هاني نديم: ما معنى خشبة المسرح اليوم (كلفظٍ وتلقي) في هذا العالم المعدني المنتمي للبلوتوث والإيميل، والمعترف بالويندوز أكثر من اعترافه بكل أجزاء كتاب quot;قصة الحضارةquot; دفعة واحدة. وفي سوريا تحديداً لا يمكن تحديد من أين يستمد المسرح فيها هيبته وقدسيته بينما يضج المكان بزخم إنتاجي وحمى درامية تلفزيونياً كأسرع وصفة في مشق اليوم للنجومية والثروة!؛ ولكن ما يتحدد بشكلٍ جلي هو أنه يكاد المشتغل في المسرح السوري اليوم أن ينبت له جناحا ملاك وهو يدافع عن وقوفه على خشبة المسرح. أمل عمران..إحدى عاهلات المسرح السوري اللاتي يقف أمام اسمها المسرحيون العرب بإعجاب وتقدير لمسيرتها وجهدها ..إيلاف التقتها في هذا الحوار:

ـ الشاعر المعروف محمد عمران أحد أعمامك، وأخوتك هم محمد النحات المعروف، وخالد عازف الكونترباص، ونعمى مغنية الأوبرا الشهيرة، هل أعطتك عائلة عمران، امتيازاً ما؟
إنه ليس امتيازاً بقدر ما هو حافز ومسؤولية، إن وجودنا في محيط ما يفرض علينا أن نأخذ بأسباب تجمعنا هذا وعلام يقوم، الدم والأسرة هو رابط كبير لكن ثمة وشائج أخرى تربط بين البشر، أنا أميل إلى فكرة تسمية أسرة الفنانين أكثر من نقابة مثلاً، لأن رابطة الدراما قد تكون بنفس قوة رابطة الدم ... وعليه فإن كوني من أسرة مثقفة وتعمل في الثقافة يضيف رابط أقوى وتحدٍ أكبر لي عملياً وحياتياً.
ـ ما أهم المنعطفات التي شكلتك كدرامية؟
كل ما حولي شارك في صنعي درامياً، المنزل والكلية وورش العمل والأصدقاء، النصوص ..الكتب.. لوثة الإضافة والتجديد، الأعمال والتجريب، المسرحيات.. الاستوديوهات ...
إن كنت تقصد الأعمال فتقريبا لا أكاد أنتهي من عمل إلا وأسأل نفسي مم استفدت وأين أخفقت، إن قسوتي على نفسي كان لها أثر على نفسي ذاتها أكثر من العمل سواء أكان ناجحاً أم فاشلاً!، أتعامل مع العمل بقسوة حادة، فقد أتأثر وأنا أشاهد مشهداً مثلته، وقلما أرضى عن نفسي، وقد تفاجئ بأنني لولا البحث الدرامي لا يمكن لي أن أرى نفسي في مشهد مثلته إذ أنني لا أطيق رؤيتي وأنا أمثل أو سماع صوتي في الدوبلاج!! لأنني حتماً لن أرضى على نفسي وسأعاقبها بشدة.
ـ كون الدراما فعل قابل للإرسال والتلقي، يحتم علي سؤالك عن مصادر تلقيك الدرامي، من أين تستقبلينه وكيف تصدّريه؟
إن الحياة فيها من الدراما ما يفوق حجم تمثيلنا، وما يحدث بالشارع لا تكفيه مسارح العالم وورشه لترجمته درامياً، ولعل ولعي بالمسرح أكثر من بقية الفنون التي تقدم دراما، كونه هو هذا التواصل وتبادل الإشارات الدرامية دونما وسيط، بين المرسل والمتلقي.
ـ هل تلتقطين الإشارات على خشبة المسرح أم ترسلينها؟
أرسل وأتلقى بذات الوقت، إن وجهاً درامياً بين الجمهور قد يرفع أدائي أو قد يخفضه..الهمسة في المسرح تؤثر على أدائي سلباً وإيجاباً،...أتفاعل مع الجو الدرامي وكأنني في صندوق فني مغلق...بدءاً من الضوء مرورا بالجمهور وتفاعل قسمات وجهه وحركاته وانتهاءً بالنص والإخراج والأداء.
