حوار مع المخرج المسرحي حسين الانصاري : إعلام الاخر رسخ صورة نمطية للعربي عند الغرب

اعداد أسراء كاظم طعمة: المثقف مهما اختلفت وظيفته في الحياة، فهو يشكل جزء من ركيزة لبناء اساس يستند عليه تاريخ وحضارة اي شعب، والعربي في خضم ما يواجهه من مقارنات وتضادات يحاول جاهدا وبكل ما يمكنه منجزه الثقافي ان يثبت وجوده وصحه موقفه، مثقفوا العراق الذين ساقتهم ظروف ( ايام زمان والآن ) الى الهجرة لم تصدهم عن التواصل سواءاً اكانوا مسرحيين او فنانين تشكيلين او في اي اتجاه اخر من حركة الابداع العراقي، بل على العكس من ذلك تماماً، فجروا مكامنهم وتواصلوا مع الاخر في المهجر رغم وعورة الطريق.. ( إيلاف ) التقت بالمسرحي الدكتور حسين الانصاري فكان لها معه هذا الحوار...

* لما غادرت العراق؟
- ضغوط الحصار الذي صار يطوق اعناقنا يوما بعد اخر الى جانب الممارسات التسلطية التي فرضتها المؤسسة الرسمية والتي وظفت كل السبل في خدمة اهدافها ومصالحها وفي مقدمتها وسائل الثقافة والاعلام تلك النوافذ التي كنا نعمل ونتنفس من خلالها، ومع مرور الوقت افسدت توجهاتها المطامع وشوهت صورتها النظرة المؤسساتية التابعة والرؤية الضيقة والمبالغة الفارغة وهيمنة العقول المتحجرة المنغلقة.
لذا لم يكن امامنا من حل الا الرحيل ومغادرة الوطن الذي ظل يلازمنا في الحلم واليقظة ومايزال، رحلنا على امل الرجوع لوطن يسود فيه القانون والديمقراطية الحقة وحرية التعبير واحترام الانسان، ولكن للاسف حصل العكس وحيكت المؤامرة الكبرى واختلطت الاوراق وغيبت العقول الحكيمة وهرب عنه الناس البسطاء والمبدعون وهاهي العصابات العفنة تنتهك كل شىء والعقول الظلامية تطفىء كل ما هو ينير ويشع من ابداع في تأريخ ومنجز هذا الوطن.

* هل بالامكان ان يختار المرء وسيلة تعبير تنقذه من العزلة عن الاخر؟
- بالنسبة لي، فلقد اخترت المسرح وسيلة للتعبير عن هموم الانسان وتطلعاته نحو رسم صورة افضل للواقع لما يتوفر عليه هذا الفن من امكانيات لاحدود لها للتعبير وطاقات هائلة للتجسيد عن مكنونات النفس البشرية وتحولاتها عبر جدل الصراع بين قوى الخير والشر، كما ان المسرح هو الفن الوحيد الذي ينجز ابداعه انيا خلافا لكل الفنون فهو فن اللحظة التي يتفاعل فيها المرسل والمتلقي في مكانية واحدة وعبر عملية اتصال لولبية يتم فيها تبادل المراكز ومحاور التشفير لانتاج الدلالة وتأويل المعنى ومن هنا يأتي سر خلود هذا الفن وقدرته على الحضور والمنافسة لاحدث وسائل الاتصال التقنية والرقمية التي صارت تغرقنا بهذا المد الالكتروني المتفاقم.

