حوار مع د. عبد الهادي مصباح أستاذ المناعة والتحاليل الطبية وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة (2/2)

انقر هنا لقراءةالحلقة الأولى

*هل يمكن أن تشرح لنا هذه النظرية..
-من خلال انبعاث تلك الموجات الكهرومغناطيسية تحدث عملية الإرسال والاستقبال، والتجاذب والتنافر بين البشر، وذلك من خلال الطول الموجي wave length لكل منهم، بناءاً على ما يحملونه بداخلهم من أفكار ومعتقدات وردود أفعال وأولويات فكرية وإيمانية، سواء كانت سلبية أم إيجابية، وعندما يلتقي الطول الموجي لشخص ما مع آخر، يحدث تجاذب بينهما، ويكون ذلك دلالة على أن أولويات فكرهما، وما يحملان من محصلة ما بداخلهما من أفكار ومعتقدات تكون متقاربة إلى حد كبير، والعكس صحيح.

*قدم لنا مثالاً من واقع الحياة لنفهم النظرية أكثر..
- مثل إرسال واستقبال موجات الإذاعة والتليفزيون والدش، فعندما تنسجم رغباتك مع ما يقدمه برنامج على إذاعة البرنامج العام مثلا، فإنك تضبط مؤشر الراديو على الطول الموجي لهذه الإذاعة، فتسمعها بوضوح، ولا تسمع سواها في تلك اللحظة، على الرغم من أن هناك مئات الإذاعات التي تبث إرسالها في نفس الوقت، ولكنك لا تستقبلها لأنها ليست على نفس الموجة التي اخترتها، والتي تتناسب مع ما تريد أن تسمعه، تماماً مثلما تنجذب إلى شخص معين وسط جمهرة من الناس، ولا تشعر بوجود أحد غيره، وتشعر بارتياح لقربك منه، وهناك تجربة عملية يمكن أن تقرب ذلك إلى الأذهان، فلو أن لديك اثنين بيانو في حجرة واحدة كبيرة، وبدأ أحد العازفين يلعب نغمات موسيقية معينة على أحدهما، فإن خيوط أوتار البيانو الآخر سوف تهتز على نفس تردد نغمات النوتة التي تعزف على البيانو الأول.

*أجريت العديد من الدراسات لمحاولة فهم أسباب السعادة التي تختلف من شخص لاخر ومن شعب لاخر ومن فئة لاخرى، هل هناك مفاتيح للسعادة بناء على الابحاث التي أجريتها، هل هناك أمور يمكن أن تجعل السعادة مستمرة؟
- لا شك أن تعريف كل منا لمعنى السعادة يختلف من إنسان إلى آخر، فالسعادة شيء نسبي، وما يسعدني أنا ربما يكون شيئاً عادياً بالنسبة للآخرين، وربما لا يسعدهم على الإطلاق، ولو سألت مائة شخص سؤالا واحداً.. ما الذي يجعلك سعيداً ؟ لحصلت على إجابات مختلفة عديدة حسب أولويات كل فرد ومقياسه ومفهومه عن السعادة....هذا الموضوع يهم كل الناس، والحقيقة ليس هناك سعادة مطلقة بنسبة 100 %، فأكثر الناس سعادة قد تنتابهم فترات من الحزن والقلق وربما الاكتئاب، وهنا يبرز دور الإيمان الذي يعيدهم مرة أخرى إلى مرحلة الرضا التي تدخل عليهم السعادة مرة أخرى برغم ما يواجهونه من مصاعب في الحياة، ففي إعتقادي الشخصي أن الإيمان والقناعة والحب تعد أهم مفاتيح السعادة في الإنسان، فالله سبحانه وتعالى هو الذي وضع القاعدة quot;لقد خلقنا الإنسان في كبدquot; في تعب ومشقة، وكثير مما نواجهه في حياتنا اليومية من جهد وعناء سواء في مجال عملنا أو تربية أطفالنا، أو سعينا وراء الرزق أو غيره، إنما يتخلله فترات من المشقة واليأس والتعب والإحباط، ولكننا نكمله لأننا نحب ما نفعله ونؤمن به، فأبناؤنا الذين يرهقوننا بتصرفاتهم الجانحة أحياناً لا نستطيع أن نتركهم أو نتخلى عنهم، ولكننا نصبر عليهم ونقومهم حتى نعبر بهم إلى بر الأمان، فيصبح هذا التعب هو مصدر السعادة حين نراهم قد أكملوا الرسالة على أكمل وجه، وانا أجد معنى السعادة في الحديث القدسي الشريف quot;يا بن آدم.. عندك ما يكفيك .. وتطلب ما يطغيك .. لا أنت بقليل تقنع .. ولا من كثير تشبع .. إذا أصبحت معافى في بدنك .. آمنا في سربك .. وعندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاءquot;.

