير من دونه. والحرية ليست منتوجاً أمريكياً يملاً أسواق الجياع فيهبون إليها .الحرية فعل تناغم إنساني، يجهز الفرد والجماعات بالطاقة اللازمة للتغيير من أجل الأفضل. ولذلك لا يمكنك تغيير شعب غير متناغم، إنك تساعده على التناغم حتى يتحرر، ويتحرر حتى يتغير.

العدد الأول من جريدة الرصيف بتاريخ 30 يناير 2003، والتي أصدرها الشاعر غيلان في أربيل

يتبع