* ما اهم اعمالك المسرحية في الوطن والمنفى؟
- انجزت عبر مسيرتي الفنية العديد من الاعمال التي قدمت لجمهور الاطفال والكبار تأليفا واخراجا ونقدا، على صعيد مسرح الطفل، اسست فرقة السندباد للاطفال واشرفت على اعمالها وكتبت لها بعض النصوص
منها / لصوص في قرية الاصدقاء، الديك المدلل، الضفدع المغرور/ وغيرها كما اخرجت مسرحية غنائية بعنوان يقظة الحواس كتبها الشاعر كريم العراقي، وفي مسرح الكبار اخرجت عدة اعمال منها / الاسكافية العجيبة للكاتب الاسباني لوركا، ومسرحية حكاية الرجل الذي صار كلبا للارجنتيني درايجون، ومسرحية شعرية بعنوان أدابا للشاعر معد الجبوري ومسرحية مشاهدات صعلوك للكاتب المغربي عبد الكريم برشيد،وشاركت ممثلا في العديد من الاعمال اذكر منها القرد الكثيف الشعر ليوجين اونيل ومسرحية السياب وهما من اخراج الفنان عقيل مهدي وقد شاركت في مهرجاني القاهرة التجريبي وقرطاج الدولي، ومن خلال رابطة نقاد المسرح العراقي التي ساهمت بتأسيسها قدمنا منظورا مغايرا لمفهوم قراءة العرض المسرحي وفق نظريات النقد الحديثة واعتقد ان ذلك الجهد قد ساهم بتغيير كثير من المفاهيم في بنية الخطاب النقدي للمسرح العراقي، واضافة لعملي الاكاديمي كأستاذ في كلية الفنون الجميلة ببغداد فقد درست في بعض المعاهد العربية، والان اعمل رئيسا لقسم المسرح في الاكاديمية العربية في الدنمارك، اضافة لهذا كنت وماازال امارس كتابة النقد والبحوث في الصحافة العراقية والعربية كما انني دائب الاشتراك في مهرجانات المسرح وندواتها الفكرية.
اما في بلد المهجر( السويد) حيث اقيم منذ عام 2002 فقد قدمت بعض التجارب المسرحية منها مشروع يتعلق بكيفية استثمار المسرح في تعليم اللغة السويدية والذي طبقته بالتعاون مع معهد ليبرلتدريس السويدية للمهاجرين، كما عملت مع فرقة فرات السويدية التي تهتم بالثقافة العربية واخرجت لها عملين هما كأن بيروت لم تكن، ومسرحية ايمكنكم مشاهدتي الان؟ والعمل الاخير سوف يعرض في الجزائر وتونس قريبا اضافة الى بعض المدن السويدية.

* كيف تواصلت الاخر في المهجر؟
- ان التواصل مع الاخر امرا ليس هينا كما يظن البعض، صحيح انه يمكن للانسان ان يعيش في المهجر ولكن دون تفاعل حقيقي ان لم تتوفر شروط الحوار المتكافىء، وتوفر الموهبة والابداع الذي يقنع الاخر بجدوى الممارسة والاتصال المشترك، وثمة حواجز لما تزل تعيق هذا الاتصال منها حاجز اللغة، الاختلاف الثقافي، احساس الاخر بالتفوق والانانية لاسيما حين يشعر انك بدات تنافسه على فرص العمل والشهرة، هذه النظرة متأتية من الصورة النمطية التي رسخها الاعلام المعادي للعرب في ذهنية الانسان الغربي العادي، وبهذا انت تواجه ذهنية منغلقة واحيانا تعصب مسبق نتيجة التأثير الاعلامي السائد وامام الضعف بل الغياب الواضح للحضور الاعلامي والفني العربي رغم وجود المئات من القنوات والوسائل الاعلامية الا ان معظمها مازال يفتقر الى الخبرة الاعلامية والمهنية في صناعة الخبر والصورة وادارة الحوار الثقافي وسبل اقناع الاخر، ومن ناحية اخرى يواجه الفنان في المهجر مصاعب اخرى تتعلق بالتمويل وغياب البرنامج في اختيار المضمون او الجمهور المستهدف، ولهذا غالبا مايتجه الفنان الى المشاريع الصغيرة والعروض ذات الميزانيات القليلة والتي تقدم في احسن الاحوال لبضعة ايام، السؤال المهم هنا هو الايوجد فنانين عراقيين استطاعوا ان يثبتواحضورهم ويتفاعلوا مع الجمهور الغربي؟ بالتأكيد نعم هناك العديد من المبدعين الذين يواصلون جهودهم ويحفرون في الصخر من اجل اثبات وجودهم ولكن ما نحتاجه اليوم لاسيما بعد ان اصبح للجالية العراقية حضورا متزايدا في بلدان العالم ان توضع خطط وبرامج ثقافية مدروسة كي تلتقي روافد الابداع لتجاوز حالة المألوف والعمل على تقديم التجارب الجديدة والمنفتحة والقائمة على فهم ثقافة الاخر وارغامه على دخول ساحة الجدل الابداعي،وفرض نمط مغاير للتواصل والتفاعل والاعتراف بقدرات الاخرين انطلاقا من ان الفن والثقافة مادتهما الاساس هو الفكر الانساني بكل شموليته وافاقه.