* هل خرجت هذه الابحاث بنتائج محددة؟
- هناك أبحاث أثبتت بعض العوامل في إطار البحث عن مفاتيح السعادة بأخذ متغير واحد، على سبيل المثال في الأبحاث التي أجراها quot;إدوارد دانيرquot; أستاذ علم النفس بجامعة quot;إلينويquot; الأمريكية على مدى عشرين عاماً، وتناول فيها الثروة مثلاً كمفتاح للسعادة تبين أن الذين يملكون المال والثروة غير سعداء أكثر من غيرهم من الذين لا يملكونها، وأن المال بعد أن يفي باحتياجات الإنسان الأساسية ـ التي هي أيضاً نسبية من شخص إلى آخر ـ ليس له دور في إدخال السعادة والبهجة على الإنسان، إذن ربما يكون التعليم ؟ كلا .. فكثير من العلماء والجهابذة في تخصصاتهم المختلفة يعانون من الإحباط والاكتئاب، حتى بعض أولئك الذين حصلوا على جوائز عالمية مثل نوبل، أما عن الشباب والحيوية، فقد أثبتت الدراسات التي قام بها quot;دانيرquot; أن متوسط عدد الأيام التي ينتاب الأشخاص الطبيعيين في سن 20 -24 عاماً خلالها الحزن والاكتئاب تبلغ 3.4 يوماً في الشهر، بينما تبلغ هذه النسبة في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 65 ـ 74 عاماً 2.3 يوماً في الشهر فقط، أي أنهم أقل حزناً واكتئاباً من الشباب القلق والمتوتر دائماً، وعندما انتقل quot;دانيرquot; للبحث عن تأثير الإيمان والتدين على إضفاء السعادة على الإنسان تبين أن هذا العامل هو من أقوى العوامل تأثيراً على صحة الإنسان النفسية وسعادته الداخلية، بالإضافة إلى عنصر الصداقة والعلاقات العائلية والاجتماعية السوية.

*ولكن نريد لو مفتاح أو مفتاحين للسعادة توصلت لهم هذه الابحاث..
- إعتراف الانسان بالجميل وبالفضل لمن يدين لهم بذلك، والاستمتاع بنعمة العطاء سواء من خلال المشاعر أو المال أو العلم، وأن زيارة واحدة لملجأ الأيتام أو لدور المسنين، أو لصديق في إحتياج للزيارة، أو مريض في لحظة ضعف، يمكن أن تحميك من الاكتئاب لمدة ثلاثة شهور، وتدخل على نفسك السعادة والسرور، وبالطبع وقبل كل هذا إرضاء الوالدين وصلة الرحم، فالعطاء يجعل لوجودك معنى بالنسبة للآخرين.

*كيف ترى نسبة السعادة لدينا كعرب؟ ما الفرق بيننا وبين الغرب في هذا الأمر؟
- نحن يا سيدتي لم نتعلم كيف نعمل بجد، ولا حتى كيف نلهو بجد، ولا نحسن أي شئ نقوم به سواء في العمل أو في اللعب أو حتى في ممارسة الشعائر والعبادات، فنحن نأخذ كل شئ من الظاهر ومن أجل الشكل فقط وليس من خلال فهم الجوهر، ولا نعمل كما أمرنا الحديث الشريف quot;إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنهquot;، وبالتالي فنحن لا نجيد إسعاد أنفسنا ولا من حولنا، ونميل بطبعنا إلى الكآبة والشجن، وإذا حدث لنا شئ مفرح يدخل علينا السرور لا نعيش هذه اللحظة ونخشى ما بعدها ونقول quot;اللهم اجعله خيرquot;، وهذا هو الفرق الجوهري بيننا وبين الغرب.