ـ لماذا نجحت نجاحاً باهراً في المسرح بينما لم يكن لك في التلفزيون ذات الحضور؟
على ما يبدو فأنني درامية مسرحية كطرحٍ نهائي وغير قابل للتعديل!، بمعنى آخر. أدواتي الدرامية مسرحية أكثر منها تسجيلية، الكاميرا تتصالح مع ممثل ولا تهادن آخر، كثيرة هي الوجوه التي برزت في المسرح ولم تحقق ذات الشهرة على التلفاز والعكس، وهنالك وجوه مذهلة وراء الكاميرا وأمامها.
كما أن تكويني الفيزيولوجي وتركيبتي النفسية تتسق مع المسرح أكثر من بقية الفنون، إذ أنني في حياتي العادية من الأشخاص الذين ينتقلون من البكاء الهستيري إلى الضحك الهستيري دون فاصل زمني لمجرد مرور خاطرٍ ما، أنا حاضرة الدراما في كل مكان وكل زمان، بالفطرة.
ـ هل من تفصيل لقراءتك حول الفروق درامياً بين المسرح ودراما الكاميرا؟
برأيي، إن الدراما على خشبة المسرح لا يشبهها أي دراما أخرى في التلفاز كانت أم في الإذاعة أو حتى السينما، إنها اتصال مباشر ومتصل مع المتلقي، لا يوجد فاصل زمني وكادر تقني يفصل بين الممثل وبين المتلقي، الاشتراطات مختلفة حتماً بين الفعلين الدراميين، المتلقي في المسرح متحفز دوماً ليلتقط دراما حية تحدث أمامه ارتجالية وحساسة، في دراما التلفزيون ـ التي تختلف بدورها عن السينما تقنياً، وإن تشاركا كونهما دراما مسجلة إن جاز التعبيرـ يتاح للممثل أن يراجع أدواته إن تخللها ضعف أو شابها ملل، يقف فيها على هناته الكادر العامل معه، بينما المسرح هو اختبار حقيقي لأدوات الدرامي والتي قد يكون رد الفعل أهمها. ثمة خيط حريري وحبل سريّ يربط بين الممثل والحضور على المسرح.
السينما ساحرة لأنها خالدة، ولكن تبقى دراما من خلال وسيط ألا وهو الكاميرا، الكاميرا التي تصنع العجائب، والتي يمكنها أن تأتي بأي أحد ليس لديه قبول في الواقع وتجعله نجماً لدى الناس ومحبوباً مثل (الفيديو كليب) كمثال، السينما صناعة متطورة جداً....التلفزيون أوجد لتسليتنا..أنا حينما أكون طافية على السطح ولا يوجد لدي رغبة بعمل شيء أسترخي وأتسلى بهيفاء وهبي وروبي والبرامج الجميلة المفيدة بقالب درامي لطيف، التلفزيون مختلف أجهزته ليست متطورة وظروفه الإنتاجية مختلفة.. يبقى المسرح هو (الأستاتيك)..هو الجمال المطلق.
ـ هل أفهم أن الدراما التي تقدم من خلال التلفزيون، ليست حقيقية؟
لا أبداً، إن الدراما السورية التي تقدم في التلفزيون، في مجملها دراما حقيقية ومهمة جداً، إن الدراما التي يقدمها حاتم علي من أهم ما رأيت في معالجة النصوص درامياً للتاريخ والواقع، أنا أعزو نجاح الدراما السورية كونها جاءت من مرجعية مسرحية، إن معظم العاملين والمشتغلين بالدراما السورية، هم مسرحيون. ولكن أهمية الدراما التلفزيونية بالضبط كونها وصلت لكل شرائح الجمهور وليس للخاصة فقط، فهي اليوم مؤثرة وفاعلة أكثر.
