حوار مع الإعلامي الدكتور عبد الهادي التميمي

حاورته أميرة القحطاني: الدكتور عبد الهادي التميمي الإعلامي والكاتب جمعني به لقاء كان ولازال يقطر ألماً، بكى العراق الذي أصبح جثة هامدة بعد تكالب العرب والعجم عليه وبكى سيدة العراق الثكلى، اتهم الأكراد بوقوفهم خلف قتل العراقيين وقال إن الحكومة الحالية والقادمة غير منتخبة وستخرج بخروج المحتل كما اتهم العرب بالتواطؤ مع الغرب وقال إن الآفة الكبرى في العراق هي quot; إيران quot;. يرى أن الكتّاب العرب لا يملكون الشجاعة الكافية للتراجع عن انزلاقهم خلف أميركا.ألف كتاباً خطيرا جدا وضع به أسرارا وأسماء كبيرة خليجية وعربية، وقال عن المرأة أنها ظالمة من الطراز الأول.

*لنبدأ من إيلاف كيف بدأت بها ولماذا لم تعد موجود الآن؟
- كانت البداية باتصال هاتفي من الكاتب والصحفي المهني البارز المرحوم محمود عطالله منتصف عام 2003 عندما وجهت ايلاف دعوة لصحفيين عرب للانضمام الى فريقها لانطلاقة الكترونية جديدة. نشرت لي فيها الكثير من المقالات والتقارير حتى فبراير شباط 2004 عندما انتقلت للعمل مع قناة الجزيرة الفضائية في قطر بمنصب quot;صحفي أولquot;. هناك سببان للشق الثاني من السؤال : ان عددا من كتاب إيلاف وتقاريرها أحادية الجانب والنظرة وربما البعض منها لا يتسم بالموضوعية , وانما تحريضية وغير دقيقة , وخصوصا في الشأن العراقي. تلك الحقيقة تنفر الصحفي المهني الحيادي أما السبب الاخر فهو لدى ايلاف.

* كنت في البي بي سي لثلاثة عشر عاما, في مسؤوليات متنوعة بينها مخرجا ومقدما للبرامج ورئيس تحرير مناوب , ثم انتقلت الى الجزيرة صحفيا أول , وبعد ذلك عدت الى بريطانيا وقدمت حوارات على قناة المستقلة والآن مع سي بي سي التلفزيونية. أنا بحاجة الى سماع حديث مطول عن هذه الرحلات الاذاعية التلفزيونية وأود معرفة تركك للجزيرة وقطر إن أمكن ذلك.
- كنت مفتونا بسماع اذاعة لندن (هيئة الاذاعة البريطانية) وخصوصا البرامج الثقافية وتعليم اللغة الانكليزية منذ أن كنت طالبا في المدرسة المتوسطة على ضفاف الفرات قريبا من مدينة كربلاء المقدسة بالعراق. كان رجال الحي يلتفون مساء في مسكن والدي حول مذياع خشبي كبير ينصتون الى أخبار العالم والعرب, وكتبت الى الاذاعة طالبا شريط تعليم الانكليزية, ففوجئت, كما فوجئ, معلمو المدرسة وأهل الحي, بأنني أستلم ردا ونسخة من شريط ونسخة من مجلة quot;هنا لندنquot; التي كانت تصدرها الاذاعة. ولكنني لم أفكر أبدا في الانضمام اليها رغم أنني عملت, حال تخرجي من جامعة بغداد باختصاص الادب الانكليزي, في الاعلام وبدأت الكتابة الخارجية في عدد من الصحف العراقية, وبعدها أصبحت مراسلا لعدد من وسائل الاعلام العربية والاجنبية بينها وكالة أنباء رويترز, التي غطيت لها السنوات الاخيرة من الحرب العراقية الايرانية, وصحيفة الاتحاد الظبيانية و وكالة الانباء المغربية وصحيفة وتلفزيون أساهي شمبون اليابانية, اضافة الى اذاعة لندن بعد أن ترك العمل معها الاستاذ والاديب محيي الدين اسماعيل. جئت الى العاصمة البريطانية عام 1989 لاكمال الدراسات العليا والحصول على شهادة الدكتوراة من جامعة لندن غير أن الزميل سامي حداد, الذي كان رئيسا للقسم السياسي في الاذاعة, والذي يقدم حاليا برنامج أكثر من رأي في قناة الجزيرة, والزميل حسن معوض, الصحفي والاذاعي القدير الذي كان كبير المخرجين, ويرأس الآن إذاعة إم بي سي ويقدم برنامجا رائعا على قناة العربية, اتصلا بي, في بداية 1990, وطلبا مني الانضمام الى فريق الاذاعة الذي كان فيه عمالقة اعلام وصحافة واذاعة مثل المرحوم ماجد سرحان وهاني العربي ومديحة المدفعي. وكرت سنوات العمل والعمر ثلاث عشر مرة حتى عام 2003. هيئة الاذاعة البريطانية مدرسة صحفية واعلامية واذاعية عريقة ينهل المرء من سياقاتها مهنة رائدة ممتازة وتصقل الانسان وفق مبادئ متميزة وفعالة ومحترفة.
في نهاية 2003 استدعتني ادارة قناة الجزيرة الى قطر للمقابلة والانضمام اليها وبدأت العمل مع القناة وهي التجربة الاولى مع الاعلام العربي في بلد عربي غير العراق. وجدت في الجزيرة زملاء مهنيين ممتازين من دول عربية مختلفة. وهناك كنت أتساءل مع نفسي وبعض الزملاء: الا تستطيع دول الزملاء أن تحقق اعلاما متميزا فيها فتنتشر الحرفية المهنية والتميز على عموم الوطن العربي والاسلامي؟ الجواب دائما: سياسي-مالي.

