لقاء مع المخرج المسرحي العراقي الدكتور فاضل الجاف

أجرى الحوار حليوة عنبة: الدكتور فاضل الجاف مخرج مسرحي قدير ومعروف في أوساط مسرحية عالمية وعربية مختلفة. تلقى علومه المسرحية الأولى في أكاديمية الفنون

فاضل الجاف
الجميلة في بغداد ثم واصل دراسته في السويد والاتحاد السوفيتي وإنكلترا، وقدم أعمالاً مسرحية عديدة على مسارح السويد وفي لندن والمغرب وكردستان مجسداً فيها نهج ما يرهولد المخرج الروسي الشهير الذي درسه ومارسه في معاهد ومسارح ليننغراد، وقد أقام ورش دراسية وتطبيقية كثيرة في مختلف البلدان، كان آخرها ورشة في الشارقة ، وقد التقيته بعد عودته للسويد حيث يقيم منذ ما يقارب من ربع قرن وكان لي معه هذا اللقاء القصير:

* ما هي أهم مح محاور هذه الورشة؟
- أقيمت هذه الورشة في معهد الشارقة للفنون المسرحية وقد نظّمها معهد الشارقة العالي للمسرح. كانت هذه الزيارة الأولى لي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ثاني بلد عربي بعد المغرب أنظّم فيها ورشاتي في الإخراج والتمثيل المسرحيين.المتبع في مجال التعليم والتأهيل المسرحيين إن تنظيم الورشات في تربية الممثل وفن التمثيل أكثر شيوعا المقارنة مع الورشات في فن الإخراج المسرحي. والسبب يعود إلى أن تنظيم ورشات الإخراج المسرحي يكتنفه صعوبات عملية و تحتاج إلى متطلبات لا يمكن توفيرها بسهولة، من هذه المتطلبات النصوص القصيرة ، قطع الديكور والأثاث والملابس الخ.. بالإضافة إلى أهمية وجود ممثلين يشاركون في عمل المخرج المطبق في الورشة. لن أدعي هنا بأن ورشة الشارقة في الإخراج المسرحي توفر لها كل هذه الشروط، ولكنها كانت خطوة جيدة في هذا الاتجاه و كانت مزاياها الحسنة، قائمة أساسا من خصوصية برنامجها.
استغرقت الورشة أسبوعا واحدا، من 25 إلى 31 من شهر تموز المنصرم، وقد كانت مكثَفة مركزة على المهمة الجوهرية للمخرج: فن خلق التشكيل الحركي وهندستها ، تلك المهمة الموسومة بلغة المسرح ب ( الميزانسين).
شارك في الورشة عشرون مسرحيا من مختلف الفرق المسرحية في الإمارات العربية المتحدة. وقد هيأت دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة جوا ملائما والمستلزمات الضرورية للورشة وللمشاركين فيها. وقد نظم حفل الاختتام في الأول من شهر آب برعاية سعادة عبدالله محمد العويس المدير العام لدائرة الثقافة والإعلام.

* كيف جرى العمل في الورشة؟
جرى العمل في الورشة على مستويين، العملي والنظري: فعلى الصعيد العملي، تركزت الورشة على الجانب الجسدي في عمل المخرج مع الممثل، أي على الحركة والفعل، ثم انتقل المشاركون للعمل على المبادئ الأولى لكيفية خلق ووضع التشكيل الحركي على المسرح. كنا نعمل على مبدأ بسيط و واضح، وهو مبدأي الذي أسير عليه في جميع ورشاتي، والتدرّج من البسيط إلى المعقد، أي من الأساس إلى الهيكل. فالمخرج أو الممثل يجب أن يتعلم ويتدرب على النواة الأولى أو لنقل الخلية الأولى للحركة بغية الوصول إلى التشكيل الحركي المتقن والمعبر ذي المستوى الفني الرفيع. وعليه فإن التدريب كان يجرى على مفهوم البلاسيتكا ولغة الجسد وأهمية إدراك دلالاته في عمل المخرج.

