أحمد مصلاوي من عمان: بمناسبة اليوبيل الفضي للإتحاد النسائي الأردني العام حول quot;المشاركة النسائية في البرلمانات العربيةquot; (11-12/9/2006م)؛ شاركت بالعاصمة الأردنية عمَّان الكاتبة والأديبة السعودية زينب أحمد حفني بورقة بعنوان (أتيتُ هنا لأعتذر!!).بدت الحسرة في ورقة حفني على وضع المرأة السعودية المتعلق بعدم وصولها إلى المناصب ذات القرار السياسي والاقتصادي بالرغم من أنها بتعليمها وعلمها وثقافتها أثبتت قدرتها على الوقوف إلى جانب الرجل. وقالته أنه من العار أن تقف النساء في مواجهة بعضهن البعض، بدلاً من أن يتكاتفن لكي ينتزعن حقوقهن، كون الضرب بيد واحدة لا يُحدثُ دويّاً مهما كانت سماكة باطن الكف!! لكنها لا تريد تحميل المرأة الذنب الأكبر، فعدم وجود وعي اجتماعي، سحب الثقة من تحت أقدام المرأة، وجعلها في نظر المجتمع بنسائه ورجاله ناقصة عقل ودين، مما يعني أنها غير مؤهلة لأن تكون في موقع المسئولية.
وترى حفني أن هناك صفة جميلة في المرأة لا توجد لدى الرجل، أنها حين تؤمن بشيء تحارب من أجله بضراوة، ملقية بنفسها في رحى المعركة بدون درع يقيها من الضربات القاتلة. بعكس الرجل الذي يتلفت حوله قبل أن يُقدم على موقف أو رؤية أو تصرّف، لأنه يضع نصب عينيه اعتبارات المجتمع، وعواقب الأفعال. ونقدم ورقتها كأفضل إجابة على عدد من الأسئلة التي كنا نفكر بطرحها عليه:

نص الورقة:

((أعتذر، لأني قادمة إليكم من بلادي خاوية اليدين. أعتذر، لأني أتيتُ إليكم بنبرات مجروحة. أعتذر، لأني حاضرة بينكم وأنا أحمل تحت ذراعي الأيمن حاضر منقوص بحاجة لمراجعة مستفيضة، وتحت ذراعي الأيسر تاريخ قديم ومشرّف لإنجازات المرأة على أرض الجزيرة العربية. أعتذر، لأني أدسُّ في كفي اليمين صفرا، وفي كفي اليسار أيضا صفرا. أقول بصوت غاضب ممزوج بالحسرة واللوعة.. لا توجد لدينا وزيرة، أو نائبة، أو سفيرة، بالرغم من أن المرأة السعودية اليوم، بتعليمها وعلمها وثقافتها، أثبتت أنها قادرة على الوقوف بجانب الرجل، بل وان تكون ندّا له إن لزم الأمر لما فيه خير مجتمعها.
لكن يجب أن نكون منصفين وعادلين، ونقر بأن هناك جوانب سلبية عديدة تُعاني منها المجتمعات الخليجية الأخرى. فالنساء اللائي تبوأن مناصب عليا يُعددن على الأصابع، وأقول على استحياء بأنه لم تنجح للأسف ولا مرشحة ممن تقدّمن بفضل أصوات الناخبين من مختلف شرائح المجتمع، بل جميعهن تم تعينهن من قبل حكوماتهن. هذا يعني بان المرأة لا تلقى أصواتا كافية تدعمها، لتصل إلى البرلمان بمختلف تسمياته، ويؤكد على أن المرأة لا تثق في المرأة ولا تمنحها صوتها، كونها في داخلها وبحكم موروثاتها الاجتماعية، وتربيتها التي نشأت عليها، ترى بأن الرجل هو الأقدر على حمايتها وتلبية مطالبها. والأمثلة المتوفرة كثيرة، ففي الكويت، لم تنجح في الانتخابات الأخيرة ولا واحدة من المرشحات، اللواتي تقدّمن لعضوية مجلس الأمة. وفي السعودية، نجحت سيدتين فقط ممن تقدمن للانتخاب في مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة، ويعود الفضل لنجاح إحداهما إلى أصوات الرجال التي بلغت 650 صوتا مقابل 50 فقط من أصوات النساء.
إنه من العار أن تقف النساء في مواجهة بعضهن البعض، بدلا من أن يتكاتفن لكي ينتزعن حقوقهن، كون الضرب بيد واحدة لا يُحدثُ دويّا مهما كانت سماكة باطن الكف!! لكنني لا أريد تحميل المرأة الذنب الأكبر، فعدم وجود وعي اجتماعي، سحب الثقة من تحت أقدام المرأة، وجعلها في نظر المجتمع بنسائه ورجاله ناقصة عقل ودين، مما يعني أنها غير مؤهلة لأن تكون في موقع المسئولية. وزاد الطين بلة خروج بعض أئمة المساجد، والتنديد من على المنابر، برفض مشاركة المرأة في انتخابات الغرف التجارية في السعودية، متسائلة في قرارة نفسي كيف سيكون الحال لو تعلّق الأمر بفتح باب العضوية لها في مجلس الشورى!! كذلك لا يبعد عن ذهننا ما قام به النائب الطبطبائي في الكويت، حين حرّم حق المرأة في التصويت بدون إذن زوجها، ثم تراجع عن فتواه عندما هوجم من قبل الطبقة المثقفة.