* هل أضاف العمل في الجزيرة تطويرا للمهنة الاعلامية الصحفية؟ هل من أحداث باقية للذكرى؟
- اكتسبت فائدة كبيرة من عملي مع الجزيرة كصحفي أول وحظيت بكرم أخلاق زملائي الذين كان بعضهم يعمل معي في هيئة الاذاعة البريطانية. باستثناء العمل المهني المحترف, فقد اطلعت على قصص عجيبة غريبة هناك تصلح للروايات الخيالية. كان رواة القصص أصحابها وصاحباتها وأنا مؤتمن عليها انسانيا ومهنيا وأخلاقيا.
قدمت استقالتي من قناة الجزيرة في يونيو حزيران 2004. كنت حزينا على فراق زملائي وزميلاتي , ولكنني اضطررت, لأسباب قاهرة انسانيا وعاطفيا وعائليا, للعودة لبريطانيا, كي أكون قريبا ممن كانوا بحاجة الي , فلم أستطع أن أخون نفسي.

*لماذا خرج التميمي من العراق؟ وكيف يعيش الآن؟ وأين سيستقر؟
- للدراسة العليا بعد سنوات من الحرب التي اكتسحت نيرانها بيوت العراقيين. أستقر في العاصمة البريطانية, وفي كل لحظة أشهق حسرة ولهفة الى أهلي ووطني الذي كان.

* أنت تكتب في الشرق القطرية والوطن السعودية الى جانب بعض الصحف الاخرى، ما مدى الحرية الممنوحة لك في الصحف العربية؟
- ان هامش الحرية نسبي ويتبع مزاج مسؤول الصفحة أو مدير التحرير في أغلب الاحيان, الذين يخشون من تشابك التعليمات السياسية والامنية وضبابية المواقف فيضطرون الى حذف بعض الكلمات والجمل والافكار أو عدم نشر المقال. حصل ذلك في الشرق القطرية وفي الوطن السعودية وفي الغد الاردنية وفي غيرها كثير. أكشف لك سرا: بعض الاحيان لا تنشر صحيفة ما مقالي , فأرسله الى الاخرى فتنشره دون حذف بينما تحذف الثالثة منه. ألتمس دائما العذر للزملاء ولرجال الامن المراقبين وليست لدي شكوى ضدهم فهم أحرار في صحفهم وفي وطنهم وبالتأكيد هم أقدر مني على فهم أوضاعهم حيث لا أنتظر من أحدهم أن يطبق التقاليد الصحفية والاعلامية البريطانية في مجتمع ونظام حكم مختلف. لكل شعب وحكم واعلام خصوصيته التي ينبغي احترامها وان اختلفنا معها.