* ماهي ابرز المضامين التي تطرحها أعمالك في المهجر؟
- السمة الغالبة لمعظم اعمال فناني المهجر هو ارتباطها بالجذور والتراث الوطني للمهاجر مهما مر عليه الزمن في بلدان الاغتراب، بل احيانا يزداد هذا الهاجس كلما مر الزمن ولعل موضوعات الاستذكار والحنين والغربة هي ما يميز مضامين الرؤى الفنية سواء اكانت عبر الفن التشكيلي،الموسيقى، الشريط السينمائي او المسرح فأبطال هذه الاعمال نجدهم مهمومين بهذه المعاناة. ولكن مع تراكم الانجاز واختمار التجربة اخذت تتطور هذه الرؤى لتنفلت من الحدود المحلية الضيقة صوب معالجة المشاكل الانسانية الكبرى وتناول الاسئلة الشاملة وهذا يأتي من منطلق المعايشة والاقتراب من الاخر وفهم الحاجات القائمة دون انغلاق اوتمييز، وهذا مايجعل العمل الفني متاحا للتواصل والحوار مع الجميع لاسيما عبر الاعمال الفنية المشتركة التي صرنا نمارسها مع الاخر وفق مبدأ حوار الثقافات والتعايش المشترك.

* ما الذي حاولت معالجته في اعمالك المسرحية؟
- مسرحية ( كأنها لم تكن بيروت ) العرض الاول جاء على اثر الحرب الاخيرة والاعتداء الاسرائيلي على بيروت، حيث ساهمت مع الكاتبة اللبنانية الاصل منال مصري في كتابة سيناريو العرض باللغة السويدية الذي يتناول مشكلة عائلة من اب اصله لبناني وام سويدية، تقرر ان تسافر الى بيروت لقضاء اجازة الصيف وهناك تقع الحرب، حاولت من خلال الرؤية الاخراجية ان اقدم عملا مسرحيا بنكهة شرقية لجمهور غربي استمتع بالموسيقى والرقص والحركة عبر ثيمة مسرحية تقترب من التراجيديا لكني غلفتها بالشكل الجمالي والمسحة الكوميدية السوداء واللغة المشتركة لهذا تجاوب معها الجمهور السويدي والعربي معا، اما العرض الاخير الذي قمت بأعداده بتصرف عن مسرحية الكناس للكاتب السوري ممدوح عدوان وهوعن نص مترجم من الانجليزية الى السويدية بواسطة نيكلاس ساندستروم فهو يعرض ثيمات عديدة من خلال الشخصية الرئيسة فيه والتي تعود الى الوطن بعد غيبة سنوات لتجد ان كل شىء قد تغير، الامكنة والناس والاخلاق، ولم يعد يعرف احدا من اهل البلد وغدى غريبا في وطنه وهو اشد انواع الاغتراب، يسعى العرض الى تجسيد وقول الحقيقة في الوقت الذي غدت فيه الوجوه تشبه الاقنعة، ولم يعد ما يشير الى حقيقة الناس سوى قمامتهم. يجسد العرض تمثيلا الفنان كريم رشيد، والسنوغرافيا للمصمم استيفان ارسون، وسيقدم باللغتين العربية والسويدية وسيعرض في مدينة قسنطينة الجزائرية بدعوة من فرقة دعاة الغد وكذلك سيقدم في تونس ومن ثم نعود لنواصل العروض في السويد.