* كيف وجدت النشاط المسرحي في الشارقة؟
- قبل كل شئ وجدت إن مبنى المعهد المسرحي العالي في الشارقة أجمل معهد مسرحي رأيته من قبل، فلقد عملت محاضرا ومدربا وباحثا في مدارس ومعاهدو كليات المسرح في بريطانيا والسويد وفنلندا والمغرب وروسيا، ولم أجد في كل هذه البلدان مبنى يفوق مبنى المعهد العالي للمسرح في الشارقة جمال وبهاء ومعمارا.كانت تصوراتي عن هذه البلاد قبل السفر، غامضة بل متضاربة يكتنفها الغموض، خصوصا فيما يتعلق بالمسرح والميدان الدراسي والتأهيلي لهذا الفن: ألا يظن معظمنا أن الإمارات ليس إلا سوقا للتجارة والأعمال والمضاربة؟ لكني وجدت الشارقة، العاصمة الثقافية للإمارات على عكس تصوراتي، مركزا ثقافيا نشطا، مركزا يحتضن الكثير من العاملين في مجالات الثقافة وعلى رأسها المسرح. ووجدت وهذا هو المهم أناسا يتوقون إلى معرفة الجديد وهم يتصفون بالحميمية والتقدير العالي للعمل الجدي.

* ولكن ما الصلة بين كل هذه المفاهيم العديدة في الحركة والفعل و البلاستيكا ولغة الجسد؟
- يقينا إن هذه المفاهيم هي مفاهيم جوهرية وأساسية في عمل المخرج، فهي تشّكل الأسس التي تقوم عليه بنيان العرض المسرحي بصريا وإيقاعيا، لا يمكن المخرج أن يكون محترفا يتقن عمله ما لم يتمكن من التحكم بخلق ميزانسينات تتسم بالحيوية والدقة وذات دلالات عميقة. والتشكيل الحركي يستمد معانيه ودلالاته من الدراماتورجيا العميقة والأدب الرفيع وكمية الانفعالات و الشحنات الإنسانية الموجودة في النص الأدبي.
إن المشارك في هذه الورشة يبحث في العلاقة بين الدراماتورجيا والحركة، أي كيف يكتسب المخرج مهارات في التعامل مع الجسد في الفضاء المسرحي وكيف يستمد المخرج تشكيلاته من المعاني الكامنة في النص. أؤكد ثانية هنا على العمل بدأً من البسيط السهل وصولا إلى المعقد والصعب. وعليه فان تحديد العلاقات الإنسانية وتجسيدها بلغة مسرحية هي المهمة الأولي للمخرج. إن المخرج في هذه الورشة يتدرب على خلق الخلية الأولى كي يطورها شيئا فشيئا في عمله الإبداعي مع الممثلين والعاملين في المسرح إلى عرض مسرحي. على أن يتم بناء التشكيل المسرحي لمعاني النص ومواضيعه الحياتية بلغة مسرحية. هذه هي اللغة المسرحية، هي لغة المخرج، والمبدأ إن الميزانسين (التشكيل الحركي) هو لغة المخرج.
إن العمل على تكوين مثل هذه اللغة وبلوّرته وصقلها هو من صلب عمل المخرج، ونحن إذ نميز بين مخرج وآخر بواسطة لغته المسرحية، وهي تسمي بأسماء مختلفة لدي المخرجين المبدعين من ذوي المناهج والأساليب الخاصة. في ورشة الشارقة للإخراج المسرحي أكتسب البعد النظري أهميته في تناول مفاهيم مسرحية عديدة تدخل في صلب المدارس الإخراجية المعاصرة مثل: الشرطية، الأسلبة والمسرحة،. إن هذه المفاهيم الأساسية إلى جانب الكروتيسك، تشكّل جوهر اللغة المسرحية وفحواها الجمالي، في تطور الإخراج المسرحي الحديث.

* كم كانت الورشة ناجحة في الوصول إلى غايتها؟
- يقينا إن ورشة في الإخراج المسرحي تحتاج إلى مدة زمنية أطول، ذلك لان الإخراج المسرحي ميدان عريض وفسيح ينصّب فيه كل الميادين المسرحية والفنية والحياتية، إن ورشة في الإخراج المسرحي إنما هي ورشة في جوهر الحياة، لكن المشاركين خرجوا من هذه الورشة، وقد تعرفوا فيها إلى بعض المفاهيم التي كما قلت تدخل في صلب عملهم كمخرجين. وأعتقد إن هذا هو المقصود في تنظيم أي ورشة كانت، إن في الورشات يتم التركيز على نقطة واحدة، على جانب واحد، و أحيانا على مفهوم من المفاهيم المهمة. فإن نظرنا إلى الورشة بهذا المنظار يمكننا القول بأن الورشة بلغت غايتها بشكل أو وبآخر.