*بما انك تعيش في الغرب وتحديدا في بريطانيا وتمارس مهنه الإعلام هل وجدت لديهم الحرية التي نسمع عنها نحن العرب هنا في الوطن العربي؟
- لا توجد حرية بمفهوم غياب الرقابة والتعليمات والارشادات. ولكنها حرية مهنية محترفة وفق ضوابط واعتبارات لا تدخل فيها التوجيهات والمواقف السياسية الفردية. كل ذلك قبل غزو العراق واحتلاله. أعطيك مثالا بليغا : لم يراقب أي شخص أو يحذف أو يعدل أيا من تقاريري أو مقابلاتي أو برامجي وفق أي محظورات طوال عملي في هيئة الاذاعة البريطانية (البي بي سي). هناك تدريب مهني وتثقيف بالارشادات المهنية, وبعدها لن يتدخل أحد الا اذا خالف الصحفي تلك الضوابط والتعليمات وهي تعليمات تنشد الحيادية والمهنية وعدم الانحياز مع توصية التعامل بحساسية وحرص مع قضايا الاقليات الدينية والفكرية والاجتماعية. لا يسمح بالرأي السياسي الذي قد يشتم منه انحيازا.
لكن الحملة الاميركية البريطانية لغزو العراق واحتلاله على أسس أصبح الان معروفا انها كانت مزيفة وتضليلية, كشف المستور وظهر للعلن حجم الرقابة العسكرية والسياسية التي تقمع الصحفي في الاعلام الغربي. لم يسمح لاي صحفي بتغطية الحرب, مثلا, مع القوت الاميركية او البريطانية الا بعد التوقيع على تعهد بعرض تقريره على الرقابة واجازته. كما انه لم يسمح بنشر أية أخبار أو تقارير جعلوها تحت طائلة القانون والعقاب. يضاف الى ذلك أن صحفيين كبارا في بريطانيا والولايات المتحدة أكدوا في تصريحات علنية أنهم منحازون ضد المهنية والحيادية لصالح المواطنة. لا عيب في ذلك فالوطن أولا, ولكنهم يجيزون لانفسهم ذلك وفي الوقت نفسه يسخرون منا , بل وينتقدون الصحفي العربي اذا إنحاز لصالح شعبه و وطنه. وهنا تكمن الازدواجية.

*ساهمت بتأليف كتاب مع المفكر الأميركي جومسكي والكاتب البريطاني روبرت فيسك ونشرت ثلاث طبعات بالانكليزية حتى الآن عن التغطية الإعلامية للحرب على العراق وعنوانه Tell Me Lies)) هل لنا ببعض الحديث عن هذا الكتاب؟
- مجموعة من الصحفيين والكتاب والمفكرين واساتذة الاعلام ساهموا في تأليف الكتاب بحيث خصص فصل لكل واحد يتحدث فيه عن الاعلام والتغطية الاعلامية والدعاية. محوره التغطية الاعلامية والرقابة والدعاية قبل غزو العراق ومن ثم إحتلاله. عنوان الكتاب منقول عن عنوان قصيدة شعرية كتبها شاعر أميركي عن حرب فيتنام. صدرت الطبعة الاولى من الكتاب في نهاية عام 2003, وقد صدقت جميع التحليلات التي أشارت الى خلل كبير في التغطية الاعلامية وادواتها واهدافها وخصوصا بعد شيوع مبدأ الصحافة المرافقة للقوات العسكرية quot;Embedded Journalismquot;. تخلينا عن حقوقنا المادية لجمعيات خيرية دراسية. وقد نفذت طبعتان والثالثة في الطريق.