*هل تلعب الجينات دوراً في الاحساس بالسعادة؟
- لا شك أن للجينات تأثير في إصابة بعض الناس في بعض العائلات ببعض التغيرات النفسية والمرضية مثل الاكتئاب العقلي والفصام وغيرها، إلا أنه في الحالات العادية كما ورد في البحث الذي قام به quot;ديفيد ليكينquot; في جامعة quot;منيسوتاquot; وقام فيه بدراسة 4000 حالة من التوائم بعضهم متطابق والآخر غير متطابق على مدى عشر سنوات، وخرج منها بنتائج تشير إلى أن الجينات لا شك أنها تلعب دوراً هاماً في تكوين الشخصية نفسها وإقبالها على الحياة، وكيفية تعاملها مع القلق والتوتر، وأن الظروف المحيطة بالإنسان سواء الخاصة بالدخل أو الزواج أو الدين أو التعليم، كلها لا تتجاوز 8 % من أسباب شعور الإنسان بالسعادة، فالسعادة إحساس داخلي ينبع من داخل الفرد، ودلل على ذلك بأن هناك أشخاص لا تتخلى عنهم البسمة حتى في أحلك الظروف، مثل الطفل الذي صورته وكالات الأنباء وهو يبتسم إثر عودته لمدرسته بعد إعصار quot;تسوناميquot;، وكذلك من خلال الدراسة التي أجريت على الأشخاص الذين فازوا بجوائز اليانصيب الكبرى عام 1978، والتي أثبتت أنهم لم يصبحوا أكثر سعادة عن ذي قبل، وعن غيرهم من الذين لم يربحوا على الإطلاق، وفي دراسة أخرى على الأشخاص الذين فقدوا أحد أطرافهم في حادث تبين أن هؤلاء الأشخاص يكونون في قمة الحزن والغضب بعد أسبوع واحد من الحادث، ولكن الذي لديه القدرة على التكيف والرضا يعود إلى حالته النفسية الطبيعية، وربما أكثر هدوءاً وسعادة في فترة لا تتجاوز ثمانية أسابيع وقد أشار quot;دانيرquot; في إحدى دراساته إلى أن أهم حدثين يؤثران على سعادة الإنسان لفترة طويلة قد تصل إلى سنوات هما ....فقد شريك الحياة وفقد الوظيفة التي تؤثر على المستقبل.

* ذكرت في كتابك العبقرية والذكاء والابداع أن من الخصائص المميزة للعباقرة أنهم يعرفون كيف يفكرون وليس فقط إنهم يعرفون فيم يفكرون، ما هي العوامل البيولوجية التي تساعد على تعزيز هذه الخاصية؟ وهل هناك عوامل حياتية تعززها؟
- الحقيقة أن العبقرية لا يمكن أن تعبر عن نفسها إلا في وجود النشأة وتتمثل في الجينات والموهبة والبيئة المناسبة التي ترعى هذه الموهبة، وتكتشفها مبكراً وتوجهها بالشكل الأمثل لكي تنمو وتزدهر وتكبر، والنجاح في الحياة يتطلب ذكاءات متعددة ومتنوعة، وينتهي إلى أن أهم إنجاز أو إسهام يمكن أن يقدمه التعليم من أجل تنمية الأطفال، هو توجيههم نحو المجالات التي تتناسب مع أوجه التميز الموجودة لديهم، حيث يتحقق لهم آنذاك الرضا عما يفعلون، والامتياز والكفاءة لما ينتجون، وذلك بدلاً من الأسلوب العقيم الذي يعتمد على جانب واحد من التقييم، يتم من خلاله تقسيم الطلاب إلى أفضل وأقل ذكاء، فالاهتمام باكتشاف أوجه الكفاءة والموهبة الطبيعية لديهم يمكننا من تنميتها والاستفادة منه.