يجب أيضا أن لا نغفل دور وسائل الإعلام، التي تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، بالاستمرار في مسلسل استغلال جسد المرأة في البرامج الترفيهية، وفي استخدامها كسلعة في الدعايات التجارية، والتعاطي مع قضاياها بطرق سطحية، من خلال مسلسلات تصورها إما بالمرأة الشريرة، أو الزوجة المغلوبة على أمرها، المستسلمة لظروفها. إضافة إلى إطلاق عدد من رجال الدين عبر البرامج الدينية، فتاوى شرعية تدعو المرأة إلى احتساب الأجر عند ربها عند وقوع ظلم عليها، مما رسّخ مفهوم الرضوخ للأمر الواقع في أعماق المرأة، وأوجد خلطا خاطئا حول مفهوم الدين، تجاه العلاقة السوية بين الرجل والمرأة من ناحية، وبين حقها الطبيعي في التمسّك بحقوقها المشروعة من ناحية أخرى.
هذا كله يؤكد على وجود ردة فكرية تجاه المرأة حين يتعلق الأمر بدورها في المشاركة بالحياة العامة في بلادها. فالمرأة كانت وما زالت حاضنة الأجيال، في حجرها تربى الزعماء والقادة والحكام، الذين صنعوا التاريخ، والتنكّر لصنيعتها، وإغفال أدوارها، وسحب الثقة من تحت قدميها، سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة داخل المجتمع على المدى البعيد.
يقول الشيخ أحمد زكي يماني quot;.. قضية المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من القضايا التي يحتدم حولها النقاش.. بين متزمتين متشددين يبالغون في الاستهانة بأمر المرأة لدرجة تحقيرها، والإساءة إلى إنسانيتها، معتمدين على أحاديث نبوية ضعيفة، أو تفسير ممجوج لآيات الكتاب وصحيح السنة، محاولة منهم بان يضعوا على تقاليدهم القبلية غلافا دينيّا إسلاميّا..quot;.
لقد أتيتُ هنا متعمدة لكي أصرخ وأصرخ وأصرخ، لكي يسمع الجميع صوتي، ويدركون بأن دوّامة الترف الاجتماعي، وآبار النفط التي نشأنا على خيراتها، وصرامة موروثاتنا وأعرافنا، التي تصر على وضع المرأة طوال الوقت تحت الإقامة الجبرية، لم تلهنا عن المطالبة بحقوقنا، ولم تجعلنا نقف صاغرين خانعين. أتيت هنا لكي أؤكد على وجوب تمكين المرأة السعودية من المشاركة في الحياة السياسية، والتأكيد على أن هذه المشاركة ستكون بوابة المرور لدعم مطالبها، في عمل إصلاحات قانونية تقوم على التشريع، يُصحح وضعها، ويُبرز قدراتها داخل وطنها، ويُتيح لها المجال للانخراط في كافة المجالات التي ما زال معظمها حكرا على الرجل، بما يتلائم مع طبيعة الحياة العصرية.
إنني أضمُّ صوتي إلى صوت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة السعودية ثريا عبيد، التي طالبت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تمكين المرأة العربية من المشاركة في مجتمعها، وأن الإصرار على عزلها سيؤدي إلى حرمان النساء من المطالبة بحقوقهن الإنسانية، المتمثلة في القضاء على الفقر والأمية والتمييز في التعليم والوظائف وغيرها من الأمور.
سيداتي.. سادتي.. مخطئ من يعتقد بان المرأة ليس لها دراية في العمل السياسي، ففي عصور الجاهلية كانت هناك العديد من الملكات حكمن بلدانهن، وكانت عصورهن من أزهى العصور، ويكفي بأن القرآن الكريم ذكر الملكة بلقيس مبينا بأنه كان لها ملك عظيم. وفي عصور الإسلام الزاهية، كانت المرأة العربية دوما حاضرة، لها الحق الكامل في التعبير عن آرائها، وفي ممارسة النشاط السياسي.
في كتاب سلطانات منسيات، تؤكد الباحثة فاطمة المرنيسي، بأن النساء لسن جديدات على المناخ السياسي، مؤكدة بأنه تمَّ أخذ البيعة منهن على خلافة سيدنا أبي بكر الصديق. وفي النزاع الذي دار حول خلافة معاوية، انقسم النساء حوله، فمنهن من وقفن في صف معاوية، ومنهن من أعلن نصرتهن للإمام علي بن أبي طالب، مستخدمات فصاحتهن وبلاغتهن التي اشتهرن بها في تأييده.
هناك صفة جميلة في المرأة لا توجد لدى الرجل، أنها حين تؤمن بشيء تحارب من أجله بضراوة، ملقية بنفسها في رحى المعركة بدون درع يقيها من الضربات القاتلة. بعكس الرجل الذي يتلفت حوله قبل أن يُقدم على موقف أو رؤية أو تصرّف، لأنه يضع نصب عينيه اعتبارات المجتمع، وعواقب الأفعال. ألا يكفي هذا لكي تقتنع مجتمعاتنا العربية، بحق المرأة في أن ترث التاريخ الذي تركنه لها جداتها القدامى!! زينب أحمد حفني)).