حوار مع حميد برادة

أجرى الحوار أحمد نجيم: يتحدث حميد برادة، أحد قيدومي الصحافة المغربية، عن الانزلاقات التي تعيشها الصحافة المغربية خلال هذه الفترة، ويذهب إلى التأكيد على أن الصحافة زاغت عن الطريق وبدأت تلعب دورا ليس من اختصاصها وهو ممارسة السياسة. كما يناقش دور السلطة المغربية في هذه التحولات، مشددا على أن الجميع في المغرب يتعلم العيش بحرية.


* قلت في مداخلة لك حول الإعلام بالمعرض الدولي للكتاب أننا في المغرب نتعلم العيش بحرية؟
- ما وددت أن أقوله هو أن المغاربة لم يسبق لهم أن كانوا أحرارا بصفة عامة، طيلة تاريخنا. حرية الصحافة حاليا معطى ملموس، يكفي أن تتصفح الصحف المغربية للوقوف على مدى هذه الحرية. إنني غير مقتنع بالرأي القائل وسط الصحافة إننا نتعلم الحرية.

* لماذا لستم مقتنعون؟
- لأنه إذا كنا في الطريق الخطأ، بعد أن نترك الطريق السيار، فهذا الاختيار يودي حتما إلى حوادث سير كثيرة.

* وهذا ما نعيشه حاليا في الصحافة؟
- نعم. يجب أن أكون أكثر دقة، إنني أتحدث عن الصحافة من الداخل. إنني أتحدث عن الصحافة من الداخل، فأنا أتحدث عن عائلتي عن نفسي كصحافي. وما أريد أن أوضحه هو لماذا نسير في الطريق الخطأ وضد التيار. من خلال ما تنشره الصحف المغربية، أننا لا نقوم بالصحافة. فهذه الأخيرة مختلفة عن السياسة رغم الشبه بينهما. الصحافي ليس رجل سياسة. فللسياسي مسؤوليات يتبوؤها عبر صناديق الاقتراع أو تعيينات، فليس لأن الصحافي يحتك بطبيعة عمله، يعتبر نفسه سياسيا. ما أؤاخذ عليه بعض الصحف المغربية هو أنها تقوم بالسياسة وتعتقد أنها أكثر شرعية من السلطة.

* من أين جاء هذا الخلط؟
- منذ وفاة الحسن الثاني فتحنا الأبواب، وهذه الصحافة الجديدة التي تكسب أموالا وأصبح لها تأثير، انتقلت إلى أسلوب خاص في العمل، تطلب من الملك ما يجب أن يقوم به ومن الوزير ما يجب عليه عمله. لنأخذ مثالا عما حدث قبل 16 مايو الإرهابية، لقد صدمت كثيرا من تلك الحملة الإعلامية لبعض الصحف التي تقول إن المخابرات المغربية تضخم موضوع التهديدات الموجهة إلى المغرب، ومنها قضية quot;الخلية النائمةquot;، التقيت مسؤولا عن هذه الصحف وأخبرته بأنه كان يمكن أن يتأكد من صحة التهديدات وخطأ ما ينشره بقراءة الصحف الأميركية، فأجابني: quot;اتصلت بالمدير العام للأمن الوطني طيلة أسبوع، ورفض الرد علي، فكتبت ما أريده أناquot; أخبرته quot;هذا غير معقولquot;، فرد quot;إنه مجبر أن يجيبنيquot; هذه هي العقلية السائدة عند هذه الفئة.
في اعتقادي إنهم يتصورون امتلاكهم لسلطة، بل سلطة مطلقة أعلى من السلطة نفسها. هناك صحافة عليا تعتقد أنها فوق كل شيء، لا تحترم أية قواعد، تبتز أصحاب رؤوس الأموال، لقد أخبرني مدير بنك أن مسؤول صحيفة اتصل به للحصول على إعلان لجريدته لمدة 15 يوما، فلما رفض المدير لقاءه شنت الجريدة حملة عليه. على المستوى السياسي، تعتقد صحف أنها تحل محل السياسي. وتعيش ظاهرة جديدة، فالصحف تكتب ما تشاء وتطالب من الأحزاب أن تعلق على ذلك، كما حدث مع تعديل الدستور، إنها مبادرة الصحف لا الأحزاب. بينما المشكلة الحالية هو تطبيق الدستور أولا. هذه العلاقة بين الصحافة والسلطة تبدو مشبوهة.

* وما دور السلطة في كل هذا؟
- السلطة حتى هي سيئة في التعامل مع الصحافة. في عهد الحسن الثاني كان هو من يقوم بالتواصل، وكان مولاي أحمد العلوي وإدريس البصري يؤطران هذا التواصل. المغاربة كانوا يعرفون فيم يفكرون، كان الملك يعقد ندوات صحافية ويدلي بحوارات...منذ وفاة الحسن الثاني أصبحت السلطة صامتة، لا تتواصل إلا عبر خطابات محدودة، هذا جعل الصحافة تحتل المواقع. في أوربا وأميركا، الصحافة الجيدة تقضي على الصحافة السيئة. في المغرب العكس، الصحافة الجيدة نادرة. عندما تقرأ الصحف المغربية تحس أن رأسك مملوءة بأخبار خاطئة، الأخبار الحقيقية لا تصل إليها إلا إذا كنت صحافيا تتحرى المعلومة قبل نشرها. هذا يجعل من الصعوبة معرفة ما يحدث في المغرب.