*تقول في كتابك quot;الحب والضحك والمناعة وانفلونزا الطيورquot; إن تقبيل الحجر الاسود في الحج قد ينقل عدوى انفلونزا الطيور، هل يمكن توضيح ذلك أكثر.
- في الحقيقة إن فيروس إنفلونزا الطيور لا تنتقل عدواه حتى الآن من شخص إلى آخر، ولكنها تنتقل من الطيور التي أصيبت بالعدوى إلى الإنسان، وعندما تحدثت عن مسألة تقبيل الحجر الأسود فإنني أتكلم عما يمكن أن يحدث في المستقبل، فإصابة الإنسان بفيروس الإنفلونزا البشري قد يصاحبه في نفس الوقت التقاطه لعدوى فيروس إنفلونزا الطيور، مما يمكنه من استخدام جينات الفيروس البشري من أجل أن يتحور ويتمكن من نقل العدوى من إنسان إلى آخر، خاصة وأن الفيروس أصبح متوطناً في بعض دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وفيتنام وغيرها من البلاد التي يذهب مسلموها لأداء العمرة والحج، وفي هذه الحالة يمكن أن يحدث وباء عالمي يحصد عشرات الملايين كما حدث عام 1918.

*ما هو الجديد من حيث العلاج أو الاكتشافات بما يخص انفلونزا الطيور؟
- في الحقيقة على المستوى العالمي هناك أكثر من لقاح يستخدم لوقاية الطيور من سلالة الفيروس الشرسة H5N1، ولكنها قد تسبب في بعض الأحيان إصابة الطيور بالمرض نفسه إذا تناولت اللقاح الذي يحتوي على الفيروس الحي المضعف، وتستخدم هذه اللقاحات لتطعيم الطيور في مصر، وفي الصين، وفي دول أخرى، وهناك دول تخشى استخدامها خوفاً من نشر العدوى بين الطيور، أما عن العلاج فعلى الرغم من وجود عدة أدوية قديمة مضادة لفيروس الإنفلونزا مثل أمانتادين، ريمانتادين، إلا أن السلالة الشرسة من فيروس إنفلونزا الطيور مقاومة لكليهما، لذا فإن الاختيار الوحيد يكون بين دواءين من الأدوية الجديدة المضادة لفيروس الإنفلونزا مثل أوسيلتاميفير quot;تاميفلوquot; وهو على شكل أقراص، وكذلك زاناميفير quot;ريلينزاquot; وهو على شكل بخاخة، ولا ينبغي أن نتناول أياً من هذه الأدوية إلا إذا تعرض الشخص لإحدى مسببات العدوى مثل التعرض للتعامل مع طيور مصابة وذلك في أول 24-48 ساعة، وحتى الآن لا يوجد لقاح واقي يمكن للإنسان أن يتناوله للوقاية من السلالة الشرسة من إنفلونزا الطيور.

*ما هو موقع مصر عالمياً من نسبة إنتشار إنفلونزا الطيور؟
- لا أخفي عليك أنني قلق من إحتمالية إنتشار عدوى إنفلونزا الطيور خلال موسم الشتاء القادم وتحولها إلى عدوى متوطنة، نظراً لأن سلوك الناس لم يتغير من حيث التعامل مع الطيور الحية وتربيتها وذبحها في المنازل، مصر الآن تعد خامس دولة على مستوى العالم في انتقال العدوى من الطيور إلى البشر بعد فيتنام (93 إصابة توفي منهم 42)، إندونيسيا (74 إصابة توفي منهم 56)، (تايلاند 25 إصابة توفي منهم 17)، الصين( 21 إصابة توفي منهم 14)، ثم مصر ( 15 إصابة توفي منهم 7) وذلك حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في 14-11-2006، مع ملاحظة أن هذه الدول انتشرت فيها العدوى قبل مصر بسنوات.

*ما هو الجديد لديك من أبحاث أو كتب؟
- كتاب في quot;سلسلة الجينات والسلوكياتquot; التي تصدر عن الدار المصرية اللبنانية يتحدث عن الشذوذ والمثلية الجنسية والعدوانية والإجرام، وكذلك كتاب آخر عن quot;الطب البديلquot;.

[email protected]