* الآن انت بصدد إصدار كتاب بعنوان (من أوراقي السرية - إعلام ومخابرات) والكتاب يقرأ من عنوانه يا دكتور ويبدو لي بأنه يحتوي على معلومات أو مادة خطيرة وكما عرفت انك واجهت مشكلة في طباعته أو في نشره.
ج: كانت مادة هذا الكتاب بحوزتي من أعوام كثيرة ولكنني صمتت لأن المعلومات فيه إعلامية مخابراتية عربية اسرائيلية غربية. وأعمل عليه منذ عامين في التأكيد والتقصي, وأصرف النظر بعض الاحيان عنه بسبب المخاطر الامنية. جميع شخصيات الكتاب على قيد الحياة وبعضها في مراكز قيادية في بلدانها. يكشف الكتاب عن طبيعة الاجتماعات الاولى وتواريخها التي عقدها المسؤولون الاسرائيليون مع القيادة القطرية وخصوصا وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم أل ثاني. ماذا كان يقول الوزير القطري لوزير الامن الاسرائيلي في اجتماعاتهم في لندن من عام 1992, وما هي الاراء المطروحة بشأن السياسة والاقتصاد والعلاقة مع السعودية. لدي وثائق وأدلة صوتية ومكتوبة حافظت على سريتها والقيادة القطرية تعلم انني أمتلكها, ولكن حان الوقت كي ينصف التاريخ نفسه. هناك أيضا وثيقة خطيرة هي عبارة عن محاضر اجتماعات مدونة بخط اليد وصلتني منذ ثلاث سنوات تجيب عن المزاعم بشأن علاقة حزب البعث والمخابرات المركزية الاميركية. هذه الوثائق مصدرها أحد قادة عام 1963. كثيرون, وخصوصا الذين كانوا في المعارضة العراقية، روجوا لتلك المزاعم. ولكن عليك أن تنتظري الكتاب لتعرفي إن كان البعث عميل أميركي أو بريطاني أو لا. وهناك في الكتاب أحداث أبطالها مخابرات وصحفيون ودبلوماسيون عرب في العراق, الكل يبحث عن معلومات سرية لصالح جهات أجنبية.
وافقت أحدى دور النشر المرموقة في لبنان على نشر الكتاب ولكنها تراجعت قائلة أنها قد تتعرض للمقاطعة والعقاب خصوصا وانها كانت تشارك في معرض الدوحة للكتاب. ومع ذلك سيرى الكتاب النور قريبا، فالمعلومات فيه ملك التاريخ والاخرين وليست ملكي الشخصي.

*العراق (الجرح) كيف تراه اليوم كعراقي؟
- العراق وطن جميل، كان طوال تاريخه بغض النظر عن حكامه، مشروعا دائما لخدمة الامة العربية، فتكالب عرب وعجم وطامعون على تمزيقه فتحول الى جرح فغر الاخرون فاهه فجفت دماءه وأصبح جثة هامدة تتطلب اعادة الحياة اليه معجزة الهية.

* حملت أميركا وبريطانيا معها لافتة كتب عليها بالخط العريض الديمقراطية والحرية والانفتاح وحقوق الإنسان حين توجهت بدباباتها وقنابلها العنقودية الى العراق. هناك من يعتقد ويقول بصوت عالٍ إن الاحتلال الأجنبي أتى فعلا لإنقاذ العراق من دكتاتورية صدام وهيمنة حزبه.
- أتفق معك في وصفك quot;انهم حملوا لافتةquot; ولكن خلف اللافتة نساء ثكلى وأطفال أيتام وبلد منهوب يرقص على وقع أزيز القتل وصور انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان، مثالها أبو غريب وملجأ الجادرية وغيره من السجون، وتمزيق المصاحف وهدم المساجد والاماكن المقدسة. أجد نفسي محرجا مع نفسي فقد خذلتنا, نحن الليبراليين المتحررين المتعلمين العرب، دبابات وطائرات وقنابل لندن وواشنطن، فتخلينا عن فكرة الديمقراطية. كانت هيمنة حزب البعث وضيق الافق السياسي سببا في حرماني من بلدي اثني عشر عاما ولكن الاحتلال الاجنبي حرم العراقيين جميعا من وطنهم وربما الى الابد. ضاع الوطن والامن والاخلاق والمستقبل في ظل الاحتلال. أنا نادم على مناهضتي لنظام صدام حسين. وأتمنى أن لا يقع السياسيون العرب المعارضون لانظمة حكمهم في فخ التعاون مع الاجنبي لتدمير بلادهم. ينبغي الوصول الى صيغة تفاهم من أجل الوطن ولكن بعيدا عن أدوات الاجنبي الماحقة الطامعة.

