محمد جميل خضر

ملاحظة من "جريدة الجرائد": هذا التقرير أعد ونشر في "الغد الأردنية"قبل اعلان نبأرحيل المخرج مصطفى العقاد،رحمه الله، اليوم.

عمان: شملت تفجيرات عمان الارهابية بقسوتها سائر اطياف المجتمع الاردني وضيوفه. ومن بين هؤلاء المخرج السوري المقيم في اميركا مصطفى العقاد الموجود الان بحالة حرجة في مستشفى المركز العربي. وفي حين فارقت ابنته ريم الحياة بعد وصولها المستشفى بقليل، وكانت الى جواره عندما وقع الانفجار في فندق حياة عمان, فإن صاحب فيلم "الرسالة" يستلقي في المستشفى داخل غيبوبة. وقد وصل العقاد الى الاردن لحضور حفل زفاف كان مقررا ان يقام اليوم في العقبة كما وصلت ابنته ريم من بيروت اول من امس.

وكان العقاد في بهو الفندق يستقبل ابنته لحظة وقوع الانفجار ما اسفر عن مقتلها. واكدت المصادر ان العقاد اصيب بجرح كبير في الرقبة وفقد الكثير من دمه .

العقاد مخرج سوري عربي يقيم منذ عقود في اميركا وتحديداً هوليوود. قاده حلم طفولة اعتبر وقتها ضرباً من الجنون الى هناك، قادماً من مدينة حلب السورية حيث ولد ونشأ وكبرت احلامه. ويتذكر العقاد طفولته في حوار اجرته معه اللبنانية مي ابراهيم قائلاً "حلب هذه المدينة الصغيرة التي احملها في قلبي دائماً هي مدينتي, ولدت ونشأت فيها" ويستعرض اول علاقته بالسينما هناك "كان لدينا جار يعرض الافلام السينمائية, وكان يأخذني في الصغر لأتابع كيفية عرض الافلام وقص المشاهد الممنوعة ومع مرور الوقت أصبحت مولعاً بالسينما".

ويصف العقاد في الحوار كيف تعامل اهله واقرباؤه مع ما اعلنه لهم عندما بلغ الثامنة عشر من عمره وانهى المرحلة الثانوية عن رغبته بأن يصبح مخرجاً سينمائياً "وفي هوليوود تحديداً".

ولم تثنه ردود الفعل السلبية من قبل الجميع عن مواصلة السعي لتحقيق الحلم بعزم وتصميم كبيرين، رغم مشاق الرحلة وما واجهه من صعوبات ابتداء من الفقر, مروراً بمشكلة الاسم(مصطفى) في بلد مثل هوليوود التي فرض عليها اخيراً وعلى غيرها احترام اسمه "كيف أغير اسما اورثني اياه ابي, كنت احترم نفسي وفرضت على الآخرين احترامي".

ومنذ بداياته في بلد السينما ادرك صاحب "عمر المختار" منذ وقت مبكر ان العبقرية تفرض نفسها في هوليوود. ورغم سيطرة اليهود على تسعين بالمائة من شركات التوزيع في هوليوود الا ان قدراته الاخراجية وما يمكن ان تحققه افلامه من ايرادات فرض على استوديوهات التصوير الاستعانة به وهو ما فعلته شركة يونيفرسال عندما طلبت منه اخراج فيلم "هلاوين 8".

وفي فيلميه الشهيرين: "الرسالة" و"عمر المختار" يؤرخ العقاد لمراحل ناصعة من التاريخ العربي والاسلامي. وفي حين يتناول الاول كما هو واضح من اسمه الدعوة الاسلامية منذ جهر بها خاتم الانبياء وحتى تحقق الفتح وبسط الدين الجديد نفوذه على جزيرة العرب, فإن الثاني يتناول حياة المجاهد العربي الفذ عمر المختار الذي قارع الاستعمار الايطالي في ليبيا وقاد ضده حرباً متعددة الاوجه والخيارات والمستويات الى ان ألقي القبض عليه، ونفذ فيه حكم الاعدام كما بالفيلم. علماً بأن روايات اخرى تقول عن اسقاط عمر المختار من طائرة محلقة. المهم ان النهاية التي اختارها العقاد حملت في ثناياها قدرة سينمائية وتركيزاً مشهدياً عالياً عندما اجتمع الليبيون حول بطلهم ورمزهم لحظة اعدامه, واوصل العقاد التصعيد الدرامي والدلالي الى ذروته عندما القى الضابط الايطالي التحية للشيخ الشهيد لحظة شنقه. وكيف حمل الطفل علي نظارته التي سقطت بعد الاعدام دلالة على مواصلة الدرب بالبصيرة التي امتلكها المختار.

وعلى صعيد المشاريع التي كان ينوي العقاد تنفيذها، ونأمل له ذلك بعد استشفائه من غيبوبته, فيلم عن صلاح الدين كتب السيناريو له الاميركي جون هيل ومن المرجح ان يؤدي دور البطولة فيه شون كونري ويتوقع ان تصل كلفة الفيلم الانتاجية الى 80 مليون دولار.

وكان في نيته انجاز فيلم عربي مع المغني عمرو دياب, وتناقلت بعض وكالات الانباء بعض المعلومات حول الفيلم المتوقع ان يكون اسمه "امير الاندلس", وفي باله افلام اخرى عن الشيشان والقدس والاندلس.

يقول في حوار اجري معه عن افكاره ومشاريعه المستقبلية "اثناء حرب البوسنة فكرت بفيلم عن هذه القضية تحت اسم (واه معتصماه), ومنذ فترة اجد ان قضية القدس تدفعني الى القيام بعمل عنها, كما اتمنى تقديم فيلم عن محمد شامل ذلك الشيشاني الذي حارب الروس القياصرة, وهناك ايضاً المرأة التي حكمت الاندلس (صبيحة الاندلسية)" ..

مشاريع واحلام نرجو الله الا يوقفها عمل ارهابي فقد البصر والبصيرة, عمل كان يحتاج منفذه ومن ارسلوه الى مشاهدة افلام العقاد ليتأكدوا انهم لن يستطيعوا أبدا قتل الحياة والفن والمستقبل فينا.