* في أي سياق نضع المحاكمات التي تتعرض عليها بعض الصحف حاليا؟
- لقد قبلوا بتجاوزات ونشر أخبار مزيفة لمدة سنوات، ليقرروا في لحظة أن يضربوا بقوة وبطريقة غير متوازنة.

* ما الذي تفتقده الصحف المغربية؟
- عندما تلاحظ جريدة quot;الأحداث المغربيةquot; تجد أن هناك محاولة من صحافييها للبحث عن الخبر، ثم هناك قدرة على التمييز بين الخبر والتعليق، عكس صحف الأخرى. quot;تيل كيلquot; محترمة، لكن فيما يخص بالأخبار ينشرون أخبارا غير متأكد من صحتها. إنها صحيفة جيدة ب50 في المائة. في أحد الأيام نشرت أنني أضحيت مديرا للقناة الثانية quot;دوزيمquot;، مرت ثلاثة أشهر والتقيت مديرها أحمد بنشمسي، قال لي quot;هل أصبحت مديرا للقناةquot; أجبته quot;نعم لقد عينتني، لكنك لم تنشر متى سأبدأquot;. لم يزعجه الأمر.

* هذا ما فسرته بكون البعض لا يتحرى الخبر كي لا يعرف أنه خاطئ؟
- نعم هناك صحافيون لا يتحرون عن الخبر تفاديا لصحته، هذا يدخل في سياق quot;الحيلةquot;، هناك فئة أخرى عندهم نية مسبقة كي يؤلموا الناس.

* كيف نخرج من هذه الوضعية في المغرب؟
- إنني متشائم نوعا ما. إذا تتبعنا نماذج أخرى نجد أن أخلاقيات المهنة مرتبطة بالقمع. وهذا ما يؤسس لأخلاقيات المهنة، لا أعتقد أن الأمور يمكن أن تنتظم من تلقاء نفسها. من الصعب حدوث تغيير في الوضع الحالي، فالصحافيون متضامنون ويتفادون انتقاد بعضهم البعض.

* هل هذا الوضع جعلك لا تفكر في مشروع إعلامي في المغرب؟
- إنني صحافي لا مدير قادر على تسيير مؤسسة، كنت بصدد مشروع مع quot;ليكسبريسquot;، أنجز جزءا من المشروع لا كله. كما أنني فكرت في لحظة من اللحظات في مشروع، كانت فكرة مع بنشمسي.

* تعمل في التلفزيون كيف تلقيت خبر دمج القناتين وإسناد إدراتهما إلى مسؤول واحد؟
- بصراحة لم أتابع الموضوع، لا أريد أن أتحدث بكلام عام.

* كان هناك نقاش كبير حول الكاريكاتور، ما موقفه من هذا النقاش؟
- إنني موزع بين أفكار. إن الدنماركيين قاموا بنشر تلك الرسوم الكاريكاتيرية وهم غير مبالين لردة فعل المسلمين، أعتقد أنهم أرادوا التأكيد على أن لا وجود لحد لحرية التعبير. فدينهم هو الحرية، لكنهم لم يفكروا أبدا في دين الآخر. هنا نحن نعيش صدمة بين حضارتين، كل واحدة تفكر بطريقة. عند المسلمين الله لم يمت، إنه جزء من الحياة اليومية لكل واحد من المسلمين، لا أحد يقترب منه. هناك عند الغرب لا أحد يقترب من حرية التعبير. الدين هو الحياة الخاصة وحرية التعبير. ليس لنا دين واحد إذن. الدنماركيون لم يفهموا ذلك، خاصة بعد رفض الوزير الأول استقبال سفراء من دول إسلامية، ما صدمني هو أن الدنماركيين لم يهتموا بالمسلمين كأناس لهم عقيدة، بل كمستهلكين. فعلى الصفحة الأولى لجريدة quot;الشرق الأوسطquot; شركة quot;نيسليquot; تقول نحن سويسريون ولسنا دانماركيين، ثم تضمنت الجريدة نفسها تقدم اعتذارا لكل المسلمين. هذا فيما يخص الجانب الدنماركي، فيما يخص المسلمين. تلك الرسوم كانت نقطة أضيفت إلى نقط أخرى quot;العراقquot; وquot;فلسطينquot;، فكان الإحساس بquot;الحكرةquot; كما يقول الجزائريين. طبعا هناك استغلال من البعض كسوريا للحدث، وهذا يدخل في الحرب الصالحة.

* هل يمكن أن نرسم كاريكاتورا للرسول؟
- إنني مجبر على احترام الآخر وتفادي إحراج الآخر.
[email protected]