*الحكومة الحالية للعراق منتخبه من الشعب العراقي. ماهو موقفك من هذه الانتخابات ومن الحكومة؟
- الحكومة الحالية غير منتخبة فعليا وانما شكليا. انها محاصصة طائفية عنصرية عرقية وفق تقاسم الغنائم. الرئيس من عرق ومنطقة ونوابه من ملة وطائفة ورئيس الوزراء من ملة أخرى. الشعب لم ينتخب الا الاشباح. لم يعرف الشعب أسماء الاشخاص أبدا. فقط أسماء قوائم عامة. لو كانت منتخبة والشعب راض عنها لما بقي قادتها ومسؤولوها محبوسين في المنطقة الخضراء ويتنقلون بسيارات مصفحة تحت حراسة أميركية. هذه الحكومة والقادمة أيضا ستخفق اخفاقا ذريعا لانها تعمل وفق أجندة أجنبية وليس عراقية فهي تخدم جهتين: المشروع الاستراتيجي الاميركي البريطاني والاطماع الايرانية.


*الشعب العراقي يعيش الآن تحت خط النار والحكومة المنتخبة تحرسها أميركا وبريطانيا. لن اقول لك ما رأيك ولكني أود معرفة رأيك في الصمت العربي حيال ما يحدث هناك.
- هناك صمتان الاول الصمت والتواطؤ الرسمي العربي الذي ساند وقدم تسهيلات مالية ولوجستية وعسكرية للغزو الاميركي البريطاني. وهناك موقف شعبي يصفه البعض بالصامت ولكن الشعوب العربية لا حول لها ولا قوة لانها محكومة مغلوبة على أمرها.

*نطالب كما يطالب اغلب سكان الارض بخروج الاحتلال من العراق ولكن ماذا سيحل بذلك العراق في حال خرجت أميركا وبريطانيا وتركت أشخاص جلبتهم معها ونصبتهم رؤساء و وزراء هل تتوقع أن يتقبلهم الشعب العراقي ويتركهم يديرون شؤونه؟ وفي حال عدم تقبلهم لهؤلاء وهذا المتوقع ماذا سيحل بالعراق وبشعبه ومن سيديره؟ وأود الوصول الى سؤال مهم : هل خروج أميركا وبريطانيا من العراق الآن سيضر بالعراق؟
- ان المشكلة الرئيسية التي تواجه الاحتلال الاميركي البريطاني, والتي قوضت أركان الاستراتيجية الاميركية، هي عدم تقبل العراقيين للاشخاص الذين جاء بهم الاحتلال. فالنقمة الشعبية واسعة ولن يبقى أولئك القادمون من الخارج, أو المستوردون كما يسميهم العراقيون، بل سيحدث هروب جماعي لهم مثلما حدث في فيتنام بعد انهيار النظام الموالي للولايات المتحدة الاميركية وانسحاب القوات الاميركية من جنوب فيتنام. وأعتقد أنهم أنفسهم يدركون ذلك والدليل أنهم تركوا اولادهم وعوائلهم في البلدان الغربية التي كانوا يقيمون فيها كما أن الغالبية العظمى من العراقيين الذين كانوا ينادون باسقاط نظام صدام حسين في الخارج بقوا في الخارج ولم يعودوا الى الوطن الذي قالوا ان القوات الاميركية حررته. تصوري حتى الاستخدامات اللغوية ودلالاتها أصبحت معوجة مدسوسة: الغزو والاحتلال تحرير والمقاومة ارهاب والعمالة للاجنبي وطنية وغيرها كثير.

*أنت تتهم الشيعة الإيرانيين بتصفية الأساتذة حملة الشهادات العليا والأكاديميين والعلماء والطيارين. لماذا تتهم الشيعة بينما الموساد يسرح ويمرح هناك ومن مصلحته القضاء على هذه الطبقة النخبوية؟
- الآفة الكبرى في العراق: ايران ومخابراتها والقوى السياسية التي تخدمها وهي قوى ترعرعت ونضجت في الاحضان الايرانية. انها اللاعب والمجرم الاكبر على الساحة العراقية. هناك موساد اسرائيلي وفرق اغتيالات وقتل تابعة لدول عديدة بينها دول عربية خليجية. الهدف المشترك الانتقام وتفريغ العراق من كوادر وطاقات سيؤدي غيابها الى بقاء العراق ضعيفا لعقود قادمة.