* تعاملت مع المسرح العالمي، كيف وجدته مقارنة بالعربي؟
- المسرح العالمي وعبر مرالعصور له خصائص شاملة وما انجز قديما منذ ايام الاغريق ومرورا بعصر النهضة ووصولا الى المسرح الحديث او مابعد الحداثة نجد انه تراثا متواصلا لم ينقطع، والمسرح المعاصر اصبح اكثر انفتاحا بفعل تطور الوسائل الاتصالية وتداخل المناهج وتفاعل الحضارات، وقد ساهمت معطيات العولمة في انفتاح الفضاء المسرحي وتطوره نتيجة قدرته على استيعاب متغيرات العصر بوصفه فنا تركيبيا متعدد النصوص، وشهدت اوربا تجارب مشتركة على هذا الصعيد الامر الذي جعل المسرح حقلا تفاعليا متطورا، فمثلا كان جوردن كريك، يذهب الى موسكو ليعرض تجاربه ومنها مسرحية هاملت، وكذلك فعل مايرهولد حين ذهب الى برلين وستانسلافسكي غادر الى امريكا وايطاليا وعمل على تأسيس استوديو المسرح الذي اقام فيه ورشاته المسرحية، وشهد النصف الثاني من القرن العشرين تبادلا ثقافيا بين الغرب والشرق حيت قصد بعض المخرجين بلدانا اسيوية مثل الصين واليابان والهند وايران وكذلك بلدانا افريقية مثل مالي وغيرها واطلعوا على تراثها وحاولوا توظيف ذلك عبر تجارهم مثلما فعل بيتر بروك واخرين حيث عملوا على رفد المسرح الشعبي ونظروا لمفهوم المسرح الطقسي والاحتفالي والتجريبي.
ان المسرح ورغم عالمية توجهه وانسانية مضامينه الا انه لم يفقد خصوصيته ومحليته التي تتبلور من خلال المتن اللفظي احيانا او عبر التوظيف الاخراجي والجمالي ذلك الذي تحققه الرؤية الاخراجية في خطاب العرض وهذا هو مايميز الخصوصية والتفرد بين هذا الفنان وذاك، ومن خلال تجربتي القصيرة مع المسرح السويدي، حاولت ان اكتشف جوهره من الداخل من خلال الممارسة العملية داخل المختبر المسرحي فعملت مع اشهر المسارح (منها مسرح مالمو الدرامي،او الهيب تياتر واخيرا اواصل عملي الان مع فرقة فرات السويدية التي وجدت ضمن توجهها خصوصية التفاعل لاسيما مع الثقافة العربية، وقد وجدت اختلافات واضحة بين المسرح السويدي ومسرحنا تتمثل بطريقة العمل ومراحل الانجاز فقد اصبح المسرح مؤسسة اجتماعية وثقافية واقتصادية لايمكن الفصل بين هذه المجالات فيه،فمثلما يتم الاهتمام بالجوانب الاقتصادية واستثمار طرق الاعلان المتطورة والتسويق المبرمج،كذلك ينال الجانب الابداعي قدرا كبيرا من العناية،ابتداءا من عملية الاختيار للافكار الجديدة والرؤى الاخراجية والمشاركين والتنوع في الاعمال، الى جانب التوظيف التقني المتطور في استخدام السينوغرافيا والكورغراف حيث براعة الاداء والحركة والرقص والموسيقى التي تنتظم كعناصر مترابطة في المنجز المسرحي الذي يتكامل بفاعلية الجمهور، كما ان زيارة الفرق العالمية المشهورة تضيف القا اخر لربتوار المسرح السويدي.

* ماذا عن الاتي من الاعمال المسرحية؟
- اطمح الى تفعيل المؤسسة الاسكندنافية لحوار الثقافات التي انشأتها مؤخرا بالاشتراك مع زميلي الدكتور لميس كاظم في مدينة مالمو والتي تهدف الى تقديم الثقافة العربية عبر مجالات ابداعية متميزة لتعطي دليلا على اصالة وانسانية وانفتاح ثقافتنا وقدرتها على حوار الاخر وتقديم الفكر الراقي المتجدد من خلال الوان الفنون وتعددية وسائل التعبير، مسرحا وادبا وموسيقى ومعمارا وسينما، كما سنقوم بنشر وترجمة للاعمال الابداعية المتميزة من العربية الى السويدية وبالعكس وخصوصا الاعمال الموجهة للاطفال.وقد وضعنا خططا وبرامج سنعمل على تنفيذها وفقا للامكانيات المتاحة الان.


[email protected]