ـ من ينافس أمل عمران على خشبة المسرح وهل تبقّى ما يدهشها درامياً؟
إن طرح السؤال بهذا الشكل سوف يسحبني لمنطقة لا أؤمن بوجودها، لا أعتقد أصلاً أن أحداً ينافس أحد في المطلق، لكلٍ منّا مساحته الخاصة به وحده، حتى روبي وهيفاء وهبي ونانسي عجرم، لهن مكانتهن الخاصة بهن جداً، والتي لا يزاحمهن عليها أحد!!، وأنا أحترم مشروعهن الواضح، ما يزعجني ويجعلني أمتعض هو محاولة الأكاديميات اللاتي لا يملكن إغراء النجمات أعلاه، في أن يشغلن مساحة نانسي وهيفاء ويحاولن أن يتقمصن النجمات على ما فيهن من قبح!!، لكلٍ مكانه في هذا العالم ورحم الله امرئ يعرف مكانه بالميلليمتر!. وأود الإشارة أنه بناءً على الفعل الدرامي في الإرسال والتلقي، فإن هيفاء وهبي درامية بشكل مؤثر وأنني أحب سامية جمال بطريقة مرعبة!.
ـ أي المشاريع الدرامية لفت نظرك ومن تتابعين من زملائك الدراميين ؟
لا يوجد لدينا في العموم مشاريع مسرحية مهمة في الوطن العربي أو لنقل احترافية بالحد الكافي للحركة العالمية، والغريب أن الاحتراف نجده فردياً، وليس مؤسساتياً، ثمة مشاريع خاصة فردية احترمها، كتجربة مي اسكاف على سبيل المثال، بافتتاح معهد للتمثيل والباليه من جيبها الخاص، أنحني لها من كل أعماقي لإخلاصها الشديد للدراما والمسرح.
أحب الكثير ومن أتابعهم كثر، من سوريا هنالك يارا صبري وفارس الحلو ومي اسكاف وسلاف معمار وعبد المنعم عمايري، أمل عرفة.. أحب أيضاً حلا عمران ونعمى عمران وناندا محمد ونهال الخطيب؛ من الأردن نادرة عمران وصبا مبارك؛ إيمان سماوي وجليلة بكار (أكثر الدراميين تأثيراً بي) من تونس، عبلة كامل من مصر.
ـ من عرضك quot;سوناتا الجسدquot;، ظهر جلياً علاقتك الوثيقة بفنون وعلوم أخرى كالتاريخ والتشكيل المفاهيمي، ولكن علاقتك بالموسيقى بدت بشكل جلي له سطوة، إذ كاد الممثلون أن يتحولوا إلى آلات موسيقية، هل أنا محق؟
كان عرض سوناتا الجسد تجربة جميلة امتدت بيدها إلى فلسفتي وغيرت في منهجي العملي بشكل جميل، إنه عمل صوتي/حركي/بصري، طرح يعتمد الشعر والتراث ومحاكاة الموسيقا وآلاتها..أنا مغرمة بالموسيقا نتاج الإنسانية الأعظم ولي بحوثي في (الجاز) كونه نتاج قهر مثل موسيقا (البلوز) تماماً. Jim Harrison أحد ثيمات الجمال الخالدة في حياتي أحد أبطالها، بنفس القدر الذي فيه صباح فخري، حاضر في وجدانيFreddie Mercuryوأديب الدايخ وكل من عمل على اللحن والتخلص من الألم (NERVANA) وكل من سأل بموسيقاه أسئلة كونية، فكما تعلم أنJimHarrison خرج من سؤال إبادة الهنود الحمر وهو أميركي أصيل!، عموماً أستطيع القول هنا أن الموسيقا بحثي الدائم...تتلبسني وأنا أعمل على خشبة المسرح وأنا نائمة...في كل حالاتي.
ـ ماذا أضاف لك المسرح وماذا أخذ منك؟
أضاف الكثير جداً مما لا يحصى وأخذ بنفس الحدة، إن للعمل بالمسرح ضريبة كبيرة يدفعها الممثل المسرحي فيما لو كان حقيقياً، يصبح شعوره مضاعفاً في زمن لا يعنى بالمشاعر كثيراً، ردات فعلي تنتقل من الخشبة للمنزل..أنا حزينة بطبعي وزادني حزناً المسرح بتفاصيله المدهشة التي سكنتني ... أذكر مخرجاً فرنسياً قال لي أنت الألم..واختارني لتمثيل إحدى الشخصيات التراجيدية في العصر الإغريقي (فيدر).. لكن بالمقابل .. شعوري بالفرح مضاعف أيضاً ..