*طرحت سؤالا في احدى مقالاتك وقد استوقفني كثيرا (لماذا يكون القتلى دائما من السنة أو الشيعة ولا يكون بينهم كردي) هل تتهم الأكراد بالوقوف خلف تلك التفجيرات؟
- طرحت سؤالا وجوابه واضح جدا.

* اخترت لإحدى مقالاتك مقولة للمفكر الأميركي خوان كول، بروفيسور التاريخ في جامعة ميشيغان الأميركية كعنوان وهي (دماء تتدفق من الأرض حتى السماء). هذه اللخبطة الدموية التي يفور بها العراق الآن ماذا تسميها؟ مقاومة، إشعال فتنة، عبث.. ماذا؟
- كل التسميات تنطبق على العراق. انها حالة فوضى خطط لها وخلقها الاحتلال الاميركي البريطاني كي يقتل أحدنا الاخر من أجل الاجنبي. هم الان يعترفون باخطائهم الجسيمة في العراق ولن يستطيع الانكار او المكابرة التغطية على حفلات القتل اليومية المستمرة في العراق. المؤرخ المفكر فوكوياما والمفكر صموئيل هنتغتون صاحب نظرية تصادم الحضارات اعترفوا بخطئهم في ترويج ودعم فكرة اليمين المسيحي المحافظ الحاكم في الولايات المتحدة. قالوا انهم ارتكبوا كارثة. بالمناسبة هل يملك التابعون من الكتاب والمروجين العرب شجاعة الاعتراف بقصر نظرهم وخطيئتهم بدعم الاحتلال الاميركي البريطاني للعراق؟ في العراق الان مقاومة وطنية وهناك ميليشيات ايرانية, قوات بدر التابعة للمجلس الاعلى ورئيسه عبد العزيز الحكيم, وبيشمركة كردية, وارهابيون محليون ومستوردون.

*هل يرى التميمي - ولو في الأفق البعيدة - ما يشير الى عوده العراق الى العراقيين؟
- أي عراقيين تقصدين؟ لا يوجد عراقيون بالمصطلح الوصفي حاليا. فسكان البلاد التي كانت العراق حتى نيسان أبريل 2003, هم أما شيعة ايرانيون أو شيعة عرب أو عرب سنة أو أكراد أو مسيحيون أو صابئة أو تركمان. تقسيمات عرقية وطائفية وعنصرية وشوفينية كانت تحتويها خيمة العراق فجاء المحتلون وأعوانهم والايرانيون فمزقوها لتتناثر لحمة البلاد الى شظايا.

* الفكر القومي خسر دون شك ولاسباب كثيرة وأنت تحدثت عن بعض هذه الأسباب أو اهم هذه الأسباب.. هذا الفشل الذي لحق بتطبيق الديمقراطية في الوطن العربي أصابني وغيري بالإحباط بل جعلنا نفضل الحكم الوراثي والملكي لانه على الأقل يوفر لنا الحماية.
- لا يهم المواطن التسمية أو الوصف الذي يتخذه شكل الحكم في بلاده، ملكيا أو وراثيا أو جمهوريا أو حتى دكتاتوريا. المقياس الاهم هو هل أن الحاكم، مهما تكن صفته أو هيئته، وحكومته تسوس الرعية بما يضمن مصلحتها وكرامتها وتنميتها وتطورها ورعايتها تربويا وتعليميا وصحيا وغير ذلك، بعدالة واحترام، أم لا. لم تعد السياسة خنادق أو رفوف مصطلحية أو خانات وقوالب مقننة لان العالم يشهد منذ منتصف القرن الماضي تطورا سريعا وتداخلا في التقنية والعلوم والفكر فلم يبق النظام الرأسمالي، الذي يتمحور على تحقيق الفائدة لاغراض شخصية، أو الاشتراكي، الذي يزعم توزيع الثروة العادل بين المواطنين، على حالهما الاول وانما تشابكت المياه بين الضفتين خدمة للصالح العام.

أن الفكر القومي العربي هو الفكر الوحيد القادر على توفير مظلة فكرية سياسية وبرامج تنموية وأخرى تحمي الكيان العربي برمته, لجميع مكونات المجتمع العربي بمسلميه ومسيحييه وأعراقه العربية والكردية والامازيغية-البربرية وغيرها. لا ينبغي أن يفوتني التأكيد أن الفكر الاسلامي التمثيلي هو الاخر قادر على شد مكونات الشعوب في كتلة واحدة غير أن ذلك الفكر ما يزال غير محدد المعالم باستثناء الوصف العام انه إسلامي.

وقد خسر الفكر القومي لاسباب عديدة ومعقدة لعل أبرزها أنه, والفكر الاسلامي أيضا, كان المستهدف الرئيسي من القوى الاجنبية التي وجدت فيه مناهضا عنيدا ومقاتلا شرسا لمطامعها في خيرات العرب. وقد سخرت القوى الاجنبية, الاوربية والاميركية, جميع طاقاتها، وبضمنها طاقات عربية اسلامية, لهزيمة سلطة الفكر العربي وليس الفكر نفسه. فتحول الفكر الان من سدة الحكم الى عموم الشعب , باستثناء سوريا ظاهريا وربما دولة أو دولتين عربيتين أخريتين.
ثم ما هي أوصاف وسمات الديمقراطية المقترحة للعالم العربي والاسلامي: هل هي لتقوية التمثيل الشعبي أم لخلق كيانات وجمعيات سياسية وفكرية تنهج التخلي عن القيم والتقاليد الحضارية الخاصة بالعرب والمسلمين واستيراد قيم وتقاليد أوربية وأميركية. هذا نشاز سياسي. هل هي الديمقراطية الاميركية التي أنجبت لنا عشرات الالاف من القتلى والتدمير الهائل والانتهاكات الفضيعة للمقدسات ولحقوق الانسان في العراق وأفغانستان؟ ومع ذلك نحن بحاجة ماسة لشيء قد يكون اسمه الديمقراطية أو أي وصف آخر ولكن ينبغي على العرب والمسلمين عموما أن يطوروا منهجا وفكرا سياسيا للحكم يكون للمواطن دور في تقرير شؤونه ويمارس سلطة رقابية على الحاكم والحكومة من أجل المصلحة الوطنية وليس المسائلة خدمة لمصالح أجنبية. أعتقد ما زلنا بعيدين عن تحقيق ذلك بسبب شخصنة السياسة والحكم وتكالب القوى الاجنبية على بلداننا.

* لماذا يتحول الحكم الديمقراطي في الوطن العربي من وجهة نظرك الى حكم ديكتاتوري؟ وهل هناك أمل في ديمقراطية عربية خالية من العاهات والأمراض؟
- لم يشهد الوطن العربي حتى الان ديمقراطية حقيقية وفق منهج سياسي مؤثر. وخصوصية الحضارة العربية والثقافة التوارثية تستدعي حكما قويا يقوده شخص, غير أن أغلب الذين في دفة الحكم العربية جاؤوا بانقلابات أو مؤامرات ظاهرها خدمة الشعب وحقيقتها خدمة مصالح فردية وأجنبية. لن نسعد بديمقراطية عربية قريبا لان الهجمة الخارجية شرسة ومتعددة القوى والاطراف وان مصادر القوة من أجل التغيير, أي المال والعسكر, لا تساند أو حتى ترغب بمثل تلك الديمقراطية التي تميل بموجبها كفة المصالح الى جانب الشعب وليس الحكومة أو الاجنبي.

*اين تقع المرأة لدى التميمي؟ وهل كانت خلفك ام بجانبك خلال رحلة نجاحك؟
- سؤال خطير ومحرج في آن واحد. المرأة هي القوة الوحيدة القادرة على خلق الخير والسعادة والرفاهية ولكنها في الوقت نفسه الوحيدة القادرة على التدمير الكاسح. وقد تقفز من هذا الدور الى ذاك لسبب ما هو في أغلب الاحيان غير مفهوم وفي أحيان كثيرة بلا سبب. لا شك أنها تتعرض لحيف وظلم كبيرين , نتيجة للتربية والمجتمع والثقافة , ولكنها تساهم كثيرا بعض الاحيان في خلق ذلك الظلم فتتحول الى ظالمة من الطراز الاول. انني دائم البحث عن امرأة تسند كياني, فتصورت في إحدى المرات أن المرأة التي عثرت عليها , المتعلمة المثقفة كما بدت لي, أنقى من الماء الزلال, فحولت نفسي الى مشروع تضحيات عاطفية وإنسانية ومادية وفكرية , كي تتقدم هي وتصعد سلالم الحياة بسهولة ويسر ونشكل كيانا سعيدا واعيا. غير أنني استيقظت من غفوة , أو ربما غفلة , فوجدت أنها سرقت ذلك الكيان بعد ان اشتد عودها, وسحقت المتبقي دون رحمة أو وازع. لكنها حالة واحدة لا ينبغي تعميمها بالتأكيد.

* كيف ترى المرأة السياسية في الوطن العربي اليوم هل هي موجودة بالفعل أم أنها مجرد ديكور؟
- لا أعتقد أن هناك امرأة سياسية في الوطن العربي وانما هناك ناشطات سياسيات من خلال المطالبة بحقوق أو المساهمة في تنمية أو تطوير. كان الرجل هو الذي يختار المرأة لمنصب سياسي, ولكنه غير مؤثر, في الكويت والاردن وسوريا ومصر ولبنان والعراق. لم تسمح الظروف للمرأة كي تكون حزبا سياسيا ومنهجا فكريا يصب في الحياة العامة. يجب أن يكون للمرأة دور في الحياة السياسية العربية لانه بدون ذلك لا يمكن اصلاح الخلل في التوازن الفكري السائد حاليا في قطاعات واسعة وكبيرة. يجب أن لا تسمح المرأة في أن يحولها الرجل الى ديكور من خلال منحها quot;هبةquot; المنصب أو الدور السياسي.

* المرأة الكاتبة والصحفية والفنانة بشكل عام هل تعادلت مع الرجل ام تفوقت عليه؟
- توجد اشكالية كبيرة في هذا المجال. هناك نوعان من هذه المرأة: أحدهما كاتبة وصحفية أحدثت خللا فكريا وفوضى تصرفية (في التصرفات) وسلوكية لدى العديد من النساء العربيات من خلال الكتابة والترويج لانماط سلوك مستوردة غريبة وتقديمها للاخريات على انها الحرية والتحرر. تصوري ان عنوان رواية هو quot;عابر سريرquot;. بالتأكيد أن محفز أولئك الكاتبات والصحفيات, من لبنان وسوريا والجزائر, بدون ذكر الاسماء الشخصية, هو التمرد والانتفاض على واقع يعشن فيه, فقدمن quot;التحررquot; على أنه العصرنة والليبرالية والحرية وحقوق. ولا يمكن أن أفهم, رغم أنني أعيش في الغرب منذ ثمانية عشر عاما, كيف أن فتاة عربية, مسلمة أو مسيحية, يمكن أن تصدق أن تقمص شخصية المرأة الغربية هو حرية وتحرر. أعتقد أن الوصف الصحيح هو quot;تحللquot;.هذا النوع من الكاتبات يبشر بالحرية التي تجيز, بل وتقدس, العلاقة غير السوية بين الفتيات والرجال خارج كيان الزواج, وتحرض الفتاة على أن quot;تطفشquot;. النوع الثاني هو من الصحفيات والكاتبات المحترفات اللائي يقدمن الصورة السوية الانسانية الاخلاقية. هذا النوع من الكتابات يحفظ للمرأة كيانها واحترامها ولا يحولها الى quot;سلعةquot; سهلة التداول. هؤلاء الكاتبات والصحفيات تفوقن على الرجل باشكال عديدة. ولا ينبغي أن نغفل ذكر فتيات وسيدات مبدعات في ميادين أخرى مثل الطب والاقتصاد والاعمال والتربية في العديد من الدول العربية.

* وأخيرا ماذا تقول للمرأة العراقية في داخل العراق؟
- المرأة العراقية ثكلى، أرملة سئمت الحزن والبكاء والنواح, كما قالت لي شقيقتي عندما قتلت ابنتها وابنها بنيران الديمقراطية الاميركية. تحطمت ركيزة المجتمع والحياة بسبب ما آلت اليه حال المرأة العراقية. أصلي لها وأملها في الله عز وجل.

تعازينا لك ولشقيقتك وللمرأة والرجل العراقي تعازينا لأنفسنا في العراق، شكرا لك هذا العطاء وهذا البوح المؤلم